منقول

المدونات الشخصية

بقلم: ناهد النقبي

انجرف كثير من مستخدمي الإنترنت في العالم في موجة جديدة تختلف تماما عن المنتديات والمواقع الشخصية والمحادثة، ويطلق عليها الـ”بلوغرز”، أما في اللغة العربية “كتاب المدونات الشخصية”. “البلوغرز” ظاهرة إلكترونية عالمية انتشرت في العالم بشكل كبير, وكظاهرة عميقة مؤثرة ومؤسسة من وجود كبير، على الرغم من انتشارها الواسع, إلا أنها لا زالت مجهولة كلياً في الوطن العربي. والمفارقة أن شريحة واسعة من مستخدمي الإنترنت في الوطن العربي بشكل عام والإمارات بشكل خاص، لا تعي معنى المصطلح الجديد الذي بدأ يشق طريقه بقوة نحو دول المنطقة على الرغم من تصفحها الكبير للشبكة العنكبوتية, فهي لفظة غير متداولة تماما، بل أن معظم من تسألهم عن الـ”بلوغرز” يسألك متفاجئاً عن معنى هذا المصطلح.

إن مصطلح “بلوغرز” يشير إلى نوع جديد من نشر السير الذاتية والقصص والتجارب ومناقشات في الحياة الثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية وربما المذكرات على الإنترنت, ولأشخاص يحددهم كاتب تلك الموضوعات إضافة إلى صور وتسجيلات صوتية وموسيقى وأغان وأشرطة مصورة معظمها من صنع الكاتب نفسه. والكتابة عادة تتم على موقع شخصي, ويتم تلقي التعليقات والآراء عليه, أو يشمل الموقع فقط صورا فوتوغرافية تمثل الكاتب وتعبر عنه من خلال هذه الصور. بهذا تكون الصفحة أقرب إلى الجريدة الإلكترونية, أو إلى يوميات “أون لاين”. وتنتشر هذه الظاهرة في أوساط الشباب، بل تكاد أن تكون حكراً عليهم.

ظهر مصطلح “بلوغر” في العام 1997 إبان الحرب العراقية, مما أدى إلى جذب انتباه العالم إلى هذه الظاهرة، خاصة في أمريكا على يد الجنود هناك، خصوصا الجندي جاسون، حيث يرجع الفضل الكبير في وجود هذه الظاهرة في شكل ملفت ومؤثر إلى المهندس العراقي باسمه المستعار “سلام باكس” الذي كتب مذكراته عن الحرب وتقديم صورة حقيقية عن طبيعة الوضع في العراق في فترة الحرب التي تمثلت من وجهة نظر المدنيين العراقيين ومعاناتهم وآمالهم وأحزانهم ومآسيهم وغيرها، مما أثار الرأي العام في العالم. كما استطاع تقديم ما لم تلتفت إليه التغطيات الصحافية والتلفزيونية، لنجد هذا المشهد يتكرر وبشكل ملفت وكبير في فترة الانتخابات الأمريكية والهجوم الأمريكي والبريطاني على العراق, وحاليا الدعوة بقوة للتبرع لضحايا تسونامي.

لن أطيل الحديث كثيراً عن هذه الظاهرة، وذلك من خلال تسليط الضوء على هذه الظاهرة وأبعادها ودلالاتها وعلى طبيعة وجودها في الأوساط الإماراتية بشكل خاص والعربية على وجه العموم، فكان لي هذا الحوار مع المدون الإماراتي عبدالله المهيري في ساحة المدونات الشخصية (البلوغرز) التي أخذت أيضا نصيبها من الانتشار في ساحة الإنترنت الإماراتية مثل سيل انتشارها في كافة أنحاء العالم، فهو حاصل على أفضل موقع مدونة عربية 2003م، ويعتبر المرجع الأساسي للمدونين العرب… الحوار التالي:

– من هو المدون عبدالله الملقب بـ (سردال)

– عبدالله المهيري من مواليد 16/10/1979م من إمارة أبوظبي، خريج إدارة واقتصاد، متخصص في الحاسوب، يهوى القراءة والكتابة.

– حدثنا عن المدونات من منظورك الشخصي؟

– المدونات هي مواقع شخصية في الغالب وقد تكون جماعية في بعض الأحيان، يكتب فيها المرء ما يحب من أفكار ومواضيع, ويمكن للزوار التعليق على هذه المواضيع، هي مساحة شخصية يمارس فيها الإنسان حريته في نقاش ما يريد، لذلك أراها تعطي حرية أكبر للكاتب, فهو صاحب المدونة وهو الرقيب الوحيد على نفسه.

– كيف تعرفت على المدونات؟

– كنت أقرأ المدونات الأجنبية منذ سنتين أو أكثر. لم أكن وقتها أهتم كثيراً بالمدونات، لكن مع مرور الوقت بدأت تتضح لي صورة المجتمع الإلكتروني الذي يقوم على مدونات شخصية، يساهم كل شخص فيها بمعلومة وفائدة أو بإثراء النقاش أو بإنجاز مشروع ما.

– لماذا خضت هذا العالم؟

– أردت أن أقوم بإنشاء موقع شخصي لي، ورأيت أن المدونات أفضل وسيلة لإيصال ما لدي من معلومات وأفكار وفوائد للآخرين، ولأنني أيضاً أشعر بالاستياء الشديد من حال المنتديات ومستوى الحوار فيها.

– ما هي فائدة المدونات حتى تدعو إلى زيادة عدد المدونات العربية وتنادي بشكل ملفت إلى الانتباه إلى هذا المجتمع الإلكتروني؟

– كما قلت سابقاً، المدونة هي مساحة شخصية، لدينا الكثير من المبدعين في عالمنا العربي وجهودهم لا يقدرها أحد ولا تظهر للآخرين، لذلك المدونة فرصة لكل شخص لكي يتميز ويفيد الآخرين ويستفيد هو أيضاً. في المدونات مساحة الحرية أكبر ومستوى الحوار نسبياً أفضل من المنتديات. يمكن لهذا المجتمع الإلكتروني المكون من أفراد مبدعين أن يقدم للآخرين الكثير، وهذا غير ممكن في ظل المواقع التقليدية والمنتديات لأسباب عديدة.

– هل تعتبر المدونات العربية مجتمعا معتدلا وسطيا بين الهكرز والمنتديات والمواقع الشخصية؟

– المدونات في الغالب مواقع شخصية, وكل مدونة لا تمثل إلا صاحبها، لذلك لا يمكن الحكم على كل المدونات. لدينا مدونات متطرفة وأخرى معتدلة, لدينا مدونات مفيدة وأخرى لا فائدة منها، تماماً كالمواقع الأخرى والمنتديات.

– هل تعتبر للآن المدونات مجهولة الهوية في الأوساط العربية؟ لماذا برأيك؟

– ليست مجهولة، عدد زوارها في ازدياد مستمر, وعدد المدونات يزداد أيضاً. أصبح لفظ المدونات متداولاً بين المواقع, وبدأت بعض المواقع تشير إلى مدونة فلان وفلان بأنه كتب كذا وكذا. من ناحية أخرى إن تكلمنا عن الإعلام المرئي والمكتوب فنعم هي مجهولة في الصحف والفضائيات، لأننا لا نتواصل مع هذه الوسائل الإعلامية, وكتاب الصفحات التقنية لديهم اهتمامات أخرى غير المواقع والمدونات.

– ظاهرة المدونات، هل هي ظاهرة صحية؟

– نعم, لأسباب، منها ظهور الأفراد وإعطائهم مساحة شخصية للتعبير عن أنفسهم وتقديم ما لديهم للآخرين، ولأنها تزيد التواصل والترابط بين الناس، وتثير الحوار في قضايا كثيرة.

– هل تؤثر كتابات المدونات في المجتمع؟ وإلى أي مدى؟

– قد تؤثر على أفراد, لكن التأثير على المجتمع بأكمله مرحلة بعيدة لم نصل لها وسنحتاج إلى وقت طويل لكي نصل إلى هذه المرحلة.

– في خطوة جريئة أُنشئ موقع “كويت بلوغرز” على الإنترنت لإقامة “مجتمع افتراضي” يرسي أسس التواصل بين الشباب الكويتي ويساعد على التواصل فيما بينهم، أين منها مدونات الإمارات؟

– الأمر يقوم على المبادرات، لابد أن يبادر شخص ما لإنشاء موقع يجمع بين مدونات الإمارات، وليس هناك أية صعوبات تحول دون إنشاء هذا المجتمع الافتراضي، فقط نحتاج مبادرة.

– هل تؤيد كتابات المدونات النسائية؟

– نعم.

– المفارقة أن شريحة واسعة من مستخدمي الإنترنت في الإمارات والخليج والوطن العربي بشكل عام لم تسمع أو تعي لفظة المدونات, أو بالأحرى من هم البلوغرز… في الوقت التي تمارس فيه تلك الشريحة أغلب الأنشطة الإلكترونية في الشبكة؟

– لازلنا في البداية، هناك انتشار للمدونات, وبدأ الناس يسمعون بها ويتابعونها، لكنها تحتاج إلى وقت لكي تصبح جزءا من الأنشطة الإلكترونية للناس عامة.

– لماذا يلجأ كتاب المدونات إلى الأسماء المستعارة أو أن تكون مجهولة الهوية؟ ما الهدف من ذلك؟

– الكثير من كتاب المدونات يكتبون بأسمائهم الصريحة، أما من يستخدم الاسم المستعار فهو يريد أن يوفر حماية من نوع ما لنفسه.

– بدأت بعض الصحافة المكتوبة وحتى المرئية وخاصة في الدول الأجنبية تعتمد على مدونات الإنترنت (البلوغرز) في بعض أطراف من خيوط الحقائق والأحداث المختلفة، هل يمكن اعتباره في المرحلة القادمة بمثابة صحافة بديلة منافسة؟

– لا أعتقد أن المدونات ستكون بديلة للصحف، إنما ستكون مصدراً للأخبار, وربما هي أول من تكتب الأخبار، لكن مصداقية الأخبار في الصحف أكبر من المدونات، ثقة الناس بالصحف أكبر لأنها مؤسسات.

– ما وجه الاختلاف بين المدونات والصحافة بكافة أنواعها؟

– المدونات في الغالب شخصية, لذلك الأخبار والمقالات تعبر عن وجهة نظر كاتبها، بينما الصحافة تلتزم بوجهة نظر المؤسسة في نقل الأخبار والتعليق عليها.

– هل المدونات ليست بحاجة للرقابة أو مقص الرقيب، وعندما تغفل الرقابة الذاتية؟

– الرقيب الوحيد على المدونات هو صاحب المدونة نفسه. لا يمكن لأحد أن يراقب المدونات ويمنع كتابها من كتابة أي شيء. ومسؤولية الاختيار هنا تقع على الزائر, فعليه أن يقرأ المدونات الجيدة المفيدة ويبتعد عن غيرها.

– لماذا أغلب المدونين العرب يعتبرك رائداً ومرجعا للمدونات العربية؟

– ربما لأنني أول من قام بإنشاء مدونة عربية، وشجعت الآخرين على إنشاء المدونات.

– وما الذي تغير في عبدالله المهيري في كتابته للمدونات؟ وما المساحة التي منحتها لك؟

– أصبحت متعلقاً بالموقع كثيراً، مساحة شخصية لا يشاركني فيها أحد، أكتب فيها ما أريد بالأسلوب الذي يعجبني. استفدت كثيراً من الموقع لأنه أجبرني على متابعة آخر التطورات والأخبار لكي أكتب عنها وأعلق عليها، في نفس الوقت أشعر بالمسؤولية تجاه ما أكتب، فما سأقوله لن يراقبه أحد, فأنا الرقيب على نفسي.

– ما هي رؤيتك للمدونات من الآن لغاية 2015؟

– من الصعب التنبؤ بحال الشبكة العالمية خلال هذه المدة، لأن تطوراتها سريعة جداً وغير متوقعة في الكثير من الأحيان. بشكل عام أستطيع أن أقول بأن السنوات الثلاث القادمة ستشهد المزيد من المدونات الشخصية وستظهر المدونات الجماعية والمتخصصة.

– ما هي مشاريعك المستقبلية بالنسبة للمدونات؟

– هناك فكرة لإنشاء مدونة جماعية تهتم بقضايا الإمارات المحلية. هذه هي الفكرة الوحيدة التي أخطط لتنفيذها في المستقبل. بالطبع أحاول في نفس الوقت تشجيع بعض الأصدقاء لإنشاء مدوناتهم الشخصية لأنهم يملكون الكثير ليقدموه للآخرين.

– هل تود إضافة شي آخر؟

– لا، وشكراً على هذا اللقاء.

ويظل السؤال: هل يصبح المواطنون العاديون (كتاب المدونات الشخصية) قوة دافعة ومؤثرة وراء أجندة الأخبار العالمية؟”

One thought on “المدونات الشخصية

Comments are closed.