
بعد أن يطوف حجاج بيت الله الحرام طواف القدوم والسعي يبقى في مكة إلى يوم التروية وهو يوم
الثامن من ذي الحجة وفي خلال إقامته فيها يستحب له الإكثار من الأعمال الصالحة من ذكر
واستغفار وصلاة وقراءة للقرآن والدعاء لله سبحانه وتعالى وطلب المغفرة والقبول منه فعليه أن
يجتهد في العبادة خير اجتهاد وعليه عدم الانشغال في هذه الأوقات بأمور الدنيا .

فإذا كان يوم التروية استحب للمحلين بمكة ومن أراد الحج من أهلها الإحرام بالحج من مساكنهم،
لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أقاموا بالأبطح وأحرموا بالحج منه يوم التروية عن أمره
صلى الله عليه وسلم، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يذهبوا إلى البيت فيحرموا عنده،
أو عند الميزاب، ولو كان ذلك مشروعا لعلمهم إياه، والخير كله في اتباع النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.

ويستحب أن يغتسل ويتنظف ويتطيب عند إحرامه بالحج كما يفعل ذلك عند إحرامه من الميقات،
وبعد إحرامهم بالحج يسن لهم التوجه إلى منى قبل الزوال أو بعده من يوم التروية، ويكثروا من
التلبية ويصلون بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، والسنة أن يصلوا كل صلاة في
وقتها قصرا بلا جمع إلا المغرب والفجر فلا يقصران.
ولا فرق بين أهل مكة وغيرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس من أهل مكة وغيرهم
بمنى وعرفة ومزدلفة قصرا، ولم يأمر أهل مكة بالإتمام، ولو كان واجبا عليهم لبينه لهم.
وهاهم جموع الحجاج ينتظرون يوم الحشر الأصغر متذليين خاضعين لله وحده لا شريك له طالبين
منه القبول والمغفرة على ما أسلفوا من ذنوب ومعاصي وراجين منه سبحانه وتعالى تحقيق ما
بأنفسهم من أمان فتجدهم هناك ما بين مستغفرٍ ونادمٍ وراجٍ وداعٍ، ذلك اليوم الذي يُحشر فيه
ملايين الحجاج ليقفوا جميعاً غبراً شعثاً لا فرق بينهم كل رجائهم مغفرة الديان وقبوله.

فما أن تطلع شمس التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة حتى يتوجه الحجاج من منى إلى عرفة،
ويسن للحجاج أن ينزلوا بنمرة إلى الزوال، إن تيسر ذلك لفعله صلى الله عليه وسلم.
فإذا زالت الشمس يسن للإمام أو نائبه أن يخطب الناس خطبة تناسب الحال يبين فيها ما يشرع
للحاج في هذا اليوم وبعده، ويأمرهم فيها بتقوى الله وتوحيده والإخلاص له في كل الأعمال،
ويحذرهم من محارمه، ويوصيهم فيها بالتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والحكم
بهما والتحاكم إليهما في كل الأمور اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كله، وبعدها يصلون
الظهر والعصر قصرا وجمعا في وقت الأولى بأذان واحد وإقامتين لفعله صلى الله عليه وسلم.
رواه مسلم من حديث جابر.

ثم يقف الناس بعرفة، وكلها موقف إلا بطن عرنة،والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج بل هو
أعظم ركن لقوله صلى الله عليه وسلم {الحج عرفة} ويستحب لحجاج استقبال القبلة وجبل الرحمة
إن تيسر ذلك، فإن لم يتيسر استقبالهما استقبل القبلة وإن لم يستقبل الجبل، ويستحب للحاج في هذا
الموقف أن يجتهد في ذكر الله سبحانه ودعائه والتضرع إليه، ويرفع يديه حال الدعاء، وإن لبى أو
قرأ شيئا من القرآن فحسن، ويسن أن يكثر من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله
الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
{خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له
له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير}، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه
قال: {أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر}

فينبغي الإكثار من هذا الذكر وتكراره بخشوع وحضور قلب وينبغي الإكثار أيضا من الأذكار
والأدعية الواردة في الشرع في كل وقت ولا سيما في هذا الموضع في هذا اليوم العظيم، ويختار
جوامع الذكر والدعاء، ومن ذلك











