بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
هذا كتاب ماتع لفضيلة الشيخ العلامة صالح بن عبدالله الفوزان،
قال في مقدمته :
( فهذا كتاب في علم التوحيد، وقد راعيت فيه الاختصار مع سهولة العبارة، وقد اقتبسته من مصادر كثيرة من كتب أئمتنا الأعلام، ولا سيما كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب العلامة ابن القيم، وكتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه من أئمة هذه الدعوة المباركة، ومما لا شك فيه أن علم العقيدة الإسلامية هو العلم الأساسي الذي تجدر العناية به تعلمًا وتعليمًا وعملًا بموجبه؛ لتكون الأعمال صحيحة مقبولة عند الله نافعة للعاملين، وخصوصًا وأننا في زمان كثرت فيه التيارات المنحرفة؛ تيار الإلحاد، وتيار التصوف والرهبنة، وتيار القبورية الوثنية، وتيار البدع المخالفة للهدي النبوي، وكلها تيارات خطيرة ما لم يكن المسلم مسلحًا بسلاح العقيدة الصحيحة المرتكزة على الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة، فإنه حري أن تجرفه تلك التيارات المضلة؛ وهذا مما يستدعي العناية التامة بتعليم العقيدة الصحيحة لأبناء المسلمين من مصادرها الأصيلة. )
وسأقوم بنقل الكتاب على فترات ..
وبالله التوفيق …..
( 15 )
الفصل الخامس
في بيان مفاهيمَ خاطئةٍ في تَحدِيد العِبادَة
العبادات توفيقية، بمعنى : أنه لا يشرع شيء منها إلا بدليل من الكتاب والسنة، وما لم يشرع يعتبر بدعة مردودة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد ” [متفق عليه.] أي مردود عليه عمله، لا يقبل منه، بل يأثم عليه؛ لأنه معصية وليس طاعة، ثم إن المنهج السليم في أداء العبادات المشروعة هو: الاعتدال بين التساهل والتكاسل؛ وبين التشدد والغلو. قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا }. [هو: 112. ]
فهذه الآية الكريمة فيها رسم لخطة المنهج السليم في فعل العبادات، وذلك بالاستقامة في فعلها على الطريق المعتدل؛ الذي ليس فيه إفراط ولا تفريط؛ حسب الشرع ( كما أمرت ) ثم أكد ذلك بقوله: ( ولا تطغوا ) والطغيان: مجاوزة الحد بالتشدد والتنطع، وهو الغلو. ولما علم صلى الله عليه وسلم بأن ثلاثة من أصحابه تقالوا في أعمالهم، حيث قال أحدهم : أنا أصول ولا أفطر، وقال الآخر: أنا أصلي ولا أرقد، وقال الثالث: أنا لا أتزوج النساء. قال صلى الله عليه وسلم: “ أما أنا فأصوم وأتزوج النساء، فمن رغب عن سُنَّتي فليس مني “. [الحديث متفق عليه. ]
وهناك الآن فئتان من الناس على طرفي نقيض في أمر العبادة.
الفئة الأولى: قَصَّرتْ في مفهوم العبادة وتساهلت في أدائها حتى عطلت كثيرًا من أنواعها، وقصرتها على أعمال محدودة، وشعائر قليلة تؤدي في المسجد فقط، ولا مجال للعبادة في البيت، ولا في المكتب، ولا في المتجر، ولا في الشارع، ولا في المعاملات، ولا في السياسة، ولا الحكم في المنازعات، ولا غير ذلك من شئون الحياة.
نعم للمسجد فضلٌ، ويجب أن تؤدي فيه الصلوات الخمس، ولكن العبادة تشمل كل حياة المسلم؛ داخل المسجد وخارجه.
والفئة الثانية: تشددت في تطبيق العبادات إلى حد التطرف، فرفعت المستحبات إلى مرتبة الواجبات، وحَرَّمتْ بعض المباحات، وحكمت بالتضليل أو التخطئة على من خالف منهجها، وخَطَّأَ مفاهيمها. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها.
يتبـــع >>>
( 14 )
الفصل الرابع
العبادةُ: مَعناها، شُمولها
1 ـ معنى العبادة:
أصل العبادة التذلل والخضوع.
وفي اشرع: لها تعاريف كثيرة، ومعناها واحد…
منها: أنَّ العبادة هي طاعة الله بامتثال ما أمرَ الله به على ألسنة رسله.
ومنها: أن العبادة، معناها: التذلُّل لله سبحانه فهي: غايةُ الذلِّ لله تعالى مع غاية حُبه، والتعريف الجامع لها هو أن العبادة : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه؛ من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
وهي منُقسمة على القلب واللسان والجوارح، فالخوف والرجاء، والمحبة والتوكل، والرغبة والرهبة: عبادة قلبية، والتسبيح والتهليل والتكبير، والحمد والشكر باللسان والقلب : عبادة لسانية قلبية.
والصلاة والزكاة والحج والجهاد : عبادة بدنية قلبية، إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي تجري على القلب واللسان والجوارح، وهي كثيرة.
والعبادةُ : هي التي خلق الله الخلق من أجلها، قال تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56) ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطمعون (57) إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين (58) }. [الذاريات: 56 ـ 58. ]
فأخبرَ سبحانه أن الحكمة من خلق الجن والإنس : هي قيامهم بعبادة الله، والله غنيُّ عن عبادتهم، وإنما هم المحتاجون إليها لفقرهم إلى الله تعالى، فيعبدونه على وفق شريعته، فمن أبى أن يعبد الله؛ فهو مستكبر. ومن عبده وعبد معه غيره؛ فهو مشرك. ومن عبده وحده بغير ما شرع؛ فهو مبتدع. ومن عبده وحده بما شرع فهو المؤمن الموحِّد.
2 ـ أنواع العبادة وشمولها:
العبادة لها أنواع كثيرة؛
فهي تشمل كل أنواع الطاعات الظاهرة على اللسان والجوراح،
والصادرة عن القلب؛ كالذكر والتسبيح والتهليل وتلاوة القرآن، والصلاة والزكاة والصيام، والحج، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الأقارب واليتامى والمساكين وابن السبيل،
وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، فهي شاملة لكل تصرفات المؤمن؛ إذا نوى بها القربة أو ما يعين عليها.
حتى العادات، إذا قصد بها التقَوِّي على الطاعات، كالنوم والأكل والشرب، والبيع والشراء وطلب الرزق والنكاح، فإن هذه العادات مع النية الصالحة تصيرُ عبادات؛ يثاب عليها، وليست العبادة قاصرة على الشعائر المعروفة.
يتبـــع >>>
( 13 )
الفصل الثالث
في التشريع
التشريع حق لله تعالى : والمراد بالتشريع: ما ينزِّلُه الله لعباده من المنهج الذي يسيرون عليه في العقائد والمعاملات وغيرها؛ ومن ذلك التحليل والتحريم، فليس لأحد أن يحل إلا ما أحله الله، ولا يحرم إلا ما حرم الله، قال تعالى: { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلل وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب } [النحل: 116. ]، وقال تعالى: { قل أرءيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل ءالله أذن لكم أم على الله تفترون }. [يونس: 59. ]
فقد نهى الله عن التحليل والتحريم: بدون دليل من الكتاب والسنة، وأخبر أن ذلك من الكذب على الله، كما أخبر سُبحانه أنَّ من أوجَبَ شيئًا أو حرَّمَ شيئًا من غير دليل؛ فقد جعل نفسه شريكًا لله فيما هو من خصائصه، وهو التشريع، قال تعالى: { أم لهم شركاؤا شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله }. [الشورى: 21. ]
ومن أطاع هذا المشرِّع من دون الله وهو يعلم بذلك ووافقه على فعله، فقد أشركه مع الله، قال تعالى: { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون }. [الأنعام: 121. ]
يعني: الذين يُحلون ما حرَّم الله من الميتات، مَن أطاعهم في ذلك فهو مشرك، كما أخبر سبحانه أن من أطاع الأحبار والرهبان في تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحله الله؛ فقد اتخذهم أربابًا منن دون الله، قال تعالى: { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدًا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون }. [التوبة: 312. ]
ولما سمع عديّ بنُ حاتم ـ رضي الله عنه ـ هذه الآية، قال : يا رسول الله، إنَّا لسنا نعبدهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “ أليسوا يُحلون ما حرَّم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه ؟ ” قال: بلى، قال: ” فتلك عبادتهم “. [الحديث رواه الترمذي. ]
قال الشيخُ عبد الرحمن بن حسن ـ رحمه الله ـ : ( وفي الحديث دليل على أنَّ طاعةَ الأحبار والرهبان في معصية الله؛ عبادة لهم من دون الله، ومن الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله؛ بقوله تعالى في آخر الآية: { وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدًا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون }. ونظير ذلك قوله تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون }. [الأنعام: 121. ]
وهذا وقع فيه كثيرٌ من النَّاس مع من قلدوهم؛ لعدم اعتبارهم الدليل إذا خالف المُقلَّدَ؛ وهو من هذا الشرك) انتهى.
فالتزام شرع الله، وترك شرع ما سواه، هو من مقتضى لا إله إلا الله، والله المستعان.
يتبـــع >>>
بارك الله فيك ورزقك الله التوحيد الخالص وجنبك الشرك وأهله
__________________
ما شاء الله عليك يا اخوي الفاضل
و
مشكور على هالمجهود الطيب وربي يجعله في ميزان حسناتك ان شاء الله
والله يعطيك العافية
تحياتي
اختكم
سهمي عالي