مع قرب نهاية العام يمكن أن يستنتج المحللون الماليون والمهتمون بشؤون أسواق الأسهم في المنطقة أن هذه الأسواق وعلى الرغم مما حققته من مكاسب كبيرة معظم أشهر العام، فقد اتسمت عموما بعدم الثبات.

وهي تمر الآن بفترة تصحيح عميقة، ولعل ابرز ظاهرة في مسيرة التذبدب هي التقلبات السعرية حيث لم تعد تصمد أمامها أي تفسيرات منطقية، ولعل من المهم هنا التوقف أمام هذه الظاهرة ومحاولة التعريف بالأسلوب السليم لتسعير الأوراق المالية ثم الأسباب التي تجعل أسعار الأسهم بدول المنطقة لا تتناغم مع هذا الأسلوب.

من الناحية الاقتصادية، يخضع تسعير الأوراق المالية لنفس العوامل والشروط الذي يخضع لها تسعير السلع والبضائع في الأسواق الأخرى، فهناك جملة من العوامل الخاصة بهذه الأوراق.

بالإضافة إلى عوامل أخرى مرتبطة بالسوق تتداخل للوصول إلى تحديد سعر معين لورقة مالية ما، لذلك من الطبيعي أن يلجأ المحللون في الأسواق المالية إلى تحديد وتحليل تلك العوامل بهدف محاولة العثور على الأسهم.

أو الأوراق المالية التي تتداول في السوق بأسعار تقل عن قيمتها الحقيقية ليتم شراء هذه الأسهم أو الأسهم التي تزيد أسعارها الدارجة في السوق عن قيمتها الحقيقية وذلك ليتم التخلص منها، ويطلق على هذا المدخل في التحليل بالمدخل الأساسي في التحليل.

ووفقا لهذا التحليل، يصبح الوصول إلى القيمة العادلة للسهم بحاجة إلى القيام بدراسة أولاً الشركة نفسها وأوضاعها المالية ومسيرة انجازاتها والتوقعات المستقبلية وثانيا القطاع الذي تنتمي إليه الشركة موضع الدراسة، وثالثا الاتجاهات السائدة في السوق المالي من حيث الأسعار والتداول ورابعا الاقتصاد الوطني والعالمي واتجاهاته.

وبالنسبة للشركة موضوعة الدراسة، فان عناصر التحليل تقسم إلى قسمين هما التحليل الكمي والتحليل النوعي، فالتحليل الكمي يشمل تحليل المستندات والتقارير والوثائق التي تصدرها الشركة مثل حسابات الأرباح والخسائر والميزانيات العمومية وقوائم مصادر واستخدامات الأموال.

بالإضافة إلى المعلومات التي تتضمنها هذه المستندات مثل التكاليف والأسعار والمبيعات والالتزامات، وبمعنى آخر فان التحليل الكمي يجب أن يشمل الأرقام والمؤشرات الخاصة بالرسملة أو هيكل رأس المال والعوائد والتوزيعات النقدية والموجودات والمطلوبات والتشغيل.

أما بالنسبة للعوامل النوعية فانها تعالج مواضيع غير مبينة بأرقام مثل طبيعة العمل، ومركز الشركة التنافسي في القطاع الذي تنتمي إليه ومدى كثافة المنافسة في السوق الخاص بمنتجات الشركة ومركز الإدارة وقدرتها على معالجة المشاكل والظروف المتجددة وأخيراً توقعات مستقبل الشركة والقطاع في الأمد الطويل.

أما بالنسبة للقطاع الذي تنتمي إليه الشركة فان شموله بالتحليل هنا يجيء نتيجة كون القطاعات الاقتصادية لا تنمو بنفس المعدلات التي ينمو بها الاقتصاد الوطني كله، لذلك فإن تجزئة السوق إلى قطاعات معينة وتحديد القطاع الذي تنتمي إليه الشركات يساعد على توقع العوائد للشركة والعوامل المحتمل أن تؤثر على هذه العوائد.

وبالنسبة للاتجاهات السائدة في أسواق رأس المال فان هذه الأسواق تكون في العادة إما أسواق أسهم أو أسواق سندات، وهناك ترابط بين السوقين، كما ان الظروف التي تحيط بأحدهما من شأنها أن تؤثر على السوق الآخر، لذلك فان تحليل الاستثمارات يعتمد على البيئة التي تحيط بأسواق رأس المال بأكملها.

ان أهم عامل ينظر إليه بالنسبة لأسواق السندات هي توقعات اتجاه معدلات الفوائد، أما بالنسبة للأسهم فان مصدر العوائد المتوقعة يكمن في الأرباح الموزعة وكذلك الأرباح الرأسمالية المتأتية من بيع الأسهم بأسعار أعلى من أسعار شرائها.

وأخيراً بالنسبة للاقتصاد الوطني فهناك العديد من العوامل والمتغيرات التي تجري دراستها وأخذها بالاعتبار لدى محاولة التوصل إلى تحديد قيمة عادلة للأوراق المالية المستهدف بيعها أو شراؤها، فعلى سبيل المثال يعمل محلل الاستثمار في البدء على محاولة تحديد الدورة الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد الوطني كله.

والأنشطة الاقتصادية التي تنتمي إليها الشركة موضع الدراسة، بالإضافة إلى ذلك تجري دراسة المؤشرات الاقتصادية الرئيسية مثل اتجاه الناتج المحلي الإجمالي وعرض النقد واتجاه أسعار الفوائد ومعدلات التضخم والطلب على الأموال وبدائل الاستثمار المتوفرة وتوقعات أرباح الشركات.

إن دراسة هذه العوامل تفضى إلى الحصول على مؤشرات عملية وعلمية ذات صلة بتسعير الأوراق المالية وذلك على افتراض أن هذا التسعير يتم بصورة اقتصادية سليمة حيث تأخذ قوانين السوق مديات جيدة لإطلاق تأثيرها على ‎آليات التسعير لكل السلع المتداولة في الاقتصاد الوطني ومن بينها الأوراق المالية، إن ما يحدث في الأسواق المالية النامية ومنها أسواق دول المنطقة.

هو أن هناك عوامل أخرى تتدخل في آلية تسعير الأوراق المالية ومنها الأسهم وبحيث تجعل من منهجية المدخل الأساسي في تحليل الأوراق المالية لا تخدم كثيرا المستثمرين في هذه الأسواق على الرغم من أهميتها وسلامتها من الناحية الاقتصادية.

وبالنظر إلى محدودية المكان هنا لإعطاء صورة شاملة عن الكيفية التي تحول بها العوامل غير المحسوبة دون أن تأخذ العوامل الاقتصادية دورها في تسعير الأوراق المالية فإنه بالإمكان تقديم بعض الأسباب والأمثلة على ذلك، إن آلية تحرك سعر ورقة مالية ما (والمقصود هنا السهم بصورة خاصة) تتمثل في استجابة هذا السعر للمعطيات .

والحقائق الهامة ذات الصلة بالشركة صاحبة هذا السهم، وذات الصلة بالأسواق المالية والأوضاع الاقتصادية، إن عدم بروز هذه الاستجابة أو ضعفها أو تأخرها في العديد من الأحيان في الأسواق المالية الخليجية يعود لعدة أسباب منها فنية ومنها اقتصادية.

فالأسباب الفنية تتمثل أولاً في قلة توفر تلك المعطيات والحقائق بالدرجة الكافية، وثانيا غياب المؤسسات والأجهزة المتخصصة التي تقوم بربط تلك المعطيات والحقائق ببعضها البعض وإبراز تأثيرها أمام المستثمرين بصورة متساوية وعادلة.

وثالثا عدم وجود لوائح تنظيمية وقانونية كافية لمنع المضاربات الضارة واستغلال المعلومات الداخلية، ورابعا غياب الأنظمة والمؤسسات التي تحمى الأسعار من المضاربات الضارة وتسهم في إعادتها لمستويات العادلة مثل صناع السوق.

أما بالنسبة للأسباب الاقتصادية، فلقد اتضح في الماضي أن توفر السيولة لدى الأفراد مع محدودية الأوراق المالية المعروضة بصورة خاصة ومحدودية فرص الاستثمار المتوفرة بصورة عامة قد أسهم في دفع أسعار الأسهم إلى مستويات عالية لا يمكن تبريرها وفق منهجية المدخل الأساسي في التحليل.

كذلك فإن حصول بعض الشركات المساهمة على مزايا احتكارية معينة بالنسبة للشركات الأخرى العاملة في القطاع نفسه أو بالنسبة للاقتصاد الوطني كله قد يضمن لها أداء مالياً متميزاً بغض النظر عن الأداء المالي للشركات الأخرى في القطاع أو في السوق كله، كما أن بعض الشركات المساهمة تحظى بدعومات حكومية كبيرة نظرا لطبيعة أنشطتها والخدمات التي تقدمها.

ومن الأسباب المهمة ضعف الترابط بين أداء الأنشطة الاقتصادية ضمن الاقتصاد الوطني الواحد لأسباب عديدة لا يمكن التوقف أمامها هنا وسيطرة تأثير أداء نشاط اقتصادي بذاته (تصدير النفط) على الأداء الاقتصادي كله، كذلك فإن ضيق قاعدة المتعاملين في سوق الأوراق المالية سواء كبائعين أو مشترين يحول دون إتمام آلية تسعير الأوراق المالية المتداولة بصورة سليمة.

حيث يؤدي ذلك إلى استفراد نفر قليل بتحريك أسعار الأسهم وفقا لحسابات خاصة بهم، كذلك إلى ضعف سيولة السوق مما يضطر معه بعض البائعين أو المشترين للقبول بأسعار لا تمثل القيمة الحقيقية للورقة المالية المعروضة.

إن محدودية الأوراق المالية المعروضة يشمل كلاً من النوع حيث لا يزال التداول مقتصراً بصورة أساسية على الأسهم وكذلك الكم حيث إن القسم الأكبر من حصص أسهم الشركات مملوكة إما من قبل مؤسسات رسمية .

أو أفراد لا يتداولونه وذلك لكون هذه الملكيات تحقق لهم مزايا اقتصادية واجتماعية عديدة أخرى.وأخيراً يمكن القول إن ما اشرنا إليه من أسباب تعيق التشغيل السليم لآلية تسعير الأسهم في أسواق المال الخليجية تكشف في الوقت نفسه عن الإجراءات المطلوب اتخاذها لتجاوز هذا الوضع.

إن البداية الصحيحة تكمن في تعميق الوعي الادخاري والتوظيفي بمختلف وسائل التوعية والاتصال، بما في ذلك مناهج التربية والتعليم التي تعزز مفاهيم الادخار والاستثمار ومرورا باتخاذ الإجراءات والتشريعات الضرورية لتوسيع قاعدة السوق سواء من حيث المتعاملين أو الأوراق المتداولة.

وتلك الخاصة بحماية المستثمرين المتعاملين فيها وانتهاء بالسياسات الخاصة بالاقتصاد والمال والنقد مع ضرورة صدور عدد من المؤشرات الدورية التي تبين حالة الاقتصاد ومستوى أدائه مما يعين المستثمرين على تحديد توجهاتهم المستقبلية.