فقد شكلت هذه المعركة تحديا حقيقيا للاحتلال الأجنبي وتصديا قويا للمخطط التوسعي لسلطات الاستعمار والرامي الى السيطرة على الاطلس المتوسط بعدما تمكنت من غزو السهول الأطلسية الداخلية.
فلم يكن من الممكن حسب تصور الإدارة الاستعمارية الإبقاء على السهول الأطلسية والمغرب الشرقي المجاور للجزائر تحت سيطرتها ما لم يتم الاستيلاء على الأطلس المتوسط نظرا لما يكتسيه من أهمية استراتيجية متمثلة على وجه الخصوص في غناه الغابوي والمائي حيث يعتبر بفعل الثلوج التي تتساقط على جباله خزانا كبيرا يمد بالمياه أنهار أم الربيع وملوية ووادي العبيد ويسمح بانشاء السدود وتوليد الطاقة بالإضافة إلى ذلك توفر الأطلس المتوسط على خط المواصلات المباشر الذي يربط بين مراكش وفاس عبر أم الربيع وخنيفرة.
هذا الوضع الاستراتيجي للمنطقة زاد من حدة الأطماع الأجنبية وحرك مخططاتها التوسعية لوضع حاجز حول قبائل زيان وفتح الطريق بين فاس ومراكش.
وفي هذا السياق استهدفت العمليات العسكرية الأولى احتلال مدينة خنيفرة في شهر ماي 1914 وكان ذلك محفزا للقوات الأجنبية لاحتلال المناطق المجاورة للمدينة ومن ضمنها قرية الهري التي كانت تشكل مقرا لتجمع المجاهدين وقاعدة لانطلاق الهجومات التي كانوا يقومون بها على الوحدات العسكرية الاستعمارية.
ونظرا لأهمية هذه المرحلة فقد تم إسناد مهمة الهجوم على مقاومي قبائل زيان إلى كبار قادة جيش الاحتلال خاصة وأن هذه القبائل كانت تحت قيادة البطل موحى أوحمو الزياني الذي اتخذ من الهري بالضفة الشرقية لنهر واد لقد كان الهجوم على معسكر الزياني عنيفا حيث بدأ في الساعة الثالثة صباحا من يوم13 نونبر1914 وتم تطويق المعسكر من أربع جهات في آن واحد ليبدأ القصف شاملا حيث قذفت الخيام التي كانت تأوي الأبرياء وقام الجنود بأمر من ” لافيردير” بمهاجمة القبائل المحيطة بالقرية فيما استغل البعض الاخر الفرصة لجمع القطيع الموجود من الأغنام والأبقار واختطاف النساء.
وظن قائد الحملة العسكرية على الهري بأن النصر صار حليفهم وأنه وضع حدا لمقاومة الزياني غير أنه أصيب بخيبة أمل حينما فوجئ برد فعل عنيف من طرف المقاومين ليدرك بعد ذلك أنه ألقى بنفسه وبقوته في مجزرة رهيبة ودوامة لاسبيل للخروج منها.
وبالفعل فقد كان رد فعل المقاومة عنيفا وأشد بأسا حيث زاد عدد المجاهدين بعد انضمام سائر القبائل الزيانية من: اشقيرن وآيت اسحاق وآيت سخمان وتسكارت وآيت يحيى وآيت احند وآيت نوح وآيت بومزوغ وآيت خويا وآيت شارط وآيت بويشي وبوحسوسن وآيت مييل وتونفيت وإتزر، وتم استعمال كل أساليب القتال من بنادق وخناجر وفؤوس، وتمكنت من زرع الرعب في صفوف جنود الاحتلال وازداد الاضطراب في وضعها وفقدت سيطرتها على الموقف وانفلت منها زمام الأمور سيما عند سقوط عدد من الضباط قتلى وجرحى مما أجبر المحتل على طلب المزيد من التعزيزات والوحدات الإضافية غير أن مقاومة القبائل المجاهدة لم تترك له فرصة للانسحاب حيث تعقبت قوات موحا أوحمو القوات الاجنبية وحاصرت ما تبقى من فلول جيش المستعمر عند نقطة بوزال التي صرع فيها القائد ” لافيردير” وهو ما دفع باقي جنود الاحتلال إلى الإذعان والاستسلام.
وكانت أرض الهري من أكبر المقابر العارية لقوات الاحتلال حيث قدرت خسائر القوات الفرنسية بـ 33 قتيلا من الضباط و580 قتيلا من الجنود و176 جريحا وغنم المجاهدون 3 مدافع كبيرة و10 مدافع رشاشة وعددا كبيرا من البنادق.
وقد ظل القائد موحى أوحمو يواصل جهاده بخوضه لمعارك أخرى الى أن استشهد في معركة تاوجكالت ضد الجنرال “بوميرو” يوم 27 مارس 1921 ودفن “بتاملاكت” ليظل علما منتصبا شامخا في ذاكرة الوطن.
لقد شكلت هزيمة الهري نقطة سوداء في تاريخ الاستعمار الفرنسي في شمال افريقيا وخير دليل على ذلك ما كتبه الجنرال “كيوم” أحد الضباط الفرنسيين الذين شاركوا في الحملة على قبائل الاطلس المتوسط في مؤلفه “البربر المغاربة وتهدئة الأطلس المتوسط (1939/1912) حيث يقول: “لم تمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل هذه الهزيمة المفجعة”·

One thought on “الأمير موحى أوحمو الزياني بطل من هذا الزمان

Comments are closed.