يبدو أن أسواق الأسهم الخليجية وسوق الأسهم السعودي بصورة خاصة
أكثر الأسواق حساسية بما يقع حولها من أحداث، ولا شك أن حربًا
ضارية كالحرب البربرية التي تشنها إسرائيل على لبنان.. تؤثر في
اقتصاديات دول الخليج وبالذات على أسواق الأسهم.
وإذا كانت الحرب قد أدت إلى زيادة في أسعار البترول لكن الهلع
الذي أصاب المتعاملين أدى إلى اندفاعات باتجاه البيع والتوقف عن
الشراء مما تسبب في انخفاض المؤشرات الخليجية بشكل مخيف.
إن المؤسسات المصرفية الغربية وهي تشاهد هذا المشهد الدرامي في
أسواق الأسهم الخليجية وجدتها فرصة مناسبة للعودة إلى التخويف
مما يحدث في أسواق الأسهم الخليجية من انخفاضات حادة، بمعنى أن
الاقتصاد الخليجي وهو يعيش حالة وفرة ورخاء لا تعجب المؤسسات
المصرفية الغربية، مما شجع هذه المؤسسات على العودة إلى إصدار
التقارير الاقتصادية التي تحذر من الآثار السلبية التي سوف
تتركها الانخفاضات الهائلة في أسواق الأسهم الخليجية على
الاقتصاد في كل دول الخليج.
وإذا كان بعض المراقبين الخليجيين يقرأون هذه التقارير من خلال
نظرية المؤامرة، فإننا نؤكد أن هدف نشر التقارير هو دفع
الخليجيين على إخراج السيولة الهائلة من الأسواق الخليجية إلى
الأسواق الغربية وكذلك حفز الشركات متعددة الجنسية إلى الخروج من
الأسواق الخليجية. ولذلك يجب أن نعطي هذه التقارير الكثير من
الجدية .
إن الزيادة في معدلات نمو الناتج القومي تعتبر من المؤشرات
المهمة في انتعاش سوق الأسهم، كما أن انخفاض الأسعار في أسواق
الأسهم له دور في انخفاض النمو في الاقتصاد الوطني، ولذلك فإن
الانخفاضات الحادة التي ضربت سوق الأسهم الخليجية كان لها آثار
سلبية ليس فقط في مرتادي الأسواق وليس فقط في المساهمين، ولكن في
هؤلاء جميعًا وكذلك في الاقتصادات الخليجية الوطنية، ولذلك يجب
ألا نأخذ ما تطرحه المؤسسات المصرفية الغربية من تقارير تتحدث عن
الآثار السلبية التي ستحدثها الانخفاضات الحادة في أسواق الأسهم
الخليجية .. على محمل الادعاء والكذب، بل يجب أن نعطيها قدرًا من
القراءة الإيجابية الجيدة لاسيما وأن هذه التقارير مدعومة
بتحذيرات صدرت عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء
والتعمير .. طالبت هذه التحذيرات بضرورة قيام الحكومات الخليجية
بمجموعة من الإصلاحات البنيوية الواسعة في هياكل الاقتصاد الوطني
الخليجي بدءًا من هيئات سوق المال ثم البنوك المركزية حتى وزارات
المالية والاقتصاد الوطني.
ونذكر – على سبيل المثال- أن خسائر مؤسسة سوق الأسهم السعودية
منذ بداية عام 2006م وحتى أيار (مايو) تجاوز 40 في المائة، كما
أن القيمة السوقية للشركات المدرجة في السوق انخفضت إلى 1580
مليار ريال منذ شباط (فبراير). بمعنى أن انخفاض القيمة الاسمية
للأسهم المتداولة في السوق السعودية بلغ نحو تريليون وخمسمائة
وثمانين مليار ريال في أقل من أربعة أشهر بما يعني ضياع إجمالي
الناتج الوطني السعودي لأكثر من عامين.
ولا شك أن هذا المؤشر وحده كاف لإعطائنا صورة للنتائج السلبية
التي سوف تتركها الانخفاضات الحادة في سوق الأسهم السعودي على
الاقتصاد الوطني السعودي، وقس على ذلك العلاقة بين تدهور الأسعار
في أسواق الأسهم الخليجية واقتصادياتها الوطنية، لاسيما وأن
السوق هو الوعاء الذي يوفر السيولة والاستثمارات الكبيرة التي
على أساسها تقوم الشركات الكبيرة بدورها في التنمية والبناء.
ونستطيع القول بإيجاز شديد إن أعداداً كبيرة من كبار رجال
الأعمال الخليجيين تعرضت قوائمهم المالية لخسائر فادحة نتيجة
الانهيارات المتتالية لأسعار أسواق الأسهم الخليجية، وبالتالي
فإن لهذه الخسائر نتائج سلبية على الاقتصادات الوطنية الخليجية،
ناهيك عن أن الكثير من صغار المستثمرين أصبح يعاني من مديونيات
مالية تقعده عن تحقيق طموحاته الاستثمارية المتواضعة أو حتى
مواجهة الظروف العادية لحياته الاقتصادية.
وإذا كانت سلامة المواطن ورفاهيته ترتبطان بمحاربة الفقر، الذي
هو أساس كثير من المشاكل الاجتماعية والأمنية، فإن الخسائر التي
حدثت في سوق الأسهم خلال الستة أشهر الماضية سوف تنعكس سلباً على
المجتمع السعودي ككل، علاوة على أن انخفاض أسعار الأسهم بهذه
السرعة وبهذه القوة سوف يؤدي إلى زعزعة الثقة بسوق الأسهم، وهذا
السوق – كما أوضحنا- هو جزء مهم من مكونات اقتصادنا الوطني.
لقد كانت مؤسسة موديز للائتمان من المؤسسات التي حذرت من انهيار
أسعار أسواق الأسهم الخليجية وقالت المؤسسة في تقريرها المنشور
إن استثمارات البنوك في أسواق الأسهم الخليجية التي شهدت تصحيحاً
نزولياً حاداً هذا العام بعد فترة طويلة من الصعود المطرد .. هي
مثار قلق خاص ولاسيما في قطر والسعودية.
إن هيئة سوق المال مازالت تعاني من بعض المشاكل، فعلى المستوى
الهيكلي هناك حاجة ماسة إلى إعادة تشكيل الهيئة بالتخلص من
العناصر غير المتخصصة فيها ، ويأتي بعد ذلك إعادة النظر في
الأنظمة واللوائح المتعلقة ببناء المؤشر واختيار شركات بعينها
للتأثير فيه وتطوير الصيغة المناسبة لتقسيم السوق إلى رئيسية
وأخرى ثانوية.
وواضح من تقرير مؤسسة موديز أن هناك تقصيرًا هيكلياً واضحاً في
قيام الوزارات المسؤولة عن الشأن الاقتصادي بواجباتها سواء من
حيث التخطيط أو خلق الفرص الاستثمارية والوظيفية وتوزيعها على
المستويين القطاعي والمناطقي. أي أن المطلوب هو الاستفادة من
الظروف المالية المريحة في الوقت الراهن لبناء اقتصادات عصرية
تستطيع التأقلم مع مختلف المستجدات التي قد تؤثر في معطيات
الاقتصادات الوطنية.
إن الاعتماد على النفط وإيراداته يجب ألا يلهينا عن التنويع في
القاعدة الاقتصادية، وصحيح أن إمكانات التنويع محدودة نظراً لعدم
كفاءة كثير من النشاطات والموارد الاقتصادية في هذه المنطقة من
العالم لأسباب اقتصادية واجتماعية، إلا أن هناك فرصاً لتطوير
البنية التحتية وإنجاز إصلاحات في أنظمة التعليم والتدريب المهني
لتحسين كفاءة اليد العاملة الوطنية، وإذا كان هناك من تطوير
منشود في هذه المرحلة التاريخية فمهم التأقلم مع مستجدات
الاقتصاد العالمي وتحقيق انفتاح اقتصادي يسهم في جذب رؤوس
الأموال الأجنبية لتوظيفها في دعم أسواق الأسهم الخليجية، وحفز
القطاع الخاص الوطني في بلدان المنطقة للاضطلاع بمسؤوليات واسعة
بما يعزز إسهاماته في الناتج الوطني الإجمالي.
إن الحرب التي تشنها إسرائيل على الدول العربية ليست حربًا
عسكرية فحسب بل هي حرب على الاقتصادات العربية وبالذات الاقتصاد
الخليجي.. هي حرب مستمرة ولن تتوقف, ولاسيما في مثل هذه الظروف
التي ترتفع فيها أسعار النفط إلى أعلى مستوى.
ومطلوب من الاقتصاد الخليجي البحث عن آفاق جديدة تبقي الأسواق
الخليجية والاقتصاد الخليجي دائمًا في حالة انتعاش وحيوية ورواج.

منقول

One thought on “الحرب وآثارها في أسواق الأسهم الخليجية

Comments are closed.