خطوات الانتقام


بسم الله الرحمن الرحيم

تطلق سلسلة ضحكات متناغمة وهي تعبث بأطراف شعرها المتدلي من رأسها حتى الخاصرة، فيما تقوم بتحريك رأسها يمنة ويسرة بدلال وسماعة الهاتف المحمول تغلق مجال السمع في أذنها لتهمس في شوق كاذب: صدقني اشتقت لرؤية وجهك، والنظر لعينيك، اشتقت لدفئ كفك، وسحر شفتيك، اشتقت إليك فوق ما يشتاق الشائق لإخماد لهيب الشوق

فيجيبها على الهاتف صوتٌ مليء بالحب الصادق الصافي: آهـٍ يا حبيبتي، ليتني أملك جناحان الآن وأطير بهما إليك لأنتشلك من أرضك وأحلق معك في فضاءات الهيام وأعيش عالمـًا من غرام من جنون حب وصحوة عشق، ليتني الآن بقربك تغفوا أناملي في وسائد كفك، وتداعب شفاهي شفاهك، أستنشق أريج عبقك، أتأمل الليل الحالك المسترسل على كتفك

ثم أجال بنظره نحو الصورة التي يحتضنها لتتجدد حرارة الشوق ويتعاظم لهيبه، فتصدر تنهيدة مفعمة بالألم من شفتيه ليقول بعدها بصوت أضناء الشوق وأرقه الحنين: أحبك يا أغلى ما وجدت ، أحبك يا أجمل من رأيت

فيضطرب قلبها المخادع وتجيب متلعثمة بسرعة بغية أن تسكن الوجيب المتعالي في صدرها: وأنا أيضـًا

لتنطلق أحرفه اللاهثة بحثـًا عن سراب يعده أمل: أنت ماذًا؟ أجيبيني بالله عليك –يسألها بربها وهما قد نسيا الله في حالهما المزري هذا-

لتجيب بهدوء: مثلك تمامـًا
هو بلهفة واشتياق: كيف مثلي؟؟
هي بتملص ومداراة: مثلك في كل شيء
هو بفرح حزين: إذًا قوليها، قوليها وأنعشي روحي واروي قلبي الظمآن، قوليها لأحبك أكثر وأكثر

تقبع في صمت لا يخرقه سوى صوت أنفاسه المتعطشة وأنفاسها المضطربة ، فتحاول استجماع قواها ولملمة فلول أحرفها واختزان الكم الهائل من المشاعر بين شفتيها لتقول: أحبك
ثم تغلق خط الهاتف وتدعه ينزلق من بين يديها ليقبع أرضـًا وتهيم نظراتها سارحة نحو الفضاء
سارحة نحو الماضي الذي لن يعود

تتذكر أنها كانت تحبه
لا
لم تكن تحبه قط
ربما هو العشق ما كان بينهما
بل
أقصى درجات العشق والهيام
كان قلبها أسيرًا له
وفكرها سارحٌ به
وأناملها تخط حروفه
وشفتيها تهمس باسمه
كلها كانت لأجله
سنوات
وسنوات
والجميع يعلم أمرهما
ثم
في اللحظة الحاسمة
والموقف الجاد
تسرب كل شي
فوالدها رفضه
والحجة فقره
وأخوها أبعده
والسبب شجار قديم
وهو لم يلبث أن استسلم
وترك طريقها ليبحث عن درب آخر يكمل معه مسيرة حياته
متخذًا من صندوق سرها معاونة له
بينما هي
بقيت تنهل الحزن وتواسي قلبها
تضمد جراح الأحبة

ثم اتخذت قرارها

ستنتقم

نعم

ستنتقم

ممن؟؟

من الجميع
والدها
وأخاها
وحبيبها
وصديقتها
والجميع .. الجميع

بدأت تحدث هذا وذاك
تبني لهم آمالاً ثم تهدمها
تحتفظ بقلوبهم لأجلها
بينما هي قد أوصدت أبواب قلبها
وصدئت أقفاله
رسمت خططها
وخطت الخطوات بحذر
لقد حصّنت قلبها وبنت أسوار منيعة
لكن كيف تجاوز هذا الفارس الحصون؟؟
كيف تمكن من احتلال مملكتها الصغيرة؟؟
كيف استطاع؟؟
وكيف سمحت له؟؟
أتراها ستعيش ألمـًا من جديد؟؟
أم أن هناك أملاً قادمًا في حياتها؟؟

انتشلها من بحار التفكير صوت رنين الهاتف
لتفيق ثم تقوم لتلتقطه وتجيب
: أهلاً
هو بصوت خائف: حبيبتي ما بك؟ لقد كررت الاتصال كثيرًا بعد أن أُغلِق الخط فلم تجيبي، أبلغيني هل حدث لك مكروه؟؟ هل أنت على ما يرام؟؟
هي بفكر سارح: كلا عزيزي، لم يحدث شيءٌ مطلقـًا
هو بحيرة: إذًا لماذا لم تجيبي؟
هي بصدق قلـّما يصدر منها: آسفة لم أنتبه لاتصالك قبل الآن
هو بشغف: حسنـًا، لا بأس، أنا لم أتصل لأجل أن أعاتبك وإنما أردت منك جوابـًا شافيـًا، فهل أنت مستعدة لسماع سؤالي؟
هي بقليل من الفضول ولهفة لسماع ما يريد قوله: أجل مستعدة، فيمَ ستسألني؟
هو بقليل من الحذر والخوف يخالطهما شعور بالتوتر: إن .. إن .. إن قدمت لخطبتك هل توافقين؟؟

سكون مريع على الطرف الآخر من الخط
بعث في نفسه يأسـًا وقنوطـًا
فردد بعدها بصوت يائس وحزين: صدقيني أنا أحبك، ولا أريد أن أخسرك أبدًا، لكن إن كان مطلبي يضايقك فاعتبري أنك لم تسمعي مني حرفـًا

هي بصوت ملاه الهدوء: هل أنت تقصدني أنا؟؟
هو بشبه أمل: أجل أنت، ومن سواك احتل أركان قلبي
هي بشبه حياء: لا جواب لدي، وافِ أبي وستجد الجواب

يومان فقد وبعدها تقدم لخطبتها
ليأتيه جواب والدها

لا توجد لدي فتاة تناسبك

لتبقى هي تنتظر وتنتظر
تنتظر أن يوافيها بالخبر
فيأتيها صوته هامسـًا بحزن: رفضني والدك، أهان كرامتي وبعثر أشلاءها، لِمَ أرسلتني إليه؟؟ أ هكذا توضحين مقدار حبك لي؟؟ أ لأجل أنني أحبك تهينينني؟؟
لتجيب بشيء من القوة: ليس أبي من رفض وإنما أنا
هو بصوت احتلت الدهشة أرجاءه ومعالم الصدمة تنضح من معالم وجهه: ماذا؟؟ أنت؟؟ أنت من فعل هذا؟؟
هي بشيء من القسوة: أجل أنا، أنا من فعلها لأنتقم
هو بحيرة: تنتقمين؟؟ مِن مَن؟؟
هي بحزن: من الجميع، من الجميع
هو ببؤس وحزن: هكذا إذًا، أ هذا كان غرضك أولاً، تنتقمين مني وأنا لم أقدم لك سوى الحب ولم أهبك سوى الشوق والعشق، تنتقمين منهم فيّ أنا، خسارة كان ذاك الشوق الذي اختزلته لأجلك، صدقيني لست حزينـًا على نفسي بل أنا حزين عليك، فأنت لن تجدي قلبًا أحبك بصدق مثلي ويا للأسف خسرت كل الحب، آسفٌ أنا إن كنت قد آذيتك يومـًا ولكن هذه هي النهاية ولن ترينني مجددًا، فقط ادعي لي وتذكريني بخير

ثم أغلق خط الهاتف دون أن يسمح لها بالحديث أو الرد على حديثه

لتبقى هي صامتة والدموع تغرق محجريها والماضي يعاود الظهور أمامها
والحاضر يحاصر فكرها
ليـُقتل قلبها مرتين
وينتحر حلمها مرتين
الأولى بيدهم
والأخرى بيدها هي

وتنهي خطوات انتقامها
بموت قلبها

للجميع مودتي
هذه أنا/ لِمَ السؤال؟



عن Mirai-San

شاهد أيضاً

وش قصة ابوة…..؟؟؟

يقول صاحب القصة كان والدي من المسلمين المحافظين على صلاته ولكنه كان يفعل كثيراً من …