المستثمرون و الدولرة !!

هناك نكتة قديمة تقول إن أسئلة الامتحانات التي ترد في مادة الاقتصاد تظل ثابتة كل سنة، وأن الإجابات فقط هي التي تتغير . ومن المؤكد أن النقاش حول أفضل الأسعار أسعار الصرف .
بَيْدَ أن هناك إجابات جديدة تظهر بشكل مستمر وأحدث إجابة عن السؤال الذي يثار عن نظام أسعار الصرف الذي ينبغي أن تختاره البلدان هي “لا شيء” وهذا يعني أن على البلدان أن تتخلى تماماً عن استخدام عملتها الوطنية وأن تتخذ كعملة رسمية لها عملة أجنبية مستقرة تكون في الغالب هي الدولار .

والحقيقة فإن هناك نقاشاً واسع النطاق يدور حول الدولرة الكاملة للاقتصاد، أي ربطه ربطاً كاملاً بالدولار، كسبيل لتمكين البلدان النامية من التغلب على مشكلة عدم استقرار النقد وسعر الصرف . فما هي تكاليف عملية الدولرة والفوائد التي ينتظر أن تعود منها على البلدان النامية؟! .
ففي العام الماضي، أولت حكومات عديدة اهتماماً جاداً لعملية الدولرة، وأخذ بعض علماء الاقتصاد البارزين يسوقون حججاً تدعو لأن تطبق جميع البلدان النامية نظام الدولرة على أن البلدان النامية ليست هي فقط التي تفكر في الدولرة .
لقد أدت سمتان مميزتان لعقد التسعينات إلى تغيير فحوى النقاش: السمة الأولى أن مشكلة التضخم تراجعت بشكل ملحوظ . والثانية أن درجة حراك رأس المال وحجم تدفقات رأس المال زادا زيادة حادة . وزاد بالمثل تواتر أزمات النقد وحدتها الظاهرة . وكان الكثير من مرامي هجمات المضاربة الشرسة تلك ينصب على الإبقاء على شكل من أشكال ربط أسعار الصرف .
وبسبب تلك الأزمات، أثارت فكرة الدولرة الكاملة اهتماماً كبيراً. وبزغ الرأي القائل بأنه في عالم يسوده حراك رأس المال بدرجة عالية تعد عمليات ربط أسعار الصرف دعوة إلى هجمات المضاربة، وتصبح الخيارات القصوى وحدها، ربط العملة بأخرى على نحو ثابت مثلاً بإنشاء مجلس للعملة أو نظام للتعويم الحر للعملة، هي الخيارات التي تتوافر لها مقومات النجاح .
وقد هاجم مؤيدو نظام الدولرة هذين البديلين على حد سواء . وكانت حجتهم في ذلك أن عمليات التعويم الحر للعملة لا تصلح لبلدان كثيرة، نظراً لأنها تؤدي إلى تقلب أسعار الصرف بدرجة مفرطة . وفي الوقت نفسه، أصبح واضحاً أن مجالس العملة ليست محصنة ضد هجمات المضاربة المكلفة .
يقول أندرو بيرغ: إن الدولرة الكاملة تبحر بالتوصل إلى تلافي حدوث أزمات في مجال النقد وفي ميزان المدفوعات . فبدون وجود عملة محلية، ينتفي احتمال انخفاض قيمتها، كما يستبعد حدوث تدفقات لرأس المال إلى الخارج بصورة فجائية بدافع من مخاوف من تخفيض قيمة العملة .
ويقول ادواردو بورنزستاين: قد تأتي عملية الدولرة بفوائد، كحدوث تكامل أوثق مع الاقتصاد العالمي يشجِّعه انخفاض في تكاليف المعاملات واستقرار مؤكد في الأسعار، وقد يؤدي نظام الدولرة أيضاً، باستبعاده التام لإمكانات التمويل التضخمي إلى دعم المؤسسات وإلى إيجاد مواقف إيجابية تجاه الاستثمار .
ومع هذا تعزف البلدان عن التخلي عن عملاتها الوطنية، ذلك أن العملة رمز وطني .
ويمكن القول، من وجهة نظر اقتصادية، أن حق إصدار العملة يتيح للحكومات إيرادات من رسوم سك العملة .
في ظل نظام الدولرة، يفقد أي بلد يتخذ عملة أجنبية كعملة رسمية الدخل من رسوم سك العملة . ويكون على هذا البلد، أولاً أن يشتري أرصدة العملة المحلية الموجودة في حوزة عامة الناس أو المصارف، مقابل دولارات يدفعها من احتياطاته، ثانياً، يتخلى عن إيراداته المستقبلية من رسوم سك العملة التي كانت تأتيه من إصدار العملة الجديدة التي تطبع سنوياً لمواجهة الزيادات في الطلب على النقد، بَيْدَ أن هذه الزيادات ينتظر أن تتضاءل بمرور الوقت، نظراً لأن التطور المالي يؤدي إلى انخفاض الحاجة إلى عملة لتنفيذ المعاملات التجارية .
وعلى الرغم من ذلك فإن بلداناً كثيرة قد لا تستفيد من خيار الأخذ بنظام الدولرة حتى عندما تكون قيمة الدولار غير مغالٍ فيها .
لأنه ربما يؤدي إلى تقليل احتمال التهافت على سحب الودائع من المصارف . فما لم يوجد في المراكز المالية للمصارف اختلال كبير في موازنة أرصدة العملات، فإن ثقة المودعين في النظام المصرفي المحلي قد تزداد . وإذا اضطلعت المصارف الأجنبية الكبيرة بدور مهيمن في النظام المصرفي ، فإن ذلك سيؤدي إلى تقليص خطر التهافت على سحب الودائع المصرفية .
أما بالنسبة للبلدان التي يحتمل أن تستفيد من نظام الدولرة، فهي تلك البلدان التي حققت تكاملاً عالي المستوى مع الولايات المتحدة في العلاقات التجارية والمالية .
ختاماً أقول إن المخاطر التي تتعرض لها المصارف ودوائر الأعمال من جراء تخفيض قيمة العملة من شأنها أن تجعل عملية التخفيض مخاطرة مالية كما أن سعر الصرف لن يقوم بمهمة أداة السياسة من حيث قيمتها الدولارية . وفي هذه الحالات ، يمكن أن تكون الفوائد التي يتيحها نظام الدولرة أكثر من تكاليفه.
.
.

بقلم: د. زيد بن محمد الرماني

3 thoughts on “حالياً: قد تكون الدولرة الكاملـــه افضل من فك الارتباط

  1. مافهمت شئ
    لكن كلامك صح

    وداوها بالتي كانت هي الداء
    .
    .
    قد يكون المعني بالموضوع بالدرجة الاولى هي دول الخليج وصناديقها السيادية .. واصحاب رؤوس الاموال الكبيرة من رجال الاعمال .
    ولكن وبشكل مبسط .. فل نفرض بان لديك سيولة بالوقت الراهن ( اي بالدرهم ) وهذه السيولة تأثرت بانخفاض الدولار .. وترغب بشراء سيارة .. فماهي الخيارات المتوفرة امامك ؟
    هل تشتري سيارة يابانية (وعلية فانك تشتري تلك السيارة مضافاً اليها قيمة الطاقة واغلب المواد الاساسية المشتقة منها وكذلك الفرق الحاصل بين انخفاض الدرهم امام الين ) , ام تشتري سيارة امريكية والتي بشرائك لتلك السيارة فان سعر ارتفاع النفط ومشتقاتة سيؤثر عليها ولكن ليس بنفس القدر الحاصل على الين لارتباطك بتلك العملة ) .
    واذا عدنا لاصحاب رؤوس الاموال الكبيرة فانهم عندما يقومون بتبديل ((( الاوراق التي تحصلوا عليها المسماة الدولار))) باستثمارات في الولايات المتحدة نفسها في القطاع الانتاجي يكونون قد تلافوا بعض السلبيات في انخفاض الدولار لاسيما ان كانت تلك القطاعات الانتاجية جاهزة للتصدير
    .
    .
    ارجوا ان تكون الفكرة وصلت

Comments are closed.