كيف وصلنا الى ما نحن عليه الان؟

مع بداية الالفية الجديدة وبالتحديد في نهاية عام 2000 كانت هناك أزمة مالية في أمريكا اسميت أزمة دوت كوم, حيث كانت الازمة متعلقة بشركات الانترنت. حينها قام الفيدرالي الامريكي بخفض نسبة الفائدة من 6.5% الى 3.5% خلال شهور قليلة لزيادة السيولة في السوق وتشجيع الانفاق. مع العلم المقصود بنسبة الفائدة هي النسبة التي تحتسب عند اقراض البنك المركزي للبنوك التجارية.

ومن بعد ذلك أتت هجمات 11 سبتمبر مما سببت بمشاكل اقتصادية اخرى .. مما استدعي تخفيض نسبة الفائدة .. ووصلت نسبة الفائدة الى 1% في شهر يوليو 2003 وهذه أقل نسبة فائدة في نصف قرن! وكانت على ذلك لمدة عام! وفي حقيقة الامر نسبة الفائدة مع أخذ التضخم في الحسبان كانت سالبة!!

أدت هذه النسب المخفضة جدا الى توفر سيولة هائلة في السوق , فكأن البنوك التجارية تأخذ قروض مجانية من البنك المركزي دون أية فوائد لتقرضه للمستهلك بفائدة, مما ادت الى تنافس البنوك لاقراض هذه الاموال لأي كان. قامت البنوك في حينها بابتكار طرق جديدة للاقراض وأدوات استثمارية جديدة لجذب المستهلكين. وكانت الشروط ميسرة جدا لبيع أكبر قدر من القروض المجانية (أكيد مجانية للبنك من الفيدرالي ولكن بفائدة للمستهلك).

ساعدت هذه السيولة الهائلة ارتفاع أسعار العقارات بنسبة 50% الى 100% ومن ثم جذب هذا الارتفاع المستهلكين للاستقراض والبنوك للاقراض وعدم تفويت فرصة ارتفاع أسعار العقار. في عام 2006 قدرت الحكومة الامريكية نسبة 40% من العقارات المتداولة حينها بتداولات للمضاربة وليس للسكن في هذه العقارات.

وعندما ارتفعت اسعار العقارات كثيرا ووصلت الى مرحلة تشبع وكان من الصعب للمواطن الامريكي امتلاكها, قامت البنوك بابتكار منتج جديد, الا وهي قروض بفائد مخفضة جدا لسنتين ولكن هذه الفائدة غير ثابتة بعد السنتين وتكون على حسب السوق, هذه كانت فرصة العمر لبعض المستهلكين, فالفائدة قليلة جدا والقسط مريح الى أبعد الحدود. كيف ضمنت البنوك استرداد اموالها اذا؟ الحسبة كانت بأن تتم جدولة هذه القروض بعد سنتين مع أخذ ارتفاع قيمة العقار في الحسبان.

وأثناء هذه الفوضى ونسبة الفائدة المخفضة والقروض الميسرة والشروط البسيطة, كان بامكان أيا كان التقدم بطلب قرض, وكانت البنوك في أتم الاستعداد لاقراض اناس لم يمتلكوا أية أوراق رسمية أو اصول أو أية ضمانات اخرى و تم تسمية هذه القروض حينها بقروض “الكذابين” Liars loans.
ومن المضحك أنه تم تسمية بعض القروض بقروض النينجا Ninja (no job, no income, no asset) وبهذه الطريقة تم اقراض ناس ليست لديهم وظائف ولا دخل ولا أية أصول!!

ومن ثم قامت البنوك بتقديم منتج جديد يتلأم مع أذواق الصناديق الاستثمارية والسيادية والبنوك من جهات مختلفة في العالم. حيث تم تجميع الدخل من القروض المختلفة في رزمة واحدة وانشاء سند بضمانة هذه الرزمة, اي سند مالي دخله المستقبلي يكون من هذه القروض. وتم بيع هذه السندات للصناديق الاستثمارية بسعر مخفض (سعر أقل من الدخل المتوقع للقروض). كانت البنوك تتبع هذه السياسة للتخلص من المخاطر المتعلقة بهذه القروض بشكل أخر ومن خلال منتج أخر, ولكن تم تقديم ضمانة للصناديق بأن يتم اعادة شراء هذه السندات مستقبلا ان واجهت الصناديق صعوبة في بيعها الى جهات أخرى. على العموم, تم بيع هذه السندات من قبل الصنايق الاستثمارية لجهات مختلفة بشكل أخر. حيث تم اعادة تجميع عدة رزم من عدة بنوك لانشاء رزمة جديدة وكبيرة واعادة البيع الى جهات أخرى مع ضمان الشراء في حالة أن الجهة الجديدة لم تستطع بيعها الى جهات أخرى وهكذا دواليه!!

وفي هذا الخضم, قامت بعض هيئات تقييم المخاطرة ك Moodys بتقييم هذه السندات كسندات مضمونة AAA وهذا بحد ذاته كانت ضمانة وفتح شهية للبنوك والصناديق العالمية للاستثمار فيها.

الكثير من الصناديق الاستثمارية قامت بشراء هذه السندات المشبوهة والمعقدة..

الكثير من المقترضين والمستثمرين قاموا بتأمين هذه القروض والاستثمارات .. ومن هذا الباب دخلت شركات تأمين في هذه الفوضى..

عموما الامور كانت طبيعية , حيث أن سوق العقار كان في ارتفاع مطرد وكل المستثمرين والبنوك والمقترضين وشركات التأمين كانت سعيدة وأمورهم طيبة..

هنا يجب أن نقف عند نقطة هامة جدا الا وهو قانون العقار الامريكي لسنة 1989 .. وينص القانون على أن استرداد الممول العقاري للعقار في حالة عدم قدرة المقترض دفع الاقساط المترتبة ولكن لا يلزم هذا القانون المقترض بدفع الباقي من مبلغ القرض..

الى أن اتى اليوم الاسود وبدأ سوق العقار بالهبوط وقيام الفدرالي الامريكي برفع نسبة الفائدة.. حينها ارتفعت الاقساط وتعقدت الامور.. فالمستهلك يدفع قسطا كبيرا لعقار ينخفص سعره يوما بعد يوم. فكان من الحكمة للمستهلك أن يرد العقار للبنك ويتخلص منه من دون اية التزامات أخرى. فتكدست العقارات لدى البنوك واختفت مداخيل القروض!! وهذا بدوره أدى الى اختفاء ضمانات السندات والتي هي مداخيل القروض .. وبدأت الازمة الحقيقية!! أطراف كثيرة طالبت شركات التأمين بتعويضات وبدأت أزمة أخرى مع شركات التأمين.

اذا الازمة كانت في المرحلة الاولى أزمة عقارية بحتة ومن ثم انتقلت الى شركات الاستثمار والتمويل الممولة لهذه العقارات ومن ثم الى شركات التأمين. والعاقبة الخطيرة هنا كانت في فقدان الثقة, فكل شركة أو بنك تشك في انخراط الاخرى في هذه الازمة من ثم اغلاق باب توفير أية تسهيلات بنكية قصيرة او طويلة الاجل للاخرى خوفا من أن يتم اعلان الافلاس وتختفي المبالغ المقترضة! فهنا بدأت أزمة شح السيولة..

عموما
الازمة بشكلها الحالي بدأت في السادس من أغسطس 2007 عندما أعلنت شركة American Home mortgage أكبر شركة تمويل عقاري مستقل عن افلاسها وقامت بتسريح جميع موظفيها. وقد قالت حينها أنها ضحية لهبوط أسعار العقارات في أمريكا.

بعدها بثلاثة أيام وفي 9 أغسطس أعلن أحد أكبر البنوك الفرنسية BNP Paribas بتوقيف ثلاثة محافظ عقارية خاصة بها تبلغ قيمتها بليونين دولار. وقالت الشركة حينها بأنه من الاستحالة تقييم هذه المحافظ حيث أن السوق العقاري قد اختفى!!

وفي نفس اليوم قام البنك المركزي الاوربي بضخ 95 بليون يورو في أوربا وقام الفيدرالي الامريكي والبنك المركزي الياباني بضخ بلايين الى السوق أيضا, مما سبب في وقتها ضغط كبير على قيمة الدولار.

في 10 أغسطس 2007 أعلن البنك المركزي الاوربي بضخ مبلغ أخر الى السوق قيمته 61 بليون يورو.

في 13 أغسطس 2007 أعلن البنك المركزي الاوربي بضخ ثالث للسوق بقيمة 47 بليون يورو. وفي نفس اليوم أعلن بنك جولدمان ساكس بضخ 3 بلايين دولار في أحد محافظه الذي يعاني من أزمة العقار في أمريكا.

في 16 أغسطس 2007 أعلن بيت التمويل العقاري Countrywide Financial ما يقدر ب 11.5 بيلون دولار من القروض المتعثرة وأعلن بنك الاقراض العقاري الاسترالي Rams عن مشكلة سيولة.

في 17 أغسطس 2007 أعلن الفيدرالي الامريكي بخفض 0.5% من نسبة الفائدة لجمح مشكلة السيولة العالمية, ولم تكن هنالك نتائج ايجابية ومن ثم قامت البنوك المركزية العالمية يضخ كمية أكبر من السيولة الى الاسواق, وكانت نسبة الضخ المتراكمة حينها أكبر نسبة ضخ للسيولة في الاسواق في التاريخ على الاطلاق.

في 13 سبتمبر2007 أعلن بنك Northern Rock عن مشكلة سيولة ,, وفيما بعد قامت الحكومة البريطانية بتأميم البنك.

في 17 سبتمبر 2007 الان جرينسبان وزير الخزانة السابق و ل20 سنة يتحدث عن فقاعة كبيرة في أسعار العقارات الامريكية ويتوقع هبوط كبير لاسعارها وسيكون أكبر بكثير من التوقعات.

في 18 سبتمبر 2007 الفيدرالي يأمر بخفض الفائدة ب 0.5 نسبة مئوية لتشجيع الانفاق وللحيلولة من وقوع شح للسيولة.

30 سبتمبر 2007 نت بنك – البنك الالكتروني الرائد في أمريكا يعلن عن افلاسهه متأثرا بانهيار سوق العقار.

30 سبتمبر 2007 البنك السويسري يو بي اس يعلن عن خسائر تقدر ب690 مليون دولار للربع الثالث من 2007 متأثرا بقروض العقارات المتعثرة.

10 اكتوبر 2007 الحكومة الامريكية تؤسس صندوق Hope Now Alliance لمساعدة الغير قادرين على الوفاء بدفع القروض العقارية.

17 أكتوبر الفيدرالي الامريكي ووزارة الخزانة الامريكية تعلن عن انشاء الصندوق الكبير Super Fund بقيمة 100 بليون دولارلشراء السندات المضمونة بالقروض المتعثرة.

1 نوفمبر 2007 الفيدرالي الامريكي يعلن عن ضخ 41 بليون دولار الى السوق كقروض قليلة الفوائد للبنوك لدعم السيولة.

6 ديسمبر 2007 الرئيس بوش يأمر بتثبيت الفوائد للقروض ذات الفوائد المتغيرة الى اشعار أخر.

14 مارس 2008 سهم بنك بير ستيرن ينهار Bear Stern ومن ثم يطلب البنك دعم مالي من الفيدرالي.

16 مارس بنك جي بي مورجان تشيس JPMorgan Chase يستحوذ على Bear Stern بسعر خيالي دولارين للسهم مع تعهد الفيدرالي بدعم مالي للصفقة.

6 مايو 2008 بنك UBS AG السويسري يتوقع تسريح 5500 موظف في منتصف 2009.

7 سبتمبر 2008 الفيدرالي الامريكي يستحوذ على فريدي ماك وفاني ماي التي تعتبر من أكبر الممولين العقاريين في أمريكا.

14 سبتمبر 2008 بنك أمريكا Bank of America يستحوذ على بنك ميري لنش.

14 سبتمبر 2008 الاعلان عن افلاس وانهيار أعرق البنوك الامريكية ليمان لبرذر Lehman Brother.

في 16 سبتمبر 2008 الفيدرالي الامريكي يستحوذ على 80% من عملاق التأمين العالمي American Insurance Group AIG مقابل 85 بليون دولار.

في 18 سبتمبر 2008 بنك لويدز تي اس بي البيريطاني يستحوذ على بنك اتش بوس بعد تراكم الخسائر عليه.

في 25 سبتمبر 2008 السلطات التشريعية الامريكية تقوم بتوقيف بنك واشنطن ميتوال الذي يعتبر أكبر بنك امريكي ذات أصول تقدر ب 308 بليون دولار عند اعلانها عن خسائر كبيرة

في 28 سبتمبر 2008 هولندا وبلجيكا ولوكسمبورج تعلن عن تأميم العملاق الاوربي للتأمين فورتس FORTIS

في 29 سبتمبر 2008 المشرعون الامريكيون يعلنون عن خطة لانقاذ الاسواق المالية تقدر ب 700 بليون دولار وتكون بذلك أكبر خطة انقاذ منذ الانهيار العظيم في 1930.

في 29 سبتمبر 2008 مجلس النواب الامريكي يعلن رفضه لخطة الانقاذ مما يسبب حالة من الهلع في الاسواق العالمية.

في 29 سبتمبر 2008 الحكومة البريطانية تأمم بنك برادفورد ان بنجلي Bradford and Bengleyبعد اعلان البنك عن تراكم خسائر الرهن العقاري الى حد الاختناق.

في 29 سبتمبر 2008 ايسلندا تأمم ثالث أكبر بنك جليتنر Glitner مع اعلان البنك عن خسائر كبيرة في الرهن العقاري.

في 29 سبتمبر 2008 سيتي بنك يعلن عن رغبته للاستحواذ على رابع أكبر بنك في أمريكا بنك واكوفيا Watchovia وقد قدرت خسائر واتشوفيا ب 42 مليار دولار من الرهن العقاري.

في 30 سبتمبر 2008 بلجيكا وفرنسا ولوكسمبورج تعلن عن تأميم بنك دكسيا الاوربي وقد قدر قيمة التأميم ب9 بليون دولار.

في 3 أكتوبر 2008 مجلس النواب الامريكي يعلن عن موافقته لخطة الانقاذ الضخمة.

في 3 أكتوبر 2008 المانيا تعلن عن انشاء صندوق انقاذ بمبلغ 68 بليون دولار لانقاذ بنك هايبو العقارية.

في 9 أكتوبر 2008 مؤسسة التقييم اس ان بي S&P تخفض تقييمها لقروض جنرال موترز للسيارات ومن ثم سعر السهم ينزلق ليصل الى مستويات سنة 1950 و لتكون القيمة السوقية للشركة ب 2.69 بليون دولار فقط!

منقول

8 thoughts on “أزمة الرهن العقاري .. من طأطأ لسلام عليكم

  1. طيب شو اللي يمنع ان الوضع عندنا يكون مشابه؟

    البيوت تضخمت قيمتها الفعلية الى 4 و 5 مرات قيمتها الحقيقية بفعل المضاربات و جشع المطورين و ارباح شركات العقار. و قامت البنوك بتمويلها لأشخاص على مدى 20 سنة بفائدة 5% مثلا فأصبحت قيمتها 8 أو 10 مرات قيمتها الفعلية. يعني عند حصول أي تصحيح في قيمة العقار سيجد اصحاب العقار أنهم يدفعون مبالغ خيالية لعقاراتهم و سيجدون انه من الأفضل التوقف عن التسديد..

    ممكن أحد يفهمنا شو الفرق؟

  2. ياللهول دي من سلام عليكم لطأطأ الله يجيب العواقب سليمه ويحفظنا والمسلمين من كل سؤ وشكرا على النقل

Comments are closed.