السبت 18 محرم 1429هـ – 26 يناير2008م

الانهيار الأخير.. لماذا لم يوقف التداول أو يتم التصريح بأسبابه؟!

عبدالحميد العمري

ليس جديداً أن أكررها هنا مرةً أخرى، أن هيئة السوق المالية قد فشلت في التعامل مع حالات الأزمات التي تكررت على تعاملات السوق المالية السعودية! كان آخرها الأزمة الأخيرة التي عصفتْ بما يقارب 400 مليار ريال (الدولار يعادل 3.75 ريال) من القيمة الرأسمالية للسوق خلال ثلاثة عشر ساعة ونصف تداول فقط! من المؤلم القول أن مفهوم (إدارة الأزمة) غائب تماماً عن أبجديات عمل الهيئة وأبنتها تداول، والأكثر إيلاماً أن من يدفع ثمن هذا الغياب مجتمع المستثمرين، وكم كان باهظاً هذه المرة حينما نتحدث عن خسارة خمس قيمة السوق في ظرف ساعاتٍ؟ حدث من قبل ويحدث الآن، وتظل توقعات حدوثه مستقبلاً بوجهها البغيض في ظل ثبات الأوضاع على ما هي عليه.

على الرغم من سطحية معظم التفسيرات التي ربطت ما حدث في السوق السعودية من تراجعتٍ حادة، بما أظهرته التقارير عن احتمال تباطؤ نمو الاقتصاد الأمريكي مستقبلاً، وكيف أن ما حدث في سوقنا شأنه شأن بقية الأسواق العالمية، إلا أن ما جرى في سوقنا لم يكن أبداً مبرراً لا من قريب ولا من بعيد.

كما لم يكن أبداً مبرراً هذا الصمت المطبق من الهيئة وتداول تجاه العاصفة العنيفة التي ألمت باستقرار السوق المالية، وكم كان الفارق كبيراً جداً بين موقفها وبين الإجراءات والمواقف التي تم اتخاذها على امتداد أسواق المال حول العالم، التي شهدت صدور تصريحات شجاعة وقوية من قبل وزراء المالية في بعضها، وبعضها الآخر كان أكثر جرأة بإيقاف تعاملات السوق كما حدث في البورصة الهندية والتركية.

المؤكد في جميع الحالات بغض النظر عن الأسباب الفعلية وراء الانهيار الأخير، أن الحالة العسرة التي مرّت بها السوق المحلية، وما سيليها من تذبذباتٍ حادة قد تستغرق عدة أشهرٍ قادمة؛ ستعيدنا دون شكٍّ إلى الوراء كثيراً لتنغمس السوق ومجتمعها مرةً أخرى في وحل المضاربات المحمومة، وأجواء الشائعات التي لا تنتهي، محاطاً بالإحباط المخيف في معنويات المستثمرين وفقدان الثقة، يحدث هذا وسيحدث ما قد يكون أفظع منه في ظل هذه الأجواء المعتمة والضبابية المسيطرة على تعاملات السوق.

إن الوقوف على الأسباب الفعلية وراء الهبوط الحاد الأخير، سيضعنا في منطقة أخرى من التقييم لما حدث للسوق أولاً، وثانياً لتقييم موقف الجهات التنظيمية والتنفيذية القائمة على السوق المالية.

وقبل أن نتوسع في البحث عن الأسباب الفعلية وراء سقوط السوق بهذه الصورة المروعة، لنراجع على عجلٍ بعض نصوص نظام السوق المالية ولائحة سلوكيات السوق وقواعد التسجيل والإدراج، حيث نصّت المادة الخامسة أن هيئة السوق المالية في الفقرة (أ) هي الجهة المسؤولة عن إصدار اللوائح والقواعد والتعليمات، وتطبيق أحكام هذا النظام، يهمنا هنا معرفة ما يجب على الهيئة القيام به لأجل تحقيق هذا الهدف ممثلاً في الفقرات (4، 5، 6) التي نصّت على: (4) حماية المواطنين والمستثمرين في الأوراق المالية من الممارسات غير العادلة، أو غير السليمة، أو التي تنطوي على احتيال، أو غش، أو تدليس، أو تلاعب.

(5) العمل على تحقيق العدالة والكفاية والشفافية في معاملات الأوراق المالية. (6) تنظيم ومراقبة الإفصاح الكامل عن المعلومات المتعلقة بالأوراق المالية، والجهات المصدرة لها، وتعامل الأشخاص المطلعين وكبار المساهمين والمستثمرين فيها، وتحديد وتوفير المعلومات التي يجب على المشاركين في السوق الإفصاح عنها لحاملي الأسهم والجمهور.

نذهب الآن إلى المادة السادسة من النظام التي نصّت في الفقرة (أ) على أن هيئة السوق المالية تتولى صلاحية تنفيذ المهام المنصوص عليها في هذا النظام، وكذلك اللوائح والقواعد والتعليمات الصادرة بمقتضاه، يدخل فيها الفقرة (5) التي نصّت بوضوح على: تعليق نشاط السوق لمدة لا تزيد على يوم واحد، ويتعين في حالات الضرورة التي ترى معها الهيئة أو وزير المالية تعليق نشاط السوق لمدة تزيد على يوم واحد أن يصدر بالموافقة على ذلك قرار من وزير المالية، وفي الفقرة (7) منع أي أوراق مالية في السوق أو تعليق إصدارها، أو تداولها إذا رأت الهيئة ضرورة ذلك.

لا أشك في أن الأغلبية قد قرأ وعرف هذه الفقرات الهامة جداً من النظام، كما لا أشك أبداً في أننا افتقدناها تماماً في خضم التداعيات الأخيرة التي مرّت بها السوق المالية، غير أن الملفت هنا فيما تقدّم هو العبارة التالية (حالات الضرورة) التي بناءً عليها شهدنا مبادرة الجهات التنظيمية في أسواق الشرق والغرب؛ إمّا ببث الطمأنينة في أوساطها المالية من خلال تصريحاتٍ واضحة وعاجلة، وإما بإيقاف تعاملات أسواقها، أو بهما معاً! رغم أن خسائر بعض تلك الأسواق المالية لم تصل إلى نصف ما لحق بسوقنا المالية!!

وبالافتراض جدلاً أن (حالة الضرورة) هذه لم تتحقق من وجهة نظر هيئة السوق المالية، وبالتالي فلم يكن هناك داعٍ لإيقاف تعاملات السوق، فإن هذا لا يعفيها أبداً من التصريح أمام مجتمع المستثمرين بما تراه مناسباً لأجل طمأنتهم، والتخفيف من حالة الرعب والهلع التي عمّت أرجاء السوق، وهذا أمرٌ لا مناص لها منه قياساً على نصوص النظام واللوائح التنفيذية التي أوردت بعضاً منها أعلاه، وحسبما سآتي عليه بعد قليل، فلا خلاف أبداً على أن ما مرّت به السوق حالةً استثنائية بالنسبة لأي سوقٍ في العالم، وبالتالي فهي أمام أمرين أو خيارين كان كلاهما في متناول صلاحياتها.

الخيار الأول: إيقاف تعاملات السوق بأكمله، أو على أقل تقدير تعليق التعامل على الأسهم الثقيلة الوزن التي أشعلت شرارة الانهيار الأخير، وهذا موضح صراحةً وبوضوح في قواعد التسجيل والإدراج في كل من المادة الحادية والعشرون (صلاحية تعليق أو إلغاء الإدراج)، والمادة الثالثة والعشرون (التعليق المؤقت)، لاسيما أن بعض إدارات تلك الشركات القيادية وقعت في مخالفات صريحة للمادة الخامسة والعشرون (الالتزام بالإفصاح عن التطورات المهمة)، كانت سبباً قوياً وراء التراجع الحاد لأسعار أسهمها مع بداية تعاملات الأحد الماضي أول أيام الانهيار الثلاثة!

أما الخيار الثاني: أن تبادر الهيئة بالظهور إعلامياً والتصريح بحقيقة ما يجري إن كان هناك فعلاً أسباب، أو أن تطمئن المتعاملين في السوق؛ موضحةً لهم أن لا سبب مقنع وراء هذا الهلع والخوف الذي عمَّ أرجاء السوق.

يزداد إلحاحنا جميعاً بموجب نظام السوق المالية، واللوائح التنفيذية والقواعد لمعرفة من كان وراء عمليات البيع الهائلة لأسهم الشركات ذات الوزن الثقيل في السوق، وهذا حقٌ كفله لمجتمع المستثمرين نظام السوق المالية، وتحديداً المادة الثلاثين (الإشعار المتعلق بملكية حصص كبيرة من الأسهم) ضمن قواعد التسجيل والإدراج (عُدلت من مجلس الهيئة في 22 يناير 2006)، التي ألزمت بالإشعار عن الوصول إلى نسبة 5% من أسهم الشركة، والإشعار عن ملكية عضو مجلس الإدارة أو أي من كبار التنفيذيين لأسهم فيها، والإشعار عن تغيير كمية ذلك؛ ووجوب أن يتم ذلك في نهاية يوم التداول الذي تحققت فيه الملكية أو تغيير كميتها.

كما ألزمت بالإشعار عند حدوث أي زيادة أو نقص في ملكية أو مصلحة أي من أعضاء مجلس الإدارة في الشركة، أو أحد كبار التنفيذيين فيها، في حال وصلت نسبة التغيير إلى 50% أو أكثر من الأسهم أو أدوات الدين التي يملكها أي منهم في الشركة, أو 1% أو أكثر من أسهمها، أو أدوات دينها، أيهما أقل! راجع هنا نص الفقرة (6) من المادة الخامسة في النظام الموضحة أعلاه، لتعلم أن مطلبنا هنا أمرٌ مشروع نظاماً، وخلافه فلا يعدو كونه مخالفة صريحة من مرتكبها للنظام.

نأتي الآن للبحث في الأسباب التي لعبت دوراً رئيساً في سقوط السوق بهذه الصورة الخاطفة والمروعة، لأؤكد هنا مع كامل الاحترام لمجتمع المحللين الاقتصاديين والماليين والفنيين على حدٍّ سواء، أن مجمل الأسباب التي تفضلوا بها معتمدين في أغلبها على التوقعات والاحتمالات المعلنة بتباطؤ الطلب الاستهلاكي في الاقتصاد الأمريكي، ليست إلا شماعةً قصيرة جداً، وستثبت الأيام والأسابيع القادمة أنها فكرة مفلسة تماماً، حيث قد نشهد تحسناً واستقراراً ملموساً في مختلف الأسواق العالمية، بعد ظهور مطمأنات الجهات الرسمية الأمريكية، وأدوات التدخل المالية والنقدية من السلطات الفيدرالية الأمريكية (التي نفتقدها في سوقنا بكل أسف).

أؤكد أن هذا ما قد نشهده قريباً هنا وهناك في أسواق الأرض، فيما قد نشهد مزيداً من التراجعات والتذبذبات الحادة في سوقنا المحلية بخلاف ما تقدّم، بما سيؤكد لنا أن الأسباب الفعلية وراء هذا السقوط السريع والمروع للسوق غير معلومة تماماً، على أنها ستكون معلومة لنا إذا تمَّ تطبيق مواد النظام واللوائح التنفيذية الموضحة أعلاه! وعدا ذلك فلا يتعدّى كونه تفسير الماء بالماء!!

نعم كانت أوضاع السوق بعد صعودٍ بدء من 20 أكتوبر 2007، وصل إلى ذروته بتاريخ 12 يناير 2008، أي بنحو 3983 نقطة أي بما يفوق 50%، أؤكد كانت تنتظر تصحيحاً جزئياً في أسعارها المرتفعة، خاصةً وأن نسب ارتفاع بعضها وصل إلى 150% خلال تلك الفترة الوجيزة، وحدوث أمرٍ كهذا يُعد شيئاً معتاداً في عالم الأسواق المالية، غير أن ما حدث من تراجعٍ حاد في قيمة المؤشر تجاوزت قيمته 2220 نقطة في ظرفِ 13.5 ساعةٍ فقط! كان أمراً خارج المألوف على الإطلاق، اصطلح على تسميته انهياراً لاتصحيح كما قد يتبادر للذهن، ولا أظن أن أصحاب نظرية التصحيح هذه سيستمرون في التمسك بها طويلاً، قياساً على ما قد نشهده خلال الأسابيع القادمة من انخفاضاتٍ متتابعة في قيمة المؤشر العام للسوق، لن يمنع حدوثها أو يوقف نزيفها إلا زوال الأسباب الفعلية للسقوط، التي أخشى كثيراً أن تكون ذات علاقة وثيقة بالمخالفات الصريحة التي نصّت عليها لائحة سلوكيات السوق، خاصةً في المادة الثانية المتعلقة بـ (منع التصرفات أو الممارسات التي تنطوي على تلاعبٍ أو تضليل)،

وفي المادة الثالثة المتعلقة بـ (التصرفات أو الممارسات التي تشكل أو تضليلاً) التي نصّت في الفقرة (ب) على أنه تدخل في الأعمال والتصرفات التي تُعد من أنواع التلاعب أو التضليل، عند ارتكابها بهدف تكوين انطباع كاذب أو مضلل بوجود نشاط تداول في ورقة مالية، أو اهتمام بشرائها أو بيعها، أو بهدف تكوين سعر مصطنع لطلب أو عرض أو تداول ورقة مالية، كان من تصرفاتها ما ورد في الفقرة (4) القائلة: بيع أو تقديم عروض لبيع ورقة مالية بأسعار تتناقص بشكلٍ متتابع، أو بنمط أسعار متتابعة التناقص! ولعل من شاهد تدحرج الأسعار خلال الثلاثة الأيام الحمراء الماضية يجد فيها تطابقاً كبيراً مع نقرأه هنا في لائحة سلوكيات السوق.

5 thoughts on “ألا ينطبق هذا على هيئتنا الموقرة كذلك؟!!!!

  1. للأسف كل هذه البنود و القوانين حبر على ورق و لا تأخذ حي التطبيق ..

    الهيئه هي قناع فقط ,,

    الأسواق عند ارتفاع سهم ما تستفسر و ترسل و تبعث و تبحث و .. و ..

    أما في حالة هبوط السوق كاملا لميت داون فلم تكلف نفسها بفعل أي شيء …

    في الأخير لا نعول لا على الهيئه و لا على الأسواق لحمايتنا و الواحد يحمي و يحصن نفسه بنفسه ..

    أتفق معك تماما

  2. للآسف ان الهيئه دورها الى الان هو اعطاء الموافقات للشركات الجديده قيد التأسيس
    ومسك الدفاتر لتلك الشركات العامله ومراقبه حجم التداولات في السوقين لحساب نسبه عمولتها من احجام التداولات وليس لها اي سيطره على الاسواق التي تعمل بشكل مستقل عن الهيئه

  3. نا لست مع ايقاف التداول في مثل هاي المواقف

    انا مع كشف كل الالاعيب اللي تصير من قبل المحافظ الكبيرة ومن قبل الشركات اللي اتطلع تقارير كهرميس وشعاع والمستثمر الوطني ومعرفة نياتهم من التوصيات سواء بالبيع او الشراء ….

  4. كيف اخويه ممكن الواحد يعول ويحصن نفسه عزيزي …

    باسوء الضروف ما كان حد متوقع النزول بهالسرعه وهل القوه حيث لم يحترم ولا نقطه في طريقه …

    حصنا نفسنا بالتحليل الاساسي والفني طلعو لنا بالاسواق العالميه ….

    صدقني اخويه لو تابعنا الاسواق العالميه راح يطلعون لنا بشي ثاني ….

    والهيئه نايمه بالعسل …..

  5. للأسف كل هذه البنود و القوانين حبر على ورق و لا تأخذ حي التطبيق ..

    الهيئه هي قناع فقط ,,

    الأسواق عند ارتفاع سهم ما تستفسر و ترسل و تبعث و تبحث و .. و ..

    أما في حالة هبوط السوق كاملا لميت داون فلم تكلف نفسها بفعل أي شيء …

    في الأخير لا نعول لا على الهيئه و لا على الأسواق لحمايتنا و الواحد يحمي و يحصن نفسه بنفسه ..

Comments are closed.