غياب الطبقة الوسطى من المشاريع
بقلم :أيمن سيف

في الوقت الذي كانت رغبة تكوين المشاريع الصغيرة هدفاً ودرجة أولى في سلم الأعمال كان التمويل المالي حينها عائقا رئيسيا لدى كثير من الباحثين عن الكسب والربح الحلال والتدرج في عالم الأعمال بإنشاء مشاريع تكون نواة أولية في طريق الطموح حتى تصبح مشاريع ناجحة قابلة للحياة يشار إليها.

و بالرغم من كل تلك العوائق وجدنا من بدأ مسيرته ومشروعه من المحل الصغير أو الورشة البسيطة ونما به الحال تدريجيا مرورا بالمتجر أو المصنع الصغير حتى وصلت به طموحاته إلى شركة عملاقة لها دورها الفاعل في الإنتاج وتحولت إلى لبنة أساسية في الاقتصاد الوطني.

وأمثلة النجاح في هذا المجال كثيرة، منها ما نشاهده حين يلقي الإعلام بين الفترة والأخرى عليها إضاءة تبين مدى عزيمة من قاموا بذلك العمل، ومن هؤلاء رجال أعمال كبار بيننا يفخرون ببدايتهم.

لم يكن أي مجتمع تجارياً أو صناعياً كله، بل كانت هناك أدوار وتخصصات متنوعة في هذه الحياة لابد من توزيعها وتقاسمها بشكل صحي حتى يستمر الوضع والنمو طبيعيا، فمقولة الرجل المناسب للمكان المناسب كانت تتحقق فعلا وبشكل فطري سليم، فالمعلم في مدرسته والطبيب في عيادته.

وغيرها من المهن التي لا غنى عنها، كل يتجه إلى ما يسره الله له بقدراته وعلمه، وإن وجد العجز في أبناء البلد فان الحاجة تسد من العمالة الخارجية.

أما مهنة التجارة التي كانت قديما شاقة يبرع فيها من لديه مقومات رأس المال والصبر وبعد النظر والمعرفة بمصادر الأسواق الخارجية واحتياجات الاستهلاك في السوق المحلية، فلم تكن هذه المهنة يوما ملاذا لمن لا مهنة له بل كانت تصفي وتغربل من لا تسعفه إمكانياته الاستمرار والبقاء، وفي المقابل تعطي شهادة الثقة المطلقة بمن تثبت مصداقيته فيها.

ولقد كان التاجر يكتسب خبراته منذ نعومة أظفاره وبأدوات بسيطة مقوماتها الاعتماد على الذات واكتساب ثقة الآخرين واحترامهم، وربما كان هناك من يرعى هذه الخبرة الناشئة ويوجهها في الاتجاه الصحيح ويمنع الخطأ بالعقاب الصارم.

وهذا ما كان يحدث مع أبناء التجار القدماء حين كانت هذه المهنة كغيرها تعتبر وراثية في العائلة فكانت المهارة والخبرة تعطى بطريقة عملية وبمفردات بسيطة جدا.

ومما لاشك فيه أن حدوث الطفرات الاقتصادية الهائلة والانفتاح ساعد على التطور العالمي في المنتجات التي باتت تصل إلى كل مكان وبأسعار في متناول الجميع، وجاءت بسلبيات من نوع آخر حيث ألغت أدواراً إنتاجية محلية مهمة.

ومهناً كان يمكن أن تبقى وتتوارث، فلقد تغير مفهوم الإنتاج وأصبح من الصعب الوصول إلى مستويات عالية قابلة للمنافسة في الأسعار والجودة مع المنتج القادم من الخارج إلا بوجود إمكانيات إنتاج هائلة، وساد بدلا منه مفهوم الاستهلاك والبحث عن مصادر المنتج الأفضل بأقل الأسعار.

وحين جاءت الطفرة الأخيرة في أسعار النفط بعائدات أكثر من المتوقع خلال فترة قصيرة توفرت منها سيولة كافية لدى كثير من المستثمرين أفراداً أو مجتمعين، لكن مع الأسف فإن هالة أسواق المال قد سرقت الأنظار منهم، وبدلا من التفكير في بناء المشروع وسلوك الطريق من بدايته فضل الكثير الراحة على ذلك وقام بتشغيل أمواله في الأسهم هنا وهناك.

والأسوأ من ذلك كله أن العكس هو ما حصل أحيانا حين أفرط البعض في آماله ووضع كل ما يملك في هذه البوتقة واستغنى حتى عن مهنته التي كان يكسب منها.

إن أسواق المال لبنة أساسية لها دورها ولها حدودها أيضا. وهي باقية وفق هذه المعطيات، إلا انه لا يزال هناك مقام للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ولابد من استمرار تكاثرها فهي تمثل الفقرات الأساسية في العماد الذي يقف عليه أهم الاقتصادات العالمية، تماما مثل الروافد التي تتجمع لتشكل النهر.

وإن اختلفت ظروف اليوم عن سابقاتها فلا بد قبل القيام بأي مشروع من البحث العلمي عن الجدوى الاقتصادية من ورائه، حتى لا يكون نسخا مكررة لمشاريع موجودة، وهذا يتطلب صبراً غير ذلك الذي كان لدى التجار القدماء ونوعا من المغامرة المحسوبة.

والقول إن العمل إما أن يبدأ كبيرا أو لا يبدأ هو قول غير صحيح، فالفترة الاقتصادية والعلمية التي نعيش فيها لا يحتاج تطوير العمل فيها إلى زمن طويل للمرور بجميع مراحل النمو في المشاريع من الصغيرة فالمتوسطة فالكبيرة وصولا إلى العملاقة، بل يمكن البدء من المشروع المتوسط والوصول إلى الكبير أما الحجم العملاق فيمكن تركه هدفا بعيد المدى.

مستشار مالي

aymansaif@yahoo.com

صحيفة البيان
http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?c=Article&cid=1144728973250&pagename=Albayan%2FArticle%2FFullDetail