هل تشتري “أرامكو” حصة “إعمار السعودية”؟
الوطن السعودية ـ فواز العلمي 19/05/2009

إدارة المشاريع العملاقة تحتاج إلى الشركات الكبرى والعقول المدبّرة والخبرات الناجحة. قبل أربع سنوات أعلنت السعودية عن عزمها إنشاء خمس مدن اقتصادية بمواصفات عالمية في مختلف مناطق المملكة بتكلفة أولية فاقت تقديراتها 320 مليار ريال سعودي، تهدف إلى تطوير قطاعات الصناعة والطاقة والخدمات واستقطاب المعرفة وتوطين التقنية وتوفير الوظائف.

تشرفت المدينة الاقتصادية الأولى باسم راعي مسيرة الإصلاح الاقتصادي الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبدأت مراحلها التنفيذية قبل ثلاث سنوات من خلال شركة “إعمار السعودية”. كان الهدف من إنشاء هذه المدن الاقتصادية يرمي إلى رفع نسبة النمو الاقتصادي السعودي سنوياً لتفوق ضعف نسبة النمو السكاني، عن طريق زيادة الصادرات غير النفطية من خلال استخدام الميزة النسبية في التصنيع، وتحقيق نسبة مرتفعة من القيمة المضافة المحلية من خلال توطين الوظائف، وتخفيف الاعتماد على النفط كسلعة وحيدة للدخل من خلال توسيع القاعدة الإنتاجية.

تزامن وضع حجر أساس هذه المدينة العظيمة مع بدء شركة “أرامكو” في إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. واليوم تفتخر “أرامكو” بقرب انتهاء مشروعها العملاق لتبدأ هذه الجامعة المثالية أعمالها في العام الدراسي القادم. واليوم أيضاً تفتخر هذه المنارة العلمية الفريدة بتشييد سادس أكبر كمبيوتر فائق السرعة في العالم، لتبث أبحاث علمائها وأفكار خبرائها في جميع أقطاب المعمورة.

ولكننا اليوم أيضاً نفاجأ بأن مشاريع “إعمار السعودية” تتراجع بسبب نقص السيولة وتباطؤ الاقتصاد العالمي وعزوف الشركات عن المضي في تنفيذ مشاريعها وتمويل توسعاتها.

السعودية التي تتمتع بالمزايا النسبية الحقيقية في أسعار الغاز الطبيعي والتي تؤهلها لتكون الموطن الأساس في العالم لصناعة البتروكيماويات والألمنيوم والأسمنت والكهرباء وتطوير خدمات الطاقة، تحتل أيضاً المركز الأول عالمياً في إنتاج النفط وتحلية المياه، وبالتالي كان لزاماً على شركة “إعمار السعودية” أن تضع نصب أعينها أهدافنا الاستراتيجية، لكونها تنبع من الخيارات الوحيدة المتاحة أمامنا واللازمة لتحقيق قصب السبق عالمياً في إنشاء مراكز صناعة الطاقة بكافة أنواعها ومعاهد أبحاث المياه بجميع مصادرها ومصانع إنتاج معداتها ومحطاتها وقطع غيارها.

وكان من واجب خبراء شركة “إعمار السعودية” أن يستفيدوا من خبرات “أرامكو” في كيفية تشجيع تدفق رؤوس أموال الشركات العالمية الكبرى لمشاركة القطاع الخاص السعودي في تحقيق أهداف التكامل الصناعي الأفقي والرأسي، واستقطاب صفوة خبراء الطاقة وعلوم المياه لتطوير صناعة الطاقة وتوطين تقنيات التحلية.

وكان على المسؤولين في شركة “إعمار السعودية” أن يأخذوا بخطط شركة “أرامكو” الناجحة في توطين الوظائف، وأن يضعوا عدة خيارات استراتيجية لإنهاء الأعمال وبناء المشاريع لاستيعاب أكبر عدد من المواطنين المتعطشين للعمل في كافة المجالات. فالسعودية التي يزداد عدد سكانها بنسبة 57% كل ربع قرن، سوف يزداد عدد مواطنيها المؤهلين للعمل بنسبة قدرها 112% خلال الفترة القادمة، لتقفز قوة العمل السعودية من 5 ملايين كما كانت عليه في عام 2005م إلى أكثر من 12 مليون مواطن مؤهل للعمل في عام 2020م. أين ذهبت أولويات المدن الاقتصادية السعودية الرامية لتوفير أكثر من مليون وظيفة عمل للمواطنين عن طريق بناء الطاقات الصناعية والخدمية الاستيعابية في قطاع الخدمات المالية والتقنية والتعليمية والصحية والسياحة والتشييد والنقل والاتصالات؟

وكان من واجب القائمين على شركة “إعمار السعودية” أن يستخدموا قدرات “أرامكو” في الترويج لمشاريعها العالمية، فالسعودية تستمد قدراتها التسويقية من موقعها الجغرافي المميز الذي يتوسط الممرات الملاحية العالمية الجوية والبرية والبحرية. يحدّها شرقاً دول المجموعة الآسيوية التي تتمتع بالعمالة الفنية المدربة وغرباً الدول الأوروبية والأمريكية التي تتميز بالتقنية والخبرة والمعرفة. ويتميز هذا الموقع أيضاً بكونه يجاور أكثر الدول النامية في العالم استهلاكاً للمنتجات المصنعة ونصف المصنعة، وبالتالي نجحت شركة “أرامكو” في تنفيذ مشاريع النقل وتشييد مناطق إعادة التصدير لاستغلال هذا الموقع الفريد في إنتاج السلع وتطوير الخدمات بهدف تصديرها إلى جميع أسواق المنطقة عبر خطوط الملاحة العالمية. وكان بإمكان شركة “إعمار السعودية” تطبيق استراتيجية “أرامكو” التسويقية لتعزيز موقع السعودية المحوري وتنشيط مناخها الاستثماري وتعظيم مردودها من الصادرات غير النفطية.

بعد نجاح “أرامكو السعودية” في مشاريعها العملاقة وعلى رأسها إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، لماذا لا نمنح “أرامكو” فرصة إعمار المدن الاقتصادية؟