بسم الله الرحمن الرحيم
‏ست الحبايب
.. ‏يا أماه …. سهرت من أجل أن أنام أنا، وجعت من أجل أن أشبع أنا، وأنت تعبت لأرتاح‏أنا، عندما حملت بي فرحت رغم المعاناة، وعندما ولدتني سررت رغم آلام المخاض، ومع كل‏مرحلة من مراحل العمر ونقلة من نقلات الأيام كانت بالنسبة لك فرحة لا توصف، عند أول‏خطواتي، وعند أول كلماتي وعند أول أسناني، وعند أول يوم في المدرسة، وعند أول تخرج،‏وعند الزواج لا بل وعند كل مولود يولد لي كنت تفرحين، فما أوسع صدرك، وما أكبر قلبك‏يا أمي.
‏٭ تسكنين أنت بالدور الأول، وأسكن أنا وزوجتي في الدور‏الثاني، ولعل الدور الأول يكون غرفة قديمة وليست مهيأة فترضين، فالمهم عندك أن أكون‏سعيدا وأزعم أنني أحبك فلا تصدقيني.


‏أتصور فى نفسى …. أن ببعض نفقات قليلة وشواغل زهيدة أنفقها عليك بأنني‏أديت الواجب وزيادة ( ‏فما أتفهني وأغبى تفكيري)‏،‏فوالله أن ليلة واحدة من الليالي – وما أكثرها في حياة الطفل – في آلامها وأحزانها‏وتعبها وسهرها لتعدل مال الدنيا يصبه الولد حين يكبر بين قدميها، ثم لا يكفي ذلك في‏جزائها ولا شكرها، وأزعم أنني أحبك فلا تصدقيني. ‏أماه … ما أكبر فريتي، وما أقبح ذنبي..‏عندما أوضع في الإمتحان ..‏بين حبك يا أمي وبين حب‏زوجتي، ولعلها بعض الحالات التي تتنافر فيها الأم مع الزوجة، وإذا بي أسمع لكل ما‏تقوله زوجتي، لا بل ان هذا يوصلني الى مقاطعتك والى هجرانك، ولعلي أكون أنا الجاهل،‏حيث لا أقدر ولا أفهم أن بعض الأمهات ينتابها شعور غريب بعد زواج ابنها، وكأن زوجته‏جاءت وسرقته منها، فتدب بينهما الشحناء والتنافر.


‏فما أقبح ذنبي لما .. أنني لا أحسن التدبير، وإذا بي‏أنتصر لزوجتي على حسابك يا أمي، الى الحد الذي فيه أقسو عليك، مع أن الله وصاني بك {‏ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمّه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي‏ولوالديك إليّ المصير} (آية 14من سورة لقمانلا بل انها والله من علامات يوم‏القيامة الصغرى ما أنا عليه، كما قال عليه الصلاة والسلام:«أن يطيع الرجل زوجته‏ويعقّ أمه»، وأزعم يا أمي أنني أحبك، … فلا تصدقيني. ‏أماه سامحينى‏أصبحت مثل كل الناس ممّن راحوا ينعقون مثل تلك‏الغربان الغربية الغريبة، التي حطت على صنوبرة حديقتنا، بأنّك أنت من الماضي، وأنك‏من مخلفات عصور الرجعية، وأنك من موديلات العقود القديمة، فما هو طعامك إذا ما قورن‏بطعام الحداثة والعولمة، الماكدوز، والكنتاكي، والبيتسا، وما هو لباسك -لباس التخلف‏إذا ما قورن بالجينز والميني والبطن المكشوف، حتى مشيتك مشية الوقار والسكينة‏والإتزان باتت من العملة النادرة، التي حلّت محلّها مشية التسكع والميوعة. ‏أمى .. ياست الحبايب ..‏أغيب عنك طوال العام فلا تكتحل عيناي من رؤية وجهك منبع الرضا‏والحنان، ولعلي طوال تلك السنة أكون منشغلا‏بزوجتي، وفي‏أحيان كثيرة أكون منشغلا بكلبتي أو قطتي الجميلة، أسليها وتسليني، حتى إذا كان يوم‏عيدك يا أمي يوم (21آذار) فأذكر أن لي أُمّاً تعيش في سراديب الحياة، فآتي إليك‏أحمل علبة شوكولاته، ولعله فستانا، وطبعا مع أحدهما أو كليهما وردة حمراء، نعم‏حمراء لتكون بحمرة عينيك مع آثار السهر والألم من المرض فلا تجدين من يناولك شربة‏الماء وحبة الدواء، فتبكين وتنادين، ولكن لا مجيب،‏وأزعم يا‏أمي أنني أحبك، فلا تصدقيني. ‏وبما أن هذا زمن السرعة وأن الوقت ثمين‏فلا يضيع بتوافه الأمور والأشياء، فإنني إذا جاء يوم عيدك يا أمي (يوم 21آذار) ‏فإنني لا أجد وقتا لزيارتك مرة في العام، فأُرسل لك رسالة بالبريد المستعجل ومرسومة‏عليها وردة حمراء، ولأنك أمي التي أقدّر وأتذكر سهرها وتفانيها من أجلي رغم أني لم‏أرها منذ أشهر، ولعلها سنوات، مع أني لست بعيدا عنها، ولكنها المشاغل قاتلها الله،‏فإنني أستصغر نفسي أن تكون رسالة بريدية جافة، وإنما وتقديرا وحبا لك يا أمي، فإني‏أتصل بمحلات بيع الأزهار، وأطلب أن يوصلوا إليك باقة من الورد الأحمر، بعد أن‏أعطيهم عنوانك والشارع الذي تسكنين فيه، لتجدي على الباب إذا قرع الجرس شابا يسلمك‏تلك الباقة الحمراء، ويطلب منك التوقيع على الإستلام.



‏نعم، إنها حمراء يا أمي، بلون الدم، الذي سال من‏أنفك يوم ضربتك على وجهك، لأنك لم تستجيبي لطلبي بأن تدفعي أنت فاتورة الماء‏والكهرباء، حيث كان يتوجب أن يكون هذا مناصفة بيني وبينك، ولكنك كنت عنيدة، وادعيت‏أنك لا تملكين هذا المال، وأزعم أنني أحبك يا أمي، فلا تصدقيني ( ومن يبحث في ملفات‏المحاكم يجد الكثير من هذه القضايا بين الإبن‏وأمهنعم وردة‏حمراء يا أمي بلون الدم، سال من أنفك يوم لطمتك، لأنك رفضت أن تعطيني من المال الذي‏معك وأنا السكّير ومدمن الخمر والمخدرات، فكنت قاسية القلب لم تراع لهفتي على شمّة‏من الهيروين الأبيض ( وعند مكاتب الشؤون الإجتماعية الخبر اليقين).
‏لا‏تصدقيني يا أمي وأنا أزعم أنني أحبك، مثلي مثل الكثيرين في هذا الزمان، ممن‏يتذكرونك في يوم صنعوه بأيديهم ليجعلوه يوم كذبة كبرى، حيث ينسونك قبل أن تغيب شمس‏ذلك اليوم، ويبدأون بالحديث عن كذبة جديدة لهم. ‏والغريب‏يا أمي أنهم اختاروا لك ذلك اليوم، يوم 21آذار، على اعتبار أنه يوم بداية فصل‏الربيع ونهاية الشتاء، نهاية البرد وقدوم الدفء، نهاية الغيوم الداكنة وبداية أشعة‏الشمس الذهبية المتلألئة، نهاية الرعود والعواصف وبداية تفتح الأزهار وتغريد‏الأطيارولكن‏وحق الله‏الذي قال {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} إنهم كاذبون يا أمي،‏فلأنك أنت مجرد تاريخ ومجرد اسم على المفكرة ومجرد يوم يملأ به التجار جيوبهم من‏كثرة ما يبيعون، فكلهم يفرح إلا أنت لأن يوم بداية ربيعهم هو يوم بداية أحزانك،‏وأزعم أنني أحبك يا أمي، فلا تصدقيني.



‏أصبحت يا أمي مثل الكثيرين من الناس، في زماننا العجيب هذا، من الذين‏غابت عندهم القيم واختلت الموازين واختلطت الألوان، فأصبح همّ الناس كل الناس تحقيق‏مصالحهم الشخصية ولو على حساب تعاسة الآخرين، ولكن أن يصل بهم التردي الى الحد الذي‏يحقق بعض الناس سعادته على حساب تعاسة أمه وأبيه، فإن هذا والله هو العجب العجاب‏والإنتكاس الذي هو الشرّ بعينه. ‏يكتبون الكتب ويؤلفون المؤلفات ويلوّنون صفحات‏الصحف والمجلات بالحبر الأسود أو الأحمر، وهم يتحدثون عن الأم وكرامتها ومنزلتها،‏ويرفعون الشعارات البراقة، واللافتات الخداعة، وكلها من أجلك يا أمي، ويا أم كل‏هؤلاء، ولكنها ليست إلا مجاملات فارغة وكلمات منمقة ماتت وانتفت منها معاني الحياة. ‏٭ أي عيد للأم * ‏وملايين الأمهات‏العراقيات مات أطفالهن خلال الحصار الظالم على العراق طوال ثلاثة عشر عاما، حيث‏ماتوا من الجوع وسوء التغذية والأمراض؟!.
‏كم من الناس من وهب ويهب من ماله‏ووقته الكثير من أجل أن يجعل طفلا باكيا يضحك، فلماذا لا يكون مثل هؤلاء -وعملهم‏ولا شك جليل- من يعمل من أجل أن يجعل أما باكية تضحك، ويكبر المصاب ويعظم حينما‏يكون الإبن هو سبب بكاء أمه، وفي هذا يقول الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه‏ليحذر الأبناء من أن يكونوا سبب بكاء الأمهات، لأن الله يحصي دموعهن».


‏وإنني أجزم أن من لا يقدر على رسم‏ابتسامة على شفتي أمه فإنه أعجز من أن يرسمها على شفاه الآخرين، والرسول صلى الله‏عليه وسلم يقول:«خيركم خيركم لأهله»، والخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز – رحمه‏الله – يقول :«لا تنتظر معروفا ممّن لا يصطنعه مع أهل بيته». ‏٭ ومهما أدينا من حقك ومهما حاولنا أن نصل الى شموخك‏يا أمي، فإننا لن نتجاوز قدميك أيتها الكبيرة، أيتها العظيمة، أيتها المتفانية،‏وعذرا، فكل الكلمات أعجز من أن تعبر عن حقيقة أنك الأم.


‏٭ ينادونك «ست‏الحبايب»، وحقا أنت كذلك، ولكن ليتهم هكذا يتعاملون معك، لأن كل الحبايب يتقدمون‏عليك، يتقدم عليك حب الزوجة، وحب الأولاد، وحب المال، ومع ذلك فإن صدرك يتّسع‏لعقوقنا وقلة أدبنا، لأنه لا أحلم منك ولا أكثر تسامحا منك وكيف لا وأنت الأم.



‏هكذا دائما أنت أيتها الأم مثل الشمعة‏تذوبين لتنيري لغيرك، وتتعبين لتريحي غيرك، لا بل هكذا أنت دائما مثل الشجرة تُرمى‏بالحجر فترد بأطيب الثمر ومثلها أنت أيتها الأم، يساء إليك، ولكنك لا تتقنين غير فن‏العطاء ثم العطاء ثم العطاء.
‏وما أجملها قصيدة القلب المتدحرج وهي تصور حالي‏وحال كل الأشقياء ممن يقسون على أمهاتهم، ولكنه قلب الأم لا يعرف القسوة: ‏أغرى امرؤ يوما‏غلاما جاهـلا‏بنقوده كي ما يــنال به الوطر‏قال: ائتني بفؤاد أمـك يا فتـى‏ولك الدراهـم والجواهر والدرر‏فمضى وأغرز خنجرا في صدرها‏والقلب أخرجـه‏وعاد على الأثر‏لكنه من فرط ســرعته هوى‏فتدحرج القلب المقطـــع إذ عثر‏ناداه قلب الأم‏وهو مُعـــفّرٌ‏ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر؟!
‏فكأن هذا الصوت رغم حنوّه‏غضب السماء على الغلام قد انهمر‏فارتد نحو القلب يغسـله بما‏فاضــت به‏عيناه من دمع العبر‏حزنا وأدرك سوء فعلته التي‏لم يأتها أحد ســـواه من‏البشر‏واستلّ خنجره ليطعن نفسـه‏طعنا فيبــــقى عبرة لمن‏اعتبر‏يقول يا قلب انتـــقم منّي ولا‏تغفر فإن‏جريمـــــتي لا تغتفر‏ناداه قلب الأم: كـــفّ يدا ولا‏تذبح فؤادي مرتـــين‏على الأثر‏اخوتى .. أخواتى .. زملائى .. زميلاتى .. ‏ما أكثر أمثال هذا الفتى في زماننا ممن يسيئون الى أمهاتهم بشتى أصناف‏الإساءات، ولكنه قلب الأم الذي ليس لعطائه حدود يقابل تلك الإساءة بالإحسان.



‏فاعذريني يا أمي، ويا كل أم من أننا لن نوفيك حقك مهما أحسنّا إليك، فكل‏معروفنا، والله لا يعدل طلقة من طلقات الولادة عانيتها لما كانت ساعة المخاض‏والولادة.
‏فيا كل الأبناء: لا أجد في تذكيركم بحق الأبوة والأمومة أبلغ ولا‏أروع من هذه الآيات الكريمة من كتاب الله العظيم، فاستمعوا إليها، واعملوا بها:{ ‏وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو‏كلاهما فلا تقل لهما أُفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ٭ واخفض لهما جناح الذل‏من الرحمة وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرا} (آية 23- 24من سورة الإسراء).


‏فيا أمي ويا كل أم ..‏لا تصدقيني وأنا أخترع لك يوما أزعم فيه أنني أحبك، بينما أهجرك باقي‏الأيام، فيه أذكرك ، بينما أنساك في باقي الأيام.
‏وأنا على يقين أنك تعرفين أن‏هذه شقاوة وعقوق، وانه شيك بلا رصيد، وادعاء وزعم ليس له من الحقيقة نصيب، ولكن‏سامحينا يا أمي على كذبتنا الكبيرة، هذه كذبة 12 آذار، فهي أبشع من كذبة 1 نيسان،‏فأنت أهل للتسامح والحنان، فأنت أمي.
‏رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي بالمغفرة.
{… ‏والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}. ‏أماه ..‏إن رضى الله من رضاك، وسخطه من سخطك يا أمي، ومع أن‏الجنة تحت قدميك يا أمي، ومع أن مفتاح دخول الجنة تملكينه أنت، حيث لن يدخل الجنة‏عاق لوالديه، مع هذا كله وأكثر منه إلا أنني ما زلت أجهل عظيم قدرك وجليل منزلتك يا‏أمي، ولعلي أدرك ذلك بعد إذ ترحلين عني الى الدار الآخرة، وعندها يكون قد فات الوقت‏وضاعت الفرصة فأندم عندها ولكن لات حين ندامة.‏والسلام‏عليكم ورحمة الله وبركاته
منقول من ايميلي


2 thoughts on “يا أماه …

  1. تستحق الام المحبه كلها

    والاحترام كله والتقدير

    وهي ست الحبايب وتاج راسنا

    وبرها حق علينا

    موضوع رائع

Comments are closed.