ترجمة الشَّيخ مُحَمَّد حَيَاة السِّـنْدِي رَحِمَهُ الله
من أشهر تلاميذه : شيخ الإسلام محمَّد بن عبد الوهَّاب، والعلامة المجتهد محمَّد الصنعاني صاحب (سبل السلام) رحمهما الله تعالى.

ـ هذه الترجمة تنشر لأول مرة في الشابكة ـ والله أعلم ـ فرَّغتها من كتاب (( رسالة في حـكم إعفاء الّلحى )) تأليف الشيخ المترجم له، بتحقيق الشيخ الفقيه الأصولي: أبو عبد الرحمن عبد المجيد جمعة حفظه الله,
ـ قام بالترجمة الشيخ المحقق للرسالة نفسها : أبو عبد الرحمن عبد المجيد جمعة جزاه الله خيرا.

ترجمة الشَّيخ مُحَمَّد حَيَاة السِّـنْدِي رَحِمَهُ الله (1)

· مولود ونَسَبُه:
هو محمَّد حياة بن ابراهيم السِّندي الأصْلُ والمَوْلِد، المدني الإقامة والوفاة، ولد بمدينة (جاجر) من إقليم السند، ونشأ بها، ولم يذكر مترجموه تاريخ ولادته، ثمَّ انتقل إلى مدينة (تته) ـ قاعدة بلاد السند ـ

· طلبه للعلم ورحلته:
لما انتقل الشيخ السندي رحمه الله إلى مدينة (تته)، بدأ ينكب على طلب العلم، ويأخذ عن علمائها ومشايخها، فأخذ على علاَّمة الهند الشيخ وليّ الله الدَّهلوي، ولازم الشيخ العلاَّمة محمَّد معين بن محمَّد أمين التتوي السندي وهو من مشاهير البلدة.
ثم هاجر إلى الحرمين الشَّريفين، فحجَّ، وتوطَّن المدينة، وأخذ عن علامائها، ولازم الشيخ أبا الحسن بن عبد الهادي السندي المدني، وجلس مجلسه بعد وفاته أربعًا وعشرين سنة.

· شيوخه:
أخذ العلم عن علماء كثيرين، وخرَّج لنفسه مشيخة(2) ،ذكر فيها أعيان العلماء الذين سمع منهم وأجازوه في مختلف كتب الحديث، منهم: الشيخ عبد الله بن سالم البصري، والشيخ أبو طاهر محمَّد بن إبراهيم الكردي المدني، والشيخ أبو الأسرار حسن بن علي العجيمي، وغيرهم.

· تلاميذه:
تولَّى التَّدريس بعد وفاة شيخه أبي الحسن بن عبد الهادي وأخذ مكانه مدَّة أربع وعشرين سنة كما تقدَّم، وقد تخرَّج على يديه وتلاميذ لا يكاد يحصون (3)، قال القنوجي في (أبجد العلوم) (3/170): شدَّ حزامه على درس الحديث النبوي، وأفنى عمره في خدمة الكلام المصطفوي، وكان يعظ النَّاس قبل صلاة الصبح بالمسجد الشريف، وانتفع به خلقٌ كثير من العرب والعجم، وأقبل عليه أهل الحرمين ومصر والشام والرُّوم والهند بالاعتقاد والانقياد.
ومن أشهر تلاميذه: شيخ الإسلام محمَّد بن عبد الوهَّـاب، والعلاَّمة المجتهد محمَّد بن إسماعيل الصنعاني صاحب (سبل السَّلام)، والعالم المحدِّث أبو الحسن ابن محمَّد صادق السندي، وخلق كثير من العلماء والمشايخ.

· صفاته:

قال في (سلك الدُّرر) (4/34): (كان ورعاً متجرِّدًا منعزلاً عن الخلق إلاَّ في وقت الدروس، مثابرًا على أداء الجماعات في الصفِّ الأوَّل من المسجد النَّبوي).
وقال القنُّوجي في (أبجد العلوم) (3/169): ( قرن العلم بالعمل، وزان الحسن بالحُـلَل).

· مذهبه:

رغم أنَّ الشيخ السندي رحمه الله، نشأ على مذهب الحنفي كما هو السائد في بلاد الهند، وقد نسب إليه، إلاَّ أنَّه لم يكن من الغالين في المذهب، المتعصِّبين للأئمَّة، بل كان منابذًا للتَّقليد، متمسِّكا بالدَّليل، داعياً إلى العمل بالحديث، وقد ألَّف في ذلك رسالة لطيفة، سمَّاها: (تحفة الأنام في العمل بحديث النبيِّ عليه الصلاة والسلام) (4).
قال العلامة الفلاَّني في (إيقاظ همم أولي الأبصار)قال شيخ مشايخنا محمَّد حياة السندي: اللاَّزم على كل مسلم أن يجتهد في معرفة معاني القرآن، وتتبَّع الأحاديث، وفهم معانيها، وإخراج الأحكام منها، فإن لم يقدر فعليه أن يقلِّد العلماء من غير التزام بمذهب؛ لأنَّه يشبه اتِّخاذه نبيًّا، وينبغي له أن يأخذ بالأحوط من كلِّ مذهب، ويجوز له الأخذ بالرُّخص عند الضَّرورة، أمَّا بدونها فالأحسن التَّرْك.
وأمَّا ما أحدثه أهل زماننا من التزام مذاهب مخصوصة، لا يرى ولا يجوِّز كلٌّ منهم الإنتقال من مذهب إلى مذهب، فجهل وبدع وتعسُّف، وقد رأيناهم يتركون الأحاديث الصِّحاح غير المنسوخة، ويتعلَّقون بمذاهبهم من غير سند [إنا لله وإنا إليه راجعون] اهـ.
وكانت له مواقف مع مشايخ الحنفيَّة من بني بلدته، فقد ألَّف رسالة سمَّاها: (الدُّرَّة في إظهار غشِّ نقد الصرَّة) ردَّ بها على الشيخ محمَّد هاشم بن عبد الغفور السندي الحنفي في رسالته درهم الصرَّة في وضع الأيدي تحت السرَّة) ذهب فيها إلى أن السُّنَّة وضع اليد على الصَّدر في الصَّلاة، عملاً بالأحاديث الواردة في ذلك، وإنْ كانت تخالف مع عليه الحنفية، ولهذا لمَّا كتب (الدُّرَّة) ردَّعليه الشيخ محمَّد هاشم في رسالتين إحداهما: (ترصيع الدرَّة في درهم الصرَّة)، والثانية: (معيار النقَّاد في تمييز المغشوش من الجياد)، ردَّ عليه الشيخ السندي مرَّة أخرى في رسالة سمَّاها : (فتح الغفور في وضع الأيدي على الصدور) (5).

· ثناء العلماء عليه:

لقد أثنى على الشَّيخ السندي رحمه الله كلُّ من ترجم لسيرته، وأشاد بعلمه:
قال المرادي في (سلك الدُّرر)(4/34): المحدِّث الفهَّامة حامل لواء السُّنَّة بمدينة سيِّد الإنس والجنَّة.
وقال القنوجي في (أبجد العلوم) (1/169): (كان من العلماء الرَّبَّـانِيِّين وعظماء المحدِّثين)
وقال في موضع أخر (3/1: ( الحافظ المسند ).
وقال ابن بشر الحنبلي في (عنوان المجد) (1/41): (كانت له اليد الطولى في معرفة الحديث وأهله).
وقال عبد الحيّ الكتاني في (فهرس الفهارس) (1/356): (مُحدِّث الحجاز).
وقال المؤرِّخ الهند الكبير العلاَّمة الشريف عبد الحي ابن فخر الدين الحسني في (الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام) (815): (الشيخ الإمام الكبير المحدِّث محمَّد حياة ابن إبراهيم السندي المدني، أحد العلماء المشهورين).

· وفاته:

توفي ـ رحمه الله تعالى ـ آخر ليلة الأربعاء لأربع من صفر سنة ثلاث وستّين ومائة وألف (1163هـ) بالمدينة النبوية ودفن بالبقيع .

· مصنفاته :

توفي الشيخ السندي رحمه الله، وترك آثارًا عديدة، ومصنَّفات مفيدة، منها :
1 ـ شرح الترغيب والترهيب للحافظ المنذري ، ـ في مجلدين ـ .
2 ـ تحفة المحبِّين شرح الأربعين للنووي.
3 ـ شرح الأربعين لعلي القاري.
4 ـ مختصر الزواجر لابن حجر الهيتمي.
5 ـ إرشاد النقَّاد إلى تيسير الاجتهاد.
6 ـ تحفة الأنام في العمل بحديث النبي عليه الصلاة والسلام.
7 ـ شرح الحِكًم العطائية.
8 ـ شرح مقدمة في العقائد.
9- الجُنّة في عقائد أهل السنّة.
10- الإيقاف على سبب الإختلاف.
11- رسالة في إبطال الضرائح.
12-رسالة في النهي غن عشق المرد والنِّساون .
13- رسالة في كراهية الاختضاب بالسواد.
14- الدرَّة في إظهار غشِّ نقد الصرَّة.
15- فتح الغفور في وضع الأيدي على الصدور.
16- الحِكَم الحدادية .
17- فتح الودود في التكلّم في مسألة العينية ووحدة الوجود.
18- الركضة في ظهر الرفضة .
19-الردّ على كتاب:الحُجَّة الجليَّة في الردِّ على من قطع بالأفضلية. لمحمد معين التتوي.

ـ وغيرها كثير، حتَّى قال المرادي بعدما ذكر بعض مصنَّفاته: ( وله رسائل أُخَرُ لطيفة، وتحقيقات عجيبة منيفة .

ـ وكثير من هذه الرَّسائل لم يذكرها مترجموه، ولا تزال مخطوطات في غياهب الخزانات، والمُشتكى إلى الله ربِّ البريَّات.

ـــــــــــــــــ
(1)ـ انظر : (سلك الدرر) للمرادي (4/34)، (عنوان المجد في تاريخ نجد) لابن بشر (1/41)، (أبجد العلوم) للقنوجي (3/163)، (الأعلام) للزركلي (1/41) بما في تاريخ الهند من الأعلام) للشريف الحسني (815)، (مقدمة رسالة فتح الغفور في وضع الأيدي على الصدور) للسندي، تحقيق: محمد الأعظمي.

(2)ـ وهو موسوم بـ: (ثبت شيوخ السندي) وتوجد نسخة منه في مركز جمعة الماجد بدبيّ.
(3)ـ ومع هذا، يقول طه بوسريح في تحقيقه لرسالة (تحفة الأنام) : (لم أجد فيما لديّ من المصادر ذكرًا لمن أخذ عنه من العلماء)، والغريب في الأمر أنَّه ذكر من المصادر التي اعتمد عليها في الترجمة كتاب: ( عنوان المجد في تاريخ نجد) للمؤرخ الشهير الشيخ عثمان بن شبر النجدي، وقد قال هذا الأخير في الكتاب نفسه (1/41): ( وأخذ عنه جماعة، من أجلِّهم شيخ الإسلام محمَّد بن عبد الوهاب قدَّس الله روحه، والشيخ علاء الدين السورتي وغيرهم).

(4)ـ طبع بعناية الشَّيخ محمود حسن بجنوري في المكتبة السلفية بدلهي، ثمَّ حقَّقه الشَّيخ محمَّد عطاء الله الحنيف، ثمَّ حقَّقها أبو علي طه بوسريح.

(5)ـ وكلُّ هذه الرَّسائل مطبوعة، انظر مقدمة (فتح الغفور) للأستاذ محمَّد ضياء الرَّحمن الأعظمي.

مصدر : http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=6063