لسعر النفط الخام آثاره المهمة على الاقتصاد المحلي والعالمي على حد سواء فكل بضاعة نستهلكها، يدخل النفط في تكاليفها، على الأقل ممثلاً في تكلفة نقلها أو تكلفة نقل عناصر إنتاجها. كما أن للنفط ومشتقاته استخدامات كثيرة في التدفئة والإنارة والنقل والصناعة وغيرها. لذلك، فإن أية تغيرات في سعر النفط يمكن أن تؤثر بسرعة في الاقتصاد المحلي والأسواق العالمية محدثة تغيرات هيكليّة مهمة في أسعار السلع والخدمات المنتجة. وبالإضافة لكون أسعار النفط مؤشراً مهماً للتضخم، فإن للنفط علاقة وطيدة بأسعار الذهب، لارتباط الذهب بإصدار النقود وقواعد الإصدار، ومعدلات التضخم، وسوف نستعرض بعض الأفكار والرسوم والاستنتاجات القيمة، وأن العلاقة بين أسعار الذهب وأسعار النفط قد أخذت أشكالاً مختلفة خلال الـ 55 سنة الأخيرة الممتدة بين عامي 1946 ـ 2000م، وهي الفترة التي توافرت عنها بيانات إحصائية عن أسواق وأسعار النفط والذهب. ويفسر بعض الاقتصاديين الازدهار الصناعي الذي حدث في العالم الغربي عقب الحرب العالمية الثانية باستقرار أسعار النفط في مستوياتها المتدنية. ولكن بداية السبعينيات شهدت حدثين مهمين أثرا في طبيعة العلاقة بين أسعار الذهب وأسعار النفط.
الأول: اتخاذ الرئيس الأمريكي نيكسون قراره الحاسم بقطع العلاقة الهامة بين الدولار الأمريكي والذهب في عام 1971م، ومن ثم القضاء على كافة آثار الزيادة في الأوراق النقدية الصادرة بدون تغطية.
الثاني: اندلاع حرب تشرين التحريرية عام 1973م، وما واكبها من حظر تصدير النفط عن الدول المساندة للكيان الصهيوني. وقد أسهم هذان الحدثان في رفع أسعار الذهب بصورة ملموسة.
وخلال الفترة 1946 ـ 1994م كانت أسعار الذهب وأسعار النفط تتغير في ذات الاتجاه، وبلغ معامل الارتباط بين أسعار النفط وأسعار الذهب 92 ،0 مما يعني وجود علاقة ارتباط قوية وطردية، وأن أسعار النفط وأسعار الذهب تتحرك في ذات الاتجاه.
ويفسر ذلك بأن أداء الذهب والنفط كان جيداً خلال فترات التضخم، وهما من الوصول الحقيقية التي تحافظ على القيمة في الأجل، خصوصا عند إصدار أوراق نقدية بدون تغطية.
وخلال الفترة 1995 ـ 2000م طرأت أشياء غريبة على العلاقة بين الذهب والنفط، حيث هبط معامل الارتباط إلى مستوى ضعيف جداً حيث بلغت قيمته 07 ،0 مما يدل على شبه استقلال خطي بين متغيري أسعار النفط وأسعار الذهب.
وفي عام 1995م شرع البنك الاحتياطي الاتحادي في الولايات المتحدة في زيادة كتلة النقود (m3) بصورة لم يسبق لها مثيل، واتجهت الفوائض النقدية غير المغطاة نحو سوق الأسهم الأمريكية ذات المستويات السعرية المتضخمة، مما أدى إلى ارتفاع حاد في معامل الارتباط بين (m3) ومؤشر الأسهم (s&b500) ليصل إلى 92 ،0 خلال الفترة 1959 ـ 1994م وإلى 99 ،0 خلال الفترة 1995 ـ 2000م.
وبالنظر إلى حساسية أسعار الذهب تجاه التضخم، فقد بدأت هذه الأسعار تتصاعد بسبب ارتفاع في معدلات التضخم في الولايات المتحدة، ويرى بعض المحللين أن الحكومة الأمريكية بدأت تعمل منذ عام 1995م على الحد من ارتفاع أسعار الذهب، واستخدمت الحكومة الأمريكية عدة أساليب لذلك منها:
بيع عقود الذهب الثانوية في السوق بصورة علنية، وإغراء البنوك المركزية الأخرى لإقراض أو بيع ذهب في السوق، وتكليف بعض البنوك الرئيسية التي تتعامل في سبائك الذهب لتحد من ارتفاع الذهب.
ولتحليل العلاقة بين أسعار الذهب وأسعار النفط، يمكن فحص نسبة متوسط سعر الذهب إلى متوسط سعر النفط لعدة فترات زمنية، وخلال الفترة 1946 ـ 2000م كان سعر أونصة الذهب يعادل 15 ضعفاً سعر برميل النفط، وخلال الفترة 1981 ـ 2000م، ارتفعت النسبة إلى أكثر من 17 ضعفاً، وفي عام 2000م انخفضت هذه النسبة إلى مستوى 9 أضعاف ويلاحظ أنه في كل مرة تنخفض فيها هذه النسبة فإنها تبدأ بالارتفاع من جديد إلى مستوى أعلى من مستواها السابق، ولا يوجد لارتفاع هذه النسبة إلا بديلان: ارتفاع أسعار الذهب أو انخفاض أسعار النفط، ترى.. ما هو البديل الأكثر احتمالاً؟
من الممكن تحليل العلاقة بين أسعار الذهب والنفط بالاعتماد على مؤشر عدد أونصات الذهب اللازمة لشراء 100 برميل من النفط، وهذا المؤشر في غاية الأهمية للدول المنتجة للنفط التي تعرف يقينا أن النفط ثروة ناضبة وكدول نفطية يتعين عليها الحصول على أعلى مردود من مبيعاتها لقاء هذه الثروة الناضبة، ومنذ ستة آلاف سنة يعرف الذهب بأنه السلعة الوحيدة التي تحتفظ بالثروة ولهذا فليس أمام الدول النفطية أفضل من استبدال النفط كثروة قابلة للنضوب بالثروة الدائمة وهي الذهب وبما أن معدل التبادل الحالي لكل 100 برميل من النفط حوالي 11 أونصة ذهب، فهناك شذوذ ملحوظ في هذه النسبة فمن الناحية التاريخية تراوح سعر 100 برميل نفط ما بين 6 إلى 7 أونصات من الذهب وقد تجاوزت قيمة 100 برميل من النفط سعر 10 أونصات من الذهب مرتين في التاريخ وفي كل مرة كان هناك ارتفاع لفترة قصيرة، سرعان ما هبط السعر بعدها إلى أقل من المتوسط التاريخي ولكي تعود هذه النسبة على وضعها المتوقع أن يزداد الطلب من النفط خلال العقد الأول من القرن الحالي بشكل كبير، فالصين والهند وحدهما اللذان يمثلان أكثر من ثلث سكان العالم، يشهدان تحولا صناعياً سريعاً وسوف تحتاجان إلى كمية كبيرة من الزيت لتلبية احتياجات كل فرد من بلايين هذين البلدين، أضف إلى ذلك أن الأمريكيين الذين يقدر استهلاكهم من النفط ما يزيد على ثلث إنتاج العالم من النفط لن يقلعوا عن إسرافهم في استهلاك النفط لعدة سنوات وذلك لسببين:
أولهما: الشعور بالأمان عند قيادة سيارات ذات خزانات كبيرة للوقود.
الثاني: تمكن القليل منهم بسبب مستويات الدخول والمدخرات والأسعار الحالية من الحصول على السيارات الجديدة المعتمدة في وقودها على خليط من الغاز والكهرباء لذلك لا يلوح في الأفق القريب أي بديل يبشر بالحد من الطلب من الزيت، خلال السنوات القليلة القادمة.
أما جانب العرض العالمي لإنتاج النفط فيتصف بركوده وجموده الحالي، فقد أدت مستويات أسعار النفط المتدنية في السنوات الأخيرة إلى ترك البنى التحتية الأساسية للإنتاج في حالة متدهورة، مما لا يمكن من زيادة الإنتاج بمعدلات مهمة كما أن معظم احتياجات النفط الرئيسية في العالم الغربي تقترب من نهاية عمرها الإنتاجي الاقتصادي وعلى الرغم من وجود احتياطيات كبيرة أخرى إلا أن استخراجها سوف يستغرق عدة سنوات نظرا للمشاكل السياسية وتوفير التجهيزات اللازمة لاستخراجها، مما يعني استحالة حدوث زيادة سريعة في العرض في أسواق العالم الغربي، كما تحد المشاكل السياسية في الشرق من امكانات العرض لأن احتياطيات النفط الكبيرة في منطقة بحر قزوين محاطة بدول غير مستقرة كروسيا والشيشان و أذربيجان وكازخستان وتركستان وإيران وبالتالي فإن النقطة الأساسية تفيد بأن المشاكل السياسية لا تحل بين عشية وضحاها وامكانات العرض لا يتوقع لها أن تزيد من جهة الشرق.
أما دول منظمة أوبك فإنها تعمل بمستويات تقارب 95% من طاقتها الإنتاجية وأن الدول التي تتوافر فيها احتياطيات نفطية كبيرة كالسعودية مثلا بحاجة إلى تطوير بناها التحتية للاستجابة لاحتمالات زيادة العرض، وبالنظر لعدم استقرار منطقة الشرق الأوسط بسبب إخفاق عملية السلام والتوتر السياسي بين كثير من الدول المتجاورة، فإن أسعار النفط مرشحة للارتفاع عند تفاقم الصراع العربي الإسرائيلي وانفجار نزاع مسلح آخر في الشرق الأوسط لذلك يمكن التفاؤل بمستقبل واعد لأسعار النفط وإذا كانت التوقعات الخاصة بالنفط واعدة فإن المستقبل سيكون واعدا أيضا بالنسبة لأسعار النفط.
ويتوقع أن يرتفع الطلب العالمي من الذهب وذلك لتزايد إقبال الناس في الشرق الذين عاشوا آثار التضخم وطغيان الحكومات الاستبدادية على شراء الذهب وإدراك هؤلاء الناس أن الذهب ملاذهم في الاضطرابات السياسية والمالية، كما أن دول جنوب شرق آسيا سترفع طلبها من الذهب بعد استعادة عافيتها من أزمتها المالية وستؤدي الاضطرابات المحتملة في أسواق الأسهم الغربية التي بلغت فيها أسعار الأسهم حداً أعلى من مستوياتها الحقيقية على زيادة محتملة أخرى للطلب من الذهب لذلك لا يستبعد المحللون أن يقفز الطلب العالمي من الذهب وعندها لن تكفي الكميات المنتجة لمواجهة الطلب المتزايد المتوقع.
ومن جانب إنتاج الذهب وعرضه فقد استمر معدل الزيادة في العرض العالمي للذهب المستخرج من مناجم في التناقص وفق الأسعار الحالية التي تتراوح بين 225 ـ 290 دولاراً للأونصة وقد توقفت عن الإنتاج معظم المناجم في العالم التي لم تحقق أرباحاً في مستويات الأسعار المتدنية هذه، وعندما ترتفع أسعار الذهب نتيجة لزيادة الطلب المتوقعة فإن هذه المناجم لن تتمكن من تلبية الطلب المتزايد فورا، ولكنها ستحتاج إلى عدة سنوات قبل التمكن من زيادة طاقتها الإنتاجية لذلك يتوقع أيضاً أن ترتفع أسعار الذهب لاحتمالات زيادة الطلب دون أن يتمكن العرض من تلبية تلك الزيادة.
وكما بينت الأشكال البيانية فإن الذهب يشهد انخفاضاً في أسعاره الحقيقية خلال الـ25 سنة الماضية وبالنظر لكون حركة الاستثمار دورية المسار وأن الذهب سيكون النقد الرئيس الذي يتصف بحركة نشطة خلال العقد الأول من الألفية الجديدة ولأنه لا يوجد في العالم أصول قد تعرضت لتخفيض سعرها مثلما تعرض له الذهب لذلك يتوقع المحللون أن تكون أسعار الذهب واعدة وربما ترتفع في المستقبل القريب وأن أسعار النفط وأسعار الذهب ستعود حركتها للتناغم في الاتجاه نفسه.