استطلاع: السعودية والإمارات تفلتان من الانكماش الاقتصادي في 2009
داليا مبرزبا من دبي – رويترز-عبد الله البصيلي من الرياض
أظهر مسح اقتصادي أن السعودية والإمارات ستفلتان بصعوبة من الانكماش في 2009 بينما ستشهد الكويت انكماشا مع تعرض منطقة الخليج لضربة مزدوجة من تخفيضات إنتاج النفط وضعف الطلب الاستهلاكي. وبحسب نتائج الاستطلاع الذي أجرته”رويترز” و شمل 14 خبيرا اقتصاديا ومحللا فإن النمو الاقتصادي الحقيقي في كل دول الخليج المصدرة للنفط عدا قطر بصدد التباطؤ إلى نحو 2 في المائة أو أقل وذلك في نهاية مفاجئة لطفرة شهدت نمو معظم اقتصادات دول الخليج 6 في المائة أو أكثر في 2008. وأوضح مراقبون لـ “الاقتصادية” أن السعودية ستعتمد على احتياطياتها، وحزمة من السياسات الاقتصادية الحكيمة في مواجهة أي تبعات للأزمة المالية العالمية، مؤكدين أن تلك الأزمة لم تؤثر في أكبر اقتصاد في المنطقة إلا بشكل محدود. واعتبر الاقتصاديون أن استمرار الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية سيعزز من وضع الاقتصاد المحلي بشكل كبير، لافتين إلى أن تأثر الاقتصاد سيكون من بوابة أسعار النفط المتراجعة التي أكدوا أنها ستعود إلى وتيرتها السابقة. ويوضح متوسط التوقعات أن الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة في السعودية أكبر بلد مصدر للنفط في العالم سينمو 3ر0 في المائة فقط في 2009 وهو أبطأ إيقاع له منذ عام 2002. وكان معدل النمو 4.2 في المائة العام الماضي. ومن المتوقع ألا يحقق اقتصاد الإمارات نموا وذلك في أضعف أداء له منذ 1993 وبعد صعوده 6.8 في المائة في 2008 في حين سينكمش الاقتصاد الكويتي 1 في المائة، وذلك للمرة الأولى منذ أواخر التسعينات.

آل الشيخ
وقال لـ “الاقتصادية” الدكتور حمد آل الشيخ عميد معهد الملك عبد الله للبحوث والدراسات الاستشارية في جامعه الملك سعود، إن اقتصاد المملكة جزء من الاقتصاد العالمي الذي يمر بمرحلة ركود قد تستمر حتى عام 2011، مبيناً أنه لأول مرة في الاقتصاد الحديث ستكون نسبة الانخفاض في إجمالي الناتج المحلي لمعظم دول العالم بالسالب، بعد أن كانت الانخفاضات من 3 في المائة إلى 1.5 في المائة. ولفت آل الشيخ إلى أن الطلب الكلي في أمريكا وأوروبا سينخفض تبعاً للآثار الاقتصادية، وسيؤدي ذلك إلى تخفيض الطلب على النفط والصادرات بالتحديد، مشيراً إلى أن ذلك قد يصاحبه انخفاض في قيمة الموجودات نتيجة تغيرات أسعار الصرف، وبالتالي سيولد إحساس لدى المجتمع بانخفاض الثروات الموجودة. واعتبر عميد معهد الملك عبد الله للبحوث والدراسات الاستشارية في جامعة الملك سعود، أن السعودية لديها القدرة على تجاوز أزمات الاقتصاد العالمي، نتيجة الاحتياطيات الضخمة التي تمتلكها. وتابع آل الشيخ “أما بخصوص الإمارات فهي تعتبر أقل حظاً من السعودية، بالنظر إلى العراقيل التي تواجه الاستثمارات في دبي”. وأبان آل الشيخ أن كثيرا من المشاريع الاقتصادية على مستوى العالم سيعاد النظر فيها وسيؤجل بعضها، وسيلغى جزء آخر منها نتيجة تحفظ الجهات التمويلية أو الشركات نفسها لأن ملاءتها المالية اختلفت عن نتيجة لآثار الأزمة العالمية ومستوى النمو والإنفاق الكلي. ولم يخف آل الشيخ تخوفه من حدوث اضطرابات على مستوى العالم فيما يتعلق بأسعار الصرف، في الوقت الذي أشار فيه إلى أن وجود حزمة من السياسات الاقتصادية الحكيمة ستساعد العالم وبالأخص دول الخليج على تجاوز الأزمات العالمية.

السلطان
من جهته، أوضح الدكتور عبد الرحمن السلطان الخبير الاقتصادي، أنه لا يجب المساواة بين السعودية والإمارات بحكم أن الإمارات تتعرض حالياً لأزمات اقتصادية نتيجة وجود الأموال الساخنة، وانهيار العقارات في دبي، إلا أنه لفت إلى أن الإمارات تختلف عن غيرها في أن معدل النمو لديها كان في السابق قويا وبالتالي اعتمدت عليه بشكل كبير على حد قوله. وعاد السلطان ليؤكد أن وضع الاقتصاد السعودي أفضل من غيره نتيجة وجود احتياطيات لديه، وأنه حتى لو تم النمو بشكل بسيط فإن ذلك سيكون مؤشرا إيجابيا. واتفق السلطان مع ما ذكره آل الشيخ حول محدودية تأثر السعودية من تبعات الأزمة المالية العالمية، وقال “السعودية لديها فوائض مالية، وبالتالي استمرار الإنفاق الحكومي يؤكد أن الاقتصاد المحلي سيستمر في وضعه الطبيعي”. وأضاف “ليس لدينا رهن عقاري، وسوقنا المالية مغلقة أمام الأموال الساخنة، وجميع هذه العوامل لها دور كبير في الحد من التأثر بالأزمة المالية العالمية، لكن يبقى التأثير الوحيد وهو تراجع أسعار النفط الذي لا أتوقع له أن يستمر طويلا”. وتابع الكاتب الاقتصادي قائلاً “المفترض أن تكون للسعودية نظرة مستقبلية طويلة الأمد لسوق النفط، وألا تعمد إلى تقليص مشاريع التنمية والتوسع الاستثماري، وأن تستغل الظروف العالمية لمصلحتها”. وقالت مونيكا مالك خبيرة اقتصاد المنطقة لدى المجموعة المالية-هيرميس التي شاركت في المسح الذي جرى في آذار (مارس) “لا يوجد أي مكان منفصل عن الاقتصاد العالمي ولا يوجد أي مكان محصن، التباطؤ في الأرقام الرئيسية سببه النفط. لكن سنشهد أيضا من جراء الأزمة العالمية تباطؤا للاستهلاك الشخصي وتباطؤا للاستثمارات”. وكان اقتصاد الكويت الأكثر اعتمادا في المنطقة على النفط فقد نما نحو 5.9 في المائة العام الماضي عندما صعدت أسعار الخام إلى الذروة فوق 147 دولارا للبرميل قبل أن تنحدر نحو 100 دولار مع تفاقم الأزمة المالية العالمية. من شأن تدهور الأسعار أن يخفض إيرادات تصدير النفط والغاز الخليجية 56.5 في المائة هذا العام إلى248.9 مليار دولار حسبما أظهر متوسط توقعات خمسة محللين. ويتوقع المحللون أن يبلغ متوسط أسعار النفط 45.2 دولار للبرميل هذا العام انخفاضا من نحو 100 دولار العام الماضي. ومن شأن تراجع أسعار السلع الأولية أيضا أن يدفع التضحم إلى مستويات في خانة الآحاد في أنحاء الخليج حيث تربط معظم الدول عملاتها بالدولار الأمريكي الذي تعزز في الشهور الأخيرة ما يخفض تكاليف الاستيراد. ومن المتوقع حسبما أظهر المسح أن يستأنف الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموه في أنحاء الخليج عام 2010 مع نمو الاقتصاد السعودي 3.3 في المائة والإماراتي 3 في المائة. وكانت موجة صعود سعر النفط على مدى ستة أعوام قد مكنت دول الخليج من ضخ إيراداتها الاستثنائية في مشاريع تهدف إلى الحد من اعتمادها على الخام والتقلبات الشديدة في أسعاره لكن إيرادات النفط والغاز لا تزال تشكل ما لا يقل عن 75 في المائة من دخل دول الخليج. ويتوقع خبراء الاقتصاد الذي قلصوا معظم تقديراتهم للنمو في الخليج منذ استطلاع الآراء السابق في كانون الأول (ديسمبر)، أن يعصف الاضطراب العالمي بالقطاعات غير النفطية ولا سيما في الإمارات. وتوقع ستة محللين انكماش اقتصاد الإمارات هذا العام. ويبلغ التباطؤ مداه في دبي حيث فقد آلاف الأشخاص وظائفهم مع تراجع أسعار العقارات الذي أظهر مسح لـ “رويترز” هذا الشهر أنه قد يصل إلى 38 في المائة هذا العام. وقال جياس جوكينت كبير الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي الوطني في الإمارات “بسبب المغتربين فإن النشاط غير النفطي قد يكون الأكثر تضررا”. ويتناقض هذا مع الوضع في السعودية التي يقطنها 25 مليون شخص حيث من المرجح أن يعزز تعهد حكومي بإبقاء الإنفاق العام مرتفعا ثقة المستهلكين. وقال جوكينت “في السعودية سيزيد النمو السكاني والإنفاق الاستهلاكي ويقود النشاط غير النفطي”. وأظهر المسح أن قوة الإنفاق الحكومي في قطر المنتجة للغاز الطبيعي ستساعد أكبر بلد مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم على الحفاظ على معدل نمو يبلغ 9.4 في المائة هذا العام وهو أسرع إيقاع في المنطقة وربما يكون الأسرع في العالم. وفي عمان والبحرين غير العضوين في منظمة أوبك سيتباطأ النمو الاقتصادي أيضا إلى نحو ثلث مستوياته في 2008 لكنه سيسجل معدلا متواضعا عند 2 في المائة نظرا لعدم خضوع البلدين لقرارات أوبك خفض إنتاج الخام 4.2 مليون برميل يوميا. وفي غضون ذلك سيتباطأ التضخم إلى أقل من 10 في المائة في أنحاء الخليج عام 2009 مع تراجع معدل التضخم في الإمارات إلى 4.8 في المائة من 13.6 في المائة – أعلى مستوى في 20 عاما – في 2008 حسبما ذكر المحللون. ومن المتوقع أن يسجل معدل التضخم في السعودية 6 في المائة مقارنة بـ 9.9 في المائة في 2008. وقال بول جامبل خبير الاقتصاد لدى جدوى للاستثمار “أعتقد أن الدولار سيبدأ يتراجع ثانية .. هذا سيعيد بعض تلك الضغوط التضخمية ولا يزال هناك نقص أساسي في المعروض السكني”.