
آَفَات يَجِب الْحَذَر مِنْهَا:
هُنَاك عَدَد مِن الْآَفَات وَالْأَمْرَاض الَّتِي قَد تَصِيْب رَاغِب سُلُوْك الْأَخْفِيَاء وَالسِّيَر عَلَى خُطَاهُم، لِذَا عَلَى رَاغِب هَذِه الْطَّرِيْقَة الْتَّنْبِيْه وَالْيَقَظَة وَالْحَذَر حَتَّى يَصِل سَالِما بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى وَمِن تِلْك الْآَفَات. 1) الْرِّيَاء وَالسُّمْعَة.2) إِيَّاك وَمَحْمَدَة الْنَّاس.
3) احْذَر الْمَن وَالْذَل.
4) الْشَّهْوَة الْخَفِيَّة دَاء.
وَمَفْهُوْم ذَلِك فِي اصْطِلَاح الْدُّعَاة : اطِّلَاع الْمُسْلِم الْنَّاس عَلَى مَايَصْدُر مِنْه مَن الْصَّالِحَات، طَلَبا لِلْمَنْزِلَة وَالْمَكَانَة عِنْدَهُم، أَو طَمْعا فِي دُنْيَاهُم، فَإِن وَقَفْت أَمَامَهُم وَرَأَوْهُا فَذَلِك هُو الْرِّيَاء. وَإِن لَم تَقَع أَمَامَهُم لَكِنَّه حَدَّثَهُم بِهَا فَتِلْك هِي السُّمْعَة.
قَال الْأَعْمَش: جَاء رَجُل إِلَى عِبَادَة بْن الْصَامِت فَقَال: أَنْبِئْنِي عَمَّا أَسْأَلُك عَنْه، أَرَأَيْت رَجُلا يُصَلِّي يَبْتَغِي وَجْه الْلَّه وَيُحِب أَن يُحْمَد، وَيَحُج وَيَبْتَغِي وَجْه الْلَّه وَيُحِب أَن يُحْمَد، فَقَال عُبَادَة: لَيْس لَه شَيْء، إِن الَلّه تَعَالَى يَقُوْل: أَنَا خَيْر شَرِيْك، فَمَن كَان لَه مَعِي شَرِيْك فَهُو لَه كُلُّه لَاحَاجَة لِي فِيْه. تَفْسِيْر ابْن كَثِيْر.
***
مَسْأَلَة مُهِمَّة:هُنَاك مَن يَعْمَل الْعَمَل يَبْتَغِي بِه وَجْه الْلَّه ثُم يَحْمَدَه الْنَّاس عَلَيْه وَهُو لَايُقْصَد الْثَّنَاء وَالْمَدْح ، فَيُوَضِّح هَذَا الْمَعْنَى الْصَّحَابِي الْجَلِيل أَبُو ذَر فِي حَدِيْث يَرْوِيْه عَن رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم حَيْث يَقُوْل: يَارَسُوْل الْلَّه ! أَرَأَيْت الْرَّجُل يَعْمَل الْعَمَل لِلَّه يُحِبُّه الْنَّاس عَلَيْه ؟ قَال صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم :(( تِلْك عَاجِل بُشْرَى الْمُؤْمِن)).
عَن سَالِم بْن عَبْد الْلَّه بْن عُمَر ، عَن أَبِيْه ، قَال: قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم: (( ثَلَاثَة لَايَنْظُر الْلَّه إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة: الْعَاق لِوَالِدَيْه، وَمُدْمِن الْخَمْر، وَالْمَنَّان بِمَا أَعْطَى)).
وَتُنَبِّه كَيْف يَقَع الْإِنْسَان فِي الْدَّل عَلَى أَعْمَالِه، وَلَكِن الْعَارِفِيْن يَسْتَدْرِكُوْن الْأَمْر.
( أَحَدِهِم كَان مُحْدِثا أَصْحَابِه يَقُوْل: مَن رَأَى مِنْكُم شِهَابا بِالْبَارِحَة آَخَر الْلَّيْل، فَيَظُن ظَان وَكَأَنَّه يُرِيْد أَن يَدُّل عَلَى عَمَل قَام بِه مِن صَلَاة لَيْل أَو دُعَاء فِي الْسِّحْر وَكَثِيْر مِنّا قَد يَدُل بِأَعْمَالِه الْصَّالِحَة الْخَافِيَة بِالْإِشَارَة أَو الْتَّلْمِيح دُوْن أَن يُدْرِك . سَأَل ثُم اسْتَدْرَك وَهَكَذَا الْعَارِفُوْن قَال: مَا إِنِّي أَقُوْل لَكُم ذَلِك لِأَنِّي كُنْت أَقُوْم الْلَّيْل وَإِنَّمَا لَدَغَتْنِي عَقْرَب فَقُمْت. خَشِي أَن يَظُنُّوُا أَنَّه مُسْتَيْقِظ لِصَلَاة الْلَّيْل.
مِن الْنَّاس مَن يَتَقَيَّد بِلِبَاس لَايَلْبَس غَيْرِه، أَو بِالْجُلُوْس فِي مَكَان لَايَجْلِس فِي غَيْرِه أَو مِشْيَة لايَمْشّي غَيْرَهَا، أَو عِبَادَة مُعَيَّنَة لايَتَعَبد بِغَيْرِهَا.
فَهَؤُلَاء كُلُّهُم مَحْجُوْبُوْن عَن الظَّفَر بِالْمَطْلُوْب الْأَعْلَى مَصْدُودُون عَنْه . قَد قَيَّدَتْهُم الْعَوَائِد وَالرُّسُوْم وَالْأَوْضَاع عَن تَجْرِيْد الْمُتَابَعَة فَأَضْحَوْا عَنْهَا بِمَعْزِل وَمَنْزِلَتِهِم مِنْهَا أَبْعَد مَنْزِل.
فَتَرَى أَحَدُهُم يُتَعَبَّد بِالْرِّيَاضَة وَالْخَلْوَة وَتَفْرِيْغ الْقَلْب، وَيُعَد الْعِلْم قَاطِعَا لَه عَن الْطَّرِيْق، فَإِذَا مَا ذَكَر لَه الْمُوَالَاة فِي الْلَّه وَالْمُعَادَاة فِيْه وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوْف وَالْنَّهْي عَن الْمُنْكَر عَد ذَلِك فُضُوْلِا وَشَرَّا. وَإِذَا رَأَوْا بَيْنَهُم مَن يَقُوْم بِذَلِك أَخْرَجُوْه مِن بَيْنِهِم،وَعَدُوَّه غَرِيْبا. فَهَؤُلَاء أَبْعَد الْنَّاس عَن الْلَّه وَإِن كَانُوْا أَكْثَر إِشَارَة.
***
(ثَلَاث مِن عَلَامَات الْإِخْلَاص: اسْتِوَاء الْمَدْح وَالذَّم مِن الْعَامَّة، وَنِسْيَان رُؤْيَة الْأَعْمَال فِي الْأَعْمَال، وَاقْتِصَاد ثَوَاب الْعَمَل فِي الْآَخِرَة.)
أَسْأَل الْلَّه تَعَالَى أَن يَكُوْن هَذَا الْعَمَل الْبَسِيْط خَالِصا لِوَجْهِه، وَأَسْأَلُه أَن يَغْفِر لِي مَا لَا تَعْلَمُوْنَه عَنِّي، كَمَا أَسْأَلُه أَن يَجْعَلَنَا أَجْمَع مَن الْمَقْبُوْلِيْن عِنْدَه فِي هَذَا الْشَّهْر الْكَرِيم.