هنالك قراءات تقرؤها فتستوطن ذاكرتك
و هنالك ردود تخرج من أفواه أصحابها دون إعداد لها ولا تحضير ولا تنميق ولا تعصّر لغوي ولا استعراض خطابي، ورغم هذا تكون ردوداً جميلة تذوب نكهتها العذبة في ذهن المستمع والقارئ فتسكن به على الرحب والسعة.
الردود الجميلة ليست حِكراً على أصحاب الشهادات ولا هي حِكراً على النوابغ والأذكياء والمبدعين، بل أيضاً تجدها عند عامة الشعب من البسطاء مثل السمكري والسباك والخياط والخباز والحداد والنجار وسائق التاكسي وحتى الأُميين الذين لا يقرأون ولا يكتبون تجد بعضهم يُجيد الردود الجميلة هكذا بالفطرة!
أتذكر حادثة اكتشاف الكاتبة الفرنسية فرانسواز ساغان صاحبة الرواية العالمية «صباح الخير أيها الحزن»، إذ كانت طالبة فاشلة ومطرودة من مدرستها، فكانت تتسكع في المكتبات العامة وتقرأ الكثير من الكتب منذ الصباح وحتى نهاية اليوم الدراسي، فتعود إلى المنزل كي لا يكتشف ذووها أمر طردها من المدرسة، وكانت في هذه المرحلة قد أعدت مسودة روايتها الشهيرة «صباح الخير أيها الحزن». وفي يوم من الأيام وبينما كانت فرانسواز ساغان تتسكع في بلدة بولونيا دخلت استوديو «بيانكور» حيث كانت المخرجة الصارمة جاكلين أودري تقوم بعمل بروفة مسرحية للمؤلف العالمي جان بول سارتر بعنوان «جلسة مغلقة»، دخلت فرانسواز إلى المسرح بدافع الفضول وجلست تشاهد بروفات المسرحية من دون أن تستأذن أحداً، وفجأة لمحتها المخرجة جاكلين أودري من بعيد فاتجهت إليها بسرعة ولما وصلت إليها سألتها بغضب: من حضرة الآنسة؟
فردت عليها فرانسواز بكل برود وبساطة: «أنا الآنسة لا أحد». أي أنا إنسانة حزينة فاشلة مشتتة مطرودة من المدرسة. لكن وبعد هذا الرد استطاعت هذه المخرجة التي أُعجبت برد فرانسواز أن تساعدها في الالتقاء بمؤلفين عديدين وأصحاب دور نشر استطاعوا أن يساهموا في طباعة ونشر روايتها العالمية الأولى التي حققت نجاحاً باهراً.
وكذلك رد «أبو العيناء» عندما كان جالساً مهموماً شارد الذهن متكئاً بظهره على أحد الحيطان الواقعة على إحدى الدروب، فمر به عبد الله بن يحيى مع مجموعة من رجاله وخدمه فتوقف عنده وأخذ ينظر إليه وبعد أن عرفه سأله: كيف حالك يا أبا العيناء؟ فرد أبو العيناء وقال: تسألني كيف الحال؟ أنت الحال، فانظر كيف أنت لنا. فابتسم من قوة رده وأمر له بمال جزيل.
وكذلك حكاية عبد الله بن المبارك عندما كان مسافراً برفقة أحد خدمه، فاعترضته عجوز مسنة ذات ثياب مرقعة، تطلب منه أن يجود عليها بشيء من المال، فالتفت بن المبارك إلى خادمه وسأله: كم معنا؟ فقال الخادم: معنا يا سيدي عشرون ألف درهم. فقال له عبد الله بن المبارك: أدفعها كلها لهذه العجوز الفقيرة. فتعجب هذا الخادم من قرار سيده وقال: يا سيدي إنها لا تعرفك، ودرهم أو درهمين سوف يرضيانها. فقال عبد الله بن المبارك: تباً لك، إن كانت هي لا تعرفني، فأنا أعرف من أكون!
وكذلك رد أحد الأعراب عندما التقى مع الحجاج في أحد الطرقات، إذ قال الحجاج لذلك الأعرابي بعد أن سأله عن قومه: والله إنك من قوم أبغضهم. فرد عليه الأعرابي وقال: أدخل الله أشدنا بعضاً لصاحبه الجنة!
وكذلك حكاية الشاعر كثير عزة عندما أحب عبد الملك بن مروان أن يراه لجمال قصائده وشهرته الكبيرة آنذاك، فلما عثر جنود عبد الملك ابن مروان على كثير عزة استأذنوه ليدخلوه عليه، فلما سمح له بالدخول ورآه، أخذ عبد الملك يقلب نظره في كثير عزة، وكان كثير دميم الخلقة قصير القامة ذا ملابس رثة، فقال عبد الملك بعد أن أطال النظر في كثير: حقاً، تسمع بالمعيدي خيراً من أن تراه! فقال كثير عزة: على رسلك يا سيدي، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإن نطق نطق ببيان وإن قاتل قاتل بجنان.
فقال قصيدته المشهورة التي منها هذان البيتان:

«ترى الرجل النحيف فتزدريه
وفي أثوابه أسد هصورُ
ويعجبك الطرير فتبتليه
فيخلف ظنك الرجل الطريرُ».

و كذلك رد المؤلف العالمي الايرلندي جورج برنارد شو عندما قال له أحد زملائه الكُتاب: أنا أفضل منك، أنت تكتب من أجل أن تكتسب المال وأنا أكتب من أجل أن أكتسب الشرف. فرد عليه برنارد شو وقال: نعم صدقت، كل واحد منا يبحث عما ينقصه!
وكذلك رد العبقري العالم المكافح الأميركي توماس ألفا أديسون، عندما سأله أحد الصحافيين: كيف لم تيأس في بداياتك، خصوصاً وقد كان الفشل ملازماً لك؟ فقال أديسون: أنا لم أفشل، أنا وجدت عشرة آلاف طريقة لا تعمل.

هذه بعضاً من قراءاتي .. إستوطنت ذاكرتي
فأبيت إلا ان تشاركوني المتعة بقراءتها

9 thoughts on “ردود .. تسكن الذاكــــــــــــــــــــــرة

  1. تحيه لك تليق بعبق مكان القهوه التي تمضي بها اوقاتك اخي فارس

    لا يجيد الأمتاع سوى من يحمل الروح المبدعه

    اتذكر اخي الحبيب صاحب اللون الأخضر المنصور

    اتذكر اخي الحبيب صاحب اللون البنفسجي فال الإمارات

    يطل بين الفينه والأخرى المبدع الأريحي

    رودود المبدعه سهمي عالي متألقه

    تواجد الأدبيه المبدعه وفاء لا يعلي عليه

    قفشات كبير المكرشين عفوا اخي ابو محمد رائعه

    المييزين كثر و الحمد لله

    و صاحب الرد الجميل بعدي مشرفنا الكريم العميمي صاحب بنات الأفكار يحمل من عبق الإبداع الكثير

    الكثيرون وانت منهم مبدع

    ولا تحجبك عنهم رؤيه الأمتاع في فنون الردود الغث الموجود الذي سرعان ما ينقعش

  2. .

    .

    .

    في البداية توقعت الموضوع بيكون عن ردود الأعضاء

    و طبعا انا دخلت ركض، لأني ياخوي مقهور من ردّين في المنتدى، مع انه حلوين و الدعاء فيهم طيب

    اول شيء خلني اقولك شو الردين

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية

    موفق بإذن الله … لك مني أجمل تحية

    تدري شو اللي يقهرني

    مرات يكون الموضوع جميل، مثل موضوعك هذا، و يستحق رد يسبر الأغوار

    و مرات يكون موضوع فيه سؤال و استفسار، و تلقى رد بعض الأعضاء من الردود اللي فوق

    لو تسألني شو اتمنى

    راح اقولك اتمنى كل رد من ردود الاعضاء يسكن في ذاكرتي و استمتع بقراءته كإستمتاعي بدخولي اليومي للمنتدى

    .

    .

    .

    نرجع للموضوع

    بداية ليتك خليت فراغات بين السطور، صراحة انعمت عيوني وانا اقرأ

    و قصة الحكيم و الشاب و ملعقة الزيت حلوة، واعتقد الحكيم كان يقصد بقطرتي الزيت مشاكل الانسان و همومه و كل مايمكن ان يشغله عن كل شيء جميل في الكون

    ذكرني بقانون الجذب

    التفكير الإيجابي يجلب الأمور الايجابية و العكس صحيح

    .

    .

    .

    اخوي الراقي

    واصل و اتمنى بين رد و رد تحط لنا حكمة أو فائدة أو طُرفة عشان نتواصل مع الموضوع أكثر و أكثر

    تحيتي

  3. جاء في رواية «الخيميائي» أن أحد التجار أرسل ابنه لكي يتعلم سر السعادة من أكبر حكيم بين البشر. سار الفتى طوال أربعين يوماً في الصحراء قبل أن يصل أخيراً إلى قصر جميل يقع على قمة جبل، حيث يعيش الحكيم الذي يبحث عنه. دخل هذا الفتى إلى قاعة القصر مباشرة، فوجدها تعج بالحركة والناس، كان هناك تجار يدخلون ويخرجون وأُناس يثرثرون في إحدى الزوايا، ومائدة حافلة بأشهى أطعمة هذه المنطقة من العالم. وكان الحكيم يتكلّم إلى هؤلاء وأولئك، فاضطر الفتى أن يصبر ساعتين كاملتين قبل أن يحين دوره. استمع الحكيم بانتباه إلى الفتى، وهو يشرح سبب زيارته، لكن الحكيم قال للفتى ألا وقت لديه الآن ليكشف عن سر السعادة. واقترح على الفتى أن يقوم بجولة في القصر، وأن يعود إليه بعد ساعتين. ثم أعطى الحكيم ذلك الفتى ملعقة صغيرة فيها نقطتا زيت، وقال له: إنني أشترط عليك أثناء تجوالك في القصر أن تمسك في هذه الملعقة على نحو لا يؤدي إلى انسكاب الزيت منها. بدأ الفتى يصعد وينزل على سلالم القصر مثبتاً عينيه بتركيز مستمر على الملعقة، وبعد ساعتين أنهى الفتى جولته في القصر وعاد إلى مقابلة الحكيم. سأله الحكيم: هل شاهدت السجادات الفارسية في غرفة طعامي؟ هل شاهدت الحديقة التي استغرق إنشاؤها أعواماً عشرة على يد أمهر بستاني؟ هل لاحظت اللوحات الجميلة في مكتبي؟
    اعترف الفتى مرتبكاً أنه لم يشاهد شيئاً، بل كان همه الوحيد عدم انسكاب نقطتيْ الزيت اللتين عهد الحكيم بهما إليه. فقال الحكيم له: حسناً عُد الآن لأخذ جولة ثانية في القصر، وليكن جُل تركيزك على ملعقة الزيت، وحاول أن تشاهد تلك الأشياء التي تمرّ بها أثناء جولتك هذه. أخذ الفتى الملعقة وقد غدا أكثر ثقة بنفسه، وعاد يتجوّل في القصر موالياً انتباهه هذه المرة إلى شتى التحف واللوحات الفنية المعلّقة على الجدران، والزخارف التي تُزّين السقوف، وشاهد حديقة القصر الخلابة والجبال المحيطة به، وتنسيق زهور القصر، ورهافة الذوق الجميل في اختيار ألوان القصر المنسجمة مع بعضها. عاد الفتى إلى الحكيم، وحدثه بدقة عن كل ما شاهده في جولته الثانية. وحينما سأله الحكيم: أين هما نقطتا الزيت اللتان عهدت بهما إليك؟ أدرك الفتى وهو ينظر إلى الملعقة أنه قد أضاع نقطتا الزيت! عند ئذٍ قال الحكيم: تلك هي النصيحة الوحيدة التي يمكنني أن أسديها إليك، إن سرّ السعادة هو أن تشاهد كل روائع الدنيا من دون أن تنسى إطلاقاً نقطتيْ الزيت في الملعقة. انتهت القصة.
    البعض من الناس لا يرى من هذه الدنيا ولا يُركز إلا على آلامه وأحزانه وانكساراته، رغم أنك لو قارنت حجم مشكلاته بحجم تلك الأشياء الجميلة في حياته، لكان حجم مشكلاته ضئيل جداً أمامها. إن التركيز في الهم والحزن يرسم في مدى نظراتنا لوحة موحشة بألوان كئيبة، تقول الأديبة نور القحطاني: «الأسى يبعث الأسى، والحزن يستدعي الحزن، كما أن الفرح يبذر النشوة في جوانحنا». هذه الحياة مازالت تحتفظ بأشياء كثيرة جميلة لم تختفِ إلى الآن، فمن الظلم للنفس أن نسجنها في جدران الكآبة، وهي بين بساتين، ورحى الهم لا تطحن إلا الضعفاء. حكيم تلك القصة أراد أن يوصي ذلك الشاب الذي هو في مقتبل العمر ألا تشغله مشاكله عن رؤية باقي الأشياء الجميلة في هذه الدنيا، بل يستمتع بالجانب الجميل في حياته ويسعى بكل جهد إلى أن يُنهي جميع مشاكله بالإيمان والحُب والأمل. يقول هيرمان: «لا تجعل من أحزانك نشيداً تردده
    دائماً».

Comments are closed.