انتقال دولنا من المراهقة إلى النضج آخر تحديث:السبت ,29/11/2008

علي محمد فخرو

موضوع البترول العربي، سعراً وثروات واستثمارات، يمر الآن في فترة فوضى تحليلية محيرة، وفي مثل هكذا ظروف يتساءل الإنسان إن كان باستطاعة حكومات البترول العربية التخطيط لأية خطوات معقولة في المستقبل القريب. والواقع أن قلة الشفافية في مناقشات الدوائر الرسمية تؤدي إلى زيادة في تلك الفوضى وإلى قلق عند مؤسسات المجتمع الاقتصادية على الأخص والمواطنين.

من ناحية السعر الذي يمكن اعتباره معقولاً وكافياً لتسيير أمور هذه الدول تتضارب الآراء حوله بشكل لافت. فمنظمة أوبك تعتبر سعر البرميل الذي يتراوح بين سبعين وتسعين دولاراً سعراً معقولاً وعادلاً، لكنها لا تعطي تفسيراً اقتصادياً مقنعاً لذلك الاستنتاج. ومنذ فترة وجيزة خرج علينا “خبراء” عبر التلفزيون ليؤكدوا لنا بأن سعر الستين دولاراً للبرميل سيكون كافياً لتسيير أمور دول البترول الحياتية ولتنميتها. لكننا فوجئنا منذ بضعة أيام “بخبير اقتصادي” من السعودية يؤكد أن دول مجلس التعاون البترولية قادرة على تحمل انخفاض أسعار النفط حتى لو هبط إلى ثلاثين دولاراً.

إزاء كل هذه التكهنات الغامضة المتضاربة، وغير المسببة، لم نقرأ أو نسمع بعد من مسؤولين رسميين تعليقاً على موضوع حساس يمس صميم حياة هذه الدول: دفع رواتب موظفيها، توفير مشترياتها الغذائية والمعيشية الأخرى، وصيانة بنياتها التحتية. والحكومات التي تحترم مسؤولياتها لا تستطيع أن تترك شعبها في حيرة من أمره، خصوصاً أن التاريخ القريب يعلمنا بأنه عندما نزلت أسعار البترول في أواخر القرن الماضي إلى المستويات الدنيا تبين بأن بعض الحكومات اضطرت لأن تستدين قروضاً لدفع رواتب موظفيها.

إن ما يجعل أمر السعر أمراً جدياً ومقلقاً هو كثرة الحديث عنه في دوائر الغرب وخلف الأبواب المغلقة في أرض العرب، فشبكات الانترنت نقلت مقابلة للخبير الاقتصادي الأمريكي وليام لندزي على إحدى شاشات التلفزيون الأمريكية ذكر أثناءها بأن اتصالاته ببعض أصحاب القرار والنفوذ في الولايات المتحدة الأمريكية أظهرت إصراراً متزايداً على تخفيض أسعار البترول، ومنع دول البترول العربية من أن يكون لها أي تأثير في الحياة الاقتصادية في الغرب. وأضاف ذلك الخبير بأن بعض أصحاب النفوذ أضافوا بشماتة عنصرية “بأننا سنعيد العرب إلى صحرائهم كرعاة جمال وأغنام”. فإذا استذكرنا مقالة الصهيوني كيسنجر، وزير خارجية أمريكا الأسبق، التي نشرها منذ فترة وجيزة وطالب من خلالها بمنع العرب من تكوين ثروة بترولية قادرة على التأثير في مستقبل الأسواق العالمية، وأضفنا ما تناقله البعض من أن مسؤولاً سعودياً رفيع المستوى عبر عن خشيته من أن جزءاً من العاصفة المالية العولمية الحالية موجه لاستنزاف أموال البترول العربية، فإننا لا يمكن أن نعتبر قضية سعر البترول قضية عرض وطلب فقط. إنها قضية مرتبطة بالحراك الجيوسياسي الدولي، وبالتالي فالتعامل معها يجب أن يمر من خلال مناقشات مجتمعية واسعة ومن خلال شفافية رسمية واضحة.

لكن الاهتمام بقضية أسعار البترول العربي يجب أن يربط مباشرة وبصورة مستعجلة باستعمال واستثمار ثروات البترول. إذ من غير المعقول القبول بعد الآن بأنه إذا ارتفعت الأسعار زاد سفه التبذير والاستهلاك في بلداننا وإذا انخفضت الأسعار زاد التقتير والبخل على فقرائنا ومهمشينا.

ثم إن هناك موضوع مكان الاستثمارات وأنواعها. فالحقيقة المرة هي أن عوائد دول الخليج البترولية العربية من البترول خلال الخمس سنوات الماضية قدرت بحوالي ألفي مليار دولار. لكن استثمارها في بورصات وعقارات الغرب وتبذيرها في مضاربات الأسهم والعقارات المحلية قد أضاع ألف بليون منها خلال هذا العام بسبب الهزة المالية الحالية. فهل ستتعلم حكوماتنا ومجتمعاتنا مما حدث، وتبدأ بإعادة التفكير في كيفية وفي أمكنة استثمار ثروة البترول؟ هل ستتعلم، حكوماتنا ومجتمعاتنا، أن ننتقل من مرحلة المراهقة إلى مرحلة النضج عند تعاملنا مع القضية البترولية برمتها؟ إن رؤساء حكوماتنا يجب أن يجتمعوا مع ذوي العلم والخبرة المحليين لبحث هذا الموضوع بدلاً من إضاعة اجتماعات قممهم في البحث عن وسائل احتواء تلك الدولة الإقليمية أو الاستجابة لأجندات ومطالب تلك الدول الكبرى العالمية.

9 thoughts on “اين الشفافيــــــــــــــــــــــــــــــــــة

  1. الشفافيه مره أخرى

    يمكن الأخ Milan والكاتب ما فهم قصدي من الأسئله التي قمت بتوجيهها له ليحصل بها على أجابته …
    ولاكن سأضرب مثل بسيط ومن خلاله يمكن تكبيره على حسب حجم الثروه

    تأمين الثروه : عباره عن برنامج يتم التخطيط له للحفاض على المال وهذا البرنامج يمكن تقسيمه إلى أنظمه وهذه الأنظمه يمكن تقسيمها إلى أنظمه فرعيه …يعني كلمه صغيره وكبيره في المعنى

    الكاتب تطرق إلى الشفافيه وهنا أنا أتكلم عن الشفافيه ….وفي المثال أنا أتطرق لشفافيه

    أفترض بأن لديك مليون درهم ما الذي ستفعله …..

    طبعاً ستضعهم في خزنه أو في بنك ولنفرض أنك ستضعهم في خزنه

    ولنفرض أن لديك عدة بيوت في أماكن مختلفه وفي كل بيت عندك خزنه …

    طبعا ستقوم بتوزيع المليون درهم في كل بيت حسب أحتياج البيت في المكان الذي هو فيه وستضعهم في الخزنه….

    وهنا هل هل ستعلن لجميع العمال أو الأشخاص الذين لديك بأماكن الخزن وكم في كل خزنه طبعا لا
    وأذا حصل حريق لا سمح الله في أحد المنازل هل ستقول كم أحترق من النقود طبعا لا
    لماذا الجواب في بطن الشاعر …..
    وهنا لايمكن أجبار احد بأن تكون عنده شفافيه إذا كانت الشفافيه يمكن أن تمس بأمن أمواله ….أرجو أن يكون المعنى قد وصل.

  2. مشكور خوي ارباب على هذا النقل الموفق..

    في الحقيقه انا من المتابعين لما يكتبه هذا المفكر العربي الخليجي الكبير الاستاذ علي فخروا..

    للاسف خوي اننا لانستفيد من مثل هذه العقليات المحليه واخذ ارائهم بعين الاعتبار..عند اتخاذ القرارات الهامه.

    الاستاذ علي فخروا سبق ونبه وحذر خلال لقاء معه على قنات الجزيره قبل عدة اشهر..

    حذر من الاستثمار غير المدروس في مجال العقار ونبه الى ان هذه الطفره البتروليه التانيه وقد تكون الاخيره

    ولذا طالب بالاستفاده من ايرادات البترول في مجالات اخرى غير العقار كالصناعه ..

    للاسف يبدوا ان حصيلة الطفره الثانبه للبترول ذهبت ادراج الرياح ..

  3. الاخ العزيز ارباب:
    اشكرك على مواضيعك القيمة والتي هي في الصميم.
    اذا اوغلت في الاطلاع اكثر على احصائياتنا الرسمية وتقارير وزاراتنا وحكوماتنا ستسحق حين تعرف بان هذه الاشياء ان وجدت وهذا نادرا فإنها توجد متأخرة جدا ولا تعود باي فائدة لانها لا تظهر في حينها
    وبالتالي فان القرارات التي تصدر غالبا ما تكون بعيدة عن الواقع او لا تمت له بصلة لانها لا تستند الا على شيء اعتباطي او تصور شخصي ضحل ولهذا نرى الوزارة تختلف توجهاتها بتغيير الوزير والدولة تختلف بالكامل اذا تغير راس النظام . حتى الشركة تختلف بتغير المدير ولنا في املاك عبرة قبل وبعد العبار
    اخي الكريم :
    ان الشفافية لها دور كبير في تصحيح الكثير من الاوضاع واذا طرحنا الموضوع بشكل اوسع فلربما نستطيع ان نبدل كلمة شفافية بديموقراطية لكن كن على ثقة بان من يرفضون الديموقراطية هم انفسهم الذين يستفيدون من عدم وجود الشفافية لان كلاهما تعادي مصالحهم في الاولى سياسية وفي الثانية اقتصادية وكما ترى صعب ان تفصل الاقتصاد عن السياسة
    ولذلك لا تتوقع يوما ان تسمع بشفافية في اي شركة الا اذا كانت مبادرة فردية لا اكثر
    والافضل في هذه الحالات الا نتعب انفسنا وناخذ الامور على اننا نعيش في عالم ثالث بكل ما لهذه الكلمة من معنى ومعظم مقدراتنا تذهب هباءا ان لم تكن بفعل فوضى قراراتنا وهي مكلفة جدا لخزينة دولنا فانها تكون بفعل فوضى ثقافتنا الاستهلاكية وتخلفنا ناهيك عن نظم المعلومات الغير موجود اصلا لدينا واخيرا مكن بفعل ما يحاك لنا من اعدائنا
    ملاحظتين اخيرتين:

    1) ان ما ينفق في مصر على التدريس الخصوصي لوحدها اكثر مما تنفقه الولايات المتحدة الامريكية على التعليم وانظر الفرق
    2) حاولت العراق ان تفلت من ركب التخلف وان تمتلك السلاح النووي انظر ماذا حل بها
    واذا حاولنا ان نفلت من ركب التخلف بطرق اقتصادية وغير عسكرية فاننا سنصل لنفس النتيجة ولكن ليس عن طريق السلاح .

    واسف للاطالة

Comments are closed.