~من قصص الأطباء ونوادرهم~

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخواتي العضوات ..

هذا الموضوع هو أول موضوع لي في المنتدى ويشرفني انه يكون بنادي الفراشه ..

أما محتواه فهو فصل من فصول كتاب أعجبني وهو كتاب “الطفل والطفوله بين الطب والأدب” للدكتور عصام الشواف .

أتمنى أن ينال إعجابكم مثل ما أعجبني .. وأن اختياري يرقى لمستوى المنتدى ..

الطب والدين هما أول ما اهتم به الإنسان قديما، وخصوصا عندما اخذ يتنقل من حالة الترحال إلى التمدن؛ وفي البداية نستطيع أن نقول : لا يكاد يستغني مجتمع عن الطب.

ونود أن نشير هنا إلى أن الطب عند العرب قديما كان يقوم على مصدرين اثنين:
الأول: التجربة العملية، وكانت تتناقل بالتوارث والمران.

الثاني: المعلومات العلمية، وهي ما يتلقاه الطبيب عمن هو أعلم منه بالطب، أو يسافر لتلقي الطب.

وكانت المعالجة عصر ذاك مزيجا من العقاقير النباتية والرقى، والحجامة والكي والفصد. ثم إن الطب احتكره رجال الدين عند أكثر الأمم القديمة ومنهم العرب، لذا فقد اختلط التطبيب بالشعوذة وما شابهها.

وكانوا يعتمدون أحيانا في معاينتهم على فحص البول، وجس النبض، فقد وجدت حكايات كثيرة عن الأطباء عند فحصهم المريض تدل على ذلك.

وكان المريض يأتي أحيانا ومعه القارورة، ويسلمها للطبيب فينظر فيها؛ ويتفحصها، ثم يجس النبض، وعند ذلك يحكم على حال المريض، لاعتقادهم أن النبض يدل على مزاج القلب، والبول يدل على مزاج الكبد وحال الأخلاط، وكانوا يسمون استنتاج فحص البول التفسرة. وكان للأطباء في نظر البول آراء وعلامات ، ثم يسألون المريض عن الأمراض السابقة، وعن نمط حياته ونظام عائلته، ومناخ المنطقة التي كان يعيش فيها، إذ كان تغيير نمط الحياة في الانتقال من منطقة إلى اخرى يؤثر أحيانا في نفسية الانسان، فتنقطع قابليته للطعام ويصاب بعلة يعجز أكثر الطباء عن معرفة مصدرها.

ومما يستجاد ذكره هنا ماروي عن علة جارية مصرية ، كانت من جواري الرشيد فاعترضتها علة، فلم يستطع حل رموز علتها سوى طبيب حاذق ، فكيف كان ذلك؟

حسنا سنترك ابن أبي أصيبعة يروي لنا قصة ذلك ؛ يقول ابن ابي أصيبعة:

” لما كان في أيام الرشيد هارون، ولى عبيد الله المهدي مصر، فأهدى عبيد الله إلى الرشيد جارية من أهل البيما-صقع بصعيد مصر-،وكانت جارية حسنة جميلة؛وكان الرشيد يحبهاحبا شديدا، فاعتلت علة عظيمة، فعالجها الأطباء، فلم تنفع بشئ، فقالوا له: ابعث إلى عبيد الله عاملك بمصر ليوجه إليك واحدا من أطباء مصر، فإنهم أبصر بعلاج هذه الجارية من أطباء العراق.

فبعث الرشيد إلى عبيد الله بن المهدي يختار له من أحذق أطباء مصر من يعالج الجارية.

فدعا عبيد الله بليطيان (1) بطريك الإسكندرية وكان حاذقا بالطب مشهورا، فأعلمه بحب الرشيد الجارية وعلتها، وحمله إلى الرشيد؛ وحمل بليطيان معه من كعك مصر الخشن والصير-السمك المملح-فلما دخل بغداد، ودخل إلى الجارية أطعمها الكعك والصير، فرجعت إلى طبعها، وزالت عنها العلة، فصار من ذلك الوقت يحمل من مصر إلى دار الرشيد الكعك الخشن والصير”.

وكان بعض الخلفاء يشترطون لقبول الأطباء في قصورهم اختبار مهارتهم في فحص البول.

ومن طريف مايروى في ذلك” أن هارون الرشيد أصيب بصداع شديد، فطلب طبيبا ماهرا كيما يعالحه، إذ لم يستطع من حوله علاجه، فذكر له بختيشوع، فاستقدمه، فضحك الرشيد، وأحب أن يجربه ويختر مهارته، فقال الرشيد لبعض الخدم: أحضر ماء دابة لهذا الطبيب حتى نجربه. فمضى الخدم وأحضر قارورة الماء.
وجاء بختيشوع، فلما رأى القارورة قال للرشيد: ياأمير المؤمنين ليس هذا بول انسان.

وكان في المجلس جماعة من الأطباء المشهورين من مثل: أبو قريش عيسى، وعبد الله الطيفوري، وداود ابن سرابيون، وسرجس، ليشهدوا مراحل اختبار بختيشوع، فقال له أبو قريش: كذبت هذا ماء حظية الخليفة.
فقال له بختيشوع: لك أقول أيها الشيخ الكريم؛لم يبل هذا انسان البتة، وإن كان الأمر على ماقلت فلعلها صارت بهينة.

فقال له الرشيد: من أين علمت أنه ليس ببول انسان؟

قال له بختيشوع: لأنه ليس له قوام بول الناس، ولا لونه ولا ريحه.

فقال له الرشيد: ماترى أن نطعم صاحب هذا الماء؟ فقال: شعيرا جيدا.

فضحك الرشيد ضحكا شديدا، وأمر فخبع عليه خلعة حسنة، ووهب له مالا وافرا، وجعله رئيس الأطباء لمعرفته بصناعة الطب ومزاولته لأعمالها بحذق وفن”.

ومن الطرائف التي تتنزع الضحك، وتدل على فراسة الأطباء من فحصهم بول المريض هذه القصة:” دخل يوحنا بن ماسويه-وكان طبيبا ذكيا خبيرا بصناعة الطب-على المتوكل، فقال المتوكل لخادم له: خذ بول فلان في قاروة وائت به ابن ماسويه لنتخبه. فأتى به فلما نظر إليه قال: هذا بول بغل لا محالة.

فقال له المتوكل: كيف علمت أنه بول بغل؟

قال: أحضر لي صاحبه حتى أراه، وتتبين كذبي من صدقي.
فقال المتوكل: هاتوا الغلام.

فلما مثل بين يديه قال له ابن ماسويه: ما أكلت البارحه؟

قال: خبز شعير، وماء قراح.

فقال ابن ماسويه: هذا والله طعام حماري اليوم”.

وكان الأطباء الحذاق يعتمدون في المعاينة لمرضاهم على النظر فيما حولهم، ويسألونهم عن بعض أحوالهم، أو عن طعامهم، وكانت لهم في ذلك فراسة عجيبة، حتى أنهم كانوا يعرفون عاقبة المرض باحوال معروفة لديهم تبدوعلى المريض، وقد أطلقوا على تلك العبارة اسم: تقدمة المعرفة، ثم يصفون مايصلح للمريض. أما المتطببون الذين يعتدون على هذه المهنة ويدعون الحذق، فقد كان لهم قصص جميلة.

ومن هذه القصص الطريفة هذه القصة التي ذكرها “القزويني” والتي ترسم ملامح ابن طبيب ادعى الحذق في الطب فلم يفلح، وظن هذا الابن أن الطب لا يحتاج إلى علم وفراسة ومعرفة وتجربة.>>

قال زكريا القزويني:” ومن الحكايات العجيبة، ماحكي أن أحد الأطباء دخل على مريض وجس نبضه، وشاهد تفسرته؛ فقال له: لعلك تناولت شيئا من الفواكه؟

قال المريض: نعم.

فقال الطبيب: لا ترجع تأكل منها، فإنها تضرك.

ثم دخل عليه في اليوم التالي، وراى النبض والتفسرة (2) ، فقال: لعلك أكلت لحم فروج؟

قال المريض: نعم.
فقال الطبيب: لا ترجع تأكله فإنه يضرك.

فتعجب الناس من حذق الطبيب؛ وكان للطبيب ابن، فقال له: يا أبت ، كيف عرفت تناوله الفاكهة والفروج؟

قال: يا بني ، ماعرفت ذلك بالطب وحده، بل بالطب والفراسه.

فقال له: كيف عرفت بالفراسة؟

فقال له: إني لما دخلت دار المريض، رأيت على سطح الدار سقاطات الفواكه، ثم رأيت في وجه المريض انتفاخا، وفي النبض لينا، وفي التفسرة غلظا وفجاجة، وعلمت أن الفاكهة إذا حضرت عند المريض لا يصبر عنها؛ فظهر لي من هذه الشواهد أنه تناول الفاكهة؛ وماجزمت بها ، بل قلت: لعلك أكلت؟ وفي اليوم الثاني رأيت على باب الدار ريش فروج، وفي النبض امتلاء؛ وفي الرسوب غلظا، فعرفت أن الفروج لا يأكله الا المريض غالبا، فظهر بهذه الشواهد، وماجزمت به بل قلت: لعلك فعلت هذا؟

فسمع ابنه هذا الكلام ، فأحب أن يسلك مسلك أبيه، فدخل على مريض، وجس نبضه، وشاهد تفسرته؛ فقال له: لعلك أكلت لحم حمار؟

فقال المريض: حاشا وكلا، كيف يؤكل لحم الحمار أيها الطبيب؟

فخجل ابن الطبيب وخرج، فانتهى ذلك إلى أبيه، فأحضره وسأله: كيف عرفت أنه أكل لحم حمار؟ فقال: لأني رأيت في دارهم برذعه، فعلمت انها لا تكون إلا للحمار، ثم قلت: لو كان الحمار حيا لكانت برذعته عليه، وإذا لم يكن حيا فإنهم ذبحوه وأكلوه. فقال أبوه: لو كان شئ من هذه المقدمات صحيحا لرجوت فيك النجابة، ولكن المقدمات كلها فاسدة، وطمع النجابة فيك محال”.

وهذه قصة تجمع الفراسة الحقيقية والطرافة في العلاج الذي يعتمد على جس النبض، بل ويعتمد استقراء الحالة النفسية للمريض، فمن ثم اهتم هذا الطبيب بالأساليب النفسية في علاج مرضاه.

أما الطبيب فهو أديب الأطباء وطبيب الأدباء وشاعرهم أبو علي بن سينا إمام أطباء عصره ومصره، وأميرهم في بلاط الأمراء والولاة.

وأما المريض فهو أحد أقرباء قابوس بن وشمكير (3) أمير جرجان.

وأما القصة العجيبة فقد وردت في عدد من مصادر الطب ومراجعه، تقول القصة الطريفة:” مرض أحد أقرباء قابوس بنوشكمير ملك جرجان، فقام الأطباء بعلاجه، وبذلوا الجهد، وجدوا جد الجد، فلم تشف علته؛ وكان قابوس عظيم التفكير في هذا، فاخبره أحد خدمه أنه قد جاء إلى رباط كذا طبيب عربي عظيم شاب له يد مباركه، وقد شفي على يديه أناس كثيرون، فأمر قابوس بدعوته والمجيء به إلى المريض لمعالجته، فرب يد أكثر بركة من يد.

فطلبوا أبا علي، وذهبوا به إلى المريض، فرآه شابا غاية في الجمال، متسقالأعضاء، قد طر شاربه، ولكنه مضنى.

فجلس ابن سينا وجس نبض الفتى ، وطلب البول وفحصه، ثم قال: أريد رجلا يعرف طرقات جرجان ومحلاتها كلها، فأحضروا الرجل، وقالوا: هذا هو.

فوضع ابو علي يده على نبض المريض، وأمر الرجل بأن يذكر أسماء محلات جرجان، فأخذ الرجل يذكرها حتى إذا بلغ اسم محلة معينة تحرك نبض المريض حركة عجيبة؛ فقال أبو علي للرجل: اذكر أسماء شوارع هذه المحلة، فذكرها، ولما بلغ اسم شارع معين، عادت حركة النبض العجيبة. فقال أبو علي: نريد رجلا يعرف جميع بيوت هذا الشارع؛ فأحضر الرجل المناسب، وأخذ يذكر اسماء البيوت، حتى إذا بلغ اسم بيت فيها، تحرك النبض الحركة نفسها. قال أبو علي: والآن أريد رجلا يعرف أسماء أهل البيت، ويستطيع أن يذكرها، فاحضروه، فأخذ في سرد الأسماء حتى بلغ اسما منها، حدثت نفس الحركة في نبض المريض.

حينئذ قال ابو علي: تم الأمر؛ ثم التفت إلى معتمد قابوس، وقال: إن هذا الشاب عاشق لفلانه بنت فلان؛ في محلة كذا، وشارع كذا؛ وإن دواءه وصال تلك الشابة، وعلاجه رؤيتها.

وأرهف المريض السمع، فسمع كل ما قاله أبو عليابم سينا، فخجل وغطى وجهه بالوسادة.

فلما حقق الأمر، وجد كما قال ابن سينا، فاطلعوا عليه قابوس، فعجب عجبا عظيما”.

………………………………….للحديث بقيه

——————————————————–
(1) بليطيان، كان طبيبا مشهورا بديار مصر في القرن الثاني في عصر ازدهار الخلافة العباسية، توفي سنة 186 هـ.
(2) التفسرة: البول الذي يستدل به على المرض وينظر فيه الأطباء يستدلون بلونه على علة العليل.
(3) قابوس بن أبي طاهر وشكمير بن زيار الجيلي أمير جرجان، وبلاد الجيل، وطبرستان، أخباره كثيرة جدا في مصادر الأدب والتراجم، وكان خطه جميلا، كان الصاحب بن عباد إذا رأى خطه قال: هذا خط قابوس، أم جناح طاووس.

عن majd.sh

شاهد أيضاً

•·.·`¯°·.·• ( لا تصدقي عبارة أن الطيب لا يعيش في هذا الزمان) •·.·°¯`·.·•

..السلام عليكم ورحمه اللهـ ..كيفكم صبايا؟..ان شاء بصحه . و عآفيه.. / / / عيشي …