بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
هذا كتاب ماتع لفضيلة الشيخ العلامة صالح بن عبدالله الفوزان،
قال في مقدمته :
( فهذا كتاب في علم التوحيد، وقد راعيت فيه الاختصار مع سهولة العبارة، وقد اقتبسته من مصادر كثيرة من كتب أئمتنا الأعلام، ولا سيما كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب العلامة ابن القيم، وكتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه من أئمة هذه الدعوة المباركة، ومما لا شك فيه أن علم العقيدة الإسلامية هو العلم الأساسي الذي تجدر العناية به تعلمًا وتعليمًا وعملًا بموجبه؛ لتكون الأعمال صحيحة مقبولة عند الله نافعة للعاملين، وخصوصًا وأننا في زمان كثرت فيه التيارات المنحرفة؛ تيار الإلحاد، وتيار التصوف والرهبنة، وتيار القبورية الوثنية، وتيار البدع المخالفة للهدي النبوي، وكلها تيارات خطيرة ما لم يكن المسلم مسلحًا بسلاح العقيدة الصحيحة المرتكزة على الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة، فإنه حري أن تجرفه تلك التيارات المضلة؛ وهذا مما يستدعي العناية التامة بتعليم العقيدة الصحيحة لأبناء المسلمين من مصادرها الأصيلة. )
وسأقوم بنقل الكتاب على فترات ..
وبالله التوفيق …..
وفيك بارك اخوي
__________________
كتاب قيم
شكرا اخوي على الجهد الذي تقدمه من اجلنا .. وجزاك الله خير الجزاء 
الله يبارك فيك أخوي
ياريت الاعضاء يقرون الكتاب لانه فعلاً مهم ..
( 20 )
ثالثًا : الردُّ على من أَنْكَرَ الأسماءَ والصفاتِ، أو أنكر بعضها
الذين يُنكرون الأسماء والصفات ثلاثة أصناف :
1 ـ الجهمية : وهم أتباع الجهْمِ بن صفوان، وهؤلاء يُنكرون الأسماء والصفات جميعًا.
2 ـ المعتزلة : وهم أتباعُ واصل بن عطاء؛ الذي اعتزل مجلس الحسن البصري، وهؤلاء يُثبتون الأسماءَ على أنها ألفاظ مُجرَّدة عن المعاني، وينفون الصفات كلها.
3 ـ الأشاعرة : [هم أتباع مذهب أبي الحسن الأشعري ـ قبل رجوعه إلى مذهب أهل السنة ـ ولم يرجعوا عما رجع عنه، فانتسابهم إليه غير صحيح.]
والماتوريدية [هم أتباع أبي منصور الماتوريدي.] ومن تبعهم، وهؤلاء يثبتون الأسماءَ وبعضَ الصِّفات، وينفون بعضَها، والشُّبهة التي بنوا عليها جميعًا مذاهبهم :
هيَ الفرارُ من تشبيه الله بخلقه بزعمهم؛ لأن المخلوقين يُسَمَّون ببعضِ تلك الأسماء، ويوصفون بتلك الصفات، فيلزمُ من الاشتراك في لفظ الاسم والصفة ومعناهما: الاشتراك في حقيقتهما، وهذا يَلزمُ منه تشبيه المخلوق بالخالق في نظرهم، والتزموا حيال ذلك أحد أمرين:
أ ـ إما تأويلُ نصوص الأسماء والصفات عن ظاهرها، كتأويل الوجه بالذات، واليد بالنعمة.
ب ـ وإما تفويض معاني هذه النصوص إلى الله، فيقولون : الله أعلم بمراده منها؛ مع اعتقادهم أنها ليست على ظاهرها.
وأول من عُرفَ عنه إنكار الأسماء والصفات : بعضُ مشركي العرب، الذين أنزل الله فيهم قوله تعالى : { كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلوا عيهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن }. [الرعد : 30. ]
وسببُ نزول هذه الآية : أنَّ قريشًا لما سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يذكر الرحمن؛ أنكروا ذلك، فأنزل الله فيهم: { وهم يكفرون بالرحمن }. وذكر ابن جرير أن ذلك كان في صلح الحديبية؛ حين كتب الكاتبُ في قضية الصلح الذي جرى بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” بسم الله الرحمن الرحيم ” فقالت قريش: أما الرحمن فلا نَعرفهُ.
وروى ابنُ جرير أيضًا عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ساجدًا يقول : ” يا رحمن يا رحيم ” فقال المشركون : هذا يزَعمُ أنه يدعو واحدًا، وهو يدعو مثنى. فأنزل الله : { قل ادعوا الله أو أدعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى }. [الإسراء : 110. ]
وقال تعالى في سورة الفرقان : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن }. [الفرقان : 60. ]
فهؤلاء المشركون هُمْ سلف الجهمية، والمعتزلة والأشاعرة، وكل من نفى عن الله ما أثبتَهُ لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من أسماء الله وصفاته. وبئسَ السلف لِبئس الخلف.
والرد عليهم من وجوه :
الوجه الأول:
أن الله سبحانه وتعالى أثبتَ لنفسه الأسماءَ والصفاتِ، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، فنفيُها عن الله أو نفي بعضِها : نفيٌ لما أثبته الله ورسوله، وهذا محادة لله ورسوله.
الوجه الثاني :
أنه لا يلزم من وجود هذه الصفات في المخلوقين، أو من تسمي بعض المخلوقين بشيء من تلك الأسماء المشابهة بين الله وخلقه، فإن لله سبحانه أسماءً وصفات تخصه، وللمخلوقين أسماء وصفات تخصهمم، فكمَا أن لله سُبحانه وتعالى ذاتًا لا تشبه ذوات المخلوقين، فله أسماء وصفات لا تشبه أسماءَ المخلوقين وصفاتهم، والاشتراك في الاسم والمعنى العام لا يوجب الاشتراك في الحقيقة، فقد سَمَّى اللهُ نفسَهُ عليمًا، حليمًا، وسمَّى بعضَ عباده عليمًا، فقال : { وبشروه بغلام عليم } [الذاريات : 28.] يعني إسحاق، وسمى آخر حليمًا، فقال : { فبشرناه بغلم حليم } [الصافات : 101 ).] يعني إسماعيل، وليسَ العليم كالعليم، ولا الحليم كالحليم، وسمَّى نفسه فقال: { إن الله كان سميعًا بصيرًا } [النساء : 58.] وسمى بعض عباده سميعًا بصيرًا، فقال : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا } [الإنسان : 2. ]، وليس السميعُ كالسَّميعُ ولا البصيرُ كالبصيرُ.
وسمَّى نفسهُ بالرؤوف الرحيم فقال : { إن الله بالناس لرءوف رحيم } [الحج : 65. ]، وسمَّى بعضَ عباده رؤوفًا رحيمًا، فقالَ : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } [التوبة: 128. ]، وليس الرؤوف كالرؤوف، ولا الرحيمُ كالرَّحيم.
وكذلك وصف نفسَهُ بصفاتٍ، ووصَفَ عباده بنظير ذلك، مثل قوله : { ولا يحيطون بشيء من علمه } [البقرة : 255.] فوصف نفسَهُ بالعلم، ووصف عباده بالعلم، فقال : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } [الإسراء : 85. ]، وقال : { وفوق كل ذي علم عليم } [يوسف : 76. ]، وقال : { وقال الذين أوتوا العلم } [القصص : 80. ]، ووصف نفسه بالقوة فقال : { إن الله لقوي عزيز } [الحج : 40.] { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } [الذاريات: 58. ]، ووصف عبادهُ بالقوة فقال : { الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } [الروم : 54. ]، إلى غير ذلك.
ومعلومٌ أن أسماء الله وصفاته تخصه وتليق به، وأسماء المخلوقين تخصهم وتليق بهم، ولا يلزمُ من الاشتراك في الاسم والمعنى الاشتراك في الحقيقة؛ وذلك لعدم التماثل بين المُسَمَّميين والموصوفين، وهذا ظاهر، والحمد لله.
الوجه الثالث :
أنَّ الذي ليس له صفات كمال، لا يصلح أن يكون إلهًا؛ ولهذا قال إبراهيم لأبيه : { لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر }. [مريم : 42. ]
وقال تعالى في الرد على الذين عبدوا العجل : { ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلًا }. [الأعراف : 148. ]
الوجه الرابع :
أنَّ إثبات الصفات كمالٌ، ونفيها نقصلى الله عليه وسلم، فالذي ليس له صفات، إما معدومٌ وإما ناقص، والله تعالى مُنزه عن ذلك.
الوجه الخامس :
أنَّ تأويلَ الصّفاتِ عن ظاهرها لا دليلَ عليه، فهو باطلٌ، وتفويض معناها ؟ يلزم منه أن الله خاطبنا في القُرآنِ بما لا نفهم معناه، مع أنه أَمرنا أن ندعوه بأسمائه، فكيفَ ندعوه بما لا نفهم معناه ؟ وأمرَنا بتدبر القرآن كله، فكيفَ يأمرنا بتدبر ما لا يُفهم معناه ؟
فتبين من هذا أنه لا بد من إثبات أسماء الله وصفاته على الوجه اللائق بالله، مع نفي مشابهة المخلوقين، كما قال تعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }. [الشورى : 11. ]
فنفى عن نفسه مُماثلة الأشياء، وأثبت له السمع والبصر، فدل على أن إثبات الصفات لا يلزم منه التشبيه، وعلى وجوب إثبات الصفات مع نفي المشابهة، وهذا معنى قول أهل السنة والجماعة في النفي والإثبات في الأسماء والصفات : إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل.
يتبع >>>
و إياك أخي الكريم
__________________