اللهم صل على محمد وآل محمد
>
>
تجافى عن الدنيا وأيقن أنها مفارقتا ليستبدار خلود
>
>
>
نصف ساعة تحت الأرض
>
>
>
>
يقول كاتب القصة :
>
>
أي شخص كان قد رآني متسلقاً سورالمقبرة في
هذه الساعة من الليل، كان سيقول: أكيد مجنون، أو أن لديه مصيبة. والحقأن لديَّ مصيبة، كانت البداية عندما
>
>
حدث أن فاتتني صلاة الفجر،وهي صلاة من
كان يحافظ عليها، ثم فاتـته فسيحس بضيقة شديدة طوال اليوم عندذلك.
>
>
تكرر معي نفس الأمر في اليوم الثاني،
فقلت لابد وأن فيالأمر شيء، ثم تكررت للمرة الثالثة على التوالي؛ هنا كان لابد من الوقوف مع النفس
وقفة حازمة لتأديبها حتى لا تركن لمثل هذه الأمور فتروح بي إلى النار قررت أن أدخلالقبر حتى أؤدبها !
>
>
ولابد أن ترتدع وأن تعلم أن هذا هو منـزلهاومسكنها إلى ما يشاء الله. وكل يوم أقول لنفسي دع هذا الأمر غداً وجلست أسوف فيهذا الأمر حتى فاتـتني صلاة الفجر مرة أخرى.
>
>
حينها قلت: كفى . وأقسمت أن يكون الأمر هذه الليلة.
>
>
>
>
ذهبت بعدمنتصف الليل، حتى لا يراني أحد، وتفكرت: هل أدخل من الباب ؟ حينها سأوقظ حارسالمقبرة!
أو لعله غير موجود! أم أتسور السور ؟
>
>
إن أوقظته لعله يقول لي تعال في الغد،
أو حتى يمنعني ، وحينها يضيع قسمي، فقررت أن أتسور السور ..
>
>
>
>
رفعت ثوبي وتلثمت بشماغي واستعنت بالله وصعدت، برغم أنني دخلت هذه المقبرة كثيراً كمشيع،
إلا أنني أحسست أنني أراها لأولمرة.
>
>
>
>
ورغم أنها كانت ليلة مقمرة، إلا أنني
أكاد أقسم أنني ما رأيت أشد منها سواداً تلك الليلة، كانت ظلمة حالكة، سكون رهيب.
>
>
>
>
هذا هو صمت القبور بحق، تأملتها كثيراًمن أعلى السور، واستـنشقت هوائها، نعم إنها رائحة القبور، أميزها عن ألف رائحة،رائحة الحنوط، رائحة بها طعم الموت الصافي.
>
>
>
>
وجلست أتفكر للحظات مرت كالسنين ..
>
>
إيه أيتها القبور، ما أشد صمتك وما أشد ما تخفينه، ضحك ونعيم، وصراخ وعذاب أليم،
ماذا سيقول لي أهلك لوحدثتهم ؟
>
>
>
>
لعلهم سيقولون قولة الحبيب صلى اللهعليه وآله وسلم : ( الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم ).
>
>
>
>
قررت أن أهبط حتى لا يراني أحد في هذه
الحالة، فلو رآني أحد فإما سيقولأنني مجنون وإما أن يقول لديه مصيبة،
وأي مصيبة بعد ضياع صلاة الفجر عدةمرات.
>
>
>
>
هبطت داخل المقبرة، وأحسست حينها برجفة في القلب، والتصقت بالجدار ولا أدري لأحتمي من ماذا؟
>
>
>
>
عللت ذلك لنفسي بأنه خشية من المرور فوق القبور وانتهاكها، أنا لست جباناً، لكنني شعرت بالخوف
حقا !نظرت إلى الناحية الشرقية والتي
بها القبورالمفتوحة والتي تنتظر ساكنيها. إنها أشد بقع المقبرة سواداً ،
وكأنها تناديني، مشتاقة إليَّ : متى ستكون فيَّ ؟
>
>
>
>
أمشي محاذراًبين القبور، وكلما تجاوزت قبراً تساءلت أشقي أم سعيد ؟ شقي بسبب ماذا؟ أضيّعالصلاة ؟
أم كان من أهل الغناء والطرب؟ أم كان من أهل الزنى؟
>
>
>
>
لعل من تجاوزت قبره الآن كان يظن أنه أشد أهل الأرض قوة، وأنشبابه لن يفنى؟ وأنه لن يموت كمن مات قبله؟ أم أنه كان يقول: ما زال في العمر بقية،سبحان من قهر الخلق بالموت .
>
>
>
>
أبصرت الممر،حتى إذا وصلت إليه، ووضعت قدمي عليه، أسرعت نبضات قلبي فالقبور يميني ويساري، وأناارفع نظري إلى الناحية الشرقية، ثم بدأت أولى خطواتي، بدت وكأنها دهر، أين سرعةقدمي؟ ما أثقلهما الآن، تمنيت أن تطول المسافة ولا تنتهي ابداً، لأنني أعلم ماينتظرني هناك.
>
>
>
>
اعلم، فقد رأيت القبر كثيرا،ولكن هذه المرة
مختلفة تماماً أفكار عجيبة، أكاد أسمع همهمة خلف أذني، نعم، أسمعهمهمة جليّة، وكأن شخصاً يتنفس خلف أذني،
خفت أن أنظر خلفي، خفت أن أرى أشخاصاً يلوحون إليّ من بعيد، خيالات سوداء تعجب من القادم في هذا الوقت،
بالتأكيد أنهاوسوسة من الشيطان،
لا يهمني شيء طالما أنني قد صليت العشاء في جماعه.
>
>
>
>
أخيراً، أبصرت القبور المفتوحة، أقسم للمرة الثانيةأنني ما رأيت أشد منها سواداً،
كيف أتتني الجرأة حتى أصل بخطواتي إلى هنا ؟ بلكيف سأنزل في هذا القبر ؟ وأي شئ ينتظرني في الأسفل ؟
فكرت بالإكتفاء بالوقوف وأن أصوم ثلاثة أيام تكفيراً لقسمي .
>
>
>
>
ولكن لا ….
>
>
لن أصل إلى هنا ثم أقف، يجب أن أكمل،
ولكن لن أنزل إلىالقبر مباشرة،
بل سأجلس خارجه قليلاً حتى تأنس نفسي. ما أشد ظلمته،
وما أشد ضيقه،كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تكون حفرة
من حفر النار أو روضة من رياض الجنة؟ سبحانالله.
>
>
>
>
يبدو أن الجو قد إزداد برودة، أم هي قشعريرة في جسدي
من هذا المنظر؟ هل هذا صوت الريح ؟
ليس ريحاً، لا أرى ذرة غبارفي الهواء، هل هي وسوسة أخرى؟
>
>
>
>
استعذت بالله منالشيطان الرجيم، ثم أنزلت الشماغ ووضعته على الأرض ثم جلست وقد ضممت ركبتي أمام صدري
أتأمل هذا المشهد العجيب،
إنه المكان الذي لا مفر منه أبداً، سبحان الله،نسعى لكي نحصل على كل شيء،
وهذه هي النهاية: لاشئ .
>
>
>
>
كم تنازعنا في الدنيا، اغتبنا، تركنا الصلاة،
آثرنا الغناء على القرآن،والكارثة أننا نعلم أن هذا مصيرنا،
وقد حذّرنا الله منه ورغم ذلك نتجاهل.
>
>
>
>
أشحت بوجهي ناحية القبور وناديتهم بصوت خافت،
وكأني خفتأن يرد عليّ أحدهم: يا أهل القبور ،
مالكم ؟ أين أصواتكم ؟ أين أبناؤكم عنكماليوم ؟
أين أموالكم؟ أين وأين؟ كيف هو الحساب ؟
أخبروني عن ضمة القبر، أتكسرالأضلاع ؟
أخبروني عن منكر و نكير، أخبروني عن حالكم مع الدود !
>
>
>
>
سبحان الله، نستاء إذا قدم لنا أهلنا طعام بارد أو لا يوافق
شهيتنا، واليوم .. نحن الطعام، لابد من النزول إلى القبر .
>
>
>
>
قمت وتوكلت على الله، ونزلت برجلي اليمين،
وافترشت شماغي، ووضعترأسي وأنا أفكر،
ماذا لو انهال عليَّ التراب فجأة ؟ ماذا لو ضُم القبر عليَّ مرةواحدة؟
>
>
>
>
نمت على ظهري وأغلقت عينيَّ حتى تهدأضربات قلبي،
حتى تخف هذه الرجفة التي في الجسد،
ما أشده من موقف وأنا حي . فكيفسيكون عند الموت ؟
>
>
>
>
فكرت أن أنظر إلى اللحد، هوبجانبي،
والله لا أعلم شيئاً أشد منه ظلمة، ياللعجب!
رغم أنه مسدود من الداخل إلاأنني
أشعر بتيار من الهواء البارد يأتي منه!
فهل هو هواء بارد أم هي برودة الخوف ؟
خفت أن أنظر إليه فأرى عينان تلمعان في الظلام
وتنظران إليَّ بقسوة. أو أن أرىوجهاً شاحباً لرجل تكسوه علامات الموت ناظراً إلى
الأعلى متجاهلني تماماً، حينهاقررت أن لا أنظر إلى اللحد.
>
>
ليس بي من الشجاعه أن أخاطر وأرى أياًمن هذه المناظر رغم علمي أن اللحد خالياً، ولكن تكفي هذه
المخاوف حتى أمتنع تماماًعن النظر إليه
.تذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحتضر (لا إله إلا الله .. إن للموت سكرات
( تخيلت جسدي عند نزول الموت يرتجف بقوة وأنا أرفع يدي محاولاًإرجاع روحي.
وتخيلت صراخ أهلي عالياً من حولي : أين الطبيب؟ أين الطبيب ؟
>
> )
فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين (
>
>
>
>
تخيلت الأصحاب يحملونني ويقولون : لا إله إلا الله، تخيلتهم
يمشون بي سريعاً إلى القبر، وتخيلت أحب أصدقائي إلي وهو يسارع لأن يكون أول من
ينـزل إلى القبر، تخيلته يضع يديه تحت رأسي ويطالبهم بالرفق
حتى لا أقع، يصرخ فيهم: جهزوا الطوب.
>
>
>
>
وتخيلت أحد يجري ممسكاً إبريقاًمن الماء يناولهم إياه بعدما حثوا عليَّ التراب،
تخيلت الكل يرش الماء على قبري،
تخيلت شيخنا يصيح فيهم : ادعوا لأخيكم فإنه الآن يسأل، ادعوا
لأخيكم فإنه الآنيسأل .
>
>
>
>
ثم رحلوا، وتركوني فرداً وحيداً،
تذكرتقول الله تعالى: ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة، وتركتم ما خوّلناكموراء ظهوركم (
>
>
نعم صدق الله، تركت زوجتي، فارقت أبنائي،
تخلـيّتعن مالي، أو هو تخلى عني .تخيّلت كأن ملائكة العذاب حين رأوا النعش قادماً، ظهروابأصوات مفزعة،
وأشكال مخيفة، ينادي بعضهم بعضاً: أهو العبد العاصي؟ فيقول الآخر: نعم.
فيقال: أمشيع متروك أم محمول ليس له مفر؟
فيجيبه الآخر: بل محمول إليناليس له مفر. فينادى : هلموا إليه
حتى يعلم أن الله عزيز ذو انتقام .
>
>
رأيتهم يمسكون بكتفي ويهزونني بعنف
قائلين: ما غرك بربك الكريم ؟
ما غركبربك الكريم حتى تنام عن الفريضة ..
ما الذي خدعك حتى عصيت الواحد القهار؟ أهي
الدنيا؟ أما كنت تعلم أنها دار فناء؟
وقد فنيت! أهي الشهوات؟ أما تعلم أنها إلىزوال؟
وقد زالت! أم هو الشيطان؟
أما علمت أنه لك عدو مبين؟
أمثلك يعصى الجبار،والرعد يسبح بحمده والملائكة من خيفته،
لا نجاة لك منَّا اليوم، اصرخ ليس لصراخكمجيب.
>
>
>
>
فجلست اصرخ رب ارجعون، رب ارجعون. وكأني
بصوت يهز القبر والفضاء،
يملأني يئساً يقول : ( كلاّ إنها كلمة هو قائلها
ومنورائهم برزخ إلى يوم يبعثون )
>
>
>
>
بكيت ماشاء اللهأن أبكي، ثم قلت: الحمدلله رب العالمين،
مازال هناك وقت للتوبة،
استغفر الله العظيموأتوب إليه ثم قمت مكسوراً،
وقد عرفت قدري، وبان لي ضعفي،
أخذت شماغي وأزلت عنه مابقى من تراب القبر ،
وعدت وأنا أردد قول جبريل للحبيب صلى الله عليه آله
وسلم: ( عش ما شئت فإنك ميت ، و أحبب من شئت فإنك
مفارقه، و اعمل ما شئت فإنك مجزيبه
منقول