طبق الشوربة الذي خطف بهجة الفيزياء

اربيان بيزنس
بقلم فواز العلمي

في الأسبوع الماضي تزامن افتخارنا بطبخ أكبر طبق للشوربة في العالم مع بهجة عالم الفيزياء السعودي نادر الحربي لدى تدشين خبراء الفيزياء بمعهد “سيرن” في مدينة جنيف لأكبر مشروع فيزيائي عرفه التاريخ، يهدف لمضاعفة دائرة المسّرع الذري المنشأ تحت الأراضي الأوروبية ليزيد من تسارع الذرات واصطدامها لتوليد الطاقة الجديدة واكتشاف أسرار الكون والتعرف على نظام الثقوب السوداء التي تبتلع كل ما يعترض طريقها.

خلال السنوات الخمسة الماضية، التي واكبت استعدادات طباخي طبق الشوربة العالمي، واجه علماء الفيزياء في أوروبا أصعب التحديات لدى تشغيل مسّرع معهد “سيرن” الفيزيائي، وكاد المشروع أن يفشل فشلاً ذريعاً لولا اكتشاف مبتعث سعودي شاب من خلال أبحاثه في موقع المسّرع أن الحاقن النووي المستخدم لتسريع انطلاق الذرات متناهية الصغر يحتوي على خلل فني جذري قد يؤدي إلى إبطاء تسارع الذرات داخل الدائرة الضخمة التي يبلغ قطرها 18 ميلاً، مما قد يؤدي إلى خسارة الدول الأوروبية المتحالفة في هذا المشروع لأكثر من أربعة مليارات من الدولارات، عدا عن خسارتها الفادحة في سباق العلم والمعرفة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

نادر الحربي كان أول مبتعث سعودي من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في جامعة التقنية بمدينة فيينا عاصمة النمسا. إلى جانب 7500 طالب وطالبة من 60 دولة يسعى نادر لنيل شهادة الدكتوراة في الفيزياء بالتعاون مع معهد “سيرن” للأبحاث الذرية بمدينة جنيف السويسرية.

لم يتردد نادر الحربي لحظة في بدء العمل لإصلاح هذا الخلل وتصنيع حاقن جديد مسجلاً بذلك سبقاً علمياً استحق عليه عالم الفيزياء السعودي من هذا المعهد العريق براءة الاختراع الأولى في هذا المجال. وقبل أشهر معدودة في احتفال بهيج بمدينة جنيف حصل نادر على تقدير أساتذته وزملائه وتصدرت صورته صفحات المجلات العلمية وأطلق معهد “سيرن” الاسم المختصر لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية إلى جانب اسم المعهد على الحاقن السعودي الجديد.

هنالك العديد من علماء القرية الكونية وخبراء المعمورة المتنامية أمثال الشاب السعودي نادر الحربي الذين تحققت أحلامهم في “ثول” قرية الأسماك السعودية، التي أرسى قائد مسيرتنا فيها حجر أساس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لاستقطاب نادر الحربي ونوادر العلماء أمثاله من جميع أنحاء العالم. حقق قائد مسيرتنا دعائم أهدافنا الاستراتيجية الرامية إلى تحقيق السعودية أفضل المراكز العلمية والبحثية المتقدمة عالمياً في كافة مجالات الموارد والطاقة والبيئة والعلوم الحيوية وهندسة المواد والرياضات التطبيقية وعلوم الحاسب من خلال وضع حجر الأساس لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.

منذ ربع قرن وقائد مسيرتنا يضع أسس توطين العلوم والتقنية نصب عينيه ومنذ عقد من الزمن وراعي مصالحنا الاقتصادية يتابع خطوات الإصلاح الحثيثة من خلال انضمامنا لأقوى المنظمات العالمية وإصدار كافة الأنظمة ولوائحها التنفيذية وإنشاء الهيئات التنظيمية ومجالسها التنموية.

المزايا التنافسية التي نتمتع بها نتيجة امتلاكنا أكبر مخزون عالمي للنفط أصبحت مليئة بالتحديات المحلية والإقليمية والدولية. قلما يمضي يوم دون أن تفاجئنا وسائل الإعلام بأخبار اكتشافات الطاقات البديلة الجديدة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية والعضوية والذرية الانشطارية والهيدروجينية الاندماجية. سيارات جديدة تسير بطاقة الخلايا الضوئية والغاز والماء والهيدروجين. مبان ذكية تعتمد على توفير الطاقة الحرارية ومحطات فضائية تبحث في مدارات العالم عن موارد غير تقليدية.

أسعار النفط العالمية تواصل ارتفاعها المثير ومعها ترتفع أسعار السلع الأساسية المصّنعة ونصف المصّنعة التي تشكل أكثر من 90% من وارداتنا لندفع الصاع صاعين ونستورد التضخم من كل المصدّرين ونعاني من تدهور الدولار أمام اليورو ومن تردي مناخ الدول المنتجة للأرز والقمح والشعير ومن تغيير أنماط الاستهلاك في أوروبا وإيران والهند والصين.

دخلنا الوطني الذي يعتمد بنسبة 89% على تصدير سلعة واحدة فقط يؤرق مضاجعنا بسبب تذبذب أسعار النفط، ويثير غضبنا لتعاظم ضرائب البيئة المفروضة عليه، وتنتابنا الحمية من انتصار مراكز أبحاث الطاقة العالمية في نجاح مساعيها لإنتاج بدائل النفط والغاز.

عدد الجامعات في عالمنا الإسلامي لا يزيد عن 500 جامعة. في أمريكا التي يقلّ عدد سكانها عن ربع شعوب الأمة الإسلامية توجد 5700 جامعـة وفي الهند 8400 جامعة. علماؤنا في العالم الإسلامي لا تزيد نسبتهم عن 230 عالماً من كل مليون مسلم، بينما يفوق عددهم في أوروبا 4000 من كل مليون أوروبي، وفي اليابان 5000 عالم من كل مليون ياباني. في عالمنا الإسلامي لا تزيد نسبة المتعلمين عن 40%، بينما تفوق نسبتها في العالم المسيحي 90% وفي العالم اليهودي 85%. في الوقت الذي تشكل ثروات عالمنا الإسلامي الطبيعية 65% من ثروات المعمورة، تنخفض حصتنا الإنتاجية العالمية إلى 12% في الصناعة، و10% في الزراعة، و4% في الخدمات. لذا تزيد فواتير وارداتنا الاستهلاكية ضعفي ما ننتجه زراعياً وثلاثة أضعاف ما ننتجه صناعياً وعشرات أضعاف ما ننتجه في قطاع الخدمات لتندرج خمس شركات إسلامية فقط في أواخر قائمة أكبر 500 شركة عالمية.

نجاحنا في طبخ أكبر طبق للشوربة وأعظم صحن للكبسة في العالم يجب ألا يخطف بهجة عالم الفيزياء السعودي نادر الحربي الذي نجح في تشغيل المسّرع الفيزيائي بمعهد “سيرن”. انتصارنا في العلوم والتقنية يولّد أسس ودعائم الاقتصاد المعرفي الذي يخفف من اعتمادنا على سلعة وحيدة لتوفير الدخل ويثري القيمة المضافة المحلية ويحقق نسبة النمو الاقتصادي المطلوبة لتقليص مساوئ التضخم وفك ارتباطات العملة وتخفيض أسعار القمح والأرز اللذين يستخدمان تستخدم في طبخ أكبر طبق للشوربة في العالم وأعظم صحن للكبسة في قريتنا الكونية.

فواز العلمي كاتب في صحيفة االوطن القطرية.

2 thoughts on “طبق الشوربة الذي خطف بهجة الفيزياء

  1. كان لي موضوع سابق بعنوان

    العلماء يقتربون من اكتشاف اسرار الكون

    والمسلمون مشغولون بمسلسلات رمضان

    واضح انه ليس جميع المسلمون مشغولون بمسلسلات رمضان

    مبارك عليكم ذكرى موقعة بدر الكبرى

Comments are closed.