دبي أو أبوظبي .. أم الاتحاد في وجه الأزمة؟
الثلاثاء, 17 مارس 2009

عبد الرحمن الحارثي – الرئيس والعضو المنتدب، مينا فاينانشال غروب

دفعني شتاء لندن القارس إلى ردهة دافئة في أحد فنادقها. لم يؤنسني فيها إلا صديق قديم احتل الشيب ما تبقى من رأسه، وبدا المصرفي العجوز يتحدث كالعادة عن تجربته التي قضاها هنا قبل عقد من الزمان، وكان يشير إلى الأزمة المالية التي أحكمت مخالبها في عنق الاقتصاد، وجعلت الساسة، وربما الدول، على «كف عفريت»، وحده الله يعلم قدر ثبات كفه، وبات يستفسر ويسألني عن التقارير الاقتصادية التي تنشر في الصحافة الغربية، وكيف ستعبر الإمارات السبع عنق الزجاجة، وماهية دور الاتحاد ومصداقية الدور نفسه.

ورحلت بعدها إلى ساعات لتقذف بي الأقدار إلى شرق آسيا، وهناك لم أحضر مناسبةً أو اجتماعاً إلا وتكرر الحديث عن دبي وأبوظبي والاتحاد. وعدت إلى الرياض ثم الدوحة، فوجدت عناوين الصحف والمال والأعمال تستفهم وتسأل، وفي كل مكان كان لي تعليق مكرر في محتواه: «أنه نظام متناسق لا يعوق التنمية الفردية على مستوى الإمارة بل يدعمها، وفي الوقت ذاته هو اتحاد مترابط ومتجانس كقطعة واحدة. زايد البعض وشكك الآخر، وأثبت الزمن أنه لا يصح إلا الصحيح».

شخصياً لم تدهشني كثرة التساؤلات، ولم أستغرب كثرة التقارير الصحافية والاقتصادية فدبي وأبوظبي والإمارات كانت دوماً في الأعوام الماضية ملء العين والبصر، واعتاد الإعلاميون أن تملأ عناوينَ صفحاتهم الأولى قصصُ النجاح الفريدة من هنا، فأطول برج في العالم في دبي، وأكبر مشروع للطاقة (مصدر) في أبوظبي، وأكبر مسطحات مباني اخترقت البحر عبر التاريخ هي في دبي، وجزر السعديات والريم في أبوظبي تعد الإنسان بما لم يره من قبل والقائمة طويلة والمكان هنا لا يتسع.

عبر التاريخ ارتبط ازدهار الأمم بفلسفة قيادتها، وظل ازدهار الشعوب ورؤى القيادة وجهان لعملة واحدة، وما يحدث هنا ليس ضربة حظ، حيث انعكس الأسلوب الاقتصادي الذي تنتهجه دولة الإمارات على نموها الاقتصادي، وهي الفلسفة التي أكدها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة «حفظه الله» في أكثر من مناسبة، حيث أشار إلى أن الإمارات استفادت من سياسة الانفتاح الاقتصادي، حيث أصبحت جميع الإمارات ساحةً لمدٍّ سياحيٍّ واستثماريٍّ عربيٍّ عالميٍّ واسعٍ، أسهم في دفع عجلة التطور والانتعاش الاقتصادي وتحقيق الرفاهية وخلق المزيد من فرص العمل لمواطني الدولة.

ويضيف القائد: «التحول إلى مركز اقتصادي عالمي لا يتم بقرار، بل هو محصلة لجهود وخطط تنفذ منذ سنوات، وهذه الجهود لم تقتصر على البناء الاقتصادي المجرد، بل شملت مرافق البنية الأساسية وتحسين مستوى الخدمات، فضلاً عن التنمية الاجتماعية التي تشمل تطوير الموارد البشرية عن طريق التعليم والتدريب، إضافة إلى تطوير البيئة التشريعية والقانونية المناسبة»، وما تقدم يعد مفهوماً نموذجياً لبناء التنمية المستدامة.

سعدت بمرافقة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلى الصين في المنتدى الاقتصادي العالمي ورأيته هناك، وفي أماكن أخرى كثيرة، وهو ينشر ما يملكه من طاقة استثنائية أينما حل، رؤية إلى ما خلف الأفق، وثقة متناهية وإيمان منقطع النظير في الذات والمستقبل، وفريق العمل. «أبراج دبي الشاهقة عنيدة على الأزمة والعملية التنموية الطموحة لا يحد من إنجازها أزمة ولا يقلل من نجاحها عاصفة تضرب البسيطة من الشرق إلى الغرب». ما قدمته دبي لنا كعرب لا يقدر بثمن فالعالم الذي لا يعرفنا إلا بالعباءة والجمل أصبح يرانا اليوم نموذجاً للتنمية ومصدراً للإشعاع والإنجاز.

أذكر أننا قمنا بزيارة للفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد قبل عامين وسألته عن رؤيته لأبوظبي خلال خمسة أعوام فرسم ابتسامته الهادئة التي اعتادت بث الثقة في نفوس الجميع، وقال إننا لا ننظر إلى هذا المدى، اسألونا عن أبوظبي بعد عشرين عاماً، وأسعدني الحظ بعد ذلك إلى حضور عرض تفصيلي لخطة أبوظبي 2030، وفيها يتشكل الحلم المشرق لهذه الإمارة الرصينة. والزائر لأبوظبي يراها تسابق الضوء، وهى تحث الخطى بقوة على الدرب نفسه؛ لتكون منارة تضيء القارات، ويعلو كعبها على الكثير من القديم والحديث من عواصم العالم. لعمري لمثل هذا فليتنافس المتنافسون!.

تجارب الحكومات في الشعوب النامية مليئة بما يدمي القلب ويكفي لإبكاء أتعس الأرامل حزناً، حيث سلبت عشرات السنين من كبد الزمان في تبجيل حاكم أو نظام سحق الآلاف من شعبه كقشة شعير، وبقيت أرض أجداده مثلما شاهدها يوم مولده، بينما هنا تحت مظلة الاتحاد سُخرت الطاقات للعطاء. إن تلك الطاقة التي تدب في أوصال الاتحاد تثير الكثير من الحبور فهذه التجربة التنموية تعنى بالإنسان كأولوية وتمسك بزمام الزمان وتقود خطامه إلى الأمام، حيث تنتظر التنمية ويحدث الازدهار ويتم البناء.

أمام الاتحاد الكثير من التحديات المستقبلية يتراوح شكلها بين الأليف والشرس، أهمها المواصلة في بناء الاتحاد بالقيم والروح ذاتها التي أسسها الرعيل الأول، وأيضاً المواصلة في بناء أنظمة حديثة تؤمن المزيد من المشاركة الشعبية، ناهيك عن بناء وتحديث الإمارات الأقل نمواً من العاصمتين السياسية والتجارية للإمارات.

عندما تداعت مستويات السيولة في القطاع المصرفي جراء الأزمة العالمية أرسلت الحكومة الاتحادية مجموعة من القرارات المتتابعة تضمنت ضمان الودائع لكل بنوك الاتحاد وأطلقت «حزمة الريبو» بنحو خمسين مليار درهم، وتبعتها خطة الودائع لتحسين وضع مستوى السيولة بنحو سبعين مليار درهم، وأصدرت برنامجاً للسندات بنحو عشرين مليار دولار، اكتتبت بنصفها، والتزمت بالنصف الآخر لمساعدة شركات وحكومة دبي في مواصلة عمليات النمو، ومثل هذا الالتزام الاتحادي والرؤية الكلية والشاملة للاتحاد ما لا يستطيع محلل غربي استيعابه في زيارة أو من خلال قراءة موازنة.

إن الانكماش الاقتصادي في دبي بوصفها منصة أعمال استثنائية في الشرق الأوسط سيضر كثيراً بجيرانها، وبلا جدال أولهم اقتصاد أبوظبي، وتراجع الموارد والعملية التنموية في أبوظبي بما تملك من زخم سيلقي بآثاره السلبية على الكثير من اللاعبين في اقتصاد الشرق الأوسط، ولكن أولهم بلا جدال دبي. ولكن بعيداً عن ما نراه من منظور اقتصادي، هناك إيمان عميق يملكه القادة بداية بجيل المؤسسين ووصولاً إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد في نموذج إدارته المتزنة المرتكزة على الإنسان كأولوية.

إن هذا الاتحاد لم يولد ليبقى ويستمر، بل حتى يكون نموذجاً مثالياً للتجارب التنموية في العصر الحديث، حيث يتناغم البعد الاستراتيجي للإمارات السبع مع تنمية الإنسان والوطن. جيل المؤسسين ضحى بالكثير من أجل الاتحاد نفسه وثباته في وجه العواصف، وما يملكه هذا الاتحاد من عمق في الرسالة وجذور ضاربة في التآخي والالتزام، لا يستوعبه محلل «انجلوساكسوني» أو تقرير إعلامي أو تصنيف ائتماني لمحلل لا يجيد قراءة ما خلف الأرقام.

لو استند هذا الاتحاد إلى الاقتصاد وحده ربما لم يكن ليصمد في وجه اختلاف دورات الاقتصاد، ولو ارتكز على السياسة وحدها لربما لم يصل إلى شكله كما هو اليوم، ولكنه بجانب هذا وذاك ارتكز على ما هو أعمق وأكثر صلابة، وهو إيمان القادة على اختلاف الأجيال بأن الاتحاد هو رسالة إنسانية وجدت لتنمية الإنسان والأرض والمواطنة، يوقدها الطموح وتقودها العزيمة، ويحميها الحب للإنسان والإيمان برسالته.

أختم بقول فزَّاع، وهو شاعر يحلق في الفضاء لو لم يكن معه جناحان، من قصيدته في احتفالية الاتحاد التي لم يملك بعدها سمو الشيخ «الحكيم» محمد بن زايد إلا أن يعانقه طويلاً في رسالة تجسد امتداد الاتحاد إلى أمد لا تصله أحداقنا المجردة.

نحن اللي نحن ثم نحن اللي حان لنا فرصة تجنبنا المصايب أو نجنبها

لكننا وقفنا وقفة الشجعان للشجعان وعلمنا الرجال توقف وتهزم مصايبها.

ارباب

7 thoughts on “دبي أو أبوظبي .. أم الاتحاد في وجه الأزمة؟

  1. اخي ارباب

    المشكلة اكبر من الإعلام

    بل هي في اصحاب القرار أنفسهم حين يخرجون علينا ليقولوا لنا:

    “نحن بعيدين عن الأزمة”

    “اقتصادنا متين ولا داعي للخوف”

    “اقتصادنا لديه حصانة من هذه الأزمة”

    وكأننا نعيش على كوكب آخر

    هل تصدق المسؤول حين يقول لك بأن نسبة التضخم في الإمارات هي 5% ؟؟!!!!

    يا الله 5% فقط ؟؟ إذن ما هذا الغلاء الفاحش الذي نراه في كل شيء ام نحن واهمون ؟؟ كل شيء تضاعف سعره ولازال التضخم 5% عجيييييب

    الا يجب أن يُحاسب كل من وضع اموال المستثمرين في مكانها الخاطئ مثل الإستثمار في نوادي القمار والشركة العقارية الامريكية التي افلست وغيرها من الصفقات الخاطئة

    هناك الكثير والكثير ومن الظلم أن نحمله فقط للإعلام

  2. أخي أرباب

    المشكلة أنه لم يتم حتى الآن الاعتراف أن أصل المشكلة هي القطاع العقاري والبنوك. كيف يمكنك إصلاح خطأ لا تعترف به؟

    يجب أن يكون القطاع العقاري وسيلة لتنمية الدولة وليس غاية في حد ذاته.

    أما آن الوقت لنقول وبشكل واضح : القطاع العقاري هو المسؤول عن كل المشاكل التي نواجهها الآن.

    عزيزي بن حميد المصرفي شرفني مرورك

    هذه الدور يجب ان يكون على الاعلام الذي يعمل كاداة للتطبيل فقط للأسف انا ارى الصحف السعودية والكويتية وارى الصحف االاجنبية التي تصدر في الدولة واستغرب بمقارنتها بين الصحف المحلية ان الصحف المحلية لا تعالج المشكلة بل تفاقم المشكلة

    لا اعرف هل هذه الصحف المحلية تعي ان هناك مشكلة في السيولة ومشكلة في انهيار الاسعار ومشكلة في قروض واقفة ومشكلة في توقف دورة المشاريع ومشكلة في عدم استلام مقاولين مستحقاتهم وعدم استلام عمال مستحقاتهم

    هناك بشكل عام مشاكل كثيرة ومترابطة في ما بينها البين لاكن لم يتم مناقشة اي مشكلة وبكل وضوح وتوجيه الاتهام للذي سبب هذه المشكلة او هذه المشاكل لنا

    عند بداية الازمة ذكرت وفي شهر 11 وكان رد على احد الاعضاء عندما قال ان ابوظبي لن تتاثر كان ردي عليه بأن الاقتصاد مترابط كلياً فيما بينه البين وانخفاض في دبي سوف يتبعه انخفاض في ابوظبي والعين وراس الخيمة كون البلد صغيرة وليست مترامية الاطراف

    اعلامنا حتى الان لم يأخذ دوره الصحيح في حل المشاكل او الدور المنوط به كسلطة رابعة

    ارباب

  3. اذاً البنوك هيه في قائمة من شوه سمعة الدولة تليها شركات التطوير العقار والتي فتحت الباب على مصرعيه لتملك الاجانب والى المضاربات في العقار بشكل كبير

    عجبني كلام سيدي الشيخ محمد بن زايد عندما سائله المذيع كيف ابوظبي بعد 5 سنوات وتبسم الشيخ وقال انظر بعد 20 سنة هذه الرؤية تنم عن فكر قيادي وعقلانية في دراسة الامور والله يحفظه يارب ذخر لهذه البلد

    ارباب

    أخي أرباب

    المشكلة أنه لم يتم حتى الآن الاعتراف أن أصل المشكلة هي القطاع العقاري والبنوك. كيف يمكنك إصلاح خطأ لا تعترف به؟

    يجب أن يكون القطاع العقاري وسيلة لتنمية الدولة وليس غاية في حد ذاته.

    أما آن الوقت لنقول وبشكل واضح : القطاع العقاري هو المسؤول عن كل المشاكل التي نواجهها الآن.

  4. تكلمنا قبل هذه المقال وهنا في المنتدى بأن الشركات العقارية والبنوك كبدت الدولة خسائر بسبب عدم وعيها في سياسة الاقراض المتسارع بدون اي ضمان للودائع المحلية مما ادى الى تعدي الاقراض حجم الودائع اي اي سحب قوي للودائع سوف يؤادي الى افلاس هذه البنوك

    وهو ما حدى الدولة ممثلة بوزارة المالية والمصرف المركزي بدعم رئيسي 120 مليار واعلان صاحب السمو رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد حفظه الله بأعلان ضمان الودائع

    اذاً البنوك هيه في قائمة من شوه سمعة الدولة تليها شركات التطوير العقار والتي فتحت الباب على مصرعيه لتملك الاجانب والى المضاربات في العقار بشكل كبير والمشكلة ان هناك تنافس كان واضح بين عدة امارات في تملك الاجانب مما ادى الى خلل كبير في عدد الاجانب مقابل ابناء الامارات والعرب بشكل عام ووصلت النسبة الى 13% للمواطنيين والعرب

    تملك العقار للاجانب اقراض مفتوح اتجاه للعقار بشكل محموم مما ادى الى تضخم فاحش في الدولة توسع غير مدروس وعدم تدارك البنية التحتية مع النمو العقاري الكبير والهائل فتح باب على مصرعيه لسحب الاموال بشكل هائل عن طرق زيادة رؤوس الاموال امور كثيرة لا يسعني ذكرها

    عجبني كلام سيدي الشيخ محمد بن زايد عندما سائله المذيع كيف ابوظبي بعد 5 سنوات وتبسم الشيخ وقال انظر بعد 20 سنة هذه الرؤية تنم عن فكر قيادي وعقلانية في دراسة الامور والله يحفظه يارب ذخر لهذه البلد

    ارباب

Comments are closed.