استقى فرانك أباجنيل معلومات كتابه (فن السرقة) للناشر برودواي بوكس من تجاربه الشخصية حيث سبق له القيام بتلك الجريمة بنفسه مرات عديدة، وفي وقت من الأوقات كان يتكسب منها عيشه. يقول عن تلك الفترة من حياته: زورت شيكات تقترب قيمتها من 2.5 مليون دولار، قبل أن ابلغ الواحدة والعشرين. واعتبرت حينها من كبار المجرمين، لدرجة أن المباحث الفيدرالية وضعت اسمي ضمن كشوف أهم المطلوب القبض عليهم.
تم القبض على أباجنيل بالفعل، وقضى عقوبات في سجون فرنسا والسويد والولايات المتحدة. وأفرج عنه لآخر مرة منذ 25 عاما، فأصبح بعدها مستشارا شهيرا في مجال مكافحة التزوير، يقدم خدماته للشركات وللمباحث الفيدرالية على السواء. وقد وضع سيرته الذاتية في كتاب (امسك بي إن استطعت) الذي تحول إلى فيلم سينمائي ناجح. لا زلت على علم بكثير من فنون التزوير. لكنني اليوم استخدم معارفي تلك بشكل ايجابي، حيث أكافح التزوير واكشفه مبكرا.
وأحمي الناس من الوقوع في شركه، بدلا من أن أوقعهم في شراكه.”هكذا يحكي أباجنيل قصة تحوله من الضد للضد. وقد يقول قائل: (وهل يحقق أباجنيل فائدة كبيرة للمجتمع؟) والحقيقة أن ذلك صحيح إلى حد كبير. فقد أثبتت الإحصائيات أن مجتمع المال والأعمال يخسر سنويا ما قيمته حوالي 400 بليون دولار بسبب التزوير. إذن، فقد آن الأوان لوقف هذه الممارسة المدمرة لأي شركة، بل لاقتصاد دول بأكملها.
يفتح أباجنيل أمامنا أبوابا سحرية للنظر داخل عالم الجريمة المنظمة، مقدما لنا فرصة ربما لن تتاح لنا ثانية. ويحكي عن تفاصيل صغيرة يقوم بها الأفراد عن سهو أو إهمال، مما يتيح لمجرمي هذا العالم ممارسة جرائمهم. فقد يقف أحد الأشخاص أمام ماكينة الصرف الآلي. وبعيدا هناك يقف رجل آخر يصوره بالفيديو ليلتقط أرقام الشفرة السرية لحسابه. أما الباقي فسهل وميسور. فالعميل عادة ما يلقي بإيصال السحب في اقرب صندوق للقمامة، وعادة أيضا ما لا يقطعه إربا، كما يجب أن يفعل. وما على المجرم سوى التقاط تلك الورقة وتزوير بطاقة ائتمانية، ثم سحب كل ما يملك هذا الرجل من أموال. وكل عمليات التزوير هذه تعتمد أساسا على المراقبة الدقيقة. أما تزوير الأوراق ذاتها فعملية سهلة، وغير مكلفة بالمرة. وهكذا يمضي أباجنيل في شرح أساليب التزوير التي يلجأ إليها المجرمون بالتفصيل، حتى ليبدو الأمر وكأنه يدرب ناشئي الإجرام والتزوير. لكنه في الحقيقة ينبه أفراد المجتمع ككل إلى ضرورة الانتباه إلى تلك التفاصيل الصغيرة، التي تسهل على أي مجرم مهمته. وكلها أمور في غاية البساطة، ونعرفها جميعا. ألا نعرف مثلا أنه يجب تدمير بطاقات الائتمان بعد انتهاء صلاحيتها؟ ولكن، من منا يقوم بذلك بالفعل؟ ويضيف أباجنيل أن أكثر ما يجعل كشف تلك العمليات صعبا هو أن أكثرنا لا يراجع حساباته المصرفية سوى مرة واحدة في العام، وربما لا يفعل. فمن الطبيعي أنه كلما طال الأمد على عملية التزوير، كلما صعب كشفها وتتبعها والإمساك بمرتكبها. لذلك يعتبر أمر سهل مثل مراجعة الحسابات عدة مرات سنويا من أهم نصائح أباجنيل الواردة في هذا الكتاب. فإذا لم تتمكن من وقف التزوير، فلا أقل من كشفه في وقت مناسب، أولا بأول. فكلما زاد تعقيد وتقدم الاقتصاد والتكنولوجيا نجد لها وجها آخر، هو سوء استغلال تلك الأوضاع عن طريق التزوير واغتصاب حقوق الغير عنوة. فكما تسهل التكنولوجيا حياتنا، تسهل أيضا لغيرنا أساليبهم غير المشروعة. ويكمن الحل – كما يوضح أباجنيل في كتابه – في أمرين:
1) زيادة وعي الأفراد بأخطائهم غير المقصودة التي يسئ الآخرون استغلالها
2) العقاب الرادع الذي يوقف هؤلاء المجرمين عند حدهم، ويجعلهم يحولون معارفهم تلك في خدمة