اهلا بكم واليكم الاجابه الشامله مدعمه بالادله في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام
في قوله : " وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا " إلى قوله : " وأنا من المسلمين " فإن بني إسرائيل قالوا : يا موسى ادع الله أن يجعل لنا مما نحن فيه فرجا ، فدعا فأوحى الله
إليه : أن أسر بهم ، قال : يا رب البحر أمامهم ! قال : امض فإني آمره ان يعطيك وينفرج لك ، فخرج موسى ببني إسرائيل وأتبعهم فرعون حتى إذا كاد أن يلحقهم ونظروا إليه قد أظلهم ، قال موسى للبحر : انفرج
لي ، قال : ما كنت لافعل ، وقال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام : غررتنا وأهلكتنا ، فليتك تركتنا يستعبدنا آل فرعون ، ولم نخرج الآن نقتل قتلة ، قال : " كلا إن معي ربي سيهدين " واشتد على موسى ما كان يصنع
به عامة قومه وقالوا : يا موسى إنا لمدركون ، زعمت أن البحر ينفرج لنا حتى نمضي ونذهب وقد رهقنا فرعون وقومه ، هم هؤلاء نراهم قد دنوا منا ، فدعا موسى ربه فأوحى الله إليه : " أن اضرب بعصاك البحر " فضربه
فانفلق البحر ، فمضى موسى وأصحابه حتى قطعوا البحر و أدركهم آل فرعون ، فلما نزلوا إلى البحر قالوا لفرعون : ما تعجب مما ترى ؟
قال أنا فعلت ، فمروا وامضوا فيه ، فلما توسط فرعون ومن معه أمر الله البحر فأطبق عليهم فغرقهم أجمعين ، فلما أدرك فرعون الغرق قال : " آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين " يقول
الله عزوجل : " الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " يقول : كنت من العاصين " فاليوم ننجيك ببدنك " قال : إن قوم فرعون ذهبوا أجمعين في البحر فلم ير منهم أحد ، هووا في البحر إلى النار ، وأما فرعون فنبذه
الله وحده فألقاه بالساحل لينظروا إليه وليعرفوه ليكون لمن خلفه آية ، ولئلا يشك أحد في هلاكه ، وإنهم كانوا اتخذوه ربا ، فأراهم الله إياه جيفة ملقاة بالساحل ليكون لمن خلفه عبرة وعظة ، يقول الله : " وإن
كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون " .
وقال علي بن إبراهيم : وقال الصادق عليه السلام : ما أتى جبرئيل رسول الله إلا كئيبا حزينا ، ولم يزل كذلك منذ أهلك الله فرعون ، فلما أمر الله بنزول هذه الآية : " آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " نزل
عليه وهو ضاحك مستبشر ، فقال له رسول الله : ما أتيتني يا جبرئيل إلا وتبينت الحزن في وجهك حتى الساعة ، قال : نعم يا محمد لما غرق الله فرعون قال : " آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من
المسلمين " فأخذت حمأة فوضعتها في فيه ، ثم قلت له : " آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " و عملت ذلك من غير أمر الله خفت أن يلحقه الرحمة من الله ويعذبني على ما فعلت ، فلما كان الآن وأمرني الله أن
اؤدي إليك ما قلته أنا لفرعون أمنت وعلمت أن ذلك كان لله رضى .
قوله : " فاليوم ننجيك ببدنك " فإن موسى عليه السلام أخبر بني إسرائيل أن الله قد غرق فرعون فلم يصدقوه ، فأمر الله البحر فلفظ به على ساحل البحر حتى رأوه ميتا . (1)
----------
لما تمادى قبط مصر على كفرهم وعتوهم وعنادهم ، متابعة لملكهم فرعون ، ومخالفة لنبي الله ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام ، أقام الله على أهل مصر الحجج العظيمة القاهرة ، وأراهم من خوارق العادات ما
بهر الأبصار وحير العقول ، وهم مع ذلك لا يرعوون ولا ينتهون ، ولا ينزعون ولا يرجعون
ولم يؤمن منهم إلا القليل قيل ثلاثة : وهم إمرأة فرعون - ولا علم لأهل الكتاب بخبرها - ومؤمن آل فرعون الذي تقدمت حكاية موعظته ومشورته وحجته عليهم ، والرجل الناصح الذي جاء يسعى من أقصا المدينة ، فقال : "
يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين "
قاله ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم عنه ومراده غير السحرة ، فإنهم كانوا من القبط
وقيل بل آمن به طائفة من القبط من قوم فرعون ، والسحرة كلهم وجميع شعب بني إسرائيل ويدل على هذا قوله تعالى : " فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض
وإنه لمن المسرفين "
فالضمير في قوله : " إلا ذرية من قومه " عائد على فرعون لأن السياق يدل عليه ، وقيل على موسى لقربه ، والأول أظهر كما هو مقرر في التفسير وإيمانهم كان خفياً لمخالفتهم من فرعون وسطوته ، وجبروته وسلطته ،
ومن ملئهم أن ينموا عليهم إليه فيفتنهم عن دينهم
قال الله تعالى مخبراً عن فرعون وكفى بالله شهيداً : " وإن فرعون لعال في الأرض " أي جبار عنيد مشتغل بغير الحق ، " وإنه لمن المسرفين " أي في جميع أموره وشئونه وأحواله ولكنه جرثومة قد حان انجعافها وثمرة
خبيثة قد آن قطافها ، ومنهجة ملعونة قد حتم إتلافها
وعند ذلك قال موسى : " يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين * فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين * ونجنا برحمتك من القوم الكافرين " فأمرهم بالتوكل على الله
والإستعانة به ، والإلتجاء إليه ، فأتمروا بذلك فجعل الله لهم مما كانوا فيه فرجاً ومخرجاً
" وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين "
أوحى الله تعالى إلى موسى وأخيه هارون عليهما السلام أن يتخذا لقومهما بيوتاً مميزة فيها بينهم عن بيوت القبط ، ليكونوا على أهبة الرحيل إذا أمروا به ، ليعرف بعضهم بيوت بعض
وقوله : " واجعلوا بيوتكم قبلة " قيل مساجد ، وقيل معناه كثرة الصلاة فيها
قال مجاهد وأبو مالك وإبراهيم النخعي والربيع والضحاك وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن وغيرهم
ومعناه على هذا : الإستعانة على ما هم فيه الضر والشدة والضيق بكثرة الصلاة ، كما قال تعالى : " واستعينوا بالصبر والصلاة " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلي
وقيل معناه : أنهم لم يكونوا حينئذ يقدرون على إظهار عبادتهم في مجتمعاتهم ومعابدهم ، فأمروا أن يصلوا في بيوتهم ، عوضاً عما فاتهم من إظهار شعائر الدين الحق في ذلك الزمان ، الذي اقتضى حالهم إخفاءه خوفاً
من فرعون وملئه ، والمعنى الأول أقوى لقوله : " وبشر المؤمنين " وإن كان لا ينافي الثاني أيضاً والله أعلم
وقال سعيد بن جبير : " واجعلوا بيوتكم قبلة " أي متقابلة
* * *
" وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم * قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا
تتبعان سبيل الذين لا يعلمون "
هذه دعوة عظيمة دعا بها كليم الله موسى على عدو الله فرعون ، غضباً لله عليه ، لتكبره عن اتباع الحق ، وصده عن سبيل الله ومعاندته وعتوه وتمرده ، واستمراره على الباطل ، ومكابرته الحق الواضح الجلي الحسي
والمعنوي ، والبرهان القطعي ، فقال : " ربنا إنك آتيت فرعون وملأه " يعني قومه من القبط ، ومن كان على ملته ودان بدينه " زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك " أي وهذا يغتر به من يعظم أمر
الدنيا فيحسب الجاهل أنهم على شيء ، لكن هذه الأموال وهذه الزينة ، من اللباس والمراكب الحسنة الهنية ، والدور الأنيقة والقصور المبنية ، والمآكل الشهية والمناظر البهية ، والملك العزيز والتمكين والجاه
العريض في الدنيا لا الدين
" ربنا اطمس على أموالهم " قال ابن عباس ومجاهد : أي أهلكها وقال أبو العالية والربيع بن أنس والضحاك : اجعلها حجارة منقوشة كهيئة ما كانت ، وقال قتادة : بلغنا أن زروعهم صارت حجارة ، وقال محمد بن كعب :
جعل سكرهم حجارة ، وقال أيضاً : صارت أموالهم كلها حجارة ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز ، فقال عمر بن عبد العزيز لغلام له : قم ائتني بكيس ، فجاء بكيس ، فإذا فيه حمص وبيض قد حول حجارة ! رواه ابن أبي
حاتم
وقوله : " واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم " قال ابن عباس : أي اطبع عليها وهذه دعوة غضب لله تعالى ولدينه ولبراهينه
فاستجاب الله تعالى لها ، وحققها وتقبلها ، كما استجاب لنوح في قومه حيث قال : " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا " ولهذا قال تعالى مخاطباً
لموسى حين دعا على فرعون وملئه ، وأمن أخوه هارون على دعائه فنزل ذلك منزلة الداعي أيضاً :" قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون "
قال المفسرون وغيرهم من أهل الكتاب : استأذن بنو إسرائيل فرعون في الخروج إلى عيد لهم ، فأذن لهم وهو كاره ، ولكنهم تجهزوا للخروج وتأهبوا له ، وإنما كان في نفس الأرض مكيدة بفرعون وجنوده ، ليتخلصوا منهم
ويخرجوا عنهم
وأمرهم الله تعالى - فيما ذكره أهل الكتاب - أن يستعيروا حلياً منهم ، فأعاروهم شيئاً كثيراً ، فخرجوا بليل فساروا مستمرين ذاهبين من فورهم ، طالبين بلاد الشام ، فلما علم بذهابهم فرعون حنق عليهم كل الحنق
، واشتد غضبه عليهم ، وشرع في استحثاث جيشه وجمع جنوده ليلحقهم ويمحقهم
قال الله تعالى : " وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون * فأرسل فرعون في المدائن حاشرين * إن هؤلاء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائظون * وإنا لجميع حاذرون * فأخرجناهم من جنات وعيون * وكنوز ومقام
كريم * كذلك وأورثناها بني إسرائيل * فأتبعوهم مشرقين * فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين * فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك