جحا و جامعة الإمارات

كان يا ما كان، في سالف العصر و الأوان، رجل إسمه جحا، عرف بذكاءه الخارق و فكاهته الواسعة و خبثه المتميز، سجنه الأمير يوما لسبب ما و لمدة طويلة، فما كان له إلا أن فكر بحيلة للخروج من السجن حيث استطاع إقناع الأمير بقدرته على تعليم حمار الأمير الكلام خلال 5 سنوات، فإن لم يتمكن من ذلك فلأمير الحق في إعدام جحا، و في الطريق و بينما يمتطي جحا حمار الأمير عابه الناس على هذا المقترح الغبي من وجهة نظرهم، فما كان لجحى إلا أن رد عليهم بأنه لا يعلم احد ما الذي سيحدث خلال خمس سنوات، فقد يتوفى الأمير أو الحمار أو قد يتوفي هو شخصيا، لاشئ سيخسره على الإطلاق، أنه حر اليوم و أنه يمتطي حمار الأمير.

و هذا بالضبط ما يفعله البروفسور هيوم، رجل الجامعة القوي، بإعطاء وعود براقة و ذكية، فهو رجل متقاعد و لا يوجد ما يخسرة، فإذا لم تتحقق وعوده في 5 سنوات فقد يغادر الجامعة كمن سبقوه بعد حصوله على مبالغ طائلة ليعود إلى تقاعده أكثر أمنا و ثراء، إنه مبدأ “أللاخسارة” من منظور هيوم و لكن بكل تأكييد ليس من منظور الدولة أو الجامعة.

لقد كانت مقالة السيد ميلز قبل عدة شهور في مجلة التايم للتعليم العالي مشوقة و لكنها لم تتناول القصة كاملة، قصة جامعة الامارات العربية المتحدة مشابهة لقصص العديد من الجامعات العربية، فغياب الرؤية أو تبديلها قبل الأوان تتميز بها الجامعات العربية و الكثير من مؤسساتنا الرسمية.

و بالرغم من أن ما يحدث للتعليم في عالمنا العربي ليس من خطأ البرفوسور هيوم، إلا أنه ليس بريئا فيما يتعلق برؤية جامعة الإمارات الحالية، عندما إنتشر خبر تعيينه في الجامعة، تفاءل العديد من الأكاديمين بتعيين أكاديمي متميز لقيادة الجامعة بالرغم من أن من سبقه قد يكون أكثر خبرة و دراية بالأكاديميا، إلا أن بعد قراءة رؤيته تأكد الكثير بأن هذا الإداري المتميز ليس هنا في الجامعة بغرض التحول الأكاديمي كما يزعم و إنما هنا لشيء آخر، كما إنه محير لنا نحن الأكاديميين الإماراتيين أن نرى تبدل أولويات الأكاديميين الغربيين و مبادءهم عند مجيئهم لهذا الجزء من العالم.

إن نقل الجامعة من الظلام إلى مرتبة “جامعات النخبة” و كواحدة من أفضل 100 جامعة في العالم في خمس سنوات يمكن تحقيقه فقط بطريقتين لا ثالث لهما، إما إستخدام كميات هائلة من مساحيق التجميل أو وحي من السماء، و كمسلمين فإن الرسول محمد (صلى الله عليه و سلم) هو آخر الأنبياء و أن هيوم قد تجاوز السن التي يمكن أن يكون عندها المهدي المنتظر.

لقد قدم هيوم وعوده و هو لا يعلم تفاصيل الجامعة و تاريخها، و من المستغرب أن يقوم رجل بهذه الخبرة على تقديم وعود بهذه الطريقة، أن نقل الجامعة لتكون إحدى جامعات النخبة العالمية يتطلب أكثر من مجرد بحث علمي. فعلى سبيل المثال تفتقد جامعة الإمارات الكثير من البنية التحتية الأكاديمية التي يجب توافرها لتحقيق مثل هذه النقلة، فالجامعة تحتاج لأكثر من 5 سنوات لبناء مكتبة علمية أو مكتبة جامعية بالمفهوم العالمي، كما لا يوجد في الجامعة حتى الآن مرافق رياضية مناسبة للطلبة أو للموظفين و الأكاديميين، و أن مبدأ الحريات الأكاديمية بحاجة لتفعيل و تطوير حيث يتم منع جمعية أعضاء هيئة التدريس من ممارسة أي نشاط داخل الجامعة، أما إتحاد الطلاب فإن وضعة محزن و صعب حيث يلاحق منتسبيه أثناء الدراسة و بعدها، و سوأ صدق هيوم أو لم يصدق فإن مبدأ ثقافة الخوف في الجامعة موجودة و منتشرة في أروقتها.

لقد كان الهدف من تأسيس الجامعة عام 1976 هو تزويد الدولة الناشئة بالكفاءات العلمية المؤهلة لبناء مجتمع متطور و متقدم، و خلال السنوات الثلاثين الماضية قدمت الجامعة البرامج التعليمية المناسبة، كما قدمت الجامعة عشرات الآلاف من الخريجين، في تلك المرحلة كانت الجامعة في ذروة عطاءها، و بالإضافة لهذا تبنت الجامعة برنامج المعيدين و الذي كان، كما نص عليه قانون إنشاء الجامعة، نواة لأعضاء هيئة التدريس، لقد تخرج من هذا البرنامج العشرات من الأساتذة المواطنين المؤهلين لقيادة المسيرة الأكاديمية في الدولة، ولكن بسبب رغبة هيوم في تحقيق أهدافه ، فإن هذين البرنامجيين معرضان للخطر، إن التقشف في دعمهما لغرض توفير ميزانية خاصة لبرامجه المقترحة الحق ضررا كبيرا فيهما، فلماذا تقدم الجامعة برامج دكتوراة مجانية علاوة على المكافأة الشهرية و تذاكر السفر السنوية و التأمين الصحي المجاني و السكن المجاني لطلبة أجانب و عائلاتهم على حساب أعداد الطلبة المواطنين حيث يتم بقصد تقليل أعدادهم من أكثر من 16000 طالب و طالبة في الماضي القريب لما يقارب 12000 حاليا مما يعني تدني أعداد الخريجين لاحقا، هذا الأمر تسبب في جلوس المئات من أبناء الدولة خارج الجامعات و ذلك حتى يتمكن هيوم من تحقيق رغباته و طموحاته، كما أن برنامج المعيدين في خطر اليوم أكثر من أي وقت مضى بسبب تجميدة فعليا. لقد تسببت هذه السياسات في إلحاق الضرر بسمعة الجامعة بشكل لم يسبق له مثيل.

و اليوم و في الوقت الذي يتراجع فيه دور الجامعة المجتمعي، فإن الخطة البحثية لا تحقق نتائج ملموسة و واضحة بسبب غياب الثقافة الأكاديمية المتعارف عليها عالميا، و هذا يذكر بالمثل العربي الشهير الذي يقول ” لم يستطيع الغراب تعلم مشية الحمامة، و لم يستطيع بعد ذلك تذكر مشيته” و نخشى أن تكون هذه النتيجة الحتمية لجامعتنا الأولى.

7 thoughts on “جحا و جامعة الإمارات

  1. هلا بوحمد مادري ليش كل المواضيع تتكلم عن الجوانب

    الاكادمية في حين ان الجانب الادري يشكل 30% من

    مبادئ تقييم الجامعات في التصنيف العالمي .

    هل تعرف يا بوحمد ان جميع الموظفيين لم يتم ترقيتهم

    منذ 20 سنة تقريبا و هل تعرف ان رواتب الموظفيين هي

    الادني في الدولة و ان غالبية الرواتب للمدراء من 15 الف

    الى 20 الف في دليل كبير لتفاوت الرواتب في الدولة .

    كيف تريد الاداريين بلأنتاج و هذة رواتبهم و كم كنت اتمنا

    من هيوم ان يقوم بتغير سياسة الرواتب و توحيدها

    مع الدوائر المحلية لامارة ابوظبي مثلا .

  2. تحليل جميل وواقعي فعلا وهذه هي المشكلة اننا نثق في الاجنبي والامارات الآن اصبحت فيها كفاءات عاليه تقوم بالواجب وأكثر

    مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا اللذي قفز بماليزيا من دوله زراعيه بسيطه الى دولة صناعية كبرى قام بالاستفاده من الاجانب في

    فترة حكمه لتعليم مواطنين ماليزيا على الصناعه والانضباط والجوده في العمل وحينما تسلح الماليزي بما يحتاجه لم يعد لديهم حاجه

    للأجنبي اصبح الماليزي يقوم بكل الادوار بكل كفاءة في بناء وطنه في كافة المجالات الصناعية والسياحية وغيرها …

  3. لا تعليق

    لم يستطيع الغراب تعلم مشية الحمامة، و لم يستطيع بعد ذلك تذكر مشيته”

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

Comments are closed.