وإذ تأذن ربكم : لئن شكرتم لأزيدنكم ، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } . .

في ظلال القرآن – (ج 4 / ص 386)
ونقف نحن أمام هذه الحقيقة الكبيرة : حقيقة زيادة النعمة بالشكر ، والعذاب الشديد على الكفر .

نقف نحن أمام هذه الحقيقة تطمئن إليها قلوبنا أول وهلة لأنها وعد من الله صادق . فلا بد أن يتحقق على أية حال . . فإذا أردنا أن نرى مصداقها في الحياة ، ونبحث عن أسبابه المدركة لنا ، فإننا لا نبعد كثيراً في تلمس الأسباب .

إن شكر النعمة دليل على استقامة المقاييس في النفس البشرية . فالخير يشكر لأن الشكر هو جزاؤه الطبيعي ، في الفطرة المستقيمة . .

هذه واحدة . . والأخرى أن النفس التي تشكر الله على نعمته ، تراقبه في التصرف بهذه النعمة . بلا بطر ، وبلا استعلاء على الخلق ، وبلا استخدام للنعمة في الأذى والشر والدنس والفساد .

وهذه وتلك مما يزكي النفس ، ويدفعها للعمل الصالح ، وللتصرف الصالح في النعمة بما ينميها ويبارك فيها؛ ويرضي الناس عنها وعن صاحبها ، فيكونون له عوناً؛ ويصلح روابط المجتمع فتنمو فيه الثروات في أمان . إلى آخر الأسباب الطبيعية الظاهرة لنا في الحياة . وإن كان وعد الله بذاته يكفي لاطمئنان المؤمن ، أدرك الأسباب أولم يدركها ، فهو حق واقع لأنه وعد الله .

والكفر بنعمة الله قد يكون بعدم شكرها . أو بإنكار أن الله واهبها ، ونسبتها إلى العلم والخبرة والكد الشخصي والسعي! كأن هذه الطاقات ليست نعمة من نعم الله! وقد يكون بسوء استخدامها بالبطر والكبر على الناس واستغلالها للشهوات والفساد . . وكله كفر بنعمة الله . .

والعذاب الشديد قد يتضمن محق النعمة . عيناً بذهابها . أو سحق آثارها في الشعور . فكم من نعمة تكون بذاتها نقمة يشقى بها صاحبها ويحسد الخالين! وقد يكون عذاباً مؤجلاً إلى أجله في الدنيا أو في الآخرة كما يشاء الله . ولكنه واقع لأن الكفر بنعمة الله لا يمضي بلا جزاء .

ذلك الشكر لا تعود على الله عائدته . وهذا الكفر لا يرجع على الله أثره .

فالله غني بذاته محمود بذاته ، لا بحمد الناس وشكرها على عطاياه .

تفسير القشيري – (ج 4 / ص 30)
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)

إن شكرتم لأزيدنكم من إنعامي وإِكرامي ، وإن كفرتم بإحساني لأعذبنكم اليوم بامتحاني ، وغداً بفراقي وهجراني .

لئن عرفتم وصالي لأزيدنكم من وجود نوالي إلى شهود جمالي وجلالي .

ويقال لئن شكرتم وجوده توفيق العبادة لأزيدنكم بتحقيق الإرادة .

ويقال لئن شكرتم شهود المَكَافِي لأزيدنكم بشهود أوصافي .

ويقال لئن شكرتم صنوف إنعامي لأزيدنكم بشهود إكْرَامِي ثم إلى شهود إِقْدَامي .

ويقال لئن شكرتم مختص نعمائي لأزيدنكم مُنْتَظرَ آلائي .

ويقال لئن شكرتم مخصوص نِعَمي لأزيدنكم مأمول كَرَمِي .

ويقال لئن شكرتم ما خَوَّلناكُم من عطائي لأزيدنكم ما وعدناكم من لقائي .

ويقال لئن شكرتم ما لَوَّحْتُ في سرائركم زِدْناكُم ما أَلْبسْنَا من العصمة لظواهركم .

ويقال لئن كفرتم نِعْمَتِي بأَنْ توهمتم استحقاقَها لَجَرَّعْنَاكم ما تَسْتَمِرُّون مذاقها .

الدر المنثور – (ج 6 / ص 33)
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) إبراهيم

أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع – رضي الله عنه – في قوله { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم } قال : أخبرهم موسى عليه السلام عن ربه عز وجل ، أنهم إن شكروا النعمة ، زادهم من فضله وأوسع لهم في الرزق ، وأظهرهم على العالمين .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة – رضي الله عنه – في قوله { وإن تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم } قال : حق على الله أن يعطي من سأله ويزيد من شكره ، والله منعم يحب الشاكرين ، فاشكروا لله نَعَمَهُ .

وأخرج ابن جرير عن الحسن – رضي الله عنه – في قوله { لئن شكرتم لأزيدنكم } قال : من طاعتي .

وأخرج ابن المبارك وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان ، عن علي بن صالح – رضي الله عنه – مثله .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن سفيان الثوري – رضي الله عنه – في قوله { لئن شكرتم لأزيدنكم } قال : لا تذهب أنفسكم إلى الدنيا ، فإنها أهون على الله من ذلك . ولكن ، يقول { لئن شكرتم } هذه النعمة إنها مني { لأزيدنكم } من طاعتي .

وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإِيمان ، عن أبي زهير يحيى بن عطارد بن مصعب ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أعطي أحد أربعة فمنع أربعة ، ما أعطي أحد الشكر فمنع الزيادة ، لأن الله تعالى يقول { لئن شكرتم لأزيدنكم } وما أعطي أحد الدعاء فمنع الإِجابة ، لأن الله يقول { ادعوني أستجب لكم } [ غافر : 29 ] وما أعطي أحد الاستغفار فمنع المغفرة؛ لأن الله يقول { استغفروا ربكم إنه كان غفاراً } [ نوح : 10 ] وما أعطي أحد التوبة فمنع التقبل؛ لأن الله يقول { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } [ الشورى : 25 ] »

وأخرج أحمد والبيهقي ، عن أنس – رضي الله عنه – قال : « أتى النبي صلى الله عليه وسلم سائل ، فأمر له بتمرة فلم يأخذها ، وأتاه آخر ، فأمر له بتمرة فقبلها وقال : تمرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال للجارية : اذهبي إلى أم سلمة فأعطيه الأربعين درهماً التي عندها » .

وأخرج البيهقي عن أنس – رضي الله عنه – : « أن سائلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه تمرة ، فقال الرجل : سبحان الله! . . . نبي من الأنبياء يتصدق بتمرة؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أما علمت أن فيها مثاقيل ذر كثيرة؟ فأتاه آخر فسأله فأعطاه ، فقال : تمرة من نبي ، لا تفارقني هذه التمرة ما بقيت ، ولا أزال أرجو بركتها أبداً . فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بمعروف ، وما لبث الرجل أن استغنى » .

8 thoughts on “لئن شكرتم لأزيدنكم

  1. بارك الله الجهود الطيبه

    حقيقة كلام جميل مرقق للقلوب محفز للنفوس نحو كل خير

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

  2. بارك الله الجهود الطيبه

    حقيقة كلام جميل مرقق للقلوب محفز للنفوس نحو كل خير

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

Comments are closed.