لنوم ظاهرة فسيولوجية من ظواهر الحياة البشرية والحيوانية، ونعمة من نعم الله عز وجل على عباده لما فيه من فوائد عديدة من راحة للبدن والأعصاب وتخفيف للضغوط
النفسية التي يواجهها الإنسان بالنهار، قال تعالى {ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون}. ولقد ثبت علمياً أن النوم الهادئ يؤدي إلى وظيفة بنائية ويريح البدن من
الإرهاق والكسل والتعب الجسمي، والنوم النشيط الحالم وظيفته مركزة أكثر نحو بناء وتنشيط القدرة العقلية الذهنية في المخ، أما النوم الهادئ غير الحالم فيؤدي إلى إطلاق عملية البناء، وتركيب المواد الغذائية،
ثم يتم استخدام هذا الغذاء المركب في مرحلة النوم النشيط الحالم، وذلك لتغذية عمليات بيولوجية معقدة تقوم الجسم والمخ نفسياً وعقلياً وذهنياً وبذلك يستعيد قدرته وحيويته وتقوم الذاكرة، مما يزيد من قوة
العقل الذهنية والعصبية. من أسرار الخالق والحرمان من النوم يفضي إلى إعياء البدن ثم الموت. ولذلك، فإن الأجهزة الأمنية في بعض دول العالم تلجأ إلى حرمان المعتقل أو السجين من النوم كعقاب له، أو وسيلة
لانتزاع اعترافات منه. كما تلجأ بعض الدول إلى حرمان الأسرى من النوم كجزء من عملية غسيل المخ «Brain washing»التي تحاول خلالها التأثير على معتقداتهم وأفكارهم. ولقد أجريت تجربة على مجموعتين من الكلاب
حرمت إحداهما الطعام، بينما حرمت الأخرى النوم، فتمكنت المجموعة التي حرمت الطعام من التكيف مع هذا الوضع لأربعة أسابيع ماتت في نهايتها. أما المجموعة التي حرمت النوم، فإنها ماتت بعد خمسة أيام فقط. ويعد
النوم سراًَ من أسرار قدرة الخالق جل وعلا يعجز الإنسان بفكره المحدود عن الإحاطة به. ورغم أن التقدم العلمي الكبير استطاع أن يجلو بعض أسرار هذه الظاهرة، إلا أنه لم يتوصل بعد إلى التعرف على المسبب الأول
الذي يجعل أجسام المخلوقات الحية تفرز مواد كيميائية تؤثر على مراكز النوم الموجودة في الجهاز العصبي المركزي فتجعل الإنسان ينقطع بذهنه وأعضائه ومشاعره عن عالم الشهادة ليدخل في حياة أخرى لا حياة فيها
{وجعلنا نومكم سباتا}. وثمة سر آخر عجيب من أسرار النوم عجز العلم أيضاً عن الإحاطة به، ألا وهو كيفية استعادة الخلايا العصبية في الجهاز العصبي المركزي والمحيط والأجهزة الحيوية قدرتها الفسيولوجية
واختزانها طاقة الحياة من جديد بواسطة النوم بعد إذ فقدتها. وهذا يعني أن النوم ليس مجرد توقف لحالة اليقظة، بل هو أيضاً سلوك نشيط يمارسه الدماغ وهو محكوم ومنظم بآليات دقيقة ومتقنة. استناداً إلى دراسات
التخطيط الكهربائي للدماغ، قسّم العلماء النوم إلى خمس مراحل هي: المرحلة الأولى: مرحلة بدء النوم وتتألف من 2 إلى 4% من فترة النوم، وفيها تبدأ العينان بالتحرك من جانب إلى آخر وتنسدل الجفون. المرحلة
الثانية: مرحلة النوم الخفيف وتمثل 50% من مجمل فترة النوم، وفيها تحدث الأحلام، وتتسارع أمواج الدماغ الكهربية بمعدل 12 إلى 14 موجة/ ثانية. المرحلتان الثالثة والرابعة: وهما مرحلتا النوم العميق الهادئ،
أي نوم الأمنة والطمأنينة وتمثلان 20% من إجمالي فترة النوم، وفيهما تسترخي العضلات وتنتظم ضربات القلب وينخفض ضغط الدم، ويبطؤ التنفس وتسكن العينان. المرحلة الخامسة: مرحلة النوم العميق المصحوب بالأحلام
والحركة، وفيها يكون تخطيط الدماغ الكهربائي وحركة التنفس والدورة الدموية وحركات العين كما في حالة اليقظة وربما كانت وضعية نوم أهل الكهف على هذا النحو “والله تعالى أعلم” {وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود}
وتشكل هذه المرحلة 25% من إجمالي فترة النوم. ولكي يحصل للإنسان النفع المقصود بالنوم، فإنه يجب أن يمر بدورات النوم المذكورة حتى يستيقظ في قوة ونشاط كما يجب أن تكون أغلب فترة النوم ليلاً وليس نهاراً لأن
هذا من سنن الفطرة قال تعالى "وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً". حاجة الجسم وثمة اعتقاد شائع- خاطئ- أن الجسم يحتاج إلى ثماني ساعات نوم على الأقل. والحقيقة أن الحاجة إلى النوم يتفاوت مقدارها من
شخص إلى آخر وفقاً للظروف الصحية، فهناك أشخاص تكفيهم 6 ساعات نوم يومياً دون أن يلحقهم ضرر جراء ذلك، وهناك من الناس من يحتاجون من 9 إلى 10 ساعات يومياً. وقد أثر عن نابليون بونابرت أنه كان ينام 6 ساعات
فقط في اليوم. وأن هتلر كان ينام ربع ساعة فقط في اليوم على مكتبه. ويدعي أنصار نظرية «الحرمان الدائم من النوم» أن النوم لمدة9 ساعات لعدة ليال متتالية، يجعل الشخص يشعر بالتحسن، بيد أنه لا توجد دلائل
قطعية على صحة هذا الكلام. ومن المعلوم أن الطفل الرضيع يحتاج إلى فترة نوم يومياً أكبر من التي يحتاج إليها البالغون، فقد يحتاج الرضيع من 16 إلى 18 ساعة من النوم يومياً ثم تقل حاجته تدريجياً إلى النوم
إلى أن يصل عمره من 5 إلى 6 سنوات عندئذ تكفيه 8 إلى 9 ساعات نوم يومياً. وعندما يصل الشخص إلى عمر ما بعد الخمسين أو الستين، تبدأ الحاجة إلى النوم في الانخفاض، وهناك حقيقة يجب تأكيدها، وهي أن العبرة
ليست فقط بعدد ساعات النوم، بل بحالة النوم نفسها وما إذا كان النائم ينام نوماً هادئاً مستقراً أم لا. فمن الممكن أن يتحقق بالنوم لساعات قليلة «6 ساعات مثلاً» من راحة للجسم، ما لا يتحقق بنوم 9 إلى 10
ساعات. وفي هذا الشأن، أجرى البروفيسور جيم هورن- المشرف العام على مختبر بحوث النوم بجامعة لفبورو بالولايات المتحدة- دراسة على مجموعة أشخاص سمح لهم فيها بالنوم كما يشاءون بعد إطفاء الأنوار، وبلغت ساعات
نومهم 10 ساعات وعندما استيقظوا شعروا بأن فائدتهم قليلة من ذلك النوم، حيث إنهم احتاجوا في ليلتهم تلك إلى وقت أطول لكي يستغرقوا في النوم، وصحوا عدة مرات خلال الليل، ووجدوا أن الاستيقاظ في الصباح لم يكن
سهلاً. كذلك أجرى الباحث نفسه مؤخراً دراسة بمختبر بحوث النوم بجامعة لفبورو شملت 400 رجل وامرأة تتراوح أعمارهم ما بين 20 إلى 70 سنة ينامون في بيوتهم، وقد خلصت الدراسة إلى أن متوسط نوم النساء سبع ساعات
ونصف الساعة يومياً «أي بما يزيد ربع ساعة على الرجال» وأن نوم كبار السن أقل بنحو 45 دقيقة في الليل من نوم صغار البالغين. لأول وهلة قد تبدو فترات النوم هذه قصيرة، وهذا صحيح ولكن رغم أنها قصيرة إلا أنها
لا تشمل الوقت اللازم للاستغراق في النوم في الليل والاستيقاظ في الصباح. ويذكر البروفيسور جيم خورن أن فترة النوم فقط ليست هي المهمة إذ المهم هو اطراد النوم واستقراره، فأفضل النوم هو غير المتقطع. وعليه،
فإن 6 ساعات من هذا النوع من النوم أجدى نفعاً وأصح للبدن من 10 ساعات من النوم المضطرب. ومما يجدر ذكره أن الناس يتفاوتون في قدر ما يحتاجون إليه أيضاً بحسب طبيعة أعمالهم. فالجسم يحتاج إلى نوم أكثر عندما
يؤدي أعمالاً شاقة تستلزم منه بذل مجهود عضلي أو ذهني شاق، أو عندما يكون قد مر بتجربة عاطفية انفعل بها بشدة، كما تزداد الحاجة إلى النوم، عندما يكون الإنسان في مزاج مكتئب أو عندما يمر بظروف صعبة في
حياته «كرسوب في دراسته مثلاً» وتقل الحاجة إلى النوم عندما يكون الإنسان سعيداً ولا يوجد ما يعكر مزاجه، ويكون منغمساً في الأعمال التي يحبها. ومن العوامل المؤثرة في نوم الإنسان، حالته الصحية. فقد ثبت
علمياً أن الأطفال الذين يعانون سوء التغذية «Bad neutriton» والمصابين بأمراض متواضعة كالبلهارسيا والإنكلستوما والإسكارس، أكثر نوماً من الأطفال المتمتعين بتغذية جيدة ومعافين من تلك الأمراض. الأرق
أسبابه وكيفية التخلص منه: يمكن تعريف الأرق بأنه عجز الإنسان عن إشباع حاجته من النوم، وهو يشمل كل اضطراب في فترة النوم أو عمقه. ووجه الخطر في الأرق أنه يؤدي إلى تدهور الحالة النفسية للإنسان وإنهاك
قواه البدنية فتقل حيويته ونشاطه ودقته، وتبعاً لذلك تقل إنتاجيته أياً كانت طبيعة عمله. والأرق- حتى ولو كان مرحلياً- يولد بسرعة حالة عدم اكتفاء جسدي ونفسي. وإن دام، فإنه قد يتحول بسرعة إلى مشكلة كبيرة
يصعب حلها. ولا شك أن أحد عوامل تطاول أمد الأرق هو توهم المصابين به أن في الأرق خطراً على الصحة قد يؤدي بالعقل إلى الخبل، ومعلوم أن الهم يؤرق الإنسان، فإذا أدرك أنه مؤرق، تفاقم همه. وقد أشار إلى ذلك
أحد الأطباء البريطانيين بقوله «إن المصابين بالأرق تنتابهم مخاوف عظيمة حتى إنهم يأبون عرض أنفسهم على الطبيب خشية أن يؤيد مخاوفهم». وأسباب الأرق متعددة وإن كان أغلبها يعود إلى الخروج عن سنن الفطرة وسنن
الدين فيما يتعلق بتنظيم أوقات النوم وآدابه. وقد صار هذا الانحراف سمة من سمات هذا العصر الذي كثر فيه السهر إلى أوقات قد تمتد إلى الفجر، كما كثر فيه التلوث الضوضائي مع تنامي حركة التصنيع وكثرة أعداد
السيارات التي تجوب الشوارع، كما أن تلوث الهواء داخل المباني المغلقة«In door air pollution» هو أيضا من أسباب الأرق حيث يكون جو المنزل غير مناسب للنوم لما به من ملوثات فيزيائية أو عضوية أو كيميائية
ناجمة عن استخدام وسائل التدفئة والطهي والمكيفات والمكانس الكهربائية بالمنزل. ومن أسباب الأرق، حب الدنيا إلى حد الانشغال بها ليلاً ونهاراً، فالرغبة في الثراء وتحقيق المكانة الاجتماعية مما يطيل الأمل
لدى الإنسان ويحفزه على كثرة التفكير ويحد من قابليته للنوم، وإذا خسر شيئاً من أمر الدنيا هلع وجزع وأرق ربما لأكثر من ليلة. وبالمقارنة، فإن أجدادنا السابقين كانوا توكُّليين وقانعين باليسير من الرزق،
فنعموا بنوم هادئ مريح متوازن ومنسجم مع الفطرة وليس متصادماً معها. أما ا