أظهرت القوائم المفصلة لثلاثة بنوك سعودية أنها جنبت مخصصات مالية تحوطا ضد خسائر القروض في النصف الأول من العام الجاري، وبلغ إجمالي هذه المخصصات نحو 1.16 مليار ريال في النصف الأول من العام الجاري، حيث توزعت هذه المخصصات بين الربعين الأول والثاني.
وأوضح لـ «الاقتصادية» المحلل المالي محمد العمران أن المخصصات في البنوك تكون لجانبين، إما مخصصات ائتمانية، وإما مخصصات لتقييم الاستثمارات، وهو ما سيظهر لاحقا. ويؤكد العمران أن حجم المخصصات ما زال في «منطقة الأمان» فهي لم تؤثر في ربحية البنوك المحلية في هذه المرحلة. وفي الوقت ذاته، قال محلل مالي – رغب في عدم ذكر اسمه – إن هذه المخصصات تعكس السياسة المحافظة للبنوك السعودية من جهة فهي لا تعني بالتأكيد أن تلك القروض منعدمة، وهي في جانب لا تعد كبيرة بالنظر إلى ربحية البنوك المحلية ورساميلها.
ويؤكد مصرفي سعودي أن تلك المبالغ التي ظهرت في القوائم تخص مصرف الراجحي ومجموعة سامبا المالية والبنك السعودي الفرنسي، ووفق المحللين، فإن القوائم التفصيلية لباقي البنوك ربما تظهر مخصصات لدى بقية البنوك.
وأفادت البيانات بأن البنك السعودي الفرنسي جنب مخصصات بلغت قيمتها 119.9 مليون ريال لتغطية خسائر قروض خلال الربع الثاني. وتشير مصادر إلى أن القوائم المالية ربما تظهر مخصصات لدى بنوك أخرى وهو ما سيظهر خلال الأيام المقبلة. ووفقا للبيانات جنبت مجموعة سامبا المالية ثاني أكبر بنك في المملكة من حيث القيمة السوقية مخصصات بلغت 97.3 مليون ريال لتغطية خسائر قروض خلال الربع نفسه بعد تجنيب 203 ملايين ريال في الربع الأول و141.6 مليون ريال في الربع الأخير من العام الماضي.
وأضافت البيانات أن البنك السعودي الفرنسي جنب مخصصات بقيمة 46.1 مليون
ريال للغرض ذاته خلال الربع الأول وبقيمة 287.5 مليون ريال في الربع الأخير من عام 2008. وأعلن البنك الذي يمتلك بنك كاليون الفرنسي فيه حصة كبيرة عن تراجع بنسبة 10.6 في المائة في أرباحه خلال الربع الثاني. وأعلنت «سامبا» عن ارتفاع 1.6 في المائة في أرباحها الصافية خلال الربع الثاني.
وفي الأسابيع الأخيرة أعلن عدد من البنوك في المنطقة عن تفاصيل التعرض لمجموعتي سعد وأحمد حمد القصيبي وإخوانه اللتين تواجهان أزمة ديون. وتجري الشركتان عملية إعادة هيكلة لديون تبلغ قيمتها مليارات الدولارات وتدين الشركتان بقدر هائل من تلك الديون لبنوك سعودية، ومثلها مثل البنك المركزي السعودي أحجمت البنوك السعودية عن إصدار أي بيانات تتعلق بالشركتين. وقالت مؤسسة ستاندرد آند بورز إنها وجدت أن بنوكا في السعودية والإمارات تسجل نحو ثلثي مستوى التعرض الصافي من بين 30 بنكا تجاريا في مجلس التعاون الخليجي تصدر لهم المؤسسة تصنيفات ائتمانية. وقال جوكسينين كاراجويز المحلل الائتماني لدى «ستاندرد آند بورز»: «إجمالي التعرض الصافي للضمانات الفعلية للمجموعتين كبير لكنه قابل للإدارة من قبل عينة من البنوك التي نمنحها تصنيفات ائتمانية في منطقة الخليج». وأشارت «ستاندرد آند بورز» إلى أنها حصلت على معلومات تتعلق بمستوى تعرض كل بنك خليجي على حدة إلا أن تلك البيانات سرية. وأضافت: «التعرض للمجموعتين يختلف اختلافا كبيرا بين عينة من البنوك التي نمنحها تصنيفات ائتمانية بداية من انعدام التعرض إلى تعرض صافي يتجاوز 20 في المائة من عدد قليل من المصارف».
وقبل يومين أعلن العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمصرف الراجحي عبد الله بن سليمان الراجحي في حديث خاص مع العربية أن البنك حقق زيادة في المخصصات بنسبة 55 في المائة في الربع الثاني من العام الجاري مقارنة بالربع الأول.
وأشار الراجحي إلى أن إجمالي المخصصات بلغ 710 ملايين ريال خلال النصف الأول من العام الجاري، وأن هناك 459 مليون ريال في الربع الأول من العام الجاري.
وعن نوعية المخصصات التي احتفظ بها البنك وإذا كانت لمقابلة ديون مشكوك في تحصيلها قال الراجحي «دائما ما نحتفظ بمخصصات عالية وليس بالضرورة أن تكون لمواجهة حسابات مكشوفة، ولكن تلك المخصصات هي ضمن سياسة المحافظة حتى لو كانت غير مطلوبة فنيا».
وأشار الراجحي إلى أن سياسة البنك تجاه الإقراض مستمرة والسيولة متوافرة، موضحا أن هناك تراجعا في طلبات التمويل للشركات إلا أن هناك نموا ولو بسيطا في طلبات التمويل للأفراد، موضحا أنه بالإجمال هناك زيادة في التمويل بنحو 15 في المائة عن عام 2008.
والمعلوم أن البنوك السعودية ربحت في النصف الأول من العام الجاري 12.76 مليار ريال أرباحا، وهذا يعني أنها تراجعت طفيفا بنسبة 4.4 في المائة مقارنة بأرباح النصف الأول من عام 2008 مع ما كانت تتمتع به من ميزات وظروف مساعدة بشكل أكبر في العام الماضي عن العام الجاري، ففي النصف الأول من العام الماضي لم تكن بوادر الأزمة المالية العالمية قد بدت، وذلك مع استثناء أرباح مصرف الإنماء، حيث لم يكن له أرباح في الفترة المقابلة (النصف الأول من عام 2008).
وأظهرت البنوك المقيدة في السوق السعودية قدرتها على الوقوف في وجه الأزمة المالية العالمية التي أحاطت بجميع المؤسسات المالية وغيرها حول العالم، وذلك بعد أن استطاعت أن تحقق أرباحا في الربع الثاني من العام الجاري بلغت 6.47 مليار ريال، محققة بذلك نموا في أرباحها مقارنة بما حققته في الربع السابق (الأول من 2009) بلغت نسبته 2.9 في المائة، ولم تكن نسبة التراجع عن الربع المقابل كبيرة حيث بلغت 6.9 في المائة، وذلك على الرغم مما يمر به العالم ككل من أزمة مالية أثرت في جميع الشركات، ما دعا البنوك السعودية كغيرها من المؤسسات والشركات إلى تجنيب مخصصات كبيرة تحسبا لما قد تواجه من مصاعب نتيجة لتراجع قيم استثماراتها، سواء في شركات الأسواق المالية أو قيم الاستثمارات خارج الأسواق المالية. على صعيد علاقة البنوك الخليجية بمجموعتي سعد والقصيبي، ذكرت صحيفة «ذا ناشيونال» أمس أن مستوى تعرض مصرف أبوظبي الإسلامي لمجموعة سعد المتعثرة بلغ 245 مليون درهم (66.70 مليون دولار).
ووفقا للصحيفة، فقد منح أبوظبي الإسلامي أحد أصغر بنوك إمارة أبو ظبي من حيث القيمة السوقية قروضا لمجموعة سعد عام 2007 لتمويل أحد استثماراتها في شركة للمخازن في أبو ظبي لم يتم تشغيلها.
وفي الأسابيع الأخيرة أعلن عدد من البنوك في المنطقة عن تفاصيل التعرض لمجموعتي سعد وأحمد حمد القصيبي وإخوانه اللتين تواجهان أزمة ديون. ويوجد في الإمارات العربية المتحدة ما لا يقل عن خمسة بنوك لديها تعرض
للمجموعتين وتشمل بنك المشرق وبنك أبوظبي الوطني وبنك أبوظبي التجاري وذلك وفقا لمصادر مصرفية أو لتلك البنوك نفسها.
وأكد مصرفيون قبل أيام أن البنوك السعودية ستسعى إلى تعزيز مستوى الشفافية بين الشركات المحلية الخاصة، إلا أنها ستستمر في النشاط الإقراضي على الرغم من نزاع مالي يضعف الثقة بمنطقة الخليج. وتبذل البنوك والهيئات التنظيمية جهودا مكثفة فيما يتعلق بآثار إعادة هيكلة ديون بمليارات الدولارات لمجموعتي سعد وأحمد حمد القصيبي وإخوانه في أكبر ضربة من نوعها تتعرض لها منطقة الخليج منذ بداية الأزمة المالية العالمية. ويقدر أن يصل مستوى تعرض البنوك المحلية والعالمية للمجموعتين إلى نحو عشرة مليارات دولار، إلا أنه لم تتح معلومات كافية للمستثمرين في ذلك الشأن. وقال جميل الأخرس نائب رئيس مجلس الإدارة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ورئيس وحدة الخدمات المصرفية الاستثمارية في المنطقة نفسها لدى «نومورا إنترناشيونال»، إن البنوك ستطالب بتعزيز مستوى الإفصاح إلا أنها ستستمر في عمليات الإقراض في ظل وجود عديد من الشركات القوية في السعودية. وأضاف أنه ليس كل الشركات لديها نسب عالية من الديون في قوائمها المالية.