موضوع طويل .لكن مفيييييد لا يفوتك



مقال للدكتور _محمد الهبدان

أيها الآباء، فلذات الأكباد إلى أين؟!

إنّ الله سبحانه أنزل إلينا خير كتبه، وشرع لنا أفضل شرائع دينه، شرع لنا ما ينفعنا، وأمرنا بما هو كفيل بسعادتنا في الدنيا والآخرة.

ومن تلك الأوامر الإلهية التي يخاطب الله فيها عبادة الذين آمنوا، ذلك الخطاب الرباني الموجه إلى أرباب الأسر، محذراً ومنذراً ومذكراً وموجهاً، يقول الله صلى الله عليه وسلم فيه: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{. [سورة التحريم، الآية: 6].

فالقرآن يهيب بالذين آمنوا ليؤدوا واجبهم في بيوتهم من التربية والتوجيه والتذكير، فيقوا أنفسهم وأهليهم من النار، قال ابن عباس رضي الله عنه: “اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، ومروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار”.

وقال علي بن أبي طالب رضي اللع عنه: “علّموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم”.

إنّ من شبّ على شيء شاب عليه غالباً؛ فمن نشّأ أولاده على الأخلاق الفاضلة والمثل الكريمة في الصغر سُّرَّ وانتفع بهم في الكبر، وإنّ نعمة الأولاد نعمة كبرى، ومنتها منة عظمى، أنعم الله بها على من أعطاهم إياها: }الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا{. [سورة الكهف، الآية: 46].

وإن العاقل الذي أوتي هذه النعمة ليدرك أنّ استقرار هذه النعمة واستمرار أثرها على الإنسان في محياه ومماته إنما يكون بتوجيهها التوجيه الذي أمر الله به في قوله جل ثناؤه: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{. [سورة التحريم، الآية: 6]. وقوله سبحانه }وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ{. [سورة الشعراء، الآية: 214].

وهذا بجانب البعد كل البعد عن التساهل والتفريط في شأنها، فإنها بجانب كونها نعمة، فهي في نفس الوقت ابتلاء واختبار للوالدين، يقول الله تعالى: }وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ{. [سورة الأنبياء، الآية: 35]. ويقول سبحانه: }وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ{. [سورة الأنفال، الآية: 28].

أيها الأب المبارك:

إذا قلبت طرفك في صفحات التاريخ وقفت على حقائق ناصعة كلها صفاء وبهاء، وهي ناطقة باهتمام الأجيال الفذة بتربية أبنائهم والاعتناء بهم، لأنهم أدركوا ما وراء شكر هذه النعمة والقيام بحقها من تتابع أجر وبقاء ذكر، مهتمين كل الاهتمام بتوجيه أولادهم وتنشئتهم وتربيتهم على الإسلام الذي لا يضل ولا يشقى من تمسك به: }فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{. [سورة الروم، الآية: 30]. ويقول الله تعالى عن عباده المؤمنين المضافين إليه إضافة تشريف وتكريم: }وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً{. [سورة الفرقان، الآية: 74].

إنّ هذا الاهتمام كان له أعظم الأثر في صلاح أبنائهم، ومن ثَمّ إحسانهم إليهم وبرهم بهم.

فهذا لقمان الحكيم يقول لولده ويوصيه بقوله: }وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ{. [سورة لقمان، الآية: 13].

ويقول له أيضا ليزرع في قلبه مراقبة الله عز وجل: }يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُنْ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ{. [سورة لقمان، الآيات: 16- 19].

وهذا عمر؛ فاروق هذه الأمة، ها هو يؤدّب ولده عندما دخل عليه وهو مترجّل، وقد لبس ثياباً حساناً “فضربه عمر بالدرة حتى أبكاه، فقالت له حفصة: لم ضربته؟! قال رأيته قد أعجبته نفسه، فأحببت أن أصغّرها إليه!” ().

وهذا سفيان الثوري رحمه الله قالت له أمه: “يا بني، اطلب العلم، وأنا أكفيك بمغزلي”. فكانت تعمل – وتقدم له ليتفرغ للعلم، وكانت تتخوّله بالموعظة والنصيحة، قالت له ذات مرة: “يا بني إذا كتبت عشرة أحرف، فانظر: هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تر ذلك، فاعلم أنها تضرك، ولا تنفعك” ().

فهل من غرابة بعد هذا أن نرى سفيان يتبوأ منصب الإمامة في الدين؟!.

وكيف لا، وهو قد ترعرع في كنف مثل هذه الأم الرحيمة، وتغذي بلبان تلك الأم الناصحة التقية؟!.

لقد أعطى أسلافنا الأوائل عبر حقب التاريخ أمثلة ونماذج رائعة في هذا المضمار – تربية وتوجيه الأولاد – توجيها يربطهم بالله وبشرعه، يؤهلهم ليلحقوا بصالح آبائهم، أو شفاعتهم في آبائهم ليلحقوا بهم في الجزاء: }وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ …{. [سورة الطور، الآية: 21].

ولكن يا حسرة على العباد!.

فمع الأسف الشديد؛ إن كثيراً من الناس ممن أُعطوا أولاداً أهملوا هذا الجانب المهم في حياتهم وحياة أولادهم.

أهملوه إهمال المستبدل الأدنى بالذي هو خير، فمنهم من يمسي ويصبح ودنياه همّه وشغله الشاغل، لا يكاد يلتفت إلى أولاده ولا من تحت يده ممن استرعاه الله إلا بقدر ما يلتفت به صاحب الحيوانات أو الطيور ليضع لها الكلأ والماء.

ولم يدر بخلد هذا المسكين أنه بعمله هذا كتارك لباب ذات اللباب النافع وجامع قشوره!.

وأشرُّ من هذا وأقبح من يأخذ بهم في تربيته لهم إلى ما يخالف فطرة الله التي فطر الناس عليها، بل ومقتضى ما أمر به تعالى نحوهم: }قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً{. [سورة التحريم، الآية: 6]. فيأخذ بهم مأخذ العصيان أو العلمنة – والعياذ بالله – سواء فعل ذلك هو مباشرة أو أسلمهم لمن لا حصانة له في عقيدة أو سلوك، مثل أن يسلمهم إلى مربين أو مدرسة أو جامعة يُعلّم فيها هذا الأمور.

قال ابن القيم رحمه الله: “من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم”().

أيها الأب المبارك:

كيف ترجو صلاح ولدك وإحسانه وأنت قد جلبت له أسباب الشقاء، وهيأت له ما تقسو، بل ما تموت به القلوب؟!.

كيف ترجو صلاح ولدك وأنت قد جلبت له تلك الأطباق السوداء؛ ينظر فيها ما تشيب لهوله الولدان وتقشعر له القلوب ؟!!. تلك الأطباق التي دمرت عقول الأمة وحطمت دينها وفتكت بشبابها وشيبها!.

كيف ترجو خيره وصلاحه وأنت تراه مقيماً على المعصية فلا تنهاه؟! بل ربما وصل بك الأمر – واسمح لي إن قسوت عليك في العبارة فما أريد ورب الكعبة إلا نفعك – أن تكون أنت أول من يفعل ذلك أمامه، بل قد تراه أمراً لا غضاضة فيه!.

وهذا والله لهو الخطأ الفادح بكل المقاييس، والفعل المشين بكل المعايير.قال عمرو بن عتبة لمعلم ولده منبهاً له: “ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت” ().

إنّ مسؤولية الأب في نفسه وفي أهله مسؤولية عظيمة رهيبة، فالنار هناك وهو متعرض لها وأهله، وعليه أن يحول بينها وبين نفسه وأهله، حتى لا يلج هذه النار التي تنتظره هناك.

إنها نار فظيعة مستعرة: }وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ{. [سورة التحريم، الآية: 6].

إنها نار كلها بؤس وعناء، نار كلها عذاب وشقاء، نارٌ: }عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{. [سورة التحريم، الآية: 6].

فرحماك يا رب، نسألك أن تجعلنا ممن قلت فيهم }وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ{. [سورة النمل، الآية: 19].

أيها الأب المبارك:

هذه توجيهات سريعة تستضيء بها في تربية ولدك وفلذة كبدك، فأرع لها – يا رعاك الله – سمعك وأحضر لها قلبك.

أولاً: من الأمور المهمة أن يغتنم الأبوان مرحلة الصغر والتأثر لأن الولد في هذا السن صفحة بيضاء.

فكل مولد يولد على الفطرة، ثم يأتي دور الأبوين؛ فإما أن يكون دوراً مجيداً مشرفاً شاعراً بالمسئولية، وإمّا أن يكون دوراً مخرّباً مفسداً لا مبالٍ؛ يصعب عليهما فيما بعد أن يتداركا الأمر كما قال القائل:

إن الغصون إذ قومتها اعتدلت ** ولا يلين إذا قومته الخشب ().

ثانياً: لا بدّ أن يكون هناك تفاهم قائم بين الزوجين، وأن يتعاونا على التربية الفاضلة، فلا يجوز أن يتلقى الطفل أوامر متناقضة لا يدري أيها ينفذ! ويجد لنفسه النصير إن عصى أمر أحد والدية، بحجة طاعته أمر الآخر، لا بدّ أن يكون هناك تنسيق وتعاون وتفاهم بين الوالدين.

ثالثاً: ألا يرى الأولاد في سلوك أبويه ما يخالف النصائح التي سمعها منهما؛ حتى تكون ثمرة التربية مجدية نافعة؛ فالتناقض الذي يحدث بين ما يقوله الآباء وبين ما يسلكون، فهو من أكبر أسباب الانحراف التي تُفسد الناشئة وتجعلهم يشكون في القيم والمثل العليا كلها. وكما قال القائل:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله ** عار عليك إذ فعلت عظيم

رابعاً: ومن أسس تربية الأولاد غرس الروح الدينية في نفوسهم، وتنشئتهم على المخافة من الله تعالى، فإن ذلك سبب لاستقامتهم على السبيل السوي الفاضل، وعلى الوالدين أن يُشرِبا الأولاد حب الله وحب رسوله.

خامساً: ومن أسس تربية الأولاد تعداد الوسائل في تقويمهم، فالضرب في سنّ، وعند الضرورة، وبعد زوال الحدة، ولا يجوز أن يستمر الوالد في الضرب، لأن ذلك قد يؤدي إلى مخاطر عظيمة.

ومن أهم الملاحظات في هذا المجال أن يتفهّم الوالد عقلية أولاده عندما يكبرون ويناقشهم، ويحترم شخصياتهم، ولا يستمر في نظرته إليهم على أنهم ما يزالون صغاراً.

إن العقد النفسية التي تمزق صدور كثير من الشباب والشابات كثيرٌ منها ينشأ بسبب تصرف سيئ يقوم به أحد الأبوين!.

فلنتق الله في أبنائنا، ولنعلم أنهم أكبادنا يمشون على الأرض.

سادساً: ومن الأسس المهمّة في تربية الأولاد: اختيار الرفقاء الصالحين لهم؛ فالرفيق ذو تأثر كبير، فعلى الأبوين مراقبة الأولاد في أصدقائهم. فـ “المرء على دين خليله” ().

ولذا كان لزاماً على الآباء أن يختاروا الصحبة الصالحة لأولادهم.

ونحن في هذه البلاد ننعم بهذه الحلقات المباركة حلقات العلم وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، وفيها أخوة يتلقفون من يريد الانضمام إليهم تلقّف الأخ لأخيه والمحب لحبيبه، والداعية المخلص لمدعوّه، فاعملوا على معانقة أولادكم ومصاحبتهم لهؤلاء.

أسأل الله تعالى أن يصلح لنا ولكم النية والذرية، وأن يجعلهم صالحين مصلحين. والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

عن luxury yachts

شاهد أيضاً

هل تعرفي أم عندها …” توأم ” ؟؟؟ تعالى قولي لنا كيف رتبت حياتها معاهم ؟؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخواتي الغاليات نبغى منكم قصص عن أي أحد تعرفوه ..امهات …