وحدها من قاومت الزمن.. امرأة لا تسكن التاريخ

رأيتُه يكتب عنها هذه الحروف على صخرة هناك … يوم أن طلّقها وغابت عن بيته.. يناجيها وتناجيه.. أردا ألا يكون آخر العهد جرحاً..

“أحقا رسالاتي إليكِ تمزقت… وهن حبيباتي وهن روائعي؟!!
أأنكر ما فيهن..؟ لا يا حبيبتي… عليهن أسلوبي عليهن طابعي
عليهن أحداقي وزرقة أعيني… وروعة أسحاري وسحر مطالعي”

الكتابة عنها… موسومة بالخوف.. متلفعة بالكآبة.. وأنا الذي فكرت كثيراً أن أكتبها.. أن أرسمها..أن أجعل منها أجمل ألحان الفرات حينما يتغزل بدجلة..
ربما السنة القادمة تبدأ مرحلة الرسم.. مرحلة الكتابة على الأضرحة.. على وجه مانديلا الحزين.. مرحلة أستجير فيها بالليل ليحميني من قدسيتها وطهرها..
لها وحدها.. حينما آثرت أن تكون الأثيرة الحبيبة..
حفرتُ كل أخاديد الوجع والجمال.. حفرتُ تاريخاً من المساء والحرمان.. لكن الحروف تتقزم حينما أخطها لنورس الحياة..
لطهرها.. لنقائها… لقلبها الذي حمل لوحات العالم وهو يعيش وحيداً في قصر يتدثر فيه القمر..
لم أكن في قلبك يوم ما قارئاً محايداً ولا منشداً صوفياً يستجير بكأسه من عذابك.. أبداً لم أكن كذلك، ولم تكوني أيضاً أنت كذلك..
لكنكِ ملأتِ الليل بالنور وطهّرتِ البحر من الظلام.. فكان قدرك.. سحباً من الوقار الذي أكتبه كل يوم على قبر الحب…

إليها..!!
أنا وهي والنجوم.. وصراع مع الزهور.. وأيّنا يرفع الآخر لمنزلة الشهداء…
هاهي اليوم راحلةٌ في وحدتها.. تعلمتْ أن الكون كله يطربُ لها .. تنشدُ لغرفتها المضيئة بقلبها..وتنادي عطرهُ..

واحسرتاه..
ألن يعود إلى المساء.. ؟
سوف يمضي تاركاً لي برد العراء..
تاركاً لي شمس المغيب..
سوف يمضي..
ودموع العين تُذبحُ بين الخطوتين..
يا عذاب الخطوتين..
يا عذاب الغار إذا أوصد بابه..
أيّ ليل يحتويني..أيّ سحابة..؟!
اطردوا الأشباح من ليلي الطويل..
وغنوا..
للبراويز التي تحمل قلبه..
للعصافير التي ماتت على باب رحيله..
واحسرتاه..
ألن يعود إلى المساء..؟!
,,,,
لا يا بياض النوارس ونقاء السحاب.. لا.. لن يعود..
وحده فقط من يعرف سر تعلقك بالقطار .. وحده من مات مترهبا بمحرابك.. وكتب لك أجمل حروفه..
أنسيتِ لحظة القدر في جوف الطيور… يوم أن كتب لك على حواصلها..

تعالي، فما زال ضوء القمر… يدندن أسراره للسحر

تعالي.. فعيون لست فيها.. لست أدمع منها..
ثم مشى تاركاً لك يده تتشبثين بها.. كطفلة سابحة بشعرها الطويل.. وعناق حميم.. حدّث القلب فيه قلبه والجرح جرحه..أن هذا ربما يكون هو اليوم الأخير..اللقاء الأخير… يوم أن لم يسبقه لقاء أول..
أسندها على صخرة هناك وبدأ يرسمها كأجمل ملاك.. كعندليب غنا للسماء.. كتبها على الصخور .. على النجوم..على الرياح.. على الخريف.. على جواده الأبيض..
ثم وسدها الليل ورحل منشدا لها..

هذه الأرض ليست موطئك..
هذه الأمواج ليست مركبك..
هذه الأزهار تعبت من مناجاة القدر..
فلماذا تذبلين..؟
كورود لفها الليل بصمته..
كسفين غاب في الموج يردد لحنه..
كقيود ألفت صوت السجين..
مُوقدٌ قدره.. مُلجمٌ فرسه..
صائم بانتظار المساء الأخير..
فلماذا تذبلين..؟!!
,,,,,
بقيتْ تناجي ظله وتهمهم لروحه..

يا راحلاً وبقايا القلب تتبعه… العمر بعدك دمع صرت مجراه
هـم وغـم وأطيـار ملفعـة… بالأمس.. باليأس قل لي كيف أحياه؟!

,,,
شامة هي إن ظن الزمان بمثلها.. لم أحسب يوماً أن الطيور الجارحة تألف القلوب الناصعة..ولم أحسب أن حيتان البحر قد تحمي طهر الأنثى حتى رأيت قلبها.. وعذرت الطيور والرياح والبحار حينما خالفت طبيعتها.. لتكون أكثر عطفاً.. أكثر رقة.. أكثر جمالاً..

مرة أخرى..اللوحات الجميلات تُعلّق بقدر أعمار النخيل في عيون الصغار.. بقدر وجعهم.. بقدر ليلهم.. الذي لا ينتهي حتى يعد عشر نجوم.. يرى كل شيء جميلاً على نخلة بيتهم.. عصافيره.. لعبه.. آماله.. حتى حينما يختار الهرب تكون هي مقصده.. فهل كنت مهربي من حزني.. من فرحي.. من ذاتي.. من حنين الغروب.. هل كنت النخلة الأثيرة في عيني..

يا رياح قابيل الحزين..
خففي العصف على وجه القتيل
امنحيه فرصة للضياع..
امنحيه قبلة يسرقها من شمس قتيله
هاهي التربة لم تنم في قدميه..
يستجير من الليل إلى حر شموسه..
آه.. يا ليل الظاعنين..
حفر تأكل أفواه الجائعين..
يا سماء البائسين..
هذه الأكواخ تنشد البسمة من ضوء نجومك
امنحيه فرصة للضياع..
يا رياح قابيل الحزين..!!

واليوم تتدثر بعباءتها.. تجوب مدن الخريف تبحث عن جسورها المتهدمة.. عن جبالها الضائعة.. عن الزلازل التي عبثت بشعرها.. عن الشتاء الطويل.. وصفيق الريح ..
يا لنقاء العيون السابحة.. لم يبق منها غير قلب دثرته بشهقة السفر فاتركوها لطهرها…

امرأة ليست من هذا المكان..امرأة ليست من هذا الزمان..امرأة لاتسكن التاريخ..
أتت لتكون مشعلاً للبحر.. للظلام.. فكانت للكون كله .. للحياة في عيون الوالهين..
شكرا لروحها للبرواز الذي قاوم الزمن حتى لا تتشوه..

ــــــــــ

*لماذا دائما تُنْهَى العلاقة بجرح ..

*مافي اللون الأحمر أعلاه مقتبس ..

منقول

One thought on “كَتَبَ على بابها بعد أن طلقها: ….”امرأةٌ لاتسكنُ التاريخ”..!!

Comments are closed.