المنتدى : شبكة فضيلة الشيخ سعود الشريم

خطبة رائعة لفضيلة الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم
عن

مذاهبُ الناس في التعامل مع رزق الله

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد، فيا أيها الناس:
إن من المعلوم بداهةً: أن المال قِوام الحياة وزينتها، والناس يستقبلون صباحهم في كل يومٍ وشؤون الرزق مستوليةٌ على أفئدتهم، مُستحوذةٌ على أفكارهم، المُقِلُّ منهم يريد سعةً، والمُوسع يُريدُ مزيدًا، فإما غنيٌّ فيه طمع، أو فقيرٌ عنده قلق، وقليلٌ من هم بين ذلك.

وللناس مع الرزق في هذه الحياة مذاهبُ شتى، ودروبٌ متفاوتةٌ، كلٌّ بحسب ما يحملُهُ قلبُه واعتقادُه عن مفهوم الرزق، ومفهوم طلبه، واستيعاب الواجبِ تحقيقُه من الوسائل المُؤدِّية إليهما.

بسم الله الرحمن الرحيم: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 1- 4]،
فمن الناس قَلِقٌ مُتوجِّسٌ، لا يهنأُ بنومٍ ولو أغمض عينيه، ويتجرَّع طعامَه وشرابه على شَرْقٍ ولا يكادُ يُسيغُهما؛ لأن هاجِس الرزق مُستولٍ عليه، وجاثمٌ بقلبه، فهو لا يثِقُ بوعدٍ، ولا يستحضرُ قدَرًا قدَّرَه الله، ولا يأمنُ سبيلا، يرى نفسَه بين الحياة والموت إن لم يلهَث وراء الرزق بلا شرطٍ ولا قـيْـد؛ بل تستوي عنده وسائل التحصيل حلالاً كانت أم حرامًا ما دامت غايتُه المُشوَّشة تُبرِّرُ الوسيلة!.

ومثلُ هذا إذا رأى أول الرزق سالَ لُعابُهُ لآخره حتى يأكل ولا يشبع، ويشرب ولا يرتوي، ليصدُقَ عليه قول المصطفى – صلى الله عليه وسلم -: ((لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغَى واديًا ثالثًا، ولا يملأُ جوفَ ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب))؛ رواه مسلم.

ومن هذه حالُهُ يستبدُّ به الجشع والشراهة، فيجعلانه لا يكتفي بقليل، ولا يشبعُ من كثير! ، لا يكفيه ما عنده فيمتد إلى ما عند غيره، فيُصيبُه سَعَارُ الكانِـز، وإذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد نهى عن منعٍ وهات، فإن شعارَه هو: هاتِ وهاتِ !!.

وفي الناس من هو عكس ذلك تمامًا؛ قد أخلدَت نفسُه إلى الراحة، وآثَر الدَّعَة،

وجلسَ حِلْسَ بيته، لا يهُشُّ ولا ينُشُّ، ينتظر السماء أن تُمطِر ذهبًا أو فضة، يرى أن القاعد كالساعي أو خيرٌ منه؛ بل يرى أن السعي لطلب الرزق جُهدٌ مُهدَر، وثَلْمٌ لقَدَح التوكل والقناعة، والواقع – عباد الله – أنه قـنـاعٌ وتـواكـــُل، وليس قناعةً وتوكُّلاً.

والغِرُّ من هؤلاء مَن إذا حاجَجتَه قال لك: ألم تسمع قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لو أنكم تتوكَّلون على الله حقَّ توكُّلِه لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خِماصًا وتروحُ بِطانًا))؛ رواه أحمد، والترمذي.

فانظروا – يا رعاكم الله – إلى استدلال القَعَدة من المتواكلين كيف أخذوا من الحديث توكُّل الطير، ولم يأخذوا منه غُدوَّها ورواحها !!

لقد ظلمَ فِئامٌ من الناسِ القناعةَ، فحسِبوها الرضا بالدُّون، فعمُوا وصمُّوا عن غير هذا المعنى، ثم عَمُوا وصمُّوا عن تصحيحه، فضعُفَت الهِمَم عن طلب معالي الأمور، وعَلَت هِمَّة تمجيد الفقر والجوع!.

وهؤلاء وإن كان هم القِلَّة في المجتمعات في سائر العصور، إلا أنهم يرفعون عقِيرَتَهم بهذا أحيانًا كثيرة!.

وقد رأى الفاروق – رضي الله عنه – قومًا قابعين في ركن المسجد بعد صلاة الجمعة، فسألهم: من أنتم؟ قالوا: نحن المُتوكِّلون على الله، فعلاهم عمر – رضي الله عنه – بدِرَّته، ونَهَرَهم، وقال: لا يقعدنَّ أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علِمَ أن السماء لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضة، وإنّ الله يقول: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10].

وكان سفيان الثوري – رحمه الله – يمُرُّ ببعض الناس وهم جلوسٌ بالمسجد الحرام، فيقول: ما يُجلِسُكم؟ قالوا: فما نصنع؟ قال: اطلبوا من فضل الله، ولا تكونوا عيالاً على المسلمين.

إن المسلم السعيد هو الذي تعتدل أمامه مسالكُ الحياة في طلب الرزق، فيعمل ويتصبَّب منه عَرَقُه ليتطهَّر من فَضَلات الكسل وجمود النفس، ويكسِب الكسب الحلال الطيب؛ إذ المسلم ليس درويشًا في مُعتَكَف، أو راهبًا في دَيـْر لا عمل له ولا كسب؛ لأن الإسلام لا يعرف المؤمن إلا كـادحًا عـاملاً في هذه الحياة، آخِذًا منها، مُعطِيًا لها {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور} [الملك: 15].

ولقد تعوَّذ النبي – صلى الله عليه وسلم – من الفقر، وأمر بالتعوُّذ منه؛ لأن الإسلام يريد من أهله أن يكونوا أقوياء أغنياء، لا مهازيل ضعفاء! ، ومعنى: أن يكونوا أغنياء؛ أي: ليسوا عالةً يتكفَّفون الناس، فالإسلام لا يريد الفقر المُذِلَّ لأتباعه، كما أنه لا يريد الغِنى المُطغِي لصاحبه، فلا هو مع الكسول المُحتال باسم التكسُّب، ولا هو مع الذين يُحبُّون المال حُبًّا جمًّا، يُعميهم عن دينهم وأخلاقهم.

ثم إن المال غادٍ ورائح، ومُقبِلٌ ومُدبِر، يغتني بحصوله أقوام، ويفتقر بعدمه آخرون {وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء} [النحل: 71].

وما على العبد المؤمن إلا أن يبذُل الأسباب، ويبتغي عند الله الرزق، فلا يدري أين خبَّأ الله له رزقَه، فمصادرُ الرزق ليست سواءً، والناس يتناوبون على معايش الحياة، يطلبونها على صورة تناوُبٍ لا يقدر عليه إلا الله سبحانه {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون} [الزخرف: 32].

ولهذا مكَّن الله للناس في الأرض لتتنوَّع مصادر أرزاقهم، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُون} [الأعراف: 10]، فالله – جل وعلا – قَسَم المعاش وقدَّر الأرزاق، والناس أجمعون لا يملكون لك أيها المرء عطاءً ولا منعًا، وإنما الناس وسائط، فما أعطوك فهو بقدر الله، وما منعوك فهو بقدر الله، وما كان لك فسوف يأتيك على ضعفك !، وما كان لغيرك فلن تناله بقوتك! {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب} [الحج: 73].

وما عليك – أيها المسلم – إلا أن تجِدَّ وتعمل، وتضرب في آفاق الأرض، وتأخذ بأسباب الرزق، فمن جدَّ وَجَد، ومن زرع حَصَد، فلا كسبَ بلا عمل، ولا حصادَ بلا زرع.

روى الإمام أحمد عن رجلين من الصحابة دخلا على النبي – صلى الله عليه وسلم – فأعاناه على شيء كان يُصلِحُه، فقال لهما: ((لا تيأسا من الرزق ما تهزَّزَت رؤوسكما، فإن الإنسان تلِدُه أمه أحمر ليس عليه قشرة، ثم يرزقه الله – عز وجل)).

ومسألة الرزق – عباد الله – أدقُّ من أن يفهم الناس أغوارها، وأعظم من أن يُدرِكوا حِكَمَ الله فيها؛ لأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين

ولننظر إلى شيءٍ من مطالب الرزق على وجه التدبُّر، واستحضار حكمة اللطيف الخبير فيها ، لنجد أن من الناس من لم يُكتَب له رزقُه إلا في أعماق البحار؛ كالغوَّاصين، أو في ثَبَج الهواء بين السماء والأرض؛ كالطيَّارين والملاَّحين، أو تحت الأرض يجِدون لقمة عيشهم في كسر صخر صلدٍ؛ كأصحاب المناجم.

والعجبُ كل العجب فيمن رزقُه كامِنٌ بين فكَّي الأسود وهو مُروِّضُها، أو بين أنياب الفِيَلة وخراطيمها وهو يسُوسُها، أو مثل بهلوان يمشي على حبلٍ ممدود في الهواء ليجد لقمة عيشه بالمشي عليه في مخاطرةٍ تُدهِشُ العقول، وتُرعِدُ الفرائص!.

هل لنا – عباد الله – أن نتصوَّر أرزاق أناسٍ مرهونةً بمرض السرطان – عافانا الله وإياكم -، أليس للسرطان طبيب؟ أليس له حقنة؟ أليس رزق هذا الطبيب، وذلك المُمرِّض مرهونٌ بمثل هذا المرض الخبيث؟!

أفلا نعلم أن من الناس من قوتُهم مُناطٌ بالبرد القارِس ليبيع مدفأةً أو مِلحَفة، أو مَنْ قوتُه مُناطٌ بالحر الشديد ليبيع ثلجًا أو آلة تبريد؟!

أليس هناك من رزقُه مُناطٌ بفرحِ زوجٍ وزوجة ليُؤجِّر لهما وسائل الفرح؟

أليس هناك من رزقُه مُناطٌ بأتراحِ الناس وأحزانهم، فيحفر قبرًا لفلان، أو يبيع كفنًا له؟

وقولوا مثل ذلكم في رزق الجلاَّد، والسجَّان، ومُنفِّذ القِصاص، وقاطِع يدِ السارق!!.

إنها حكمة الله وعظمته وتسخير عباده بعضهم لبعض {إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيد} [المائدة: 1]، وقد قال الصادقُ المصدوق – صلوات الله وسلامه عليه -: ((وجُعِل رزقي تحت ظلِّ رُمحِي)).

ألا رحِمَ الله عبدًا كَسَبَ فتطهَّر، واقتصدَ فاعتدل، وذكر ربَّه ولم ينسَ نصيبَه من الدنيا

ويا خيبة من طغى مالُهُ ورزقُه عليه، وأضاع دينَه وكرامتَه، وكان من الذين قال الله فيهم: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11].

المؤمن الحق هو الراضي بما قسم الله له من رزق، وهو المُوقِنُ بعدل الله فيما قسم من أرزاق لحكمةٍ يعلمها سبحانه {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء} [البقرة: 255].

ذكر ابن الجوزي – رحمه الله – عن ابن الراوندي الضال الذي اشتهر بالذكاء في القرن الثالث الهجري: أنه قد جاعَ يومًا واشتدَّ جُوعُه، فجلس على الجسر وقد أمضَّه الجوع، فمرَّت خيلٌ مُزيَّنةٌ بالحرير والدِّيباج، فقال: لمن هذه؟ فقالوا: لعلي بن بلتق غلامِ الخليفة، فمرَّت جوارٍ مُستحسنات، فقال: لمن هذه؟ فقالوا: لعلي بن بلتق غلام الخليفة، فمرَّ به رجلٌ فرآه وعليه أثر الضُّرُّ، فرمى إليه رغيفين, فأخذهما ورمى بهما!، وقال: هذه الأشياء لعلي بن بلتق، وهذان لي؟!

وما علم أنه بهذا الاعتراض أهلٌ لهذه المجاعة؟!

قال الحافظ الذهبي – رحمه الله -: “فلعن الله الذكاء بلا إيمان، ورضي الله عن البلادة مع التقوى“.

فالرزق – عباد الله – لا يُردُّ إلى كياسة المرء وعقله، فربما رأينا أكيَسَ الناس قد أفنى عمره في الكسب، قد يفوقه في الغنى من هو أجهل منه، وأقلُّ عقلاً وذكاءً، وقد أحسن الشافعي – رحمه الله – حين قال:

ومن الدليل على القضاء وكونه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق !!

فما الذكاء سببًا في الغنى، كما أن الفقر ليس سببه الغباء {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون} [سبأ: 36].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلتُ ما قلتُ، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفَّارًا.

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

وبعد:

فاتقوا الله – عباد الله – واعلموا أن الإسلام دينُ وسطٍ بين الغالي والجافي، والمُفرِط والمُفرِّط، فهو يأمر بطلب الرزق، ويحضُّ على السعي فيه، وفي الوقت نفسه يذُمُّ القعود عنه والإخلاد إلى الاتِّكال، وتكفُّف الغير، ولقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((اليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى))؛ رواه الشيخان.

يقول ابن قتيبة – رحمه الله -: “اليد العليا هي المُعطية، فالعجب عندي من قومٍ يقولون: هي الآخِذة، ولا أرى هؤلاء القوم إلا قومًا استطابوا السؤال”.

إن العمل مهما كان حقيرًا فهو خيرٌ من البِطالة؛ لأن العزة بلا سؤال خيرٌ من ذِلَّة بسؤال، و إن الإسلام نظر إلى المُكلَّف نظرَ اعتبارٍ؛ حيث دعاه إلى نزول ميادين العمل على أنواعها، إما مأجورًا أو حرًّا مستقلاً، أو مُشاركًا في المال إن استطاع، وقد سُئل النبي – صلى الله عليه وسلم -: أي الكسب أفضل؟ قال: ((عملُ الرجل بيده، وكل بيعٍ مبرورٍ))؛ رواه الطبراني.

وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((ما أكل أحدٌ طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده))؛ رواه البخاري.

والحاصل – عباد الله -: أنه يجب على المسلم أن يسعى في الرزق، ويبذل وسعه، وأن يرضى بما يقسم الله له، وأن يجعل الغنى والقلة مطيَّتين لا يُبالي أيهما قُسِم له، فإن كانت القلة فإنها قد تسمو، كما سَمَت قِلّة المُصطفى – صلى الله عليه وسلم – مع أنّ فيها الصبر والاحتساب، وإن كانت الغنى فإن الغنى قد يدنو كما دنا غنى قارون.

كما أنه في الوقت نفسه محلاًّ للبذل والإنفاق من فضل الله، وجِماعُ ذلك كله محكومٌ بما قاله المصطفى – صلى الله عليه وسلم -: ((إن روح القُدُس نَفَثَ في رُوعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجمِلوا في الطلب، ولا يحمِلنَّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلُبَه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته))؛ رواه الطبراني، والحاكم وصحَّحه.

هذا؛ وصلُّوا – رحمكم الله – على خير البرية، وأزكى البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم – أيها المؤمنون -، فقال – جل وعلا -: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم، وزِد وبارِك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر صحابة نبيك محمد – صلى الله عليه وسلم -، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجُودِك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشرك والمشركين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.

اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، واقض الدَّين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلِح له بِطانتَه يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم لا تحرمنا خير ما عنك بشر ما عندنا، اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، يا ذا الجلال والإكرام.

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار} [البقرة: 201].

سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

4 thoughts on “خطبة رائعة عن الرزق انصحكم تقرونها

  1. الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على النذير البشير الرحمه المهداة للعالمين

    تسلم اخويه وفي ميزان حسناتك

Comments are closed.