مشهد رقيق لرجل رفيق :
هذا ابن عمر يشهد رجلا يمانيا يطوف بالبيت الحرام يحمل أمه ويقول: إني لها بعيرها المذلل وقد حملتها أكثر مما حملتني، أتراني جزيتها يا ابن عمر؟ فأجابه لا ، ولا بزفرة واحدة
إنها صورة من البر بالوالدين أسوقها للفتاة المسلمة لنرسم سويا طريقا إلى البر والمعاملة الحسنة للوالدين ليكون نهاية هذا الطريق الجنة بإذن الله.
إن الفتاة المسلمة في هذا السن تتصف بالتميز المعرفي والعقلي، وهي قادرة على التفكير المعنوي واستخدام الرموز، والفهم الزمني، وهي قادرة على تصور الأشياء قبل حدوثها وبسبب كل ذلك تكون قادرة على تحمل المسئولية.
والناحية العضوية تلح على الفتاة للاستقلال وتحمل المسئولية فطول الجسم والوزن والشكل يؤذن بتحولها من الطفولة إلى الأنوثة وكأنها تبحث عن دور جديد ، إنها تستعد للمسئوليات والمهمات وتبحث عن الذات وعن القيمة وعن الوظيفة التي ينبغي أن تقوم بها في الأسرة وفي المجتمع.
والاستقلال الذي تنشده الفتاة لا يتعارض مع الاحترام والبر المطلوب منها تجاه والديها فكيف نحقق هذا التوازن بين الاستقلال والحرية والاعتماد على النفس من ناحية، ومن الناحية الأخرى التعامل مع الوالدين معاملة حسنة وعدم الاصطدام بهما واحترامهما وبرهما، هذا ما سنعرفه من إجابة السؤال: كيف تعامل الفتاة والديها وأقاربها؟
أولا: بالنسبة للوالدين:
مهما تكن ظروف الفتاة ومهما تكن الأحوال وطبيعة وشكل العلاقة بين الفتاة ووالديها فإن الفتاة المسلمة مأمورة ببر الوالدين وهي أبر بوالديها من أي فتاة في الوجود وهذا دليل على الإيمان بالله عز وجل الذي يملأ قلبها ودليل على صحتها النفسية ونضجها.
وإليك الآن أختي الفتاة المسلمة طريقة التعامل مع الوالدين:
1- الإحسان إليهما بالقول والفعل، قال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) ، (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا).

2- معرفة قدرهما العظيم الذي جعله الله لهما فقد وضع القرآن مرضاة الوالدين بعد مرضاة الله تعالى والإحسان إليهما بعد الإيمان بالله، فقد قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا)، والاحترام اللائق بهما قال صلى الله عليه وسلم : (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا)، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت : ثم أي؟ قال : بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، فجعل الرسول المربي بر الوالدين بين أعظم عملين في الإسلام: الصلاة على وقتها والجهاد في سبيل الله.

3- القول الكريم لهما قال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما)، سأل رجل سعيد بن المسيب رضي الله عنه قائلا: لقد فهمت آية بر الوالدين كلها إلا قوله تعالى: (وقل لهما قولا كريما)، فكيف يكون القول الكريم؟ فأجابه سعيد: يعني خاطبهما كما يخاطب العبد سيده، وكان سعيد بن المسيب يكلم والدته بصوت ضعيف كأن صوته مريض إجلالا واحتراما.

4- خفض الجناح لهما كما جاء في الآية (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة)

5- الرفق مع الوالدين والتلطف والإقناع وعدم القسوة وعدم الخروج عن دائرة الأدب والتهذيب بل حاولي إقناعهما بالسبل التي ترينها مناسبة لهما، وسبل الوصول إلى هدفك هي الصبر والكلمة الطيبة والبسمة الودود والحجة القوية والمنطق السليم والأسلوب المهذب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه)

6- احذري الغضب والانفعال الحاد، وضعي الأمور في موضعها الحقيقي، فضرب الأشياء أو الأخوان الصغار والتهديد والصراخ كلها انفعالات غضب وثورة قد ترجع عليك باللوم، انظري إلى وصية النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني، فقال: لا تغضب، فردد مرارا قال : لا تغضب.

7- ابتعدي عن نقد الوالدين واقتربي أكثر منهما بدلا من النقد وتفهمي آرائهما وأفكارهما وضعي نفسك موضع الوالدين.

8- الشجاعة الأدبية والحوار في حدود الأدب:

– تقبلي النصح والتوجيه بصدر رحب.
– تقبلي العقاب المناسب إذا وقع عليك بصورة موضوعية لأن الثواب والعقاب يربي شخصية الإنسان ويساعد على الاتزان النفسي، انظري إلى قوله تعالى: (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها).
– المصارحة والمكاشفة والصدق في التعامل معهما، واتخذي من الأم صديقة لك وارفعي شعار: (أمي، هل تقبلين صداقتي؟)، فالأم قريبة منك أقرب من الصديقة والطبيبة النفسية، وأنت في أشد الحاجة إلى أذن مستمعة، وخاصة في هذه المرحلة من العمر فأمك هي خير أذن لك وأرحب قلب يسعك.
– تقديم بر الأم على بر الأب ؛ عرفانا بفضل الأم في الحمل والرضاعة، قال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالدك إلي المصير)، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال : ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك)
– إدخال السرور عليهما بكل أشكاله بالاستقامة والتفوق الدراسي والمحافظة على الصلاة والأخلاق الحسنة وغير ذلك.
– المحافظة على سمعتهما وسيرتهما بالاستقامة والبعد عن مواطن الريبة وأصحاب السوء.
– الدعاء لهما في الحياة وبعد الممات، قال تعالى: (وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا)
– المشاركة في تنظيف المنزل وترتيب الأثاث وشراء ما يحتاج إليه المنزل للتخفيف عن الأسرة، وكذلك رعاية الأخوة الصغار- إن وجدوا- أثناء غياب الأم.
– الدعوة إلى الله لكل من حولهما لأبويها وللأقارب، ومساعدة الفقراء والمحتاجين وزيارة المرضى،وخاصة الأقارب، وفي هذا صلة للرحم بأشكال مختلفة بالاتصال بالتليفون وبالزيارة، وبالسؤال، فعن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه) ، وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أن من أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه-أي حبه-.
– احذري العقوق بكل أشكاله وقطيعة الأرحام، فعقوق الوالدين يعجل لصاحبه في الحياة قبل الممات وهو من الكبائر، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ثلاثا، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: (الإشراك بالله وعقوق الوالدين)، وفي قطيعة الأرحام حرمان من دخول الحنة، فعن أبي محمد جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا يدخل الجنة قاطع) يعني قاطع رحم.
– ويمكن تلخيص الآداب التي يمكن مراعاتها عند التعامل مع الوالدين فيما يلي:
طاعتهما بالمعروف، والإحسان إليهما، وخفض الجناح لهما- الفرح بأوامرهما- ومقابلتهما بالبشر والترحاب- مبادأتهما بالسلام وتقبيل أيديهما ورؤسهما- التوسعة لهما في المجلس- الكلام معهما بأدب واحترام وتقدير- المساعدة في الأعمال وخاصة مساعدة الأم- تعليمهما ما يجهلانه وأمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر مع مراعاة اللطف- إكرام الأقارب والرحم – الإحسان إليهما بكل أشكاله وإدخال السرور على قلبيهما- إرضاءهما بأي طريقة.

• من الأمور المعينة على البر:
1- الاستعانة بالله.
2- استحضار فضل البر وعاقبة العقوق.
3- استحضار أفضال الوالدين على الأبناء.
4- قراءة سير البارين بوالديهم.
5- أن تضع الفتاة نفسهما موضع الوالدين.