بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
هذا كتاب ماتع لفضيلة الشيخ العلامة صالح بن عبدالله الفوزان،
قال في مقدمته :
( فهذا كتاب في علم التوحيد، وقد راعيت فيه الاختصار مع سهولة العبارة، وقد اقتبسته من مصادر كثيرة من كتب أئمتنا الأعلام، ولا سيما كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب العلامة ابن القيم، وكتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه من أئمة هذه الدعوة المباركة، ومما لا شك فيه أن علم العقيدة الإسلامية هو العلم الأساسي الذي تجدر العناية به تعلمًا وتعليمًا وعملًا بموجبه؛ لتكون الأعمال صحيحة مقبولة عند الله نافعة للعاملين، وخصوصًا وأننا في زمان كثرت فيه التيارات المنحرفة؛ تيار الإلحاد، وتيار التصوف والرهبنة، وتيار القبورية الوثنية، وتيار البدع المخالفة للهدي النبوي، وكلها تيارات خطيرة ما لم يكن المسلم مسلحًا بسلاح العقيدة الصحيحة المرتكزة على الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة، فإنه حري أن تجرفه تلك التيارات المضلة؛ وهذا مما يستدعي العناية التامة بتعليم العقيدة الصحيحة لأبناء المسلمين من مصادرها الأصيلة. )
وسأقوم بنقل الكتاب على فترات ..
وبالله التوفيق …..
جزاك الله خير
( 19 )
ثانيًا: منهجُ أهل السنَّة والجماعة في أسماء الله وصفاته
منهجُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة؛ من السلف الصالح وأتباعهم : إثباتُ أسماءِ الله وصفاته، كما وردت في الكتاب والسنة، وينبني منهجهم على القواعد التالية:
1 ـ أنهم يُثبتون أسماء الله وصفاته؛ كما وردت في الكتاب والسنة على ظاهرها، وما تدل عليه ألفاظها من المعاني، ولا يؤولونها عن ظاهرها، ولا يُحرفون ألفاظها ودلالتها عن مواضعها.
2 ـ ينفون عنها مشابهة صفات المخلوقين، كما قال تعالى: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } [الشورى: 11. ]
3 ـ لا يتجاوزون ما ورد في الكتاب والسنة؛ في إثبات أسماء الله وصفاته، فما أثبته الله ورسوله من ذلك أثبتوه، وما نفاهُ الله ورسولُه نفوه، وما سَكتَ عنه الله ورسوله سكَتُوا عنه.
4 ـ يَعتقدون أنَّ نصوص الأسماءِ والصفات من المحكم الذي يُفهم مَعناه ويُفسَّر، وليستْ من المتشابه؛ فلا يُفوِّضون معناها، كما يَنسبُ ذلك إليهم مَن كَذَبَ عليهم، أو لم يعرف منهجهم من بعض المؤلفين والكتاب المعاصرين.
5 ـ يُفوّضونَ كيفية الصفات إلى الله تعالى، ولا يبحثون عنها.
يتبـــــع >>>
( 18 )
أولًا: الأدلة من الكتاب والسنة والعقل على ثبوت الأسماء والصفات
أ ـ الأدلة من الكتاب والسنة:
سبق أن ذكرنا أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: توحيدُ الرُّبوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وذكرنا جملة من الأَّدلة على النوعين الأولين: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية.
والآن نذكر الأدلة على النوع الثالث: وهو توحيد الأسماء والصفات.
فإليك شيئًا من أدلة الكتاب والسنة : فمن أدلة الكتاب : قوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون }. [الأعراف: 180. ]
أثبت الله سبحانه في هذه الآية لنفسه الأسماء، وأخبر أنَّها حُسنى.
وأمر بدعائه؛ بأن يُقال : يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا حي يا قيوم، يا رب العالمين.
وتوعد الذين يُلحدون في أسمائه؛ بمعنى أنهم يميلون بها عن الحق؛ إما بنفيها عن الله، أو تأويلها بغير معناها الصحيح، أو غير ذلك من أنواع الإِلحاد. توعدهم بأنه سَيُجازيهم بعملهم السيء.
وقال تعالى : { الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى } [طه: 8. ]، { هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم (22) هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهمين العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون (23) هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم (24) }. [الحشر: 22 ـ 24. ]
فدلّت هذه الآيات على إثبات الأسماء لله.
2 ـ ومن الأدلة على ثبوت أسماء الله من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم : ما رواه أبو هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة “. [متفق عليه.] وليست أسماءُ الله منحصرة في هذا العدد، بدليل ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ أسألُكَ بِكُلِّ اسمٍ هو لَكَ، سمَّيتَ به نفسك، أو أنزلتَهُ في كِتابكَ، أَو علَّمتهُ أحدًا من خَلْقك، أو استأثرت به في عِلم الغَيْب عِندك، أن تجعلَ القُرآن العظيمَ ربيعَ قلبي ” الحديث. [ رواه أحمد في المسند وصححه ابن حبان ـ وقد دل على عدم حصر أسماء الله في تسعة وتسعين. فيكون المراد بالحديث ـ والله أعلم ـ أن من تعلم هذه الأسماء التسعة والتسعين ودعا الله بها وعبده بها دخل الجنة ويكون ذلك خاصية لها. ]
وكل اسم من أسماء الله، فإنه يتضمن صفة من صفاته؛ فالعليمُ يدل على العلم، والحكيم يدل على الحكمة، والسَّميعُ البصير يدلان على السمع والبصر، وهكذا كلُّ اسم يدل على صفة من صفات الله تعالى، وقال تعالى : { قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2) لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد (4) }. [ سورة الإخلاص ]
عن أنس رضي الله عنه قال : كانَ رجلٌ من الأنصار يؤمهم في مسجد قُباء، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به؛ افتتح بـ ( قل هو الله أحد )، حتى يفرغ منها، ثم كان يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنعُ ذلك في كل ركعة، فكلَّمهُ أصحابهُ فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة، ثم لا ترى أنه تجزئك حتَّى تقرأ بالأُخرى! فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلتُ، وإن كرهتم تركتكم، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر. فقالَ : “ يا فُلانُ، ما يمنعُك أَن تفعلَ ما يأمرك به أصحابُك؟ وما حملَكَ على لُزوم هذه السُّورة في كل ركعة ؟ ” قال : إنِّي أُحبُّها، قال : ” حبُّكَ إياها أدْخَلَكَ الجنَّة “. [رواه البخاري في صحيحه. ]
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثَ رجلًا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختمُ بـ (قل هو الله أحد )، فلما رجعوا ذكروا ذلك للني صلى الله عليه وسلم فقال: ” سلوه: لأي شيء يفعلُ ذلك ؟ ” فسألوه، فقال : لأنها صفةُ الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ” أخبروه أن الله تعالى يحبه ” [رواه البخاري في صحيحه.] يعني أنها اشتملتْ على صفاتِ الرَّحمن.
وقد أخبرَ سبحانه أنَّ له وجهًا، قال { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام }. [الرحمن: 27. ]
وأن له يدين، فقال : { لما خلقت بيدي } ، { بل يداه مبسوطتان }. [المائدة: 64. ]
وأنه يرضى ويحب ويغضب ويسخط، إلى غير ذلك مما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم.
ب ـ وأما الدليل العقلي على ثبوت الأسماء والصفات التي دلَّ عليها الشرع فهو أن يُقال:
1 ـ هذه المخلوقات العظيمة على تنوعها، واختلافها، وانتظامها في أداء مصالحها، وسيرها في خططها المرسومة لها، تدل على عظمة الله وقُدرته، وعلمه وحكمته، وإرادته ومشيئته.
2 ـ الإنعام والإحسان، وكشف الضر، وتفريج الكربات؛ هذه الأشياء تدل على الرحمة والكرم والجود.
3 ـ والعقاب والانتقام من العصاة؛ يدلان على غضب الله عليهم وكراهيته لهم.
4 ـ وإكرامُ الطائعين وإثابتهم؛ يدلان على رضا الله عنهم ومحبته لهم.
يتبـــع >>>
( 17 )
3 ـ توحيد الأسماء والصفات
ويتضمن ما يلي :
أولًا : الأدلَّةُ من الكتاب والسنة والعقل على ثبوت الأسماء والصفات.
ثانيًا : منهج أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله وصفاته.
ثالثًا : الردُّ على من أنكر الأسماء والصفات، أو أنكر شيئًا منها.
يتبــــع >>>
( 16 )
الفصل السادس
في بيان ركائز العبودية الصحيحة
إن العبادة ترتكز على ثلاث ركائز هي : الحبُ والخوفُ والرجاء.
فالحب مع الذل، والخوف مع الرجاء، لا بد في العبادة من اجتماع هذه الأمور، قال تعالى في وصف عباده المؤمنين : { يحبهم ويحبونه } [المائدة: 54. ]، وقال تعالى: { والذين ءامنوا أشد حبا لله }. [البقرة: 165. ]
وقال في وصف رُسُله وأنبيائه : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين }. [الأنبياء: 90. ]
وقال بعض السلف: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري [أي: من الخوارج. ]، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن مُوحِّد. ذكر هذا شيخُ الإِسلام في رسالة (العبودية)
وقال أيضًا: ( فدينُ الله : عبادته وطاعته والخضوع له، والعبادة أصل معناها: الذل. يقال : طريقٌ مُعبَّدٌ، إذا كان مُذَلَّلًا قد وطئته الأقدام. لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل، ومعنى الحب، فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى، بغاية الحب له، ومن خضَعَ لإِنسان مع بغضه له لا يكون عابدًا له، ولو أحب شيئًا ولم يخضع له لم يكن عابدًا له، كما يُحبُّ الرجل ولده وصديقه، ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء، بل لا يستحق المحبة والخضوع التام إلا الله…) انتهى. [انظر: مجموعة التوحيد النجدية صلى الله عليه وسلم 549. ]
هذه ركائز العبودية التي تدور عليها، قال العلامة ابن القيم في النونية:
وعبادةُ الرحمن غايةُ حُبِّه ….. مع ذُلِّ عابده هُما قطبان
وعليهما فَلكُ العبادة دائرٌ ….. ما دار حتى قامتِ القُطبان
ومَدارهُ بالأمر أمرِ رَسوله ….. لا بالهوى والنفسِ والشيطانِ
شَبَّه ـ رحمَهُ اللهُ ـ دورانَ العبادة على المحبة والذل للمحبوب، وهو الله جلا وعلا؛ بدوران الفلك على قطبيه، وذكر أن دوران فلك العبادة بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وما شرعه، لا بالهوى، وما تأمر به النفس والشيطان، فليس ذلك من العبادة.
فما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يدير فلك العبادة، ولا تُديره البدع والخرافات والأهواء وتقليد الآباء.
يتبــــع >>>