خطوات متثاقلة تلك التي قادت سارة إلى أروقة الجامعة، وهناك صعدت درجات السلم الجامعي ببطءٍ شديد، لتصل إلى باب قاعة المحاضرات، كان يبدو على وجهها الإرهاق والتعب، فتحت الباب ثم دخلت، لتجلس في جو من عدم التركيز، والشعور بعدم المقدرة على الفهم والتحصيل، انتهت المحاضرة، لتشعر سارة بكثير من الهموم قد خيمت على قلبها ـ فالدراسة والتفوق يشغلان حيزًا كبيرًا من حياتها ـ، خرجت من القاعة تحلم بقوة ونشاط وتركيز، تحلم بنوم هادئ طويل، ولكن ما لبثت أن تنهدت، ثم تحركت شفتاها تتمتم بكلمات، وهي ذاهلة عما حولها: (لا أقوى على التركيز في المحاضرة، والامتحانات قد اقتربت، وهكذا تمر محاضرة تلو محاضرة، فإلى متى؟؟).
عند هذا الحد توقفت، إذ فوجئت بصديقتها حنان تقف أمامها قائلة: سارة هل تحدثين نفسك؟ ما الذي يحدث لك، أراك كل يوم تبدين مرهقة، وأتتبعك بعيني أثناء المحاضرة، فأشعر أنك في وادٍ آخر.
قالت سارة: نعم، نعم، إنه الإرهاق يا حنان لقد تعبت، أشعر بالإرهاق والتعب، وعدم القدرة على التركيز، لا يراودني النوم، وإذا كان فهي سويعات قليلة، هل تستطيعين أن تصفي لي دواء؟؟
كثيرات هن اللاتي
لا تعلم الكثير من الفتيات أنهن أكثر عرضة للأرق من الشباب فقد (كشفت الدراسات أن نسبة الإناث اللاتي يعانين من الأرق تفوق عدد الذكور، كما أن معدلات المصابين بالأرق في زيادة كبيرة في ظل صعوبة الحياة اليومية) [بين الوقاية والعلاج, د. أكرم رضا].
ولا تعلم الكثير من الفتيات أيضًا أن الأرق هو عدو الجمال الأول، ذلك أنه يترك بصمات على بشرة الوجه في اليوم التالي فتبدو متعبة ومرهقة, كما أنها تفتقد إلى الصفاء والإشراق, فتظهر الهالات السوداء حول العينين, وتصاب البشرة بالجفاف.
ولا شك أن العلاقة وثيقة بين النوم وبين الصحة العامة للجسم, وأن له أثرًا بالغًا على التركيز والذاكرة والإنجاز, لكن تُرى … إذا تسلل إلينا الأرق، والاضطراب في النوم, فما هي تبعات هذا الأمر, وما هي كيفية العلاج منه؟
بداية إذا كنت أيتها الغالية تشتكين من الأرق والنوم المتقلب، فلا داعي للقلق, فهناك ملايين من البشر حول العالم يعانون من نفس المشكلة، وقبل تنزهك عبر رحلة العلاج، جدير بك أن تتعرفي على الأسباب.
تعرفي على السبب
إن نظرة سريعة إلى اليمين تعرض لك متطلبات العصر المتلاحقة، ونظرة عن الشمال تخبرك عن مشكلات اجتماعية كثيرة، ونظرة إلى الأمام تأخذ بصرك إلى سرعة إيقاع الحياة، كل هذه النظرات تدعو لاضطرابات في المزاج، ونظام الطعام، … إلخ، أليس كل ذلك أو بعضه جالبًا للشعور بالأرق.
والآن تعرفي بشيء من التفصيل على هذه الأسباب:
1- التعرض لضغوط نفسية وهذا من أهم الأسباب التي تسبب الأرق واضطرابات النوم واستمرار الكوابيس، وتنشأ الضغوط النفسية من مصادر متعددة, مثل البيئة المادية المحيطة والأشخاص الآخرين, والأحداث غير المتوقعة, وأفكاركِ وأفعالكِ الخاصة.
2- استخدام المنبهات: مثل الإفراط في تناول الكافيين والنيكوتين والشاي، أو تعاطي بعض الأدوية التي تحتوي على مواد كيميائية منه.
3- النوم كثيرًا أثناء ساعات النهار, فيكون الجسم والعقل قد أخذا قسطهما من الراحة ولا يحتاجان إلى ساعات الليل.
4- مشاهدة التلفاز إلى وقت متأخر مع تناول أي طعام أو شراب، ثم الذهاب إلى النوم، [شبابك كيف تحافظ عليه, د/حسان شمس باشا].
ومن المهم أن تعلمي أن كثير من الدراسات أكدت على أن الشخص العادي يمكنه اتباع خطوات بسيطة يخلد بعدها للنوم، دون اضطرار لتناول أي أدوية أو عقاقير.
(أما الشيء المحزن فهو أن هناك أنواعًا من الأرق المزمن، والذي يصعب علاجه خاصة إذا كان الأرق ناجمًا عن إصابة الشخص بمرض عضوي أو نفسي, وتزول الشكوى مع العلاج, وقد يصاحب الأرق أعراض صحية أخرى منها فقدان الشهية للطعام أو تناوله بشراهة والشعور بالانطواء وعدم الإقبال على العمل ورفض الاستمتاع بأبسط مباهج الحياة ويصل الأمر أحيانًا إلى التفكير في الموت والانتحار وتتفاقم الحالة لتصبح حالة من الاكتئاب) [كيف تزدادين جمالًا, إيفون رياض].
كل هذا يدعوك للسير قدمًا نحو سبل العلاج، وتتبع نصائح الأطباء.
نصائح ذهبية
وهنا يقدم خبراء علم النفس والاجتماع نصائح للأشخاص العاديين الذين تنتابهم حالة من الأرق, وهي كالآتي:
1- الالتزام بساعة معينة تدخلين فيها لغرفة النوم كل ليلة حتى لو كان اليوم التالي أجازة, والحرص على الاستيقاظ في وقت محدد كل صباح, فذلك يساعد على تعوُّد الجسم على ضبط الساعة البيولوجية, والابتعاد عن عادة النوم بعد العودة من اليوم الدراسي أو العمل؛ لتعويض ساعات الأرق في الليلة السابقة.
2- ممارسة الرياضة في الهواء الطلق؛ فذلك يساعد الجسم على الاسترخاء في المساء، كما تفيد التمرينات الرياضية في نشاط الدورة الدموية ويمكن أخذ حمام دافئ قبل النوم مباشرة.
3- ويمكن فعل تمرين بسيط بعد أخذ الحمام الدافئ؛ ليساعدك على النوم والتغلب على الأرق, اجلسي على الأرض مع ملامسة الركبتين للأرض وفتح الكعبين بعض الشيء, ارفعي راحة يديك خلف ظهرك, واثني جذعك إلى الأمام حتى تلامس الجبهة الأرض مع استنشاق الهواء بعمق, كرري هذا التمرين خمس مرات قبل أن تدخلي إلى فراشك.
4- تناولي كوب من اللبن الدافئ قبل الدخول إلى السرير مباشرة, ويُفضل تحلية اللبن بقليل من عسل النحل, فاللبن يحتوي على مادة طبيعية مهدئة للأعصاب.
5- تجنبي شرب القهوة والشاي والصودا أو الكولا والشيكولاتة؛ لأن مادة الكافيين منبهة للأعصاب، وأحيانًا يسهر الشخص لأنه يوحي لنفسه بأنه غير قادر على الاستسلام للنوم؛ لأنه شرب فنجان من القهوة في وقت متأخر من اليوم.
6- يجب التخلص من أي إحساس يجلب الخوف من الأرق، ومحاولة إقناع النفس أنها شكوى عارضة, ويراعى مع ذلك عدم دخول غرفة النوم قبل الإحساس بأن النعاس يغالب الفتاة, وإذا شعرت أنها نامت أقل من خمس ساعات لا تقلق فالبتدريج سيرتفع معدل ساعات النوم.
7- لا تبالغي في تناول المنومات, فإذا كان نومك رديء, وكان نهوضك صباحًا مزعجًا وعسيرًا, لا تعتمدي على المنومات لاستعادة صحتك, فأنت تعرفين ما يحدث حينما نتقلب في السرير ساعات وساعات دون التمكن من النوم, نستيقظ فجأة في منتصف الليل, نبتلع حبة أو حبتين, ننام أخيرًا, ويمر الصباح, ونحن في نصف غيبوبة، ثم نبالغ في شرب القهوة أثناء الصباح.
وهنا تناقض غريب لا تعرفه كثير من الفتيات: إن الأدوية المنومة تولد الأرق, فأن نتناولها بين الفينة الفينة عندما نكون منفعلين لا خطر من ذلك, الخطر بالمقابل أن تتولد تبعية نفسية لها, بتصورنا أننا لا يمكن أن ننام دون منومات ويصبح الأمر أشبه بالإدمان.
8- التأكد من أن الوسائد ومرتبة السرير مريحة، ويُفضل تغيير الوسائد واستبدالها بأخرى جديدة كل عامين أو ثلاثة أعوام, أما المرتبة فيتم تغييرها بعد مرور 8 إلى 10 سنوات.
9- استخدام السرير للنوم فقط، ولا تجعليه المكان المفضل للمذاكرة أو لإنجاز الأعمال، فعلى الشخص الذي يعاني من اضطرابات في النوم تعويد نفسه على أن السرير مكان الاسترخاء والنوم فقط.
10- وفي حالة تكرار الشكوى من الأرق تحاول الفتاة معرفة الدافع إلى ذلك، وتحاول حل المشكلة التي تعوق استسلامها للنوم, وإذا تعثر ذلك ووجدت الفتاة نفسها حائرة، فعليها أن تسارع باستشارة الطبيب؛ لإجراء الكشف عليها وعمل تحليلات وفحوصات؛ لمعرفة الدافع الصحي للشكوى، قبل أن يصبح الأرق عادة مزمنة يصعب علاجها.
ومسك الختام؛ وصايا نبوية
تطيب الحياة، تبتسم الشفاه، حينما نذكر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله ومن والاه، فلم يبرح النبي سبيلًا من سبل الحياة، إلا ودلنا على موارد بهجته، ومنابع لذته، فما أرسله ربه إلا رحمة للعالمين، فها هو صلى الله عليه وسلم، يدعوكِ لسبل النوم الهانئ المطمئن السعيد, عبر نصائح إيمانية رقيقة, فيقول صلى الله عليه وسلم: (يا فلان, إذا أويتَ إلى فراشك فقل اللهم أسلمت نفسى إليك، ووجهت وجهى إليك, وفوضت أمرى إليك، وألجأت ظهرى إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذى أنزلت، وبنبيك الذى أرسلت, فإنك إن مت فى ليلتك مت على الفطرة، وإن أصبحت أصبت أجرًا) [رواه البخاري].
ولا تنسي كذلك قراءة آية الكرسي فلا يزال عليك من الله حافظ حتى تصبحي, وقراءة سور الإخلاص, والفلق، والناس, ورددي سبحان الله ثلاثة وثلاثين, والحمد لله, ثلاثة وثلاثين, والله أكبر, أربعة وثلاثين.
وإذا طالت المدة، ولم يزورك النوم بعد، فهمي بذاكرتك إلى استذكار مواقف النجاح والإنجاز، ومواقفك الجميلة الإيجابية، والأمل الملوح بمستقبل أفضل، تضرعي بدعوات صادقة نابعة من قلبك، لأهلك وأصحابك وجيرانك، وحينها يرد الملَك على دعائك: ولك بمثل، أختاه لا تيأسي من رحمة الله، فقد وعد الله من يتوكل عليه أن يجعل له من كل ضيق فرجًا ومن كل هم مخرجًا.
المصادر:
1- بين الوقاية والعلاج, د/أكرم رضا.
2- شبابك كيف تحافظ عيه, د/حسان شمس باشا.
3- كيف تزدادين جمالًا, إيفون رياض.
4- تألقي جمالًا وشبابًا, جوزيف عبودكية.
كتبته: أم زهراء السعيد النجار