أكد خبراء في المحاسبة وتدقيق الحسابات أن مبالغة الشركات في زيادة حجم ما تحتفظ به من سيولة دون وجود خطط لاستخدامها في التوسع بالاستثمار من أجل تحسين الأداء يعد مؤشرا على ضعف كفاءة الشركات في استخدام المواد المتاحة لديها لتعزيز أرباحها وخدمة مساهميها، موضحين انه سواء جاءت السيولة من خلال زيادة رأس المال من دون مبرر أو الحد من حجم توزيعات الأرباح النقدية للمساهمين فإن

نتيجتها ستكون زيادة الاحتياطيات لدى الشركات المساهمة من دون تأثير فعلي في حجم الاستثمارات التي تولد المزيد من الأرباح لها في السنوات التالية. اعتبروا ان من المفترض ان يرتبط الاحتفاظ بالسيولة بسياسات وخطط واضحة للتوسع في الأعمال وللاستحواذ والتملك في شركات أخرى وإلا يصبح تراكم السيولة لدى الشركات بلا جدوى مستقبلية لها ولمساهميها.

أضاف الخبراء ان عمليات إعادة تقييم الأصول ينبغي ألا يساء استخدامها بحيث تؤدي الى تضخيم الأرباح من دون مبرر، خصوصا ان هناك مجالا للاجتهاد في كيفية التعامل محاسبيا مع عمليات إعادة التقييم حيث يمكن للشركات إظهار ناتج هذه العمليات إما في حقوق المساهمين من خلال احتياطي إعادة تقييم او في حساب الأرباح والخسائر، علماً بأن شروطا تحكم هذه العملية والتزامات تترتب على اعتماد اي من هذين الخيارين.

وأشاروا الى أن تقييم العقارات قيد التطوير لدى الشركات المطورة للعقار يعد أيضا من القضايا القابلة للاجتهاد من الناحية المحاسبية، ولذلك تظهر أحيانا تباينات في طريقة تقييم هذه العقارات .

وقال حامد أحمد كاظم استشاري المحاسبة وتدقيق الحسابات ان احتفاظ الشركات المساهمة بمبالغ كبيرة من صافي ارباحها وعدم توزيعها على المساهمين لا يؤدي الى تحسين أداء الشركات اذا لم تكن لديها خطط لاستثمار هذه المبالغ في التوسع بالأعمال او الاستحواذ والتملك في شركات أخرى، لأن الأموال ستذهب في هذه الحالة الى الاحتياطيات بمختلف انواعها ضمن حقوق المساهمين في الميزانية العامة، ولا تنعكس بالتالي زيادة في صافي ارباح الشركة، مما يجعل تأثيرها في اسعار الأسهم في السوق محدودا للغاية.

وأشار الى أن الزيادة في رأسمال الشركات المساهمة وما يرتبط به من تقاضي علاوات اصدار مرتفعة، كما شهدنا في حالات عدة خلال العام الماضي، يتحول بالنتيجة الى زيادة في الاحتياطيات ما لم تكن هناك خطط لاستثمار تلك المبالغ كما هو الحال تماما عند الاحتفاظ بالأرباح وعدم توزيعها على المساهمين، وبالتالي لا ينجم عن هذه الزيادة توسع في الأعمال وزيادة في صافي الارباح يمكن للمساهم ان يستفيد منها في النهاية من خلال الانعكاسات الإيجابية لتحسن أداء الشركات على أسعار اسهمها في السوق. واعتبر ان من المبرر تماما ان تلجأ الشركات لزيادة رأس المال والاحتفاظ بنسبة كبيرة من أرباحها لتمويل استثماراتها في حال لم تكن ملاءتها المالية تسمح لها بالتوسع في الاقتراض من البنوك لتأمين احتياجاتها التمويلية، وفي هذه الحالة تستفيد الشركة، وكذلك المساهم من الاحتفاظ بالسيولة،و من زيادة رأس المال، لكن الذي يحدث احيانا ان بعض الشركات تجد الفرصة مواتية لزيادة رأسمالها بنسب كبيرة قد تصل الى الضعف نتيجة لتوفر السيولة في الاسواق، برغم عدم وجود خطط لاستثمار هذه المبالغ في مشروعات وعمليات جديدة. وبالتالي تقوم بزيادة رأسمالها على هذا الأساس تحسباً من احتمالات جفاف السيولة في الأسواق لاحقا عندما تحتاج الشركة بالفعل إلى زيادة رأسمالها، وتكون النتيجة أن المبالغ التي تم سحبها من الأسواق لزيادة رأس المال تتراكم لدى الشركة دون استخدام، سوى إمكانية وضعها في الودائع المصرفية بعائد محدود وفقاً لأسعار الفائدة الحالية على الودائع، وقد حدث هذا بالفعل في عدة حالات لزيادة رأس المال من قبل الشركات المساهمة في الدولة خلال العامين الماضيين.

وأضاف انه حتى في الحالات التي كان الهدف من زيادة رأس المال فيها تحسين الملاءة المالية للشركات فقد تمت الزيادة بنسب أعلى بكثير مما يقتضيه تحقيق هذا الهدف وبالتالي تراكمت المبالغ لدى هذه الشركات دون استخدامها في استثمارات جديدة. وأكد أن المعيار في الحكم على قدرات الشركات المساهمة لا يتمثل في ما يتراكم لديها من سيولة بقدر ما هو كفاءتها في استخدام وتوظيف هذه السيولة لتحقيق أفضل النتائج لمساهميها، الأمر الذي يفترض أن يجعل البحث عن السيولة مرتبطاً بوجود خطط للاستثمار والتوسع وليس من أجل اقتناص الفرص التي تلوح في الأسواق المالية عندما تدخل في مراحل فائض السيولة.

وقال إن تحركات الأسهم لا تخضع دائماً للحقائق المالية في أداء الشركات المساهمة ومستوى النمو في أرباحها، بل إن هناك عوامل أخرى كثيرة من خارج الميزانيات العامة والحسابات المالية للشركات تتحكم في حركة السوق من بينها توجهات المستثمرين ومستويات السيولة في الأسواق والعوامل النفسية وعوامل أخرى كثيرة، خصوصاً وأن هناك نسبة كبيرة من المستثمرين لا يتابعون الميزانيات والحسابات المالية للشركات، كما أن الأخبار التي تنشر في بعض الصحف حول أداء الشركات ليست دقيقة، وقد يخفي العنوان الرئيسي لهذه الأخبار حقائق مهمة للغاية تحدد طبيعة أداء الشركات، علماً بأن المتعاملين في الأسواق من قراء الصحف ليسوا خبراء في المحاسبة ليتمكنوا من الوصول إلى الدقائق التفصيلية للمعلومات المالية عبر الأخبار السريعة التي تنشرها الصحف بهذا الخصوص.

وحول تأثير عمليات إعادة تقييم الأصول في الحسابات المالية للشركات ومدى إمكانية أن تؤدي هذه العمليات إلى خلق أرباح وهمية كهذه الشركات قال إن عمليات التقييم وإعادة التقييم للأصول تتناول بندين أساسيين هما العقار والأسهم، والذي يحدث بالنسبة للعقار القابل للاستثمار هو أن ناتج عمليات التقييم وإعادة التقييم يرحل إلى حساب الأرباح والخسائر، كما أن من الممكن أن يرحل إلى حقوق المساهمين ويتم التقييم سنوياً.

أما بالنسبة للأسهم فيعاد تقييم محفظة الأسهم ويذهب الناتج إلى حساب الأرباح والخسائر، وهناك معالجة أخرى تسمح بأن يذهب الناتج إلى حقوق المساهمين، وفي هذه الحالة إذا انخفضت قيمة المحفظة واستمر الانخفاض لفترة غير قصيرة يجب أن يعاد التقييم مجدداً لتظهر الخسائر من خلال حساب الأرباح والخسائر.

وأوضح أن من أكثر الحالات التي تحتمل الاجتهاد في التعامل المحاسبي معها هو العقارات قيد التطوير في شركات التطوير العقاري، حيث لم تصل المعايير المحاسبية حتى الآن إلى حالة الاستقرار في التعامل مع هذا البند، وهو ما يتيح لتلك الشركات أحياناً إظهار أرباح أعلى من أرباحها الحقيقية من العقارات قيد التطوير، فالمبدأ المحاسبي هنا هو أن يتم احتساب الأرباح بقدر ما تتسلمه الشركة فعلاً من عملائها كأقساط من إجمالي قيمة العقار، أي إذا كان المستلم من العملاء هو 20% من القيمة ترحل الأرباح الناجمة عن هذه المبالغ إلى حساب الربح والخسارة على أن يكون المنجز من المشروع العقاري هو بنسبة 20% كذلك، على أن المبدأ المحاسبي هنا يشترط شروطا عدة لاحتساب الأرباح على هذا الأساس من بينها انتقال المخاطرة بالكامل إلى العملاء وكذلك تطبيق نظام تسديد مقدم للأقساط عند الشراء بنسبة تتراوح بين 20% و40% من إجمالي القيمة على أن يكون للشركة ذاتها سجل للإنجاز، علماً بأن هناك اجتهادات أخرى تشترط أن تكون الشركة قد أنجزت المشروع بالكامل وتسلمت كل الأقساط من العملاء ليتم ترحيل أرباحه.

وأشار إلى أن ما يحدث على أرض الواقع هو عدم الالتزام أحياناً بالشروط التي تسمح باحتساب الأرباح وفقاً لنسبة الإنجاز والسداد من قبل العملاء، ورغم ذلك يتم ترحيل الأرباح على أساس هذه النسبة، كما قد يجري التصرف بطريقة احتساب الأرباح عبر افتراض كلفة غير واقعية للمشروع من قبل الشركة بهدف تضخيم الأرباح، وقد يتم تسليم المدقق أوراقاً تشير إلى نسبة إنجاز أكثر من المتحقق فعلاً على أرض الواقع بهدف زيادة ما يتم احتسابه من أرباح، وهنا يجب على المدقق أن يتأكد من نسبة الإنجاز ميدانياً ولا يكتفي بالأوراق المقدمة له من شركة التطوير.

وأكد أن طريقة احتساب عقود الإيجار الطويلة المدى للعقارات والتي قد تمتد لمدة 99 سنة قابلة للتجديد هي من الأمور الشائكة محاسبياً حيث تشير المعايير إلى ضرورة تقسيم الأرباح من هذه العقود على المدة التي تستغرقها وهي 99 سنة في هذه الحالة، ليتم ترحيل الأرباح سنوياً بواقع حصة كل سنة من هذه الأرباح، فيما تذهب اجتهادات أخرى إلى ترحيل الأرباح من هذه العقود دفعة واحدة بالكامل مادام قد تم توقيعها واستلام مبالغها.

وأكد ضرورة قراءة الميزانيات بدقة من قبل المستثمرين والمحللين الماليين لتشمل القراءة الملاحظات المرفقة بالميزانيات والتقارير المالية والتي تشمل معلومات لا تقل أهمية عن البيانات المدرجة في الميزانية وحساب الأرباح والخسائر وتضيء على هذه البيانات بحيث يستطيع المحلل الوصول إلى أفضل تقييم لوضع الشركة المالي، كما أن من الضروري أن يكون هناك توافق بين المبادئ المحاسبية التي تتبعها الشركات في إعداد حساباتها وبحيث لا يكون هناك اختلاف في طريقة التطبيق بين سنة وأخرى بما يوحي بأن هناك نوعاً من الانتقاء في التعامل مع المبادئ المحاسبية لإظهار الميزانية بأفضل وضع ممكن.

وقال المحاسب القانوني والخبير في الحسابات عبدالله محمد الأحمدي إن الاحتياطيات المالية في الميزانية العامة للشركات تنقسم إلى فئتين الأولى تشمل الاحتياطي القانوني وهو ملزم ويحدد القانون نسبته، أما النوع الثاني من الاحتياطيات فهو اختياري يتكون وفق السياسة التي تختارها كل شركة على هذا الصعيد، وبشكل عام فإن الاحتياطيات تعد حماية للمساهمين والمتعاملين مع الشركة وهي تعزز الملاءة المالية لها وتقوم بدور مهم في استقطاب المستثمرين إلى اقتناء أسهم الشركة، لكن زيادتها بنسب كبيرة قد تؤدي إلى حرمان المساهمين من توزيعات أفضل للأرباح يمكن أن تمنحها لهم الشركة، وهذا يساعد على تحسين مستويات السيولة في أسواق الأسهم ويدفع هذه الأسواق بالتالي نحو الانتعاش.

وأوضح أنه على صعيد إعادة تقييم الأصول فيجب ألا تشمل المعدات والأجهزة كما يحدث أحياناً لدى بعض الشركات لأن ذلك سيعمل على إعطاء صورة غير حقيقية عن الوضع المالي لهذه الشركات، أما بالنسبة للأراضي والمباني فمن المفروض أن يتم إعادة تقييمها مجدداً عندما تصبح قيمتها الفعلية في السوق أعلى بكثير من قيمتها المسجلة في الميزانية.

وقال الخبير المحاسبي سمارة محمود سمارة إن الاحتياطيات المالية في الميزانية العمومية للشركات تعطيها قوة ومتانة تعبر عن الوضع المالي للشركة شريطة ألا يزداد حجم الاحتياطيات بنسبة مبالغ بها، لأنها في هذه الحالة قد تعني وجود مبالغ كبيرة غير مستثمرة، ولكن بشكل عام فإن وضع الاحتياطيات يعكس سياسة الشركات في التعامل مع السيولة بما في ذلك تفضيلها في العديد من الحالات الاحتفاظ بمبالغ مهمة من أرباحها من دون توزيعها على المساهمين بهدف تقوية الميزانية العامة للشركة.

واعتبر أن الأفضل أن تتم إضافة الناتج عن إعادة تقييم الأصول إلى حقوق المساهمين وليس إلى الأرباح لأنها في حالة دخولها إلى الأرباح قد تعكس رغبة الشركات بتضخيم أرباحها في إطار محاولات تجميل الميزانيات وخصوصاً عندما لا تكون الأرباح بالمستوى الذي يأمله المساهمون.
وأشار إلى أن إعادة تقييم الأصول كان يتم أساساً عندما تصبح القيمة الدفترية للأصل قريبة من الصفر، لكنها أصبحت الآن جزءاً من العمليات المحاسبية .

منقووووول