وجهة نظر
“الحذر المرضي” يشلّ الأسواق … حسين العويد آخر تحديث:الخميس ,03/07/2008

من بين النتائج غير المنظورة للتذبذب الحاد في سوق الاسهم الإماراتية، تفشي حالة من (الحذر المرضي) في اوساط المستثمرين ان لجهة الارتفاع أو لجهة الانخفاض . فاذا ارتفعت الاسهم قليلا سارع الكثير منهم إلى عمليات جني ارباح متعجلة لاستغلال فرصة الارتفاع أو محاولة لتعويض خسائر سابقة . واذا انخفضت الاسعار بأي نسبة تحولت السوق إلى ما يشبه كرة الثلج المتدحرجة التي تأخذ في طريقها نحو القاع اسهم شركات راسخة من حيث مستوى التشغيل والاداء أو من حيث القوة والملاءة .

وكان من نتائج هذا الحذر المرضي، خروج شريحة كبيرة من المستثمرين من السوق بعد ان ارهقتهم لعبة الكراسي الموسيقية التي يعيشها السوق، والتي تفتقر لأي قواعد ثابتة تسمح للمتعاملين معها بالتقاط الانفاس واتخاذ القرارات الصحيحة في التوقيت الصحيح، لا أن يظلوا كقطيع يسيرهم مضارب هنا أو مغامر هناك .

وكان من نتائج هذا الحذر أيضاً عزوف كثير من المستثمرين عن الدخول في استثمارات مؤثرة في السوق وتفضيلهم استثمارات اخرى بالرغم من مخاطر التآكل التي قد تتعرض لها تلك الاستثمارات بسبب التضخم أو انخفاض اسعار الفائدة .

فالاوراق المالية التي كانت تمثل تقليديا ملاذا آمنا للمستثمرين عند ارتفاع نسبة التضخم وتراجع سعر الفائدة، لم تستفد مما يمر به السوق حاليا من حالة تضخم غير مسبوقة ولم تستفد من التراجع الحاد في سعر الفائدة .وكان يمكن لهذه السوق ان تستفيد بمليارات الدراهم المودعة على شكل ودائع مصرفية بأسعار فائدة تكاد تكون سالبة في بعض الأحيان، لو توفرت الطمأنينة بأن ما يمر به السوق عارض عابر قابل للاحتواء لا مرض مستعص لا يعالج إلى الآن الا عوارضه الظاهرة فيما يترك اساس الداء من دون دواء .

وعلى الرغم مما تحفل به وسائل الاعلام من تحليلات وتوقعات واستنتاجات، فمن الواضح اننا لم نصل بعد إلى خارطة طريق يمكن من خلالها اخراج أسواقنا المالية من وهدتها التي طالت مدتها واتسع تأثيرها . فالكل يجمع على ان اساسيات السوق في افضل حالاتها، فهناك سيولة كبيرة تدعمها اسعار نفط قياسية لا يوجد ما يوحي بأنها قد توقف مسيرتها التصاعدية . وهناك مئات المشاريع والفرص التي تفتح امام الشركات والبنوك ومؤسسات التمويل والتجارة آفاق عمل واعدة ولفترة طويلة .بل ان هناك تطورا تشريعيا واداريا يعطي نوعا من المصداقية والاستقرار للاسواق . حتى ان الاوضاع السياسية بالرغم من قرع طبول الحرب وسماع صليل السلاح لم تعد مقلقة بالصورة التي كان يظنها الكثيرون . اذن اين هي المشكلة؟ والى متى نبقى اسرى لهبة ساخنة، أو نسمة باردة لا تقوى على اطفاء لهيب الصيف الحار؟ الاجابة الجامعة المانعة عن هذه الاسئلة وغيرها من الاسئلة التي تتصل بواقع السوق، لا يملكها أحد بمفرده، بل لا بد ان تكون نتاج مناقشة يمكن ان تأخذ شكل ورشة عمل تجمع كل الاطراف، الخبراء والمسؤولين وممثلي وسائل الاعلام وصولا إلى قواسم مشتركة عند تحليلهم لواقع السوق وما ينتظره في المديين القصير والمتوسط . وتحديد ضوابط تمنع الشطط والمبالغة في التحليلات والتوقعات التي لا تفتقر إلى الموضوعية العلمية بل انها في كثير من الاحيان تحمل اهدافا مغرضة وتخدم مصالح ضيقة على حساب مصالح المجموع وتفتح الباب أمام بلبلة لا يقف تأثيرها عند حد .

لقد وصلت اسواقنا المالية إلى حجم لايجوز معه ان يظل توجيهه خاضعا لتعبيرات وكليشيهات تبشر حينا بالربح الوفير والخير العميم وتنذر حينا آخر بالثبور وعظائم الامور، لتكون النتيجة حالة من عدم اليقين التي تبقي الاسواق محلك سر أو خطوة إلى الامام وخطوتين إلى الوراء