بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل كتابه تبيانا لكل شي … والصلاة والسلام على على اشرف أنبيائه ورسله أما بعد …..
أصحاب الفضيلة العلماء الربانيين .. لهم شأنهم ووقارهم .. ولهم تقديرهم واحترامهم .. في الدنيا .. أما الآخرة .. فلهم الدرجات العالية .. والمنازل الرفيعة .. والأعطيات الجزلة .. من لدن كريم رزاق ..
من يكونون يا ترى أهل الدرجات والمراتب العالية والجبال الشامخة ؟
هم الذين سخّروا أنفسهم طواعية لدين الله .. ولم يستغلوا دين الله تطويعاً لأنفسهم وأطماعهم .. رحماء على المؤمنين أشداء على الكافرين .. يعلو وجوههم نور من نور الله .. وترى في كلامهم برهان .. يكسوهم الخشوع .. يرون كل مخلوق صغير من أهل العظمة .. إلا الخالق المتعالي الكبير .. يفهمون كلام الله في قوله (( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه )) يخشون كتمان الحق .. فيظهرون للناس .. ما عرفوا منه .. همهم الأول رضى الله .. وإن سخط العبيد .. لعلمهم أن الجِنان والحياة الأبدية .. لا يعطيها إلا ملك واحد .. متصرف قادر .. سيحاسب من فرّط وجامل في دين الله وخان أمانته .. وباع آخرته لحساب مصالحه .. وهم الذين حفظوا قول قتاده رحمه الله : هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم .. فمن علم شيئاً فليُعلّمه .. وإياكم وكتمان العلم .. فإن كتمان العلم هَلَكَة ..
ترفّعوا عن الدنيا .. وملذاتها الساحرة .. وشاشاتها الساطعة .. ومغرياتها الفاتنة .. وعن مديح المبطلين .. وفي هذا يقول ابن القيم – رحمه الله تعالى – وهو من نفائس ما قرأت .. حُكْم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .. يظهر على أربعة ألسِنَة : لسان الراوي ، ولسان المفتي ، ولسان الحاكم ، ولسان الشاهد .. والواجب على هؤلاء الأربعة أن يخبروا بالصدق المستند إلى العلم .. وآفة أحدهم الكذب والكتمان .. فمتى كتم الحق أو كذب فيه فقد حادّ الله في شرعه ودينه .. وقد أجرى الله سنته أن يمحق بركة علمه ودينه ودنياه إذا فعل ذلك .. ومن التزم الصدق والبيان بورك له في علمه ووقته ودينه ودنياه .. فبالكتمان يُعْزل الحق عن سلطانه .. وبالكذب يُقلب عن وجهه .. والجزاء من جنس العمل .. فجزاء أحدهم أن يعزله عن سلطان المهابة والكرامة والمحبة والتعظيم .. الذي يُلبسُه أهلَ الصدق والبيان .. ويُلبسَه ثوب الهوان والمقت والخزي بين عباده .. انتهى ..
وما من شك أن من كان هذا عمله في الدنيا .. فهو من أصحاب الفصيلة (( بدون نقطة على الضاد )) .. وفصيلته هي الحماريّات – أعزكم الله – .. التي تحمل أسفاراً .. ولا تعلم ما فيها .. ؟ وحريّ بأن يكتم الله أنفاسه كما كتم الحق .. وخان الأمانة .. وتكسّب في دين الله !
وما أكثرهم وتزايد عددهم هذه الأيام !!
وبما أننا كبشر لا نقبل أن يغشنا صانع طعام .. أو مالك عقار .. أو صاحب أسهم .. ونغضب حينما يستغلوننا .. ويقللون من شاننا .. ونصفهم بأبشع الألفاظ .. ونغلظ عليهم القول .. فإننا كذلك لانقبل أن يغشنا حافظ علم شرعي .. ونبرأ إلى الله من كل متسول به .. أو منتهز لفرص دنيوية من أجله .. ونذكرهم بقوله تعالى (( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم )) ..
أرأيتم أيها العقلاء ؟..
أن كل من كتم علماً .. أو حرّف في دين الله .. أو غير لأجل هوى .. ولم يؤد أمانة ما حمّله الله .. فهو ملعون .. لعنه الله .. والملائكة .. والناس أجمعون !
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( من سئل عن علم يعلمه .. فكتمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار )) أخرجه أحمد وأبو داود .. قال بعض أهل العلم : ” فكما ألجَم لسانَه عن قول الحق وإظهار العلم يُعاقب في الآخرة بلجام من نار” ..
ختامــاً ..
(( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين )) ..
قال بن عباس – رضي الله عنهما – : في هذا تأديب للنبي صلى الله عليه وسلم .. وتأديب لحَمَلة العلم من أمته .. أن لا يكتموا شيئاً من أمر شريعته ..
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ..