الحلقة( 12)الاعجاز العلمي
أستاذ علم الأجنة جامعة الملك عبد العزيز
يعيشان معًا في بطن واحد وفي رحم واحد، قد يكونا متشابهين في الصفات أو مختلفين وقد يزيد عددهما عن الاثنين وقد يكونا ذكرًا وأنثى أو ذكرين أو أنثيين أو ما اشتملت عليه الأرحام من الذكور والإناث، فإذا خرجا إلى الحياة وكانا من النوع المتطابق أو المتشابه فإنهما يُلفِتا النظر فنقول بكل عفوية إيمانية: (سبحان الله) ما أجمل خلق الله و(سبحان من يخلق من الشبه ما يشاء وكيف يشاء)، وقد كنتُ في إنجلترا وَوُلِد لصديق لي من الجزائر طفلتان جميلتان توأم متطابقان وقد حاول أن يختبر قدرتي في التمييز بينهما فيلبسهما لباسًا متماثلاً ويقول: سأدخل عليك إحداهما لتقول لي اسمها فإذا بي أقول اسم الأخرى وهكذا أفشل في معرفة كل واحدة على حدة فإذا حضرا معًا زاد الإشكال عندي، وعندها استسلمت وقلت: سبحان من لا يعجزه معرفة دقائق الأمور ولو اشتبهت الصور وهاأنذا أكتب مقالاً عنهما بل عن التوائم كلها فيما يخص تعدد المواليد، وأنواع وصور من حياة التوائم والدراسات الحديثة، عنها وكذا عن لغز التشابه عند التوائم.
تعدد المواليد Multiple birth:
تتميز كثير من الثدييات المشيمية بأنها تضع أكثر من مولود في المرة الواحدة، وتعرف هذه الظاهرة بظاهرة تعدد المواليد، وقد لا تلاحظ في ثدييات أخرى مثل الفيل والحصان والإنسان حيث تضع هذه الثدييات مولودًا واحدًا فقط في كل مرة، وتعدد المواليد (تعدد الأجنة) مرتبط بتعدد البويضات التي تفرز من المبيض وبعدد هذه البويضات يكون عدد الأجنة المتكونة حيث يتم إخصاب كل بويضة بحيوان منوي وتتحرك هذه البويضات المخصبة إلى أن تصل إلى الرحم حيث إنها تتوزع على جدار الرحم بانتظام وعلى مسافات متساوية عن بعضها، وعندما تضع أنثى الإنسان أكثر من جنين (مولود) خلال فترة حمل واحد فإن هذه الظاهرة تعرف بالتوائم، وقد وصل أقصى عدد للمواليد في الإنسان أربعة عشر طفلاً لامرأة في إيطاليا، كما وصل في المملكة العربية السعودية إلى سبعة مواليد في منطقة عسير، وحيث إن الإحصائية الدقيقة لعدد المواليد والتوائم تتباين من دولة لأخرى وتختلف من عام لآخر
التوائم Twins وهي تشمل:
أ ـ التوائم الأخوية (غير المتشابهة) :Fraternal Twins (Unlike)
هذا النوع من التوائم لا تظهر عليه ظاهرة التشابه التام التي تكون في التوائم المتطابقة، ويكفي أن يكون القاسم المشترك في التشابه ما هو موجود بين الإخوة بعضهم بعضًا، لذلك تعرف بالتوائم الأخوية، كما أنها تعرف أيضًا بالتوائم ثنائية البويضة، حيث إن المبيض يفرز بويضتين فيلقح كل بويضة حيوان منوي واحد، وحيث إن بعض السيدات المصابات بالعقم استخدمن بعض الأدوية الخاصة بتنشيط المبيض مثلاً فسبب ذلك لهن إفراز أكثر من بويضة خلال الدورة الواحدة فأدى ذلك إلى حدوث الحمل بأكثر من جنين وفي هذا النوع من التوائم تكون المشيمتان منفصلتين حيث تكون لكل جنين مشيمة خاصة به.
ب ـ التوائم المتشابهة أو المتطابقة :Identical Twins (like)
وتعرف هذه التوائم أيضًا بالتوائم أحادية البويضة حيث إن سبب تكوينها هو انقسام البويضة المخصبة إلى خليتين أو في طور متقدم تنقسم الكتلة الخلوية إلى جزئين، ثم تواصل كل خلية نموها إلى أن يتكون الجنين الكامل، ولما كانت التوائم هنا تتكون من بويضة واحدة وحيوان منوي واحد فإن هذه التوائم تتشابه من جميع الوجوه حتى على مستوى جنس التوائم فهي إما ذكورًا أوإناثًا، أما بالنسبة للمشيمة فإنها تكون منفصلة عن بعضها إذا كان انفصال الخليتين عن بعضهما في طور مبكر أو قد تكون المشيمتان ملتحمتين ولكنهما في الأصل منفصلتان من حيث اندماج الدماء، أما إذا كان الانفصال في مرحلة البلاستولا فإن التوائم هنا تكون ذات مشيمة واحدة مشتركة مع احتفاظ كل جنين بغشاء رهل خاص به، وعند حصول الانفصال في مرحلة متأخرة كالتي تحدث للقرص الجرثومي فإن ذلك يؤدي إلى تكوين جنينين بغشاء رهل واحد وكذلك بمشيمة واحدة وفي هذا النوع يمكن ملاحظة تكوين توائم ملتصقة وذلك نتيجة أن الانفصال لم يكن تامٌّا، أو أن جزءًا من جنين يكون محمولاً بجوار الجنين الآخر وتعرف هذه التوائم بالتوائم الطفيلية وهي نتيجة عدم اكتمال التكوين في أحد التوأمين.
ج ـ التوائم (الموصلية) أو (السيامية):
إن هذا النوع من التوائم يتبع التوائم المتطابقة الملتصقة وقد ســجلت أول حــالة لهذا النوع في هذا العصر لطفلين من (سيام) فعرفت بالتوائم السيامية لكن العجيب تاريخيٌّا أن كتاب (نشوار المحاضرة) وهو المعروف باسم جامع التواريخ ـ ص 144 ـ 146 لمؤلفه القاضي التنوخي المتوفى عام 384هـ (أي قبل أكثر من ألف عام) ذكر خبرًا وتوثيقًا علميٌّا لحالة توأمين ملتصقين أحضرا من أرمينيا وعرضا على صاحب الموصل الحمراني.
وتعتبر بالتالي هذه أول حالة لتوأمين ملتصقين أشارت إليها المصادر في التاريخ الإنساني والتي عرفت في الكتب الحديثة بحالة التوائم (السيامية) التي هي نفس الوصف للتوائم (الموصلية) والتي لو أتيح لها الإعلام مبكرًا وعلى نطـاق عالمي واســع في ذلك الوقت لأمكن اليوم معرفتها بالتوائم الموصلية نســــبة إلى مدينـــة الموصل التي سجلت وعــرفت فيهـــا هـــذه الحالة من حالات التوائم كما ذكرت ذلك الباحثة هناء السلطي في بحثها في المجلة العربية.
توائم أخوية (غير متشابهة) لكل جنين مشيمة مختلفة وغشاء كوريون ورهل مختلف
قبل أن نشرح حالة التوائم الموصلية يجدر بنا الإشارة إلى التوائم السيامية حيث إن المقصود بها أي طفلين متصلين أو ملتصقين أو ملتحمين ببعضهما في منطقة من جسدهما وقد سُمِّيا كذلك نسبة إلى التوأمين السياميين بمدينة سيام في جنوب شرق آسيا عام 1811م لأبوين صينيين وكانا ملتصقين من جهة الصدر (القص أو عظم الصدر) إلى السرة وقد جالا كثيرًا من الأماكن بعد أن كبرا يعرضان نفسيهما في السيرك إلى أن استقر بهما القرار في مزرعة بولاية كارولينا الشمالية وتزوجا من شقيقتين إنجليزيتين وأنجبا اثنين وعشرين طفلاً وقد توفيا عام 1874م ولم يكن زمن الوفاة بينهما كبيرًا حيث توفي أحدهما بحوالي ساعتين قبل الآخر عن عمر يناهز ثلاثة وستين عامًا. أما التوائم الموصلية فقد جاء ذكرها ـ كما ذكرنا ـ في الجزء الرابع من الكتاب السالف الذكر وننقل هنا نقلاً عن الباحثة هناء بدر حيث تقول في الكتاب: نقلا عن ابن الجوزي أخبرنا محمد عبدالباقي البزاز المعروف بابن أبي طاهر (المتوفى عام 535هـ وهو من أساتذة أبي الفرج الجوزي) عن غيره قال: حدثنا جماعة كثيرة العدد من أهل الموصل وغيرهم ممن كنا نثق بهم، ويقع لنا العلم بصحة ما حدثوا به ـ لكثرته وظهوره وتواتره ـ أنهم شاهدوا بالموصل سنة نيف وأربعين وثلاثمائة، رجلين أنفذهما صاحب أرمينية إلى ناصر الدولة الحسن بن أبي الهيجاء عبدالله بن حمدان وهو أخو سيف الدولة، ومن ملوك الدولة الحمدانية بالموصل (المتوفى 358هـ) للأعجوبة فيهما وكان عمرهما نحوًا من ثلاثين سنة، وهما ملتزقان من جانب واحد، ومن حد فويق الحقو (الخصر) إلى دوين الإبط (أي أن الالتصاق يبدأ من فوق الخصر بقليل إلى ما دون الإبط بقليل)، وكان معهما أبوهما، فذكر أنهما ولدا كذلك. وكنا نراهما يلبسان قميصين أو سروالين، كل واحد منهما لباسه مفرد إلا أنه لم يكن يمكنهما ـ لالتزاق كتفيهما وأيديهما ـ المشي لضيق ذلك عليهما، فيجعل كل واحد منهما يده التي تلي أخاه من جانب الالتزاق، خلف ظهر أخيه، ويمشيان كذلك، وأنهما يركبان دابة واحدة. ولا يمكن أحدهما التصرف إلا إذا تصرف الآخر معه وإن لم يكن محتاجًا. وأن أباهما حدثهم أنه لما ولدا، أراد أن يفرق بينهما، فقيل له: إنهما يَتْلَفَان لأن التزاقهما من جانب الخاصرة، وأنه لا يجوز أن يفصلا فتركهما.
وقد أجازهما (أي منحهما جائزة مناسبة) ناصر الدولة، وخلع عليهما وكان الناس بالموصل يصيرون إليهما فيتعجبون منهما ويهبون لهما وأخبرني جماعة: أنهما خرجا إلى بلدهما، فاعتل أحدهما ومات، وبقي أيامًا حتى أنتن. وأخوه حي لا يمكنه التصرف، ولا يمكن أبدًا دفن الميت، إلى أن لحقت الحي علة من الغم والرائحة، فمات أيضًا فَدُفِنَا معًا. وكان ناصر الدولة قد جمع لهما الأطباء، وقال: هل من حيلة في الفصل بينهما؟ فسألهما الأطباء عن الجوع: هل تجوعان في وقت واحد. فقالا: إذا جاع الواحد منا تبعه جوع الآخر بشيء يسير من الزمان، وإن شرب أحدنا دواء مسهلاً، انحل طبع الآخر بعد ساعة، وقد يلحق أحدنا الغائط ولا يلحق الآخر، ثم يلحقه بعد ساعة.
فنظروا فإذا لهما جوف واحد وسرة واحدة، ومعدة واحدة، وكبد واحد، وطحال واحد، وليس في موضع الالتصاق أضلاع، فعلموا أن فصلهما تلفًا. ووجدوا لهما ذكرين، وأربع بيضات.
ولنا هنا ملاحظة ومداخلة فنقول الباحثة: ولعل ما طلبه ناصر الدولة الحمداني من جماعة الأطباء، لفحص هذه الحالة المرضية الشاذة والغريبة (فحصًا سريريٌّا) بمصطلح هذه الأيام الطبي هو الدليل الواضح على أن الأطباء العرب المسلمين ومنذ ألف عام تقريبًا كانوا يقومون بإجراء التشريح على الجثث ويهدفون من ذلك إلى الاطّلاع على الحالات الشاذة عند الإنسان بخلاف ما يتهمهم به الغربيون من عدم القيام بالتشريح. وتضيف رواية التنوخي إلى حكاية توأمي الموصل قائلة: وذكر أبوهما كذلك أنه ربما كان وقع بينهما خلاف وتشاجرا، فتخاصما أعظم خصومة حتى ربما حلف أحدهما لا يكلم الآخر أيامًا، ثم يصطلحان.
إن التوائم الملتصقة، حالة من الحالات النادرة جدٌّا في التوائم، ولقد تقدم علم الجراحة اليوم؛ فإنه أصبح من السهل والميسر فصل التوائم الملتصقة وقد نجحت حالات كثيرة من الفصل سواء خارج المملكة أو داخلها، وفصل التوأمين الملتصقين عن بعضهما يجنبهما كثيرًا من المخاطر؛ خاصة إذا أصيب أحدهما بمرض قاتل قد يودي بحياتهما معًا