النظام الرأسمالي الغربي.. أزمة تستدعي الإصلاح أو التغيير
مختار محمد بلول*
يحتاج النظام الرأسمالي إلى عملية جراحية تستأصل كثيراً من الأورام الخطيرة التي تهدد هذا النظام ليس بالانهيار فقط بل بإعلان عدم صلاحيته وموته، ولكن المشكلة الخطيرة التي يواجهها النظام الاقتصادي العالمي هي ما هو البديل؟ في ضوء عدم وجود نظام اقتصادي أفضل من النظام الرأسمالي لا سبيل سوى المطالبة باصلاح هذا النظام. فالمشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة الاميركية مشاكل خطيرة انعكست على الحرية والشفافية في مجال التطبيق المحاسبي والضريبي وطريق عمل سوق الأسهم والسندات وسيطرة الشركات العسكرية العملاقة على القرار السياسي وبالتالي على القرار الاقتصادي وظهور مشكلة الدين العام للدولة والذي فاق كل المحددات والحدود التي وضعها المحاسبون والاقتصاديون، وأصبحت كل دولة غربية محصورة بين الدين العام ومعدل النمو والازدهار الاقتصادي. وهناك مشكلة إفلاس الشركات العملاقة التي كانت تمثل رمزاً مميزاً للنظام الرأسمالي ووصل الأمر بالبنوك الغربية في الغرب واليابان أن بدأت تظهر عجزاً كبيراً في قدرتها على مواجهة طلبات ومتطلبات السيولة في الغرب، وقد ظهرت المشكلة بشكل واضح في البرازيل والأرجنتين اللتين كانتا في القرن العشرين الماضي تعتبران من أهم الدول الغربية الغنية ولكنهما تحولتا في القرن الواحد والعشرين إلى دول مهددة بالإفلاس والفقر.. لقد أصبحت مشكلة النظام الرأسمالي هي مشكلة العالم كله، فحتى اليوم يستمد النظام الاقتصادي الرأسمالي قوته من قوة الولايات المتحدة الاميركية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وليس بسبب قوة النظام الاقتصادي الغربي فحسب، فلو انهارت الولايات المتحدة الاميركية سياسياً فيعني ذلك انهيار النظام الاقتصادي الرأسمالي كما حدث بالفعل للنظام الاشتراكي عندما انهارت الشيوعية. فالنظام الرأسمالي يعتمد في قوته وبقائه واستمراره على النظام السياسي الديمقراطي الغربي في الولايات المتحدة الأميركية. ولهذا يجب أن نفصل بين النظام السياسي والنظام الاقتصادي، فإذا تم هذا الفصل عندها يمكن إنقاذ النظام الرأسمالي من خطر الانهيار والفشل، ولكن إذا استمر الربط بين النظام السياسي الغربي ومشاكله وبين النظام الاقتصادي الغربي فان قضية مواجهة مشاكل النظام الاقتصادي الرأسمالي تعني بالضرورة التأثر بالنتائج السلبية للنظام السياسي في الولايات المتحدة الاميركية، حيث تمارس الولايات المتحدة برامجها وخططها السياسية والاقتصادية بطريقة تختلف عما تطالب به دول العالم التي تتعامل معها. وكثيراً ما ترفض الولايات المتحدة كل ما يتعارض مع مصالحها السياسية والاقتصادية في تعاملها مع الغير. إن أزمة النظام الاقتصادي الرأسمالي الحر ليست ذاتية نابعة من النظام نفسه، وإنما أصبح النظام نفسه متأثراً بالنتائج السلبية وأخطاء النظام السياسي الغربي وما يرتكبه سياسيوه من أخطاء تحسب على النظام الاقتصادي، واهم ما تتخوف منه كثير من الدول وبالذات الدول ذات الاقتصاديات المضطربة والتي تعاني مشاكل عجز في الميزان التجاري وعجز في الميزانية الحكومية وزيادة مستوى الدين العام عن الحد المسموح به وزيادة أعباء وتكاليف خدمة الدين العام، وتفشي البطالة وزيادة حدة التضخم، ان هذه الدول تتخوف من انشغال الولايات المتحدة الاميركية بشؤون إعادة ترتيب بيتها من الداخل وتترك هذه الدول تواجه مصيرها لوحدها للخروج من مأزق مصيدة الرأسمالية ودول الرفاهية التي يتطلع إليها كل مواطن. لم تعد مشكلة النظام الرأسمالي مشكلة الولايات المتحدة الاميركية بل أصبحت مشكلة العالم بأسره والذي بدأ في البحث عن بديل، والبديل إما إعادة إصلاح النظام الاقتصادي الرأسمالي الغربي وتنظيفه من جميع الشوائب التي علقت به خلال فترة عمله من القرن التاسع عشر وحتى بداية القرن الواحد والعشرين، أو البحث عن نظام اقتصادي جديد يشمل جميع المزايا والايجابيات للنظام الرأسمالي القديم وإضافة مزايا وايجابيات جديدة أهمها ربط أسعار الفائدة بالإنتاجية في الدول المتقدمة وزيادة برامج إعادة تأهيل الاقتصاديات الفقيرة بما يمكنها من تقديم خدماتها للدول الصناعية الكبرى بطريقة عادلة تحقق للطرفين حقوقهما المشروعة في تبادل متكافئ بين المستورد والمصدر، وكذلك إعادة توزيع الدخل والثروات بين جميع دول العالم المشتركة في منظمة التجارة العالمية، والحد من تلوث البيئة وفرض رسوم إجبارية من اجل حماية البيئة على الدول المسببة للتلوث، وإعادة النظر في برامج المساعدات الدولية للدول الفقيرة وربطها بمعدلات الديون المرتفعة وخدمات الديون المتزايدة، وإلغاء هذه الديون القديمة ومنح هذه الدول قروضاً إنتاجية تساعدها على مواجهة أزماتها الاقتصادية.
إن العالم اليوم يواجه مشكلة عالمية تتمثل في إيجاد آلية اقتصادية جديدة تعيد التوازن للنظام الاقتصادي العالمي في جميع دول العالم بما يحقق العدالة في توزيع الثروة وترشيد استخدام الموارد الطبيعية والحد من تلوث البيئة وخطرها على الإنسان والحيوان والشجر، ومعالجة مشاكل الديون على الدول الفقيرة، وحل مشكلة التبعية الاقتصادية، وتحرير التبادل التجاري من جميع القيود مع إعطاء الدول الأقل تقدماً فرصة إعادة هيكلة الاقتصاد المحلي بما يمكنه من إعادة التشغيل واللحاق بركب مسيرة التبادل التجاري، ليقدم شيئاً ويحصل على أشياء أخرى، وبتكلفة اقل من اجل سد احتياجاته الأساسية. أن العالم اليوم أصبح كياناً واحداً لا بد من عملية اصلاح شاملة حتى يستفيد الجميع من الجميع من خلال التبادل التجاري بين دول العالم غنيها وفقيرها، وبين المتقدمين والمتأخرين. إن استمرار مسلسل الإفلاس وفضائح المشاكل الداخلية لكبرى الشركات الاميركية انعكس بظلاله على مصداقية النظام الرأسمالي في الغرب، وعلى الصمود أمام العاصفة التي هبت على أعمدة أركان النظام الرأسمالي الذي يعتمد على حرية وحدة القرار الاقتصادي الذي يستخدم نظام الأسعار عن طريق السوق للإجابة على ماذا، وكيف، وممن ينتج؟ ظهرت مشكلة المنظم أو المديرين التنفيذيين في إدارة الموارد في النظام الاقتصادي عن طريق تضخيم حجم الأرباح الورقية والمصدرة من اجل زيادة الأرباح الرأسمالية لقيمة السهم في السوق لخداع السوق بقيمة وهمية لا تعكس بأي حال من الأحوال الإنتاجية الفعلية للمنشأة الاقتصادية، ولهذا أصبح الاقتصادي الرأسمالي معرضاً للانهيار إذا استمر مسلسل الانهيارات للبنية الأساسية للنظام الرأسمالي مما يوجب سرعة البحث عن بديل ربما لن تستطيع وحدات القرار السياسي والاقتصادي في الغرب أن تدرك خطورة الموقف وستجد نفسها عاجزة عن وقف مسلسل انهيار البناء الاقتصادي للنظام الغربي، وقد يضطر الغرب إلى إعلان إفلاس النظام الرأسمالي برمته، وعلى الدول المتضررة أن تبحث عن التعويض في التخلي وفك الارتباط بهذا النظام المتداعي.
* اقتصادي سعودي
موضوع أحببت أن انقله لكم والغريب أنه كتب بسنة 2003 !!!!
المصدر