بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

هذا كتاب ماتع لفضيلة الشيخ العلامة صالح بن عبدالله الفوزان،

قال في مقدمته :

( فهذا كتاب في علم التوحيد، وقد راعيت فيه الاختصار مع سهولة العبارة، وقد اقتبسته من مصادر كثيرة من كتب أئمتنا الأعلام، ولا سيما كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب العلامة ابن القيم، وكتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه من أئمة هذه الدعوة المباركة، ومما لا شك فيه أن علم العقيدة الإسلامية هو العلم الأساسي الذي تجدر العناية به تعلمًا وتعليمًا وعملًا بموجبه؛ لتكون الأعمال صحيحة مقبولة عند الله نافعة للعاملين، وخصوصًا وأننا في زمان كثرت فيه التيارات المنحرفة؛ تيار الإلحاد، وتيار التصوف والرهبنة، وتيار القبورية الوثنية، وتيار البدع المخالفة للهدي النبوي، وكلها تيارات خطيرة ما لم يكن المسلم مسلحًا بسلاح العقيدة الصحيحة المرتكزة على الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة، فإنه حري أن تجرفه تلك التيارات المضلة؛ وهذا مما يستدعي العناية التامة بتعليم العقيدة الصحيحة لأبناء المسلمين من مصادرها الأصيلة‏.‏ )

وسأقوم بنقل الكتاب على فترات ..

وبالله التوفيق …..

49 thoughts on “عقيدة التوحيد

  1. ( 25 )

    الفصل الرابع

    النفاق : تعريفه، أنواعه

    أ ـ تعريفه :

    النفاق لغة : مصدر نافق، يُقال : نافق يُنافق نفاقًا ومنافقة، وهو مأخوذ من النافقاء : أحد مخارج اليربوع من جحره؛ فإنه إذا طلب من مخرج هرب إلى الآخر، وخرج منه، وقيل : هو من النفق وهو : السرب الذي يستتر فيه. [النهاية لابن الأثير (5/98) بمعناه. ]

    وأما النفاق في الشرع فمعناه : إظهارُ الإسلام والخير، وإبطانُ الكفر والشر؛ سمي بذلك لأنه يدخل في الشرع من باب، ويخرج منه من باب آخر، وعلى ذلك نبه الله تعالى بقوله : { إن المنافقين هم الفاسقون }. [التوبة: 67. ] أي : الخارجون من الشرع.

    وجعل الله المنافقين شرًا من الكافرين فقال : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار }. [النساء: 145. ]
    وقال تعالى : { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم } [النساء: 142. ]، { يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون (9) في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضًا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (10) }. [البقرة: 9، 10. ]

    ب ـ أنواع النفاق :

    النفاق نوعان :

    النوع الأول : النفاقُ الاعتقادي : وهو النفاق الأكبر الذي يُظهر صاحبه الإسلام، ويُبطن الكفر، وهذا النوع مخرج من الدين بالكلية، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار، وقد وصف الله أهله بصفات الشر كلها : من الكفر وعدم الإيمان، والاستهزاء بالدين وأهله، والسخرية منهم، والميل بالكلية إلى أعداء الدين؛ لمشاركتهم لهم في عدواة الإسلام. وهؤلاء موجودون في كل زمان، ولا سيما عندما تظهر قوة الإسلام ولا يستطيعون مقاومتَه في الظاهر، فإنهم يظهرون الدخول فيه؛ لأجل الكيد له ولأهله في الباطن؛ ولأجل أن يعيشوا مع المسلمين ويَأمنوا على دمائهم وأموالهم؛ فيظهر المنافق إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؛ وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله مكذب به، لا يؤمن بالله، ولا يؤمن بأن الله تكلم بكلام أنزله على بشر جعله رسولًا للناس يهديهم بإذنه، وينذرهم بأسه ويخوفهم عقابه، وقد هتك الله أستار هؤلاء المنافين، وكشف أسرارهم في القرآن الكريم، وجلى لعباده أمورهم؛ ليكونوا منها ومن أهلها على حذر. وذكر طوائف العالم الثلاث في أول البقرة: المؤمنين، والكفار، والمنافقين، فذكر في المؤمنين أربع آيات، وفي الكفار آيتين، وفي المنافقين ثلاث عشرة آية؛ لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم، وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله، فإن بلية الإسلام بهم شديدة جدًا، لأنهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته، وهم أعداؤه في الحقيقة، يخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم وإصلاح، وهو غاية الجهل والفساد. [من رسالة لابن القيم في بيان صفات المنافقين. ]

    وهذا النفاق ستة أنواع [مجموعة التوحيد النجدية صفحة (9 )]:

    1 ـ تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم.

    2 ـ تكذيب بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

    3 ـ بُغضُ الرسول صلى الله عليه وسلم.

    4 ـ بغضُ بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

    5 ـ المسرَّة بانخفاض دين الرسول صلى الله عليه وسلم.

    6 ـ الكراهية لانتصار دين الرسول صلى الله عليه وسلم.

    النوع الثاني : النفاق العملي : وهو عمل شيء من أعمال المنافقين؛ مع بقاء الإيمان في القلب، وهذا لا يُخرج من الملة، لكنه وسيلة إلى ذلك، وصاحبه يكونُ فيه إيمان ونفاق، وإذا كثر؛ صارَ بسببه منافقًا خالصًا، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : ” أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر “. [متفق عليه. ]

    فمن اجتمعت فيه هذه الخصال الأربع، فقد اجتمع فيه الشر، وخلصت فيه نعوت المنافقين، ومن كانت فيه واحدة منها صار فيه خصلة من النفاق، فإنه قد يجتمع في العبد خصال خير، وخصال شر، وخصال إيمان، وخصال كفر ونفاق، ويستحق من الثواب والعقاب بحسب ما قام به من موجبات ذلك.

    ومنه : التكاسل عن الصلاة مع الجماعة في المسجد؛ فإنه من صافت المنافقين، فالنفاق شر، وخطير جدًا، وكان الصحابة يتخوفون من الوقوع فيه، قال ابن أبي مليكة : ( أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ).

    الفرق بين النفاق الأكبر و النفاق الأصغر :

    1 ـ إن النفاق الأكبر يخرج من الملة، والنفاق الأصغر لا يخرج من الملة.

    2 ـ إن النفاق الأكبر : اختلاف السر والعلانية في الاعتقاد، والنفاق الأصغر : اختلاف السر والعلانية في الأعمال دون الاعتقاد.

    3 ـ إن النفاق الأكبر لا يصدر من مؤمن، وأما النفاق الأصغر فقد يصدر من المؤمن.

    4 ـ إن النفاق الأكبر في الغالب لا يتوب صاحبه، ولو تاب فقد اختلف في قبول توبته عند الحاكم. بخلاف النفاق الأصغر؛ فإن صاحبه قد يتوب إلى الله، فيتوب الله عليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية [انظر: كتاب الإيمان، صفحة 238 ] : ( وكثيرًا ما تعرض للمؤمن شعبة من شعب النفاق، ثم يتوبُ الله عليه، وقد يرد على قلبه بعض ما يوجب النفاق، ويدفعه الله عنه، والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان، وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره، كما قال الصحابة: يا رسول الله، إن أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخر من السماء إلى الأرض، أحب إليه من أن يتكلم به، فقال : “ ذلك صريح الإيمان ” [رواه أحمد ومسلم. ]. وفي رواية : ما يتعاظم أن يتكلم به، قال : “ الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة “، أي حصول هذا الوسواس، مع هذه الكراهة العظيمة، ودفعه عن القلب، هو من صريح الإيمان ) انتهى.

    وأما أهل النفاق الأكبر، فقال الله فيهم : { صم بكم عمي فهم لا يرجعون } [البقرة: 18. ]. أي : إلى الإسلام في الباطن، وقال تعالى فيهم : { أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون }. [التوبة: 126. ]

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وقد اختلف العلماءُ في قبول توبتهم في الظاهر؛ لكون ذلك لا يُعلم، إذ هم دائمًا يظهرون الإسلام ). [انظر: مجموع الفتاوى (28/434 ـ 435 ). ]

    يتبـــــع >>>

  2. ( 24 )

    الفصل الثالث

    الكفر: تعريفه ـ أنواعه

    أ ـ تعريفه :

    الكفر في اللغة : التغطية والستر، والكفر شرعًا : ضد الإيمان، فإن الكفر : عدم الإيمان بالله ورسله، سواء كان معه تكذيب، أو لم يكن معه تكذيب، بل مجرد شك وريب أو إعراض أو حسد، أو كبر أو اتباع لبعض الأهواء الصادة عن اتابع الرسالة. وإن كان المكذب أعظم كفرًا، وكذلك الجاحدُ والمكذِّب حسدًا؛ مع استيقان صدق الرسل. [مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (12/335 ). ]

    ب ـ أنواعه :

    الكفر نوعان :

    النوع الأول : كفر أكبر يخرج من الملة، وهو خمسة أقسام :

    القسم الأول : كفر التكذيب، والدليل : قوله تعالى : { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين }. [العنكبوت: 68. ]

    القسم الثاني : كفر الإباء والاستكبار مع التصديق، والدليل قوله تعالى : { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين }. [البقرة: 34. ]

    القسم الثالث : كفر الشك، وهو كفر الظن، والدليل قوله تعالى : { ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدًا (35) وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرًا منها منقلبًا (36) قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلًا (37) لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدًا (38) }. [الكهف: 35 ـ 38. ]

    القسم الرابع : كفرُ الإعراض، والدليل قوله تعالى : { والذين كفروا عما أنذروا معرضون }. [الأحقاف: 3. ]

    القسم الخامس : كفر النفاق، والدليل قوله تعالى: { ذلك بأنهم ءامنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون }. [المنافقين: 3. ]

    النوع الثاني: كفرٌ أصغرُ لا يُخرجُ من الملة، وهو الكُفرُ العملي، وهو الذنوب التي وردت تسميتها في الكتاب والسنة كفرًا، وهي لا تصل إلى حد الكفر الأكبر، مثل كفر النعمة المذكور في قوله تعالى : { وضرب الله مثلا قرية كانت ءامنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله }. [النحل: 112. ]
    ومثلُ قتال المسلم المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم : ” سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر “. [رواه البخاري ومسلم. ]
    وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ” لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض “. [رواه الشيخان. ]
    ومثل الحلف بغير الله، قال صلى الله عليه وسلم : ” من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك “. [رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم. ]
    فقد جعل القاتل من الذين آمنوا، وجعله أخا لولي القصاص فقال تعالى : { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان }. [البقرة: 178. ]
    والمرادُ : أخوة الدين، بلا ريب.
    وقال تعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما }. [الحجرات: 9. ]
    إلى قوله : { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم }. [الحجرات: 10. ]
    انتهى من شرح الطحاوية [صفحة (361) ط المكتب الإسلامي.] باختصار.

    وملخص الفروق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر :

    1 ـ أن الكفر الأكبر يخرج من الملة، ويحبط الأعمال، والكفر الأصغر لا يخرج من الملة ولا يحبط الأعمال، لكن ينقصها بحسبه، ويعرض صاحبها للوعيد.

    2 ـ أن الكفر الأكبر يخلد صاحبه في النار، والكفر الأصغر إذا دخل صاحبه النار، فإنه لا يخلد فيها؛ وقد يتوب الله على صاحبه، فلا يدخله النار أصلًا.

    3 ـ أن الكفر الأكبر يبيح الدم والمال، والكفر الأصغر لا يبيح الدم والمال.

    4 ـ أن الكفر الأكبر يوجب العداوة الخالصة بين صاحبه وبين المؤمنين، فلا يجوز للمؤمنين محبته وموالاته ولو كان أقرب قريب، وأما الكفر الأصغر فإنهُ لا يمنع الموالاة مطلقًا، بل صاحبه يُحَبُّ ويُوالى بقدر ما فيه من الإيمان، ويبغض ويُعادى بقدر ما فيه من العصيان.

    يتبـــع >>>

  3. موضوع رائع ومهم

    بارك الله فيك أخوي خليفه وفي موازين حسناتك

    وفيك بارك أخي

    مبارك لتوليك الاشراف على هذا القسم المهم

    أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرزقك العلم النافع والعمل الصالح وان ينفع بك المسلمين

    __________________

Comments are closed.