عامان على أزمة العقار فهل تعلّمنا الدرس؟ بقلم :سالم خميس الشاعر مر عامان تقريباً منذ أن أسدل الستار على ملهاة سوق العقار، التي حملت في طياتها الكثير من ملامح مسرح اللامعقول. نسترجع فصول تلك المرحلة، فترتسم على شفاهنا ابتسامات فيها من المرارة أكثر من أي شيء آخر. ويعود السؤال نفسه يدور في أذهاننا: كيف حدث ما حدث؟

نسترجع فصول تلك الملهاة فنشاهد أناساً يغادرون بيوتهم مساء، ويمضون لياليهم في طوابير تمتد حتى الصباح أمام مكاتب المطورين. والمحظوظون منهم فقط هم من يصل إليهم الدور ليحظوا بامتلاك شقة أو وحدة عقارية ليست موجودة إلا على الورق، يسدد من ثمنها مبلغاً زهيداً على سبيل الدفعة الأولى، وفي كثير من الأحيان يبيع الوحدة نفسها قبل أن ينتقل من المكان، ويضع في جيبه ربحاً يفوق ما دفعه قبل دقائق.

وربما يقوم المشتري الجديد نفسه بإعادة بيعها إلى مستثمر رابع وبربح كبير، وهكذا دواليك: يتضخم سعر الوحدة السكنية في انتقالها من مستثمر إلى آخر، ويصل إلى الضعف قبل أن يجف حبر عقد البيع الأول.

يبدو الأمر مضحكاً حقاً، وبالنسبة لمن تحولت ملهاتهم إلى مأساة، فالأمر يذكّر بقول الشاعر: لا تحسبوا رقصي بينكم طرباً، فالطير يرقص مذبوحاً من الألم. ذلك أن الكثيرين أفاقوا من حلمهم على كابوس ما زال يطاردهم، وسيظلون يدفعون ثمنه لسنوات مقبلة. ثمة بيوت خُرّبت، وعائلات تهدمت، وأناس باعوا كل ما لديهم كي يلتحقوا بطابور الأثرياء المفاجئين، فخسروا كل شيء.

وهنالك أشخاص ضاربوا بأموال استدانوها من البنوك، التي أسهمت هي الأخرى في إخراج تلك الملهاة المريرة عبر تشجيعها للمقترضين وتساهلها في أمر الضمانات، ورفعها سقف الإقراض إلى مستويات لا تتناسب مع قدرة الأشخاص على السداد. لقد كانت تلك البنوك ـ أو غالبيتها ـ جزءاً من اللعبة؛ لعبة نصب الأفخاخ لمئات بل آلاف الأشخاص، الذين ما زالوا عالقين وسيبقون كذلك إلى سنوات وسنوات.

ما الذي حدث؟ ومن يتحمل المسؤولية عما جرى؟ ولماذا لم نستفد من الفارق الزمني الطويل، بين أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة عام 2006 وبين انتقال الأزمة إلينا أواخر 2008؟

نحن جميعاً؛ مستثمرين، ومطورين، ومصارف، ووسطاء، كنّا شركاء في خطيئة تجلّت في تجاهل مأساة الرهن العقاري الأميركية، لهذا من الطبيعي أن نُعاقب بما وقع لنا منذ نهاية 2008. والخشية أن لا نكون قد تعلمنا الدرس كما ينبغي.

كمستثمرين، كان الأمر لنا أشبه بمصباح علاء الدين؛ حكّه قليلاً فيأتيك المارد بما تحلم به من ملايين. الكثيرون داعبهم حلم الثراء السريع، فتهافتوا على «اللعب» غير عابئين بالمخاطر. اقترضوا بلا حساب. رهنوا ما لديهم. اشترى الواحد منهم دزينة وأكثر من الشقق. بعضهم نجا بمحض الصدفة، وآخرون وقعوا في الفخ وما زالوا عالقين فيه إلى اليوم.

المطورون من جانبهم استجابوا لحالة التهافت تلك، على نحو غريزي لا يليق بمؤسسات راسخة لديها إحساس بالمسؤولية. فراحوا يعرضون خططاً ومشاريع بلا حساب.

لم يكلف بعضهم نفسه عناء القيام بدراسة منهجية متأنية، لمعرفة آفاق السوق واحتمالاته، فأسهم إقبالهم الشديد على العرض في تعزيز ظاهرة الطلب الوهمي، ذلك الطلب الذي تم خلقه أصلاً بصورة مفتعلة، لا تمتّ بصلة إلى مستويات النمو السكاني، حتى بالنسبة لأكثر التوقعات تفاؤلاً.

كان المطورون شركاء حقيقيين في اللعبة.

عرضوا بضاعتهم على شكل رسومات على الورق، وبيانات صحفية، ومخططات منشورة في الصحف. باعوا مراحلها الأولى بثمن بخس. تصرفوا كصياد سمك شاطر يلقي إلى الماء بطُعم دسم. وما إن امتدت طوابير المخدوعين أمام مكاتبهم حتى بدأوا في زيادة الأسعار وأحياناً مضاعفتها، فبيعت وحدات متجاورة بأسعار متفاوتة للغاية.

أما البنوك، فتلك قصة تحتاج إلى تأمل من نوع خاص، إذ من المفترض أنها المؤسسات الأكثر نضجاً وإحاطة استشرافاً لما يجري وسيجري. من المفترض أنها الأقدر على تحليل الوقائع والتجارب في العالم.

كان أمامها عامان على الأقل لدراسة واستيعاب ما جرى في أميركا، ولو فعلت لجنّبت البلاد والعباد الكثير من المشاكل. لكنها تمادت في التمويل، وظلت تعطي انطباعاً خاطئاً بأن الأمور على ما يرام، وأن ليس وراء الأكمة إلا كل خير، فاقتيد آلاف المستثمرين إلى «المسلخ» العقاري، باسمين متوهمين أنهم سائرون إلى جنان الثراء.

من حقنا أن نسأل البنوك عن الأمانة المهنية، مع إقرارنا بكل ما يمكن أن يقال عن النيات الحسنة، وعن الفوارق الفردية بين هذا المصرف أو ذاك. ففي نهاية المطاف وصلنا جميعاً إلى ما وصلنا إليه، ومرّ ما يكفي من الزمن لكي يستفيق كل من المستثمر والمطور والصيرفي من صدمتهم، ويبدأوا في مراجعة ما جرى، ونقد الذات.

ولا ننسى أن العديد من الوسطاء العقاريين أيضاً، أسهموا بنصيبهم في بيع الأوهام وتغليفها بوعود الثراء الفاحش، فساعدوا على خلق طلب غير واقعي وغير مبرر على الوحدات العقارية، وكانوا بمثابة الضلع الرابع في ماكينة تصنيع الفقاعة العقارية التي انفجرت في وجوهنا جميعاً.

اليوم، نراقب المشهد بعقل بارد وقد تخففنا من الذهول الذي انتابنا بعدما وقعت الواقعة في سوق العقار. نرى تداعيات ما جرى ونحصي آثار المشكلة التي كنا جميعاً شركاء في صنعها. فهل أيقنّا بأننا جميعاً أذنبنا في حق أنفسنا وفي حق الوطن؟ وهل تعلّمنا الدرس حقاً؟

مدير عام الهيئة العامة للمعلومات.

salem.alshair@gia.gov.ae

One thought on “موضوع يستحق الاشادة والوقفة والتأمل

  1. الاخوة والاخوات في ادارة المنتدى الرائعون

    ان امكن تثبيت الموضوع لما فيه من تحقيق اهداف للجميع

    مع الشكر لكم

    ام عيسي

Comments are closed.