أسواق المال قنوات للأستثمار أم قاعات للقمار ؟

الحلقة على قناة الحوار

Welcome to Darussalam.ae

الكاتب: أ.د.يوسف خليفة اليوسف
” عندما كنت صغيرا كان الناس يسموني مقامرا . وعندما زاد حجم تعاملاتي اصبحت اعرف بالمضارب. الآن أنا أسمى مصرفي . ولكنني كنت اقوم بنفس العمل طوال الوقت “

(السير ارنست كاسل- مصرفي ادوارد السابع)

مااهمية اسواق المال
عادة يتم تمويل المشروعات في اي اقتصاد عبر طريقين احدهما غيرمباشر والآخرمباشر. اما الطريق غيرالمباشر فهو ان يقوم اصحاب الأموال الفائضة او المدخرات بأيداع مدخراتهم في البنوك التجارية ومن ثم تقوم هذه البنوك بأقراض هذه المدخرات الى المستثمرين بعد اتخاذ كل الأجراءات للتأكد من جدوى هذه المشروعات والحصول على الضمانات اللازمة لتجنب اي سوء استخدام لهذه الأموال من قبل المقترضين اي ان الأموال تنتقل من اصحابها الى البنك ومن البنك الى المستثمر ومن هنا يعرف هذا التمويل بالتمويل غير المباشر. وهنا تختلف البنوك في طريقة استثمارها لهذه المدخرات باختلاف اساسها العقائدي . فاذا كانت بنوكا قائمة على الربا فانها تدور هذه الأموال الى المستثمرين بفائدة اعلى من الفائدة التي تدفعها هذه البنوك لمودعي الأموال وتكسب هي الفرق بين العائدين للأدارة وكعائد للمساهمين . اما اذا كان المصرف اسلاميا فانه يستلم الأموال على اساس المضاربة اي اماكنية الربح والخسارة ويدورها الى المستثمرين بعدة صور منها المضاربة والمشاركة والمرابحة والأيجارة بأنواعها والأستصناع وبيع السلم وصيغ أخرى ليس المجال هنا للتفصيل فيها . اما الطريق الثاني لأستثمارهذه المدخرات فهو الطريق المباشر الذي يتحقق بشراء اصحاب هذه المدخرات لأسهم الشركات التي تتأسس للقيام بكافة النشاطات الأقتصادية والتي يقوم اصحابها ببيع اسهمها في اسواق المال وبذلك يحصلون على التمويل مباشرة من اصحاب المدخرات . وعادة هناك نوعان من اسواق المال يكملان بعضهما البعض وهما اسواق الأصدار(الأسواق الأولية) وهي الأسواق التي يتم فيها بيع اسهم الشركات عند تأسيها واسواق التداول(الأسواق الثانوية) التي تعتبر ضرورية لتطوراسواق الأصدار لأن اي مستثمر يحرص على العائد المرتفع والمخاطرة المنخفضة ولكنه كذلك يحرص على السيولة اي قدرته على بيع الأسهم التي يمتلكها في حالة رغبته في ذلك وهذا ما تحققه اسواق التداول عادة .

الأنتقال من الأستثمار الى القمار
يتضح من المقدمة السابقة ان الهدف الأول والأهم من تدوير المدخرات من اصحابها الى المستثمرين سواء عن طريق البنوك(الطريق غير المباش) او من خلال اسواق المال(الطريق المباشر) هو استخدام هذه المخرات في اقامة مشاريع منتجة يتحقق فيها توظيف العمالة وتتطور فيها التقنية وتنتج فيها السلع والخدمات وبالتالي تتحق لكل من المدخر والمستثمر عوائدا ناتجة عن ربح الشركة اولا وعن زيادة قيمة اسهمها بسبب هذا النجاح ثانيا اي ان الأرتفاع في اسهم الشركة يكون بسبب نجاحها في ابتكاراتها ومبيعاتها وتقليل تكاليفها وكفاءة ادارتها وهذا النوع من الأرتفاع يكون مستقرا واذا حدث فيه تذبذبا فانه لايكون كبيرا ولايؤذي الأقتصاد . وبالتالي فان المستثمر في هذه الحاله هو حريص على الأستثمار بعيد المدى وعلى نجاح المؤسسات التي هو شريك فيها واذا اراد بيع الأسهم لسبب مبرر فهذا يكون الأستثناء اما القاعدة فهي ان تبقى الأموال في صورها المنتجة والتي تؤدي بدورها الى الأستقرار . غير ان هناك شريحة من المستثمرين هدفها الأول والأخير هوشراء الأسهم سواء بدفع قيمتها كليا او جزئيا من اجل المراهنة على ارتفاع اسعارها ومن ثم بيعها وتحقيق الربح الناتج عن هذه المراهنة وبقدر ما تزداد نسبة هذه الشريحة بين المستثمرين بقدر ما يزداد احتمال حدوث تذبذبات وانهيارات عميقة في اسواق المال حتى ان بعض الأقتصاديين قد ذهبوا الى حد المطالبة بمنع التجارة في الأسهم لتجنب الآثار المدمرة لهذه الفئة لأنها تختطف قطار الأستمثارات وتخرج به عن طريقه الصحيح الذي يؤدي الى الأستثمارات المنتجة وطويلة المدى والتي تحدثنا عنها سابقا. اذا لاغبار على اصدارالأسهم لشركات تنوي الدخول في مشروعات منتجة يستفيد منها الأقتصاد بأكمله ، كما وانه ليس هناك مانعا اقتصاديا او شرعيا من المتاجرة بالأسهم اذا كان بسبب حاجة المستثمر للسيولة او لأنه يرغب في استثمار امواله في مشروع استثماري ذو عائد اكبر فهذه امور طبيعية لاتنطبق فقط على الأسهم وانما تنطبق كذلك على العملة الأجنبية وعلى العقار وعلى النفط وعلى بقية السلع لأن الأصل في المعاملات هو الأباحة . غير ان التلاعب بالأسعاربأي صورة من الصور كالأحتكار او ترويج الأشاعات او دفع الناس الى شراء هذه الأسهم للأستفادة من ارتفاع الأسعار او استخدام معلومات ليست متوفرة للجميع هو السبب الذي يعزوا اليه المراقبون ازمات اسواق المال منذ بداية القرن السابع عشر عندما بدأت اسواق المال في الظهوروحتى يومنا هذا . والمتأمل لأسواق المال يجد ان شريحة المراهنين هذه يمكن تقسيمها كذلك الى نوعين . النوع الأول وهم الغالبية يتكون لديهم احساس بأن الأرتفاع في الأسعار سيظل مستمرا وان هناك مستجدات في الأقتصاد ستظل تدفع بالأسعار الى الصعود الى ما لانهاية وهؤلاء المستثمرين هم ما يمكن ان يطلق عليه مسمى “الأغلبية الخاسرة” أو “ضحايا السوق ” لأنها تظل تقترض وتشتري حتى تنكسرالأسعار وتجد نفسها في اغلب الحالات مثقلة بالديون المتراكمة وبأسهم او عقارات اسعارها منخفضة لاتغطي حتى جزء من الديون التي وقعت فيها . اما النوع الثاني من المستثمرين فانني احب ان اطلق عليهم اسم ” الأقلية الماكرة” لأنها تركب موجة الأسعار ولكنها تتخلص من اسهمها او عقارها فبل بداية الأنهيار فتحقق ارباحا على اكتاف الغالبية من الناس لأنها استطاعت وبعدة طريق قانونية او غير قانوينة ان توجد الفورة الأقتصادية وان وتكسب منها [1].

وقبل ان ننتقل الى الحديث عن بعض التجارب التاريخية لمعرفة آثار ظاهرة المراهنات في اسواق المال أوفي العقارات او في العملات او في غيرها لابد لنا اولا من الأستشهاد بآراء رواد علم الأقتصاد والمال في طبيعة هذه المراهنات وآثارها على تنمية المجتمعات واستقرارها .

طبيعة رأس المال المراهن
ماطبيعة راس المال المراهن او المضارب كما يطلق عليه في اسواق المال اليوم سواء المحلي او الدولي ؟ هل يساهم في الأستثمارات المنتجة او انه لايتعدى كونه راس مال مراهن يبحث عن مكاسب سريعة بغض النظر عن آثاره على الأقتصاد المحلي او الدولي ؟ يقول اللورد كينز وهو مؤسس الأقتصاد الكلي الحديث بأن المضاربون قد لايؤثرون على الأقتصاد اذا كانوا فقاعة بسيطة في اقتصاد قائم على مشروعات منتجة وناجحه أما اذا سيطرت هذه المراهنات على راس مال الأقتصاد فان الأمر يصبح خطرا حيث ان الأقتصاد يصبح ككازينو القمار[2]. ونفس هذا الراي يؤكده احد اساتذة الأقتصاد المعروفين بقوله ان أغلب الأموال التي تتحرك بين الدول اليوم ليست لشراء وبيع السلع والخدمات اوللأستثمار المنتج وبعيد المدى وانما هي اموال مضاربة تبحث عن مكاسبا سريعه وتخرج من البلد بنفس السرعة التي دخلت بها [3]. اما لورنس سمرز، رئيس جامعة هارفرد حاليا ووزير خزانة الرئيس السابق كلينتون، فانه يؤكد على ان تحرير اسواق المال لتمارس غريزة الكازينو لديها يزيد من احتمال حصول الأزمات لأنه بعكس حالة الكازينو فان هذه المراهنات التي تحصل في اسواق المال تكون مكلفة للأقتصاد الفعلي [4]. اما جوزيف ستيجلتزالحائز على جائزة نوبل في الأقتصاد عام 2001 فانه يؤكد بأن تحرير اسواق المال في الدول النامية في السنوات الأخيرة قد استفادت منه بنوك الدول الصناعية بينما ادى دخول الأموال المراهنة على اسعار العملات الى الدول النامية وخروجها منها في فترة قصيرة الى انهيار العملات واضعاف النظام المصرفي مؤكدا ان هذه الأموال لايمكن ان يستفاد منها في تأسيس مصانع ومشاريع بعيدة مدى لأن اصحابها يدخلونها ويخرجونها في فترة قصيرة [5]. وليس هناك ادق وصفا لأسواق المال المعاصرة مما قالته احد الأقتصاديات الأمريكيات من ان النظام المالي الغربي يتحول تدريجيا الى كازينو كبير[6]. وحتى اوليفرستون المخرج السينمائي الأمريكي المشهور انتج فيلما اسماه ” وول ستريت” ليصور الجنون والهوس الذي تعيشه اسواق المال مؤكدا ان هذه الأسواق يسودها الطمع ولاتخدم مصالح غالبية ابناء المجتمع .

كيف تحدث الأنهيارات في اسواق المال ؟
عندما يكون المستثمرون في حالة تفاؤل بوضع السوق ومستقبل الأرباح المتوقعة من الأستثمارات المختلفة فانهم يقومون بزيادة استثماراتهم مما يدفعهم الى الرغبة في زيادة الأقتراض . فاذا تكون لدى الممولين شعور بالثقة في اخذ المخاطرة في تقديم القروض لهؤلاء المقترضين احساسا منهم بأن الربحية المتوقعة في المشروعات الأستثمارية تبرر ذلك فان هذا يعني ان حجم السيولة في الأقتصاد يزداد. هذا الشعور التفاؤلي لدى كل من المقترضين والمقرضين والذي يؤدي الى زيادة حجم السيولة وتوسع النشاط الأقتصادي ليس له سبب وحيد . فقد يكون بسبب بداية انتاج السيارات وما واكبه من بناء الطرق السريعة كما حصل في الولايات المتحدة في العشرينيات من القرن الماضي وقد يكون بسبب حركة رؤوس الأموال من دولة الى اخرى نتيجة لتحرير اسواق المال من القيود بأشكالها كما حصل في منتصف الثمانيات في اليابان، وقد يكون بسبب تطور في تقنية المعلومات كما حصل في اسواق المال الأمريكية في التسعينيات، كما وانه قد يكون بسبب الأرتفاع غير العادي في اسعار النفط كما حصل في الدول الخليجية في العام 2006 .

ولكن كيف يؤدي هذا التزايد في حجم السيولة مهما كان سببه الى فورات اقتصادية تنتهي بالأنهيارات التي شهدتها اقتصاديات العالم خلال العشرين سنة الأخيرة ابتداء من فورة اسواق المال والعقارالتي حصلت في مجموعة دول النوردك (فلندا ، النرويج والسويد ) وفي اليابان في النصف الثاني من الثمانينيات والتي تركت الأقتصاد الياباني في حالة ركود حتى نهاية القرن الماضي مرورا بالهزة التي تعرضت لها دول شرق آسيا كتايلند وماليزيا واندونيسيا وهونكونغ في منتصف التسعينيات وانتهاءا بهزة اسواق الأسهم في الولايات المتحدة في النصف الثاني من التسعينيات ؟ ان الأجابة على هذا التساؤل تتطلب منا التوقف عند احد هذه الأنهيارات وليكن انهيار اسواق العقارات واسواق الأسهم في اليابان في منتصف الثمانينات حتى يتمكن القاريء من استيعاب الكيفية التي تؤدي بها المراهنات في اسواق المال والعقارالى تحويل التوسع في النشاط الأقتصادي الى فقاعات تنتهي بالأنهيارات وما ينتج عنها من تكاليف باهضة على اغلب الشرائح وعلى الأقتصاد ككل مع الأعتراف بأن هناك بعض الفوارق النسبية بين تجربة واخرى الا ان جوهرهذه الأنهيارات فيه كثير من التشابه .

مثال من اليابان
شهدت اليابان في منتصف الثماينات تحريرا للقطاع المالي بسبب الضغوط الأمريكية وغيرها ولقد ادى هذا التحرير للقطاع المالي من جانب الى تدفق مبالغ كبيرة الى اليابان من الخارج ومن جانب آخر الى تمكين المصارف من زيادة قروضها للأفراد الراغبين في شراء العقارات وبناء المكاتب والشقق السكنية ومراكز التسوق مما ادى بدوره الى زيادة في اسعار العقارات . وقد فاقم من حجم السيولة تدخل بنك اليابان المركزي في النصف الثاني من الثمانينات لتخفيف حدة زيادة سعر صرف الين الياباني في سوق الصرف الأجنبي . وبما ان كثير من الشركات المدرجه في سوق طوكيو للأسهم هي مرتبطة بقطاع العقارات بصورة مباشرة أو غير مباشرة فان هذا الأرتفاع في اسعار العقارات انعكس على شكل ارتفاع في اسعار الأسهم كذلك . فالقيمة السوقية للأسهم اليابانية اصبحت ضعف القيمة السوقية للأسهم الأمريكية مع ان الناتج المحلي لليابان كان اقل من نصف الناتج المحلي الأمريكي خلال تلك الفترة. والقيمة السوقية للقطاع العقاري في اليابان وصلت الى ضعفي القيمة السوقية للقطاع العقاري في الولايات المتحدة علما ان مساحة الأراضي في اليابان لاتزيد على 5% من مساحة الأراضي في الولايات المتحدة حيث ان 80% من أراضي اليابان هي اراضي جبلية . حتى ان من النوادر التي كانت سائده في اليابان في اواخر الثمانيينات ان القيمة السوقية للأرض التي يقع عليها قصر الأمبراطور كانت اكبر من القيمة السوقية لكل الأراضي العقارية في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة وهذه ليست مبالغة بل انها حسبت فعلا وهي تعبيرا عن درجة الأزدهارالذي حصل في قطاع العقارات في اليابان . كذلك بما ان كثير من المصارف اليابانية كانت تمتلك كثير من العقارات ومن الأسهم فان الزيادة في اسعارهما قد ساعدت على زيادة راس مال هذه المصارف وهذا بدوره ادى الى مزيد من القروض المقدمة . اذن الزيادة في اسعار العقارات الحقيقية ادت الى زيادة في اسعار الأسهم والزيادة في اسعار العقارات والأسهم ادت بدورها الى زيادة رأس مال المصارف . هذه الزيادة في رأس مال المصارف وفي ظل تحرير القطاع ساعدت على زيادة حجم القروض الى فئات كانت مقيدة في حجم القروض التي يمكن ان تقدم لها . كذلك ادت زيادة اسعار العقارات الى زيادة ربحية الشركات التي تعمل في هذا القطاع مما ادى الى زيادة طلبها على القروض للتوسع وتحقيق ارباح اكثر [7] . طبعا هذا الأرتفاع المستمر في اسعار الأسهم والعقارات كان نتيجة للشعور التفاؤلي لدى جميع الأطراف من ان شراء العقار او الأسهم اليوم وانتظار فترة لأرتفاع اسعارها بنسبة اكبر وبيعها لتحقيق مكاسب هو افضل استثمار مما دفع كثير من المؤسسات ذات الأستثمارات الصناعية المنتجة كشركات السيارات والحديد والالكترونيات الى الأستثمارفي العقارات والأسهم لأن عائدها مرتفعا مقارنة بعائد صناعاتها .

غير أن هذا الجنون الذي تعيشه اسواق المال واسواق العقارات لايمكن ان يدوم ولابد ان تحصل صدمة اخرى تنقض مساره أي تدفع الأسعار وكمية السيولة الى التراجع ومعها يتراجع الأقتصاد بالضبط كالصدمة التي بدأت بها هذه الفورة وهنا تتفاوت كذلك الأقتصاديات في نوع صدمة او منعطف التراجع ودرجة الأنحدار الذي يحصل في الأقتصاد. فما هو المنعطف الذي مثل الشرارة الأولى في انهيار اسواق المال والعقارات ومعها الأقتصاد الياباني في منتصف الثمانينيات ؟

وصلت الطفرة في اسعار العقارات والأسهم في اليابان مستويات عالية مع نهاية عام 1989 مما ادى بمحافظ البنك المصرفي الجديد الى التصريح بأن هذا الأرتفاع في اسعار العقارات اصبح يهدد النسيج الأجتماعي مما حدى بالبنك المركزي الى اصدار قرار يقيد معدل نمو حجم القروض المقدمة للقطاع العقاري . هذا القرارجعل المستثمرين الذين اشتروا عقارات حديثا امام اشكالية حيث ان ايجارات هذه العقارات لازالت اقل من الفوائد المستحقة على قروضهم السكنية وليس بأمكانهم ان يقترضوا قروضا جديده مما ادى بشريحة من هؤلاء المستثمرين الى بيع عقاراتهم . هذا البيع للعقارات مع تقييد معدل نمو قروض العقارات ادى الى تراجع اسعار العقارات ومعها بدأ تراجع اسعارالأسهم . الأنخفاض في اسعار الأسهم والعقارات نتج عنه حالات كبيرة من الأفلاس وخسارة المصارف لكثير من قروضها مما ادى الى بيع اصولها وبالتالي انخفاض اسعارها.

اذن العجلة الأقتصادية التي دارات صعودا منذ بداية الثمانيات في اليابان بدأت في التراجع مع نهاية الحقبة . فبيع العقارات نتيجة لأرتفاع تكاليفها مقارنة بعائدها ادى الى انخفاض اسعارها ومن ثم الى انخفاض في اسعار الأسهم مما يعني ان راس مال المصارف بدأ في التراجع كذلك وهذا بدوره قلل من قدرة هذه المصارف على تقديم القروض. كل هذه التطورات دفعت بكثير من المستثمرين المحليين والدوليين الى تحويل استثماراتهم الى خارج اليابان كما و دفعت بالقطاع المنزلي لتقليل الأستهلاك وهذين الأثرين نتج عنهما تراجعا في معدل النمو الأقتصادي وواكبتها كثير من حالات الأفلاس وتزايدت خسائر القطاع المصرفي وبدات الأموال بعد ذلك تهاجر الى دول شرق آسيا لتنظم الى اموال أخرى من الدول الأوروبية والولايات المتحدة لتمهد لفورة 1997 في تايلند وماليزيا واندونيسيا وبقية هذه المجموعة. ثم هاجرت هذه الأموال بعد انهيار شرق اسيا وانخفاض اسعار عملات هذه الدول بأكثر من 30% وهبوط اسعار الأسهم فيها بنسب تتفاوت بين 30% و60% لتعيد الكرة في الولايات المتحدة الأمريكية وتنتهي بأنهيار اسواق الولايات المتحدة عام 2000 ومانتج عنه من انخاض قدره 80% في قيمة الأسهم المتداولة في النازدك وهو سوق الأموال الأمريكي. وجدير بالذكر هنا ان بعض هذه الأنهيارات ترافقها خسائر في المصارف وبعضها يرافقها انخفاض في سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأخرى وبعضها الآخر يكون مزيج من ازمة مصارف وازمة عملة كما حصل في المكسيك ودول شرق آسيا بينما كانت الأزمة في اليابان هي أزمة في المصارف فقط . وقد تتمكن الدول من اطالة فترة الفورة الأقتصادية ولكنها لابد وان تنتهي بهبوط بالضبط كراكب الدراجة الذي يستطيع الحفاظ على استقرار هذه الدراجة طالما انه يحرك العجلات ولكن عاجلا ام آجلا سيتوقف عن تحريك العجلات وتفقد هذه الدراجة استقرارها وتقع ولكن هذا الوقوع تتفاوت حدته من راكب الى آخر بتفاوت مهارة ركاب الدراجات .

الوجه المظلم لأسواق المال
تبدوا أسواق المال لأول وهلة بأصواتها ومحلليها وشركاتها وسماسرتها وكأنها فرقة موسيقة تقوم بأداء شيق ومتجانس وهذا الأنطباع لايغيب على المتابع للأخبار الأقتصادية في الأجهزة الأعلامية في يومنا هذا لأن الهدف النهائي هو تجميل اللعبة لأصحاب الأموال . غير ان قليل من البحث لواقع عمل هذه الأسواق والغوص قليلا في تاريخها يكشف لنا جانب آخر مليء بالغش والسرقات والأحتيال والأمراض النفسية والأنتحار وغيرها من اعراض السلوك غير الطبيعي الذي يتمخض عن سلوك غريزي مدمر عند الأنسان لايختلف في اثره عن ادمان الخمر او المخدرات او غيرها من النزوات المهلكه التي هذبها الخالق بتوجيها نحو نشاطات منتجة ومساعدة على استقرار الأنسان بدل عيشه في حالات من الهيجان النفسي الذي نشاهده اليوم لدى المتعاملين في اسواق المال . ولانريد ان نبدوا وكاننا تحولنا فجأة الى علماء نفس واجتماع ولكننا نؤكد بان تجربة هذه الأسواق خلال الثلاثين سنة الأخيرة تشير الى انها تحولت من قنوات استثمارية منتجة ونافعة للمجتمع الى قاعات للقمار وما يعنيه ذلك من تكاليف باهضة للأفراد والمجتمعات معا . وتوضيحا لما نقول سنتعرض سريعا لمظهرين من مظاهر هذه المراهنات وهما الفساد الأداري والمالي والتكاليف الباهضة الناتجة عن انهيارات الأسواق.

الفساد الأداري والمالي
اسواق المال تشوبها كثير من صور الفساد المالي والأداري ويزداد هذا الفساد وضوحا عندما تحدث الأنهيارات واليك بعض الأمثلة التي افرزها انهيار اسواق المال الأمريكية عام 2000.

فعندما حدث الأنهيارفي اسواق المال الأمريكية عام 2000 اعلنت شرك “أنرون” التي كانت تعتبرسابع أكبر شركة في الولايات المتحدة عن افلاسها وكان من اهم الأسباب التي ادت الى افلاسها ان ادارتها كانت تتلاعب بحساباتها الداخلية وكانت تغري المدققين الخارجيين وعلى رأسهم شركة المحاسبة المشهورة أرثر اندرسون بأن يعلنوا ان الشركة تحقق ارباحا عالية من خلال تقليل بنود التكاليف بما في ذلك الديون والمبالغة في الأيرادات وذلك لأن الأعلان عن ارباح الشركة الوهمية كان يجلب المستثمرين ويؤدي الى ارتفاع اسعار اسهم الشركة وكلما ارتفعت اسعار اسهم الشركة كانت المكافآت التي يحصل عليها مدراء الشركة اكبر حتى ولو كان ذلك يعني تزايد احتمال افلاس الشركة وضياع اموال الستثمرين وهذا ما حصل فعلا. ونتيجة لهذا التلاعب قدمت قضايا قانونية على اكثر من ثلاثين مديرا لمؤسسة انرون المنهارة ذلك بالأضافة الى الخسائر الباهضة التي تعرض لها آلاف المستثمرين . ولقد ادى انهيار “انرون” واكتشاف تواطؤ مؤسسة التدقيق الخارجي “أرثر اندرسون” معها الى هبوط هذه المؤسسة الأخيرة التي ادانتها المحكمة بأعاقة القانون والتخلص من كثير من الوثائق عام 2002 وخسرت نتيجة لذلك مئات من المؤسسات التي كانت تتعامل معها . اما شركة الأتصالات المشهورة ” ورلدكوم” فقد كانت من اكثر الشركات نموا في التسعينيات وكان رئيسها ايبرز حريص على ان تبقى اسعار اسهم شركته في ارتفاع لأستقطاب الأموال ولزيادة الأمتيازات التي يحصل عليها هو وفريقه الأداري ولذلك كان دائما يقوم بشراء مؤسسات اتصالات اسعاراسهمها اقل من اسعار اسهم الشركة الأم ولقد كانت آخر عملية شراء هي لشركة امسياي (MCI ) وكانت تعتبرمن اهم الشركات ابتكارا في صناعة الأتصالات وقد ادى الدمج الى تغيير الأسم الى مسيأيوردكوم(MCIWorldCom ) ولم تدم هذه الشركة طويلا فأعلنت عن افلاسها الذي يعتبر اكبر افلاسا في تاريخ الولايات المتحدة وكان من اهم اسباب هذا الأفلاس ان المسؤول المالي قد ادرج مبالغا تتفاوت بين 4 و10 مليارات الدولارات في خانة الأستثمارات في الوقت الذي كانت فيه هذه المبالغ هي نفقات يومية مما ادى الى المبالغة في حجم الأيرادات المعلنه للشركة كل ذلك طبعا من اجل ابقاء اسعار الأسهم في تصاعد . وتشير التقارير كذلك الى ان رئيس الشركة قد اقترض مئات الملايين من حسابات الشركة بصورة غير قانونية واستخدم جزء من هذه الأموال لشراء اسهم الشركة نفسها لتحقيق زيادة في اسعار اسهمها .

اما مؤسسة ادلفيا للأتصالات وهي تعتبرسادس اكبر مؤسسة اتصالات فقد ادينت عائلة ريغاس التي اسستها وتديرها بسرقة مالايقل عن 2.3 مليار دولار بسلوك مشابه لسلوك ادارتي كل من “انرون” و”ورلدكوم” السابقتين حيث تم تضخيم النفقات الأستثمارية وتقليل قيمة الديون واستخدمت الأدارة قروض من الشركة لشراء اسهم الشركة كل ذلك للحفاظ على زيادة مصطنعة في اسعارالأسهم لخداع المستثمرين وتحقيق المكاسب الشخصية .

وحتى ريتشارد غراسو الذي يترأس المؤسسة التي تشرف على اداء الشركات المدرجة في اسواق المال الأمريكية لم يسلم من هذا الفساد فقد اعلن انه سيحصل على مكافأة تقاعد تقدر بحوالي 150 مليون ويعزوا الكثيرن ان هذا المبلغ الذي قرره ممثلوا الشركات المشتركة في مؤسسة الرقابة على اداء هذه الأسواق هو بمثابة مكافأة لغارسو لتساهله مع هذه الشركات في تطبيق القوانين المنظمة لأسواق المال.

هذه بعض الأمثلة حول المفاسد التي تحصل في النظام المالي خاصة اسواق المال وادرات الشركات المدرجه فيها والنظام الرقابي الذي يفترض فيه مراقبتها وهي وان كانت تعود الى حالة الولايات المتحدة الا ان لها صورا مشابهه في بقية الدول كانهيار سوق المناخ الكويتي في الثمانينات وانهيار بنك الأعتماد والتجارة الذي كانت غالبية اسهمه تعود لدولة الأمارات وانهيارات اليابان ودول النوردك (فلندا والنرويج والسويد ) في منتصف الثمانينات وانهيارالمكسيك في منتصف التسعينيات وانهيار شرق آسيا في أواخر التسعينيات وغيرها .

تكاليف الأنهيارات ؟
هنا سنكتفي كذلك ببعض الأمثلة لتوضيح وجهة نظرنا والا فان تجارب الواقع لاحصر لها عندما تترك نزوات الأنسان من غير ضابط. تقدر تكاليف الأزمة المالية التي حصلت للمكسيك عام 1995 بحوالي 20% من الناتج المحلي لتلك الدولة[8] كما وان تكاليف انقاذ المصارف من الأفلاس قدرت بحوالي 50 ملياردولار[9]. اما الأزمة في شرق اسيا فان البيانات المتوفرة تشير الى أن القروض التي قدمت لمعالجة الوضع الناتج عن هذه الأنهيارات كانت 18 مليار دولار لتايلند ، 36 مليار دولار لأندونيسيا ، و58 مليار دولار لكوريا الجنوبية[10] . اما في الولايات المتحدة الأمريكية فان مؤشر الأسهم (النازدك) فقد ارتفعت قيمته من 500 عام 1991 الى 5131 في مارس 2000 غير ان السنوات التالية اكدت ان هذا الأرتفاع الذي انخدع به الكثيرين واعتبروه زيادة في مداخليهم وزادوا من معدلاتهم انفاقهم على اساسه لم يلبث ان تحول الى فقاعة فارغة كما هي الحال في كل الأمور الوهمية . فخلال سنتين فقط ، كما يؤكد جوزيف ستغلتز الحائز على جائزة نوبل في الأقتصاد لعم 2001 ، خسرت اسهم الشركات المدرجة في سوق المال الأمريكي ما قيمته 8.5 ترليون دولاروهو مبلغ يعادل دخل كل دول العالم السنوي بأستثناء الولايات المتحدة . فشركة واحدة هي ايول(AOL ) كانت خسارتها تعادل 100 مليار دولار[11].

هل من علاج لحمى اسواق المال ؟
لقد رأينا ان المراهنات تطغى على اسواق المال المعاصرة وان هذه المراهنات تؤدي الى ارتفاع وهمي في اسعارالأسهم والعقارات وبقية السلع ينتهي بأنهيارات مكلفة للأقتصاد وللأفراد . فكيف يمكن التعامل مع هذه الأسواق التي تقوم بدورالوساطة بين المدخرين والمستثمرين ولكنها كذلك عرضة لسوء الأستغلال من قبل المراهنين ولصوص المال بكل صورهم واشكالهم ؟ هل تتدخل الدولة للتعامل مع الأزمات في اسواق المال ومتى؟ هل تساهم الدولة في تخفيف معدلات الأرتفاع في اسعار العقارات والأسهم حتى لايكون الأنهيار حاد ومؤذي للأقتصاد ؟ هل تقوم الدولة بأحتواء الأزمة وتقليل التكاليف عندما تبدأ اسعار الأسهم والعقارات في الهبوط ؟ للأسف لايوجد علاجا ناجعا لهذه الأزمات ولو وجد لما رأينا الأسواق تنهار منذ القرن السابع عشر حتى يومنا هذا الا ان هذا لايعني انعدام السياسات التي تحاول تخفيف حدة هذه الأنهيارات وآثارها المدمره ومن أهم هذه السياسات ما يلي [12]:

تأمين الودائع
في كثير من الدول هناك تأمينات على ودائع المصارف أي انه في حالة افلاس المصرف تتكفل مؤسسة التأمين بدفع جزء من او كل الأموال المودعه لدى المصرف الذي تعرض للأفلاس والهدف الأساسي من هذه التامينات ان تتكون لدى المودعين قناعة بأن اموالهم ستعود اليهم وبالتالي فانهم لاينقضون على البنوك لمجرد سماع أي اشاعة او خبر بازمة في مصرف لأن انقضاض المودعين على المصارف لسحب اموالهم هو الذي يحول ازمة بسيطة في المصرف الى افلاس المصرف لأن المصرف عادة لايحتفظ الا بجزء يسير من ودائع الناس بصوره سائله لأنه يستثمر اغلب هذه الأموال وعندما يتعرض لهجوم المودعين مرة واحدة ولايستطيع اعادة ودائعهم يعتبر مفلسا بالمعايير المصرفية . غير ان هذه التأمينات لها جانب سلبي الا وهو ان مدراء المصارف يكونون اقل حذر في القروض التي يقدمونها للأفراد والمؤسسات أي انهم يكونون اكثر ميلا الى المخاطرة في استثمارهم للأموال لأنهم يعتقدون ان نجاحهم في هذه المخاطرة سيعود لهم بعائد اكبر بينما فشلهم وخسارتهم ستتحملها شركة التأمين .

تشديد الرقابة المالية
ليس هناك نقص في القوانين المكتوبة في المصارف الا ان المشكلة هي درجة الكفاءة والأمانه في تنفيذ هذه القوانين . فهذه المصارف مطلوب منها ان توفر رأس مال كنسبة محددة من اصولها لمواجهة الطواري وتحرص على الكفاءة في اختياراستثماراتها وأن تكون ادارتها على مستوى من الكفاءة والأمانة وان تحرص على عائدا مقبولا وسيوله كافية . هذه هي المعايير التي تجعل المصارف اقل عرضة للأزمات خاصة في فترات التوسع الأقتصادي وما يواكبه من ارتفاع في الأسعار وزيادة رغبة جميع الأطراف في الأقتراض . اما اسواق المال فالمطلوب كذلك الحفاظ على استقرارها من خلال وجود معلومات كافية وشفافية تامة حول مكوناتها سواء القوانين التي تحكمهما اوالشركات المدرجه فيها او الهيئات التي تنظم عملها ذلك بالأضافة الى التأكد من عدم قيام افراد من المؤسسات التي تنظم هذه الأسواق بدور اللاعبين في هذه الأسواق سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة حتى لايتحول حكم المباراة الى احد اللاعبين مستفيدا من مالديه من معلومة وسلطة لأن هذه التداخل هو احد اهم اسباب الفساد الذي يحصل في اسواق المال .

توفير السيولة
لقد ذكرنا سابقا ان حمى المراهنات في اسواق المال وفي اسواق العقارات تنتهي في اغلب الأحيان بأنهيارات وخوف الناس من انهيار قيمة اصولهم مما يدفعهم الى بيعها كما وان خوفهم من انهيار المصارف يشجع المودعين على سحب ودائعهم وهذه كلها امورتساعد على اتساع دائرة الأفلاس وتعمق من آثار الأنهيارات . لذلك فان وجدود جهات محلية واجنبية توفر السيوله اللازمة خلال هذه الأزمات يكون له عادة أثر ايجابي على طمأنة الناس والمؤسسات وتقليل تدافعهم الى سحب ودائعهم او تغطية ديونهم مما يؤدي الى تهدئة الوضع الأقتصادي وتجنب الأنهيار. هذه السيولة لابد من توفرها لمواجهة الطلب الخارجي والمحلي على السيولة لأن الأنهيار الذي حصل في شرق اسيا في اواخر التسعينيات كانت بدايته سحب المستثمرين الأجانب لأموالهم وانخفاض العملات المحلية وانعكاس ذلك على المصارف المحلية الني لم تعد قادرة بعد انخفاض قيمة العملات المحلية ، على تسديد قروضها التي كانت بالعملة الأجنبية وهذا بدوره ادى الى بداية ظاهرة الأفلاس لكثير من المؤسسات وتبعتها زيادة الطلب المحلي على السيولة وعدم قدرة المصارف على تلبيتها مما جعل كل انهيار يؤدي الى انهيار آخر[13].

السوق يحدد الخاسر والرابح
هناك من يرى ان اهم سياسة للتعامل مع انهيارات اسواق المال هوعدم التدخل كليا وترك الأزمة تأخذ مجراها وهذا العلاج هو اقرب الى القول بأن الأقتصاد كجسم الأنسان لابد ان يترك ليتعافى بنفسه من خلال تكوين مناعة ذاتية واستعادة العافية تدريجيا وتحمل بعض الالام في هذه العملية . ولكن لماذا ؟ لأن تدخل الدولة لأنقاذ المؤسسات التي لم تحسن ادارة الأموال والتي اخذت مخاطرات غير مدروسة هو بمثابة تشجيعها على الأستمرار في تقديم القروض غير المدروسه كما وان هذه السياسة فيها تشجيع كذلك للمضاربين على الأستمرارفي سلوكياتهم طالما ان لديهم شعور بان هناك منقذ أخير من الخسارة الا وهي الدولة . لذلك وتجنبا لأيجاد هذا الأنطباع لدى الممولين والمقترضين فان هذا الراي يقوم على أن تدع الدولة السوق يفرز بين الشرائح الأقتصادية وليخسر من يخسر ويتحمل بذلك كل طرف مسؤوليته من هذه الخسارة كي يحسن استخدامه للموارد في المستقبل ولايعرض نفسه والأقتصاد لمقامرات غير مجدية . غيرأن سلبيات هذا الحل ان الخسارة التي تحصل لبعض اطراف السوق الذين يأخذون مخاطرات غير مبررة او غير مدروسة يمكن ان تؤدي خسارتهم الى انهيار مؤسسات أخرى لاناقة لها ولاجمل بما فعله المراهنون وذلك بسبب الدمار الذي يحصل في كل نواحي الأقتصاد بسبب التصرف غير المسؤول من قبل المراهنين . لذلك فقد يكون هناك مبررا لتدخل الدولة لتجنب حصول مثل هذا الضرر ولكن عند الشعور بحتمبة حصوله وفي اطار محدد حتى كما ذكرنا لايفهم منه ان هناك تأمين على الخسارة في هذه الأسواق .

القيم ترتقي بأداء اسواق المال
تشير كثير من الأدبيات المتعلقة بتاريخ المراهنات في اسواق السلع والخدمات الى ان الدول عبر التاريخ قد لجأت في كثير من الأحيان الى مخاطبة ضمائر الناس حتى يتجنبوا المراهنات على اسعار السلع والأسهم نظرا لما تحدثه هذه المراهنات من كوارث اقتصادية واجتماعية . غير أن السجل التاريخي لايشير الى تجاوب يذكر من قبل المضاربون في هذه الأسواق لهذه النداءات . وفي اعتقادنا ان مخاطبة الناس بمنظور عقائدي واخلاقي نابعا من تعاليم ديننا الحنيف قد يكون أكثرجدوى في اقناع الناس بأن الحفاظ على استقرار اسواق المال لتقوم بدورها الأساسي في نقل الموارد الى استثمارات منتجة بدل تحويلها الى صالات للمضاربات التي تنتهي بتراجع النمو الأقتصادي وافلاس المؤسسات المالية وخسارة شرائح كبيرة لأموالها خاصة اذا تذكرنا ان ما يحدث في هذه الأسواق في الوقت الحالي هو اقرب الى الميسر الذي قال الحق سبحانه وتعالى عنه ” انما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون” . ونحن على يقين ان اداء اسواق المال لدورها الأساسي وهو قيامها بتوجيه مدخرات المجتمع الى استخدامات في مشروعات منتجة يمكن ان يتحقق بصورة اكفأء واكثر استقراراذا ضبطت هذه المراهنات وتمت ازالة عنصر الربا بأستخدام بعض ادوات الأستثمار الأسلامية كسندات القراض وغيرها من ادوات الأستثمار الأسلامية مصداقا لقول تعالى “واحل الله البيع وحرم الربا” . وهل ندرك انه ما من مبتكر حديث او اكتشاف متطور اذا تم ضبطه بالثوابت الشرعية الا وكان اداؤه لدوره الذي اخترع له اكثر كفاءة واستقرار مصداقا لقول رسولنا الكريم “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو احق بها ” نعم المؤمن احق بها لأن جمال هذه الحكمة يكون اكثر وضوحا في سياق المنظومة العقائدية والأخلاقية الأسلامية وياليت قومي يعلمون .

——————————————————————————–

[1] Galbraith, John K.(1990) A short History of Financial Euphoria. Whittle Books in Association with Penguin Books. New York. P.P:1-11.

[2] Keynes, John(1936) General Theory, College Writings, Vol.7.159: London. Macmillan/Cambridge University Press for the Royal Economic Society

[3] Singh, K(1999) The Globalization of Finance: A citizen’s Guide , Z Books Ltd. New York and IPSR Books, Cape Town.

[4] Summers , L and V. Summers(1989), ” When Financial Markets Work Too well: A Case for Securities Transaction Tax,” Journal of Financial Services Research 3.

[5] Stiglitz, Joseph(2002) Globalization and its Discontents, W.W. Norton & Company.

[6] ٍStrange, S(1998) Mad Money. Manchester: Manchester University.

[7] Kindleberger , Charles P and Robert Aliber (2005) Manias, Panics, and Crashes: A history of Financial Crisis.Fifth Edition. John Wiley & Sons, Inc. New Jersey.

[8] Duncan,Richard(2003)The Dollar Crisis: Causes. Consequences,Cures,John

Wiley & Sons (Asia) Pte Ltd, Singapore.

[9] Roubini, Nouriel and Brad Setser(2004) Bailouts or Bail-Ins? Responding to

Financial Crises in Emerging Economies. Institute for International Economics, Washington D.C. P.156

[10] Roubini, Nouriel and Brad Setser(2004) Bailouts or Bail-Ins? Responding to

Financial Crises in Emerging Economies. Institute for International Economics, Washington D.C. P.57.

[11] Stiglitz, Joseph,(2003) The RoaringNineties. W.W.Norton & Company. New York. P.P:5-6>

[12]Kindleberger, Charles and Robert Aliber(2005) Mnias, Panics, and Crashes.Fifth Edition.. John Wiley & Sons, Inc. 176-238.

[13] Bagehot , Walter(1999) Lombard Street. John Wiley & Sons, Inc. New York . P.P:43-74.

نقل من موقع
Dar-Us-Salam

منقول للفائدة

7 thoughts on “أسواق المال قنوات للأستثمار أم قاعات للقمار ؟

Comments are closed.