كنت أقود سيارتي متجها إلى المنزل، في يوم شديد الحرارة من أيامنا التي تجعل النباتات الصحراوية تبحث عن ظل يحميها من هذه الشمس،

كان الطريق خاليا في تلك الساعة، انتبهت على رجل كبير في السن يمشي ويرفع يده ليحمي بها رأسه، والتي لا تكاد إلا أن تغطي عينا وتترك الأخرى للشمس.

كان من جنسية غير عربية، لكنه يحمل شموخ العرب وعزتهم في مشيته، وأخذ من عزة النفس ما يقول به لهذا الطريق مصيرك أن تنتهي !

قررت التوقف بما ان هذا الطريق لا يؤدي إلا للامام، وستكون وجهته هي وجهتي بالتأكيد.

ما ان توقفت بجانبه حتى ابتسم ووقف بجانب النافذة، فتحت النافذة : السلام عليكم، اركب
كانت تلك الكلمة وكأنها كوب ماء بارد سقيته إياه !

سارع بالجلوس على المقعد، فرفعت من درجة التكييف لكي أهون عليه حرارة جسمه التي لامست وجهي.

مد يده ليصافحني، صافحته، كانت يده بجفاف الشجر اليابس، وبقسوة درع الفارس، أخذ منه المشيب ما أخذ، ولم يبق من نظارة ذلك الوجه إلا تلك العينان اللامعتين، لا أدري أتلمعان حيوية أم حزنا.

كان يحمل كيسا أزرق فيه الكثير من الشقوق والغبار، وبه تمرات من قلتها استطعت أن اعرف عددها !
سألته إلى أين ؟

قال إلى المنطقة الفلانية، ابتسمت وقلت له إذن فطريقنا واحد.

ثم صمت وأخذ يتأمل لا أعرف فيما كان.

لكنني كسرت ذلك الصمت وسألته
من أين ؟

قال : من المنطقة الغربية مدينة كذا (وتبعد ما يقارب الـ 300 كيلومتر)

قلت: وكيف وصلت إلى هنا ؟

قال: من شاحنة إلى حافلة أقلتني إلى منتصف الطريق، إلى سيارتك !

قلت: وأين انزلتك تلك الحافلة ؟

قال: عند المستشفى الذي خلفنا ( ويبعد ما يقارب الـ 20 كيلو) !!

تعجبت وقلت: ما شاء الله، كل تلك المسافة مشيا على الأقدام ؟ وفي هذا الجو ؟ ؟

قال : وكنت سأكمل (ما يقارب ال 10 كيلو) لولا انك توقفت، ليس معي مال لأواصل بقية الرحلة، نقودي تكفيني للعودة فقط !

فتعجبت وسألته سريعا: وما الذي دفعك لذلك ؟ هل تعمل هنا وتسكن هناك ؟
قال: لا، بل جئت لأزور صديقي، تعودنا ان نلتقي كلما سنحت الفرصة لنتجاذب أطراف الحديث لبضع ساعات !

لا أدري مالذي جعل هذه الكلمة كالتيار في جسدي،

وقلت له: كل هذا لتزور صديقك فقط ؟

قال نعم !

ثم أخرج تمرة من ذلك الكيس وناولني إياها وقال لي ذق انه تمر جيد !

قلت: تمر جيد، مناسب لتتسلى به في الطريق !

فقال نصفه ليكون غدائي وعشائي لهذا اليوم، والنصف الآخر هدية لصديقي ! (إذا فهو ليس تسلية كما حسبت )

لم أكمل الحديث أكثر من ذلك، بل سرحت وتأملت في حال هذه الصداقة، وهذا الوفاء، قدت حتى أوصلته للمكان المراد، وطلبت منه أن يدعوا لي فحسب،

وما إن أغلق الباب حتى قلت لنفسي : أين نحن من هذا النقاء والوفاء ؟

هل لديه مصلحة من ذلك الصديق، ليقاسي ما قاساه حتى يجلس معه بضع سويعات ؟

ليس لديه سوى سلاح الصداقة ونقاء القلوب وبساطتها، هو ما دفعه لذلك !

يا ترى كم من أصدقاء مثلهم مازالوا على قيد الحياة !

كتب في 25/5/2009

دعواتكم , , , ,

9 thoughts on “سلاح الصداقة !

  1. .

    الأصدقاء الأوفياء مثل الدرر التي في الصدف

    كي نحصل عليها لابد من الغوص في الأعماق والبحث عنها

    والصديق الوفي كنز لا يقدر بثمن

    .

    تسلم أخوي بو حمدة على الموضوع المميز

    .

Comments are closed.