19 thoughts on “النقد وما أدراكم ما النقد يا عرب ……

  1. رواج التفكيكية في التجربة النقدية المعاصرة “عرض ونقد” ـــ د.بشير تاوريريت/ الجزائر

    ملخص:‏

    يقف القارئ في هذه الدراسة النقدية عند جل الكتابات النظرية والإجرائية التي اتّخذت من استراتيجية التفكيك دعامة منهجية في التأسيس لمقولات نقدية، تستهدف تقويض النص الأدبي من الداخل وخلخلة بنائه الهرمي لاستكشاف دلالاته الهاربة والمختفية تحت ستائر إشارته الغامضة والعائمة، حيث تحوّلت هذه الدراسة إلى مسح شامل مسّ بأصابعه الناعمة جل الإسهامات الغربية والعربية.‏

    وقد جرى التركيز في هذه الصفحات على كتابات: جاك دريدا ورولان بارث وبول ديمان وهارولد بلوم وهيلر وهارثمان. أما على صعيد النقد العربي المعاصر فقد احتفت هذه الدراسة بتجربة الناقد السعودي عبد الله محمد الغذامي والناقد الجزائري عبد الملك مرتاض ومن دون إغفال تجارب نقدية تفكيكية أخرى حظيت بأهمية أقل كتجربة بسام قطوس وعبد الله إبراهيم وآخرين. ولم تكن هذه الدراسة مجرّد عرض أو سرد ممل لتلك المحاولات، وإنما كانت محفوفة ومتوّجة بروح نقدية استهدفنا فيها تصريحات واعترافات أولئك النقاد بأزمة أو قصور المقاربة التفكيكية مشيرين في الوقت نفسه إلى بعض الاقتراحات الجديدة التي بإمكانها تخطي أزمة النقد التفكيكي والحلم بمستقبل نقدي واعد.‏

    1 ـ في كتابات النقاد الغربيين‏

    تمثل فرنسا المهد الأول للتفكيك، والذي انتقل إلى أمريكا عبر رحلة قادها دريدا الذي ألقى محاضراته في جامعة بيل وجونز هوبكنز، هذه الأخيرة التي شهدت ميلاد المؤتمر الأول للتفكيك عام 1966 لتسود بذلك التفكيكية الساحة النقدية الأمريكية في السبعينات، ويتأثّر بها العديد من المؤلفين والنقاد “لتهيمن بذلك أفكار دريدا على الساحة الأدبية وخاصة على النقاد الرومنسيين والناقمين على موجة النقد الجديد”(1) لاسيما أن الدراسات التفكيكية قد أعادت الشك في العملية النقدية لتعود إلى الذات الكانطية عودة نسبية وهذا لا يمنع وجود معارضين مثل التفكيك صدمة لهم.‏

    ويأتي الناقد الفرنسي (R.Barthes) رولان بارث في طليعة النقاد التفكيكيين وإن عرفت آراؤه تقلباً واضحاً على ضفاف مناهج عدة، وأفضل ما يمثل مرحلة بارث التفكيكية مقاله عن ـ موت المؤلف ـ عام 1968. وقد توجه في كتابه (الكتابة في الدرجة الصفر) سنة 1953 نحو فك أغلال الكلمة لتنطلق حرّة حتى تصل إلى درجة اللامعنى، وتناول في كتابه (S/Z) الذي صدر عام 1970 وهو عبارة عن دراسة لرواية قصيرة غير مشهورة وقد “قسمها إلى (561) وحدة قرائية وضمنها كتابه الذي بلغ 200 صفحة ونيف، وكان هذا الكتاب هو العمل الذي اشتهر به “بارث خارج فرنسا”(2).‏

    وتحدث في كتابه لذة النص (1973) “عن النص باعتباره تفكيكاً للأسماء وفيه فرق بين المتعة واللذة”(3). ومثل دريدا طالب الفلسفة “ذو الأصل الجزائري”(4) الجسر المتوهج بين المدرستين الفرنسية والأمريكية من خلال ذخيرة متميزة أخذت منها معظم الدراسات الحديثة التي تلت الاستراتيجية. وتليها مقالات نشرها عام 1967 رسمت ثلاثيته المشهورة “في الكتابة”، “تناول فيها الطريقة التي يعطي فيها من يكتبون عن اللغة ميزة للكلام على الكتابة، ويخص عمله بالعالمين دي سوسير وجون جاك روسو”(5) وكتابه ـ الكتابة والإختلاف ـ قسمه إلى قسمين، أدرج في جزئه الأول رسالة حول مفردة ومفهوم التفكيك ومقالة في اللغة أما قسمه الثاني احتوى خمس دراسات فكرية منها مسرح القسوة والقوة والدلالة ونهاية الكتاب وبداية الكتابة”(6) وفي عام 1972 نشر ثلاثة كتب أخرى وهي: حواشي الفلسفة ضمن عشر مقالات “أهمها الاختلاف Qusia et gramnier, La différance ” وتتناول بحث هايدغر عن ميتافيزيقيا الحضور.. وأخرى عن نظرية هيغل في الرمز وعن مكانة الإنسانية في كتابات هيدجر وغيرها”(7) ثم كتابه “الانتشار”، ضمّ بدوره ثلاث مقالات “طول كل منها 100 صفحة تناول التأثيرات اللغوية التي لا تخضع للتحديد الفكري ولا يمكن اختزالها إلى مفهوم واضح”(8) ثالث هذه الكتب هو كتاب “مواقف” يضم النصوص المكتوبة لثلاث مقابلات: المقابلة الأولى تعليق على أعمال دريدا عام (1967)، أما الثانية فقد تضمنت حديثاً موجزاً عن نظرية الرمز، ونقد دريدا لها في حين المقابلة الثالثة تضم شرحاً للتفكيكية حول مواضيع عديدة أخرى عن التاريخ والماركسية وجاك لاكارن”. كما كتب كتاباً آخر عنوانه “Clas” وله كتب عديدة.‏

    لقد خلفت كتابات دريدا تأثيراً واسعاً في الجامعات الأمريكية خاصة مجموعة نقاد بيل “Yale”، فمثلت كتابات بول دي مان ـ مناصر التفكيك الأول ـ الأرضية الصلبة التي انطلقت منها انتقادات النقاد الجدد خاصة من خلال كتابه “العمى والبصيرة” الذي صدر عام 1971 ويرى فيه دي مان “أن النقاد يصلون إلى البصيرة النقدية من خلال العمى النقدي(9).‏

    لقد مثلت الاختلافات بين النقاد الحاجز الذي يحيل بينهم وبين الوصول إلى الهدف وهو ما اصطلح عليه دي مان “بالتقابل الجدلي بين النص والمفسر”(10) ثم يفرق في كتابه هذا بين الفلسفة والأدب، حيث “تنظر الفلسفة للأدب على أنه خيال محض”(11). ويذهب في كتابه “أمثولات القراءة” 1979، إلى نمط بلاغي من التفكيك كان بدأه في كتابه الأول فالقراءة دائماً إساءة للقراءة بالضرورة؛ لأن المجاز Topes يتداخل حتماً بين النصوص النقدية والأدبية، والكتابة النقدية تتطابق أساساً مع المجاز الأدبي الذي نطلق عليه الأمثولة Allegory”(12).‏

    وكان هارولد بلوم
    مرافقاً للرومانسية مما جعل تأثره سريعاً بالتفكيك وكان كتابه الأول يخص أعمال شيللي (1959) بعنوان “صناعة الأسطورة عند شيللي”(13) وله كتاب “قلق التأثير” 1973 وقد تحدث فيه عن عقدة التوتر الناتجة عن السلف، أوضح أن الشاعر الغربي يمتلك الشجاعة بالاعتراف بتأخره إزاء التقاليد التي ورثها”(14).‏

    هذا وقد ألف كتاباً بعنوان “القبلانية والنقد” (والنصوص العبرانية التي تكشف المعاني الباطنة في العهد القديم) هي معنى القبلانية “يعتقد بلوم أن الصيغة التي وضعها إسحاق لوريا في القرن السادس عشر للصوفية القبلانية، هي نموذج مثالي للطريقة التي كان يراجع بها شعراء اللاهوت الشعراء السابقين في شعر ما بعد النهضة”(15).‏

    وكان كتابه الشعر والكبح عام 1976 يعني بشعر ما بعد الرومنسية، والكبح بالنسبة له بمثابة معاني التكرار أو البراءة الطبيعية المعتادة، وهنا يشير بلوم إلى ضرورة وجوب التعامل مع النص من خلال علاقته بالنصوص السابقة. وتحدث جيفري هارتمان “عن الفرق بين الكتابة النقدية الإبداعية ومجرد الكتابة النقدية في مقاله المفسر للتحليل الذاتي”(16) ويذهب إلى ما ينتهي إليه دريدا إلى أن “النصوص مختلفة دائماً بسبب التقاليد التي تحكمها والتخلص من هذه العقدة لا يكون إلا بدخول الناقد في قلب لب المعاني”(17) كانت هذه آراء هارتمان من خلال كتابه المتميز “قدر القراءة” 1975، وإن كان له كتاب سابق نشره عام 1970 عنونه بـ”ما وراء الشكلية” وكتابه الأخير نشره سنة 1980 تحت عنوان “النقد في البرية”.‏

    أما هيللر “ناقد مدرسة جنيف جعل من اللعب باللغة طريقة في التعامل مع التفكيك”(18) وركز على تفكيك القص خصوصاً من خلال كتابه “القص والتكرار” عام 1972″ الذي يضم سبع روايات بدأ بالبحث عن تشارلز ديكنز عام 1970 تحدث فيه عن نظرية جاكسون عن الاستعارة والكناية”(19). هذا هو المسار العام لشطحات النقاد التفكيكيين في الساحة النقدية الغربية صرحاً عظيماً، فكيف استقبل نقادنا العرب هذه الاستراتيجية؟.‏

    2 ـ في كتابات النقاد العرب:‏

    توجهت الحركة النقدية العربية في معظمها إلى استقبال المناهج الألسنية باختلافها فكان لهذه الأخيرة الصدى الواسع في نفوس المتتبعين للحركة الثقافية العربية على العموم. فتناولوها في كتاباتهم ولمعت أسماء عدّة في أوساطهم، ولعل رواج التفكيكية في التجربة النقدية العربية كان بسبب انتشار الترجمات العديدة لمؤلفات الرواد أمثال رولان بارث وجاك دريدا، وقد ساعد ذلك على انتشار التفكيك في الساحة النقدية العربية.‏

    ويجمع معظم الدارسين أن “أول دراسة تفكيكية تعود إلى سنة 1985″(20)، وهي محاولة عبد الله محمد الغذامي في كتابه “الخطيئة والتكفير” إذ تناول في قسمه الأول المناهج النقدية الألسنية وشاعرية النص ومصطلح تداخل النصوص وما إلى ذلك من المفاهيم في حين خصص قسمه الثاني لمقاربة قصيدة حمزة شحاتة والموال الحجازي(21).‏

    ويطالعنا عبد الله محمد الغذامي
    بكتاب ثان هو “تشريح النص” 1987 فقد جاء في أربعة فصول توزعت عليها المقاربة التشريحية التي قام بها الغذامي على بعض النصوص الشعرية لشعراء معاصرين، حيث خصص الفصل الأول لمطاردة الإشارات والرموز في نص شعري لأبي القاسم الشابي، إذ قام بقراءة سيميولوجية لقصيدة “إرادة الحياة”، وعنون الفصل الثاني “بالخطاب الشعري الجديد مقاربة تشريحية” أما الفصل الثالث فقد جعله سبب نصوصية النص، فكان هذا الفصل بعنوان “ماذا النقد الألسني”سؤال عن نصوصية النص، وكان الفصل الرابع من هذا الكتاب تحت عنوان “من الدخول إلى الخروج”، قراءة في قصيدة “الخروج” لصلاح عبد الصبور، وذلك لما فيها من الأساليب الفنية الراقية والأصيلة التي جعلتها حيّة وباقية لكل الأزمان(22).‏

    وفي عام 1994 صدر للغذامي كتاب بعنوان “القصيدة والنص المضاد” أعرب فيه عن أسباب تبنيه للتفكيك أو التشريح، والقراءة التشريحية تساعدنا عل سد أغوار النص الأدبي، إنها آلية لتوضيح حقيقة الكتابة لإبراز جمالية مدى صحتها، كما تبيّن أصالتها والإبداع فيها، من الانتحال والتقليد، تخرج النصوص الوافدة إلى نص معيّن لتبرز بذلك ثقافة القارئ وسعة اطلاعه على الكتابات الأخرى وفي هذا السياق يقول الغذامي: “وبما أننا نمارس القراءة والنقد من الداخل فهذا معناه أننا نتعمّق في أغوار هذا الداخل ونغوص فيه أكثر كي نزداد وعياً به وبأنفسنا فيه، وسنكون حينئذ طرفاً في محاورة مفتوحة تقوم على المعارضة والمناقضة، وتتخذ الحل والنقض والتشريح وسائل لفتح حلقات الدائرة والنفاذ من خلالها”(23).‏

    ولقد تخلل الكتاب مجموعة قيّمة من الأشعار الجاهلية والحداثية، وقف عليها الغذامي قراءة وتحليلاً مبيّناً طرائق خروجها عن دلالاتها المعجمية إلى آفاق أخرى من الدلالة حسب السياقات الواردة فيها، وحسب القراءات المختلفة لها وهذه من سمات القراءة التشريحية. كما تحدث أيضاً في غضون تحليلاته لهذه الأشعار عن بعض المعاني التي تبنتها استراتيجية التفكيك، مثل المختلف المضاد، الكامل الناقص، والحضور والغياب وهي في الحقيقة أسس لنظرية معتمدة في القراءة التشريحية والتي من خلالها يستطيع القارئ مطاردة المعاني والدلالات اللانهائية للنصوص المكتوبة، كونها تمثل صخور صماء كامنة على بنية تحتية من الدوال التي تحتمل ما لا نهاية من المدلولات والتأويلات. تلكم هي بعض الأعمال النقدية التي اعتنقت شيئاً من الملامح النظرية لاستراتيجية التفكيك في الساحة النقدية العربية.‏

    وإذا كان عبد الله محمد الغذامي هو أول من اقتفى خطوات التشريح في الساحة النقدية العربية، فإنه قد أدرك خطورة النهج التشريحي الدريدي، وهذا ما نستشفه من قوله: “… كل تشريح هو محاولة استكشاف وجود (..) ما لا حصر له من الدلالات المنفتحة أبداً، وهذه تشريحة تختلف عن تشريحة دريدا”(24). ويعلق الباحث يوسف وغليسي على منهج الغذاي فيقول: “وما يمكن أن نلاحظه على منهج الغذامي هو أنه منهج تركيبي (بنيوي، سيميائي، تفكيكي) يفيد من تفكيكية دريدا حيناً وبارث أحياناً، ولكنه يطعمها بروح نقدية خاصة…”(25). وهذا ما يعترف به الغذامي نفسه إذ يقول: “وأنا شخصياً في كتابي “الخطيئة والتكفير” أعتمد على التشريحية وهي مدرسة جديدة جاءت وأعقبت البنيوية، لكنني في عملي أقوم بمزج ما بين البنيوية والسيمولوجية والتشريحية مستعيناً في ذلك بالمفهومات العربية الموجودة عند ابن جني والجرجاني والقرطاجنّي”(26).‏

    ومهما يكن من أمر هذا المزج أو التركيب والتطعيم بروح نقدية خاصة، فإننا نأخذ على الغذامي هذا الخلط المنهجي، والتقوقع داخل الزمر المنهجية في تعددها، إذ نعتبر هذا التركيب بين مختلف الحقول المنهجية ـ في مقاربة نقدية واحدة ـ مظهراً من مظاهر قصور أحادية الحقل المنهجي الواحد، فلو كانت الأطر النظرية للمنهج الواحد كالتشريحية مثلاً تستند إلى تصور جمالي ومعرفي وقل إن شئت: إنساني ما كان هذا التقوقع والاضطراب والتداخل بين معالم هذه الموضات النقدية.‏

    لذلك نجد عبد الله الغذامي
    كتب ما يشبه الاعتراف بقصور آليات النقد الجديد وفي مقدمة ذلك البنيوية، حيث يقول “في الواقع أني لست بنيوياً، أنا أستخدم البنيوية ولكني من حيث التصنيف العلمي أنا ناقد ألسني (…) الشيء الوحيد الذي أنا ملتزم به هو مبدأ النقد الألسني (…) أنا أستخدم البنيوية في أوقات معينة، واستخدامي لها هو استخدام انتقائي، أنا استخدم بعض أدواتها وأرفض أدوات أخرى منها، مثلما أني أستخدم بعض أدوات السيميولوجيا وبعض أدوات التشريحية، وبعض أدوات الأسلوبية”(27).‏

    إن مسالة الوعي بخطورة أحادية المنهج في العمليات الإجرائية، لا يعدو أن يكون اعترافاً ضمنياً بإجهاض أدوات هذه الموضات النقدية بنيوية كانت أو سيميائية أو أسلوبية أو تفكيكية (تشريحية)، والانتقاد الذي يدّعيه عبد الله الغذامي لا يجدي نفعاً أمام إجهاض المدار “المفهوم الذي تشغله هذه الموضات” وما مسارعة الناقد وتصريحاته بالانتماء إلى مظلة النقد الألسني إلا دلائل عن قصور مدارات هذه الاتجاهات النقدية الاحترافية.‏

    ويطلق عبد الملك مرتاض مصطلحاً آخر يراه رديفاً للتفكيك، هذا المصطلح هو التقويض “وهو يتناسب مع الاستعارة التي يستخدمها دريدا في وصفه للفكر الماورائي الغربي إذ يصفه باستمرار بأنه (صرح) أو معمار يجب تقويضه”(28)، إلا أنه لم يتخذ مصطلحه هذا عنواناً واكتفى بتقليد جل الدراسات العربية في جمعه بين الدراسات التفكيكية والسيميائية مثلما هي الحال في كتابه “دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة أين ليلاي” لمحمد العيد آل خليفة و”تحليل الخطاب السردي معالجة تفكيكية سيميائية مركبة لرواية زقاق المدق “دراسة سيميائية تفكيكية لحكاية حمال بغداد”، الصادر عام 1989 الوارد في قصص ألف ليلة وليلة.‏

    وقد ركز دراسته الأولى على الخطاب الشعري مقسماً كتابه إلى: ستة فصول درس في الفصل الأول بنية القصيدة لدى محمد العيد آل خليفة وفي الفصل الثاني تعرض إلى طبيعة البنية أما فصله الثالث سماه في “مخاض النص” في حين تناول في الفصل الرابع الحيّز الشعري وفي الفصل الخامس: الرمز الشعري وأخيراً التركيب الإيقاعي”(29). هذا وقد ألف عبد الملك مرتاض كتاباً بعنوان “بنية الخطاب الشعري دراسة تشريحية لقصيدة أشجان يمانية” 1986 استهلّ هذا الكتاب: “بتمهيد حول نظرية الشعر عند الجاحظ ثم تطرق في فصله الثاني لدراسة الصورة الشعرية وعالج في الفصل الثالث الحيّز الأدبي وفي الرابع الزمن، أما فصله الخامس فكان مخصصاً لدراسة الصوت والإيقاع في قصيدة المقالح، مقفياً هذا الكتاب بدراسة المعجم الفني للقصيدة”(30).‏

    وقد زاوج عبد الملك مرتاض بين السيميائية والتفكيك، في مقاربته لنص “زقاق المدق” لنجيب محفوظ، حيث تساءل في هذه الدراسة عن “التحليل الروائي (…) بأي منهج”(31)، وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على حيرة الناقد من هذه الفوضى النقد منهجية في حلها وترحالها، وتسابقها بهدف الوصول إلى السواحل الجمالية لعالم النص الأدبي، عالم معقد ومتشابك، متغيّر ومتشعب اجتمعت فيه مؤثرات نفسية واجتماعية وفكرية ولغوية، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، هل هناك منهج واحد قادر على استيعاب عالم النص؟ أم أنه يجب أن تتضافر وتتحد عدّة مناهج حتى يتمكن الدارس من الدخول إلى هذا العالم السحري وكشف طلاسمه؟.‏

    ولعلّ هذه التساؤلات الحائرة هي التي جعلت عبد الملك مرتاض يسارع إلى تخطي مثل هذه الإشكالات محاولاً استحداث منهج مركب يمكّنه من مقاربة مثل هذه النصوص، وقد تمحورت معالجته الإجرائية لرواية “زقاق المدق” في قسمين بارزين، تناول في القسم الأول، البنى السردية في زقاق المدق على ثلاثة فصول، درس في الفصل الأول البنية الطبقية القهرية، وفي الفصل الثاني درس البنية المعتقداتية فيما تعرض إلى البنية الشبقية في الفصل الثالث، هذا وقد خصص القسم الثاني للتقنيات السردية التي تمّت بها الرواية، وتفرعت على هذا القسم أربعة فصول، درس في الفصل الأول بناء الشخصيات الروائية ووظائفها في الرواية، ودرس في الفصل الثاني تقنيات السرد في زقاق المدق، وخصص الفصل الثالث لدراسة الزمان في الرواية، وقد تعرض في الفصل الرابع إلى خصائص الخطاب السردي لهذا النص الروائي(32).‏

    وتوالت الدراسات التطبيقية فيما بعد لدى نقاد آخرين أمثال بسام قطوس في حين خصّ الكثير من النقاد كتاباتهم للناحية النظرية، فكان عملهم مجرّد تعريف للتفكيكية لأنه كان ينقصهم الجانب الإجرائي الذي يدعم الأعمال النقدية ومن هؤلاء: عبد العزيز حمودة الذي تحامل في كتابه “المرايا المحدّبة من البنيوية إلى التفكيك، والمرايا المقعّرة نحو نظرية نقدية عربية” على كل النقاد العرب الذي أسهموا في المناهج النصانية حسب رأيه ـ أنهم استعاروا هذه المناهج من النقد الغربي الذي يختلف في كل شيء عن الحياة العربية بل ويعاكسها ـ وحاولوا تطبيقها كما هي على النصوص العربية الناشئة في بيئة عربية، فأدى بهم ذلك إلى الفشل الذريع ـ حسب رأيه ـ وقد أعطى نوعاً من البديل في كتابه الثاني “المرايا المقعرة”، بالرجوع إلى- تنظيرات العرب القدامى وآرائهم اللغوية والأدبية.‏

    أيضاً نجد عبد الله إبراهيم
    وآخرين كتبوا كتاباً بعنوان “في معرفة الآخر، مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة” حيث حاول هؤلاء تقديم المناهج وما جاءت به في شكل مبسط، وقد أماطوا اللثام في واحد من مباحثهم عن التفكيك، هذا ناهيك عن الكتابات الأخرى التي اختفت تحت مظلة ما بعد الحداثة، كلها تدخل في باب التفكيك. وما التظافر بين السيمياء والتفكيك سوى مبرر من مبررات أزمة جدل هذين الاتجاهين في عجزهما عن مقاربة البقاع الجمالية لعالم النص المعاصر والحداثي على حد سواء. والواقع أن هذه الدراسات التفكيكية لا تزال في مهدها الأول، لأنها اكتفت برصد تلك الملامح النظرية في أطرها الغربية، ولم تنفذ إلى الجانب الجمالي للنص الأدبي.‏

    هوامش الدراسة:‏

    1 ـ رامان سيلدن: النظرية الأدبية المعاصرة، ترجمة سعيد الغانمي، دار فارس للنشر والتوزيع، المغرب، ط1، 1996، ص141.‏

    2 ـ ينظر: جون ستروك، البنيوية وما بعدها، من ليفي شتراوس إلى دريدا، ترجمة محمد عصفور، المجلس الوطني للفنون والآداب، الكويت، ط1، 1996، ص103.‏

    3 ـ المرجع نفسه، ص100.‏

    4 ـ المرجع نفسه، ص236.‏

    5 ـ المرجع نفسه، ص211.‏

    6 ـ المرجع نفسه، (فهرس الكتاب).‏

    7 ـ المرجع نفسه، ص213.‏

    8 ـ المرجع نفسه، ص214.‏

    9 ـ رامان سيلدن: النظرية الأدبية المعاصرة، ص142.‏

    10 ـ كريستوفر نورس: التفكيكية بين النظرية والتطبيق، ترجمة رعد عبد الجليل جواد، دار الحوار للنشر والتوزيع، سوريا، ط1، 1992، ص29.‏

    11 ـ رامان سيلدن: النظرية الأدبية المعاصرة، ص142.‏

    12 ـ المرجع نفسه، ص144.‏

    13 ـ كريستوفر نورس: التفكيكية بين النظرية والتطبيق، ص120.‏

    14 ـ المرجع نفسه، ص121.‏

    15 ـ رامان سيلدن: النظرية الأدبية المعاصرة، ص146.‏

    16 ـ كريستوفر نورس: التفكيكية بين النظرية والتطبيق، ص98.‏

    17 ـ المرجع نفسه، ص99.‏

    18 ـ ينظر: رامان سيلدن: النظرية الأدبية المعاصرة، ص148.‏

    19 ـ كريستوفر نورس: التفكيكية بين النظرية والتطبيق، ص110.‏

    20 ـ ينظر: يوسف وغليسي: التفكيكية في الخطاب النقدي المعاصر، مجلة القوافل السعودية، مج5، ع7، 1997، ص62.‏

    21 ـ ينظر: عبد الله محمد الغذامي: الخطيئة والتكفير من البنتوية إلى التشريحية، قراءة للأنموذج إنساني معاصر، مقدمة نظرية ودراسة تطبيقية، النادي الأدبي الثقافي بجدة، السعودية، ط1، 1985، فهرس الكتاب.‏

    22 ـ عبد الله محمد الغذامي: تشريح النص: مقاربات تشريحية لنصوص شعرية معاصرة، دار الطليعة، بيروت، لبنان، ط1، 1987، فهرس الكتاب.‏

    23 ـ عبد الله محمد الغذامي: القصيدة والنص المضاد، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، ط1، 1994، ص81.‏

    24 ـ عبد الله محمد الغذامي: الخطيئة والتكفير، ص86.‏

    25 ـ يوسف وغليسي: إشكاليات المنهج والمصطلح في تجربة عبد الملك مرتاض النقدية (رسالة ماجستير)، معهد اللغة والأدب العربي، جامعة منتوري، قسنطينة، 1996، ص49.‏

    26 ـ من حوار مع عبد الله محمد الغذامي، أجراه جهاد فاضل ضمن كتاب: أسئلة النقد، حوارات مع النقاد، الدار العربية للكتاب، ط1، 1994، ص208.‏

    27 ـ عبد الله محمد الغذامي: تشريح النص، ص72.‏

    28 ـ ينظر: يوسف وغليسي: التفكيكية في الخطاب النقدي المعاصر، مجلة القوافل، ص62.‏

    29 ـ ينظر: عبد الملك مرتاض: دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة أين ليلاي، لمحمد العيد آل خليفة، ديوان المطبوعات الجماعية، الجزائر، ط1، 1992، فهرس الكتاب.‏

    30 ـ ينظر: عبد الملك مرتاض: مقدمة بنية الخطاب الشعري، دراسة تشريحية لقصيدة “أشجان يمانية” ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط2، 1991.‏

    31- عبد الملك مرتاض: تحليل الخطاب السردي، معالجة تفكيكية سيميائية مركبة لرواية “زقاق المدق”، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط1، 1995، ص3.‏

    32 ـ المرجع نفسه، (فهرس الكتاب).‏

  2. السيميولوجيا.. السيموتيك (السيميوطيقا) السيميائية
    بقلم: د. رضوان قضماني

    مسميات معرّبة ثلاثة لعلم واحد، هو علم عن الخصائص العامة لمنظومات العلامات (جاء من اليونانية، Semeiotikon من Semeion = علامة).

    وهو علم يدرس العلامة ومنظوماتها (أي اللغات الطبيعية والاصطناعية)، ويدرس أيضاً الخصائص التي تمتاز بها علاقة العلامة بمدلولها. وهذا يعني أن السيميائية ـ وهو الاصطلاح الذي سنعتمده من بين التسميات الثلاث السالفة ـ تدرس علاقات العلامات والقواعد التي تربطها أيضاً (ويمكن أن يندرج تحت هذا الفهم علم الجبر والمنطق والعروض..). وكان لايبنتز يرى أن لكل العلوم أصولاً جوهرية مشتركة، وعندما يتمكن الإنسان من تشكيل علامات تدل على هذه الأصول يكون بذلك قد أتم موسوعة العلوم. وقد استعان لايبنتز بالرياضيات والجبر اللذين كشفا له عن دور العلامات في المنهج العلمي. وكان الفيلسوف الفرنسي إيتيان ده كوندياك (1715 ـ 1780) ينظر إلى الجبر ولغته الرمزية بوصفه النموذج الأعظم، ولكن كوندياك لم يخضع كل العلوم للغة واحدة كمافعل لايبنتز، وإنما كان يعتقد أن لكل علم لغته، وإن كان لجميعها منهج واحد في التحليل. وقام تشارلز سوندرز بيرس (1839 ـ 1914) بنقل الاهتمام بالمنهج الكلي ودور الجبر المميز في تشكيله إلى مجال المعاني، فقد كان بيرس موسوعياً، إذ كان رياضياً وفلكياً وكيميائياً ومولعاً باللغة والأدب. وتتكون الدلالة في فلسفة بيرس عبر معلومات أمبريقية (تجريبية) وقواعد تشكيلية.

    ثم جاء بعده فرديناد ده سوسير (1857 ـ 1914)، وكان متخصصاً في علم اللغات المقارن، واهتم بالعلامة من منطلق لغوي، ودعا إلى ما سماه بعلم السيميولوجيا، أو علم منظومات العلامات. وهكذا تطورت السيميائية في القرن العشرين وأصبحت حقلاً معرفياً مستقلاً.
    تسعى السيميائية إلى تحويل العلوم الإنسانية (خصوصاً اللغة والأدب والفن) من مجرد تأملات وانطباعات إلى علوم بالمعنى الدقيق للكلمة، ويتم لها ذلك عند التوصل إلى مستوى من التجريد يسهل معه تصنيف مادة الظاهرة ووصفها، من خلال أنساق من العلاقات تكشف عن الأبنية العميقة التي تنطوي عليها، ويمكنها هذا التجريد من استخلاص القوانين التي تتحكم في هذه المادة.
    العلامة هي الاصطلاح المركزي في السيميائية. وتُعنى السيميائية بالعلامة على مستوييين. المستوى الأول أنطولوجي، أي يعني بماهية العلامة، أي بوجودها وطبيعتها وعلاقتها بالموجودات الأخرى التي تشبهها والتي تختلف عنها. أما المستوى الثاني فهو مستوى تداولي (براغماتي)، يعنى بفاعلية العلامة وبتوظيفها في الحياة العملية. ومن منطلق هذا التقسيم نجد أن السيميائية اتجهت اتجاهين لا يناقض أحدهما الآخر، الاتجاه الأول يحاول تحديد ماهية العلامة ودرس مقوماتها، وقد مهد لهذا المنحى تشارلز بيرس، أما الاتجاه الثاني فيركز على توظيف العلامة في عملية التواصل ونقل المعلومات، وقد اعتمد هذا الاتجاه على مقولات فرديناند ده سوسير.

    تدرس السيميائية ـ وفقاً لـ (بيرس) العلامة ومنظومة العلامات (أي مجموعة العلامات التي انتظمت انتظاماً محدداً) وفقاً لأبعاد ثلاثة:

    1ـ بعد نظمي سياقي تركيبي يدرس الخصائص الداخلية في منظومة العلامات من دون أن ينظر في تفسيرها، أي ينظر في بنية العلامات داخل المنظومة).

    2ـ بعد دلالي يدرس علاقة العلامات بمدلولاتها (أي يدرس محتوى العلامات) والعلاقة القائمة بين العلامة وتفسيرها وتأويلها من دون النظر إلى من يتداولها.

    3ـ بعد تداولي (براغماتي) يدرس الصلة بين العلامة ومن يتداولها ويحدد قيمة هذه العلامة من خلال مصلحة من يتداولها.

    وهكذا نجد أن كلاً من البعد الدلالي والسياقي ذو صلة بحيز محدد من المسائل السيميائية، أما البعد التداولي فهو ذو صلة بدراسة المسائل السيميائية التي تحتاجها علوم بعينها (مثل سيكولوجيا اللغة، وعلم النفس الاجتماعي).

    ويقوم البعد السياقي بتشكيل نظرية تحدد علاقات تركيبية وفرضيات، أي يقوم بالكشف عن العلاقات التي تربط بين النص بوصفه نسقاً في منظومة، وبين غيره من المنظومات، من خلال تصور عامٍ مجرد للبنى الكامنة في النص ثم تطبيق هذا التصوُّر على مجموع النصوص انطلاقاً من أن نسق (class) نص في منظومة سيميائية محددة هو نسق ينطبق على جميع أنماط هذه النظرية، وبذلك تتمكن فرضيات النظرية من أن تصف وصفاً شاملاً كل النصوص المحتملة.

    أما البعد الدلالي فيميز في منظومات العلامات تمعني العلامة (مُسمَّاها denotat) ـ أي: علامة تدل العلامة في منظومة بعينها؟ ومفهوم هذه العلامة (تعيينها)، أي التصور الذي تحمله والمعلومة التي تنقلها.

    ثم تأتي التداولية لتحدد رتب القيمة والمفهومية في العلامة والمعلومة التي يتلقاها من يتداولها.
    يُعرَّف فرديناند ده سوسير العلامة بأنها اتحاد لا ينفصم بين دال ومدلول، أي إنها وحدة ثنائية المبنى، ذات طرفين لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. الدال يحدده سوسير بأنه تصور صوتي سمعي يتشكل من سلسلة صوتية يتلقاها المستمع وتستدعي إلى ذهنه تصوراً ذهنياً مفهومياً هو المدلول، وبذلك تكون العلامة عند سوسير نتاج عملية نفسية. إلا أن أكثر السيميائيين الذي طوّروا أفكار سوسير يرون أن الدال حقيقة مادية محسوسة لا تقتصر بالضرورة على الأصوات ويمكن للمرء أن يختبرها بالحواس، وهذا المحسوس المادي يستدعي في ذهن المتلقي حقيقة أخرى غير محسوسة هي المدلول. وبهذا تكون العلامة بدالها ومدلولها حقيقة مادية محسوسة تثير في العقل صورة ذهنية، ولكن هذه الصورة هي صورة ذهنية لشيء موجود في الواقع. لكن السيميائية لا تهتم بقضية الحقيقة والبطلان، أي بمسألة مطابقة العلامة للواقع، وإنما تكمن القيمة السيميائية في العلاقة القائمة بين الدال والمدلول، دون التجاوز إلى العلاقة بين الدال والمدلول والشيء الذي تشير إليه العلامة، إذ إن هذه العلاقة الثلاثية تخرج من السيميائية إلى الدلالة.
    العلامة خاصتان أساسيتان. أولاهما اعتباطية العلامة، وتعني أن الدال والمدلول لا تربط بينهما علة من العلل سواء كانت منطقية أم طبيعية. وثانيتهما قيمة العلامة، وهي قيمة تنشأ من سببين: الأول وظيفة العلامة (الكامنة في تداوليتها) والثانية أشكال التشابه والاختلاف بينها وبين العلامات الأخرى (وهي قيمة مرتبطة بماهيتها).

    إن العلاقة يبن الدال والمدلول علاقة اصطلاحية، علاقة تواضع هي حاصل اتفاق بين المستعملين، وبضمن ذلك العلامات المعللة، أو العلامات الطبيعية. ويمكن للتواضع أن يكون ضمنياً أو ظاهرياً، ويبقى التواضع مفهوماً نسبياً خصوصاً عندما يتعلق بالتواضع الضمني. وللتواضع درجات، إذ يمكنه أن يكون قوياً، وجماعياً، ومُرغِماً، ومطلقاً كما في إشارات المرور، وفي الترقيم الكيميائي والجبري، وقوياً كما في قواعد الآداب العامة.

    تتآلف العلامات فيما بينها وفقاً لنوعين من العلاقات: أولهما العلاقات النظمية السياقية، وهي التي تقوم بين العلامات على المحور السياقي. وتنبع العلاقة النظمية السياسية من قدرة العلامات على التآلف على محور ذي بعد واحد يجعل العلامة ترتبط بأخرى في متتالية من علامات تنمي إلى المستوى السياقي نفسه.وثانيهما العلاقات الاستبدالية، وهي علاقة تقوم على المحور الاستبدالي، وتنبع من قدرة العلامات على تشكيل فئات وجداول، ترتبط وحدات كل جدول فيما بينها، ويمكن للواحدة منها أن تحل محل الأخرى إذا تبدل السياق.

    اتجهت سيميائية سوسير منذ البداية نحو اللغات الطبيعية، فقد رأى أن اللغة الطبيعية هي أكثر المنظومات تطابقاً مع السيميائية، ويرجع هذا إلى طبيعة العلاقة اللغوية الاعتباطية، وإلى أن اللغة يمكن أن تختزل في عدد محدود من العلامات المستقلة والمختلفة، وقد ترتب على ذلك أن اللغة تصلح أن تكون نموذجاً لكل الأنظمة الدالة غير اللغوية.
    يرى السيميائيون أن اللغة هي أهم منظومة من منظومات التواصل ذات فعالية في حقل المعرفة ـ وتدرس السيميائية اللغة من حيث علاقتها العامة مع غيرها من منظومات العلامات، وترى أن اللغة هي المنظومة الأمثل لأن العلامة فيها متميزة بوضوح تام، وتتشكل في منظومة عالية التنظيم، وتحتفظ بعناصر بنيتها الثلاثة التي تتميز بها كل منظومة علامات (السياقي والدلالي والتداولي). برزت سيميائية اللغة في أعمال ي. بنفينيست ول. بريتو في فرنسا، وأعمال كوريلوفيتش وي. بيلتس في بولندا، وف. مارتينوف ويو.ستيبانوف في روسيا.

    شغلت السيميائية حيزاً واسعاً في علوم الأدب خصوصاً في نظرية السرد، وقد برزت هذه السيميائية في أعمال يوري لوتمان في روسيا، وإيمبرتو إيكو في إيطاليا، ورولان بارت وجوليا كريستينا وتزيفيتان تودوروف في فرنسا، وغيرهم. وهي سيميائية تدرس النص الأدبي (وقد تمتد إلى النص الصحفي والقانوني والديني والفني والسينمائي والمسرحي..) لتبحث فيه على غرار بحثها في اللغة، فتحدد فيه علاماته وأنساق هذه العلامات وانتظامها في منظومة، وتنظر في طرفي العلامة (الدال والمدلول) انطلاقاً من أنهما طرفا العملية الإبداعية: التعبير والمحتوى (الظاهرة والجوهر)، ومن أهم أعلام السيميائية السردية رولان بارت وجوليا كريستينا.

    د. رضوان قضماني

    ——————————————————————————–
    النور- 311 (26/9/2007)

  3. استكمال للمصطلحات النقدية :

    الإحاطة : إدراك الشيء بكماله ظاهراً وباطناً.

    الاحتباك : هو أن يجتمع في الكلام متقابلان, ويحذف من كل واحد منهما مقابله, لدلالة الآخر عليه , كقوله:

    علفتها تبناً وماءً بارداً

    أي علفتها تبناً , وسقيتها ماء بارداً.

    (الاحتراس): هو أن يأتي في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفعه, أي يؤتى بشيء يدفع ذلك الإيهام, نحو قوله تعالى : ” سوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين “المائدة 54

    فإنه تعالى لو اقتصر على وصفهم ب ” أذلة على المؤمنين” لتوهم أن ذلك لضعفهم, وهذا خلاف المقصود , فأتى على سبيل التكميل بقوله ” أعزة على الكافرين”.

    الإحداث : إجاد شيء مسبوق بالزمان.


    (الإحساس):
    إدراك الشيء بإحدى الحواس, فإن كان الإحساس للحس الظاهر فهو المشاهدات , وإن كان للحس الباطن فهو الوجدانيات.

    الإخلاص : في اللغة ترك الرياء في الطاعات , وفي الاصطلاح : تخليص القلب عن شائبة الشوب المكدر لصفاته , وتحقيقه : أن كل شيء يتصور أن يشوبه غيره , فإذا صفا عن شوبه , وخلص عنه ما يسمى : خالصاً , ويسمى الفعل , المخلص : إخلاصاً , قال الله تعالى ” من بين فرث ودم لبناً خالصاً ” النحل 66 فإنما خلوص اللبن ألا يكون فيه شوب من الفرث والدم.

    وقال الفضيل بن عياض : ترك العمل لأجل الناس رياء ,والعمل لأجلهم شرك , والإخلاص الخلاص من هذين , وألا تطلب لعملك شاهداً غير الله.

    وقيل الإخلاص تصفية الأعمال من المكدورات.

    وقيل الإخلاص : ستر بين العبد وبين الله تعالى لا يعلمه ملك فيكتبه , ولا شيطان فيفسده, ولا هوى فيميله.

    والفرق بين الإخلاص والصدق : أن الصدق أصل وهو الأول , والإخلاص فرع وهو تابع.

    وفرق أخر : الإخلاص لا يكون إلا بعد الدخول في العمل.

    (الاستتباع) : هو المدح بشيء على وجه يستتبع المدح بشيء آخر.

    ( الاستخدام): هو أن يذكر لفظ له معنيان , فيراد به أحدهما , ثم يراد بالضمير الراجع إلى ذلك اللفظ الآخر , أو يراد بأحد ضميره أحد معنييه , ثم بالآخر معناه الآخر فالأول كقوله:

    إذا نزل السماء بأرض قوم….رعيناه وإن كانوا غضابا

    أراد بالسماء : الغيث , بالضمير الراجع إليه من رعيناه : النبت , والسماء يطلق عليهما , والثاني كقوله:

    فسقى الغضى والساكنيه وإن هم……. شبوه بين جوانحي وضلوعي

    أراد بأحد الضميرين الراجعين إلى ” الغضى” وهو المجرور في ” الساكنيه” : المكان , وبالآخر, وهو منصوب في ” شبوه” : النار , أي : أوقدوه بين جوانحي نار الغضى يعني نار الهوى التي تشبه نار الغضى.

    (استدلال): تقرير الدليل لإثبات المدلول , سواء كان ذلك من الأثر إلى المؤثر, فيسمى : استدلالاً أنّياً , أو بالعكس , ويسمى : استدلالاَ لمّيا,أو من أحد الأثرين إلى الآخر.

    تناص
    التناص مصطلح يقابله في اللغة الفرنسية (Intertextualité) وفي الإنكليزية (Intertextuality) وهو من المصطلحات والمفاهيم السيميائية الحديثة

    وهو مفهوم إجرائي يساهم في تفكيك سنن النصوص (الخطابات) ومرجعيتها وتعالقها بنصوص أخرى وهو بذلك مصطلح أريد به تقاطع النصوص وتداخلها ثم الحوار والتفاعل فيما بينها.
    وقد حدّد ثلاثة أشكال للتناص:

    1. تناص تطابقي فيه تطابق بين نصين.
    2. تناص انفصالي، فيه إعلان لموت النص الأول في النص الثاني.
    3. تناص النفي، موت النص الأول في النص الثاني.
    ، فإن ت. تودوروف أشار إلى المصطلح بصفة عرضية قائلاً “أنه من الوهم أن نعتقد بأن العمل الأدبي لـه وجود مستقل، أنه يظهر مندمجاً داخل مجال أدبي ممتلئ بالأعمال السابقة
    وعليه يتحول كلّ عمل فني يدخل في علاقة معقدة مع أعمال الماضي

    وفي بعض المعاجم العربية المختصة وغير المختصة، ذهب بعض الدارسين إلى اعتبار مصطلح السرقات (Plagiavius) الأقرب إلى لفظ التناص، وهو عند البلاغيين كأخذ قائل من قائل آخر معنى من المعاني وبعض لفظه أو أكثر من لفظه

    صورة أخرى للمصطلح في واقعه العربي، نلمحها لدى عبد الله الغذامي القائل بمصطلح “التداخل النصي” بحيث يعتقد أن “تداخل النصوص يتمّ عبر نصِّ واحدٍ من جهة ويقابله في الجهة الأخرى نصوص لا تحصى

    الصورة :

    مصطلح (الإقونة)، Icône
    أما عبد الملك مرتاض، وفي مساق حديثه عن هذا المفهوم السيميائي تنظيراً، ذهب إلى عدّ: الإيقونة “مصطلحاً دينياً مسيحياً أصلاً، ثم نقل إلى هذا المعنى السيميائي الذي يعني فيما يعني العلاقة التشبيهية مع العالم الخارجي”238.

    أنّ مصطلح الأيقون (Icône) لدى بيرس “يقوم على مفهوم التشابه والتماثل حين يتمّ التركيز على نقل ومحاكاة خصائص الشيء الموجود في العالم الخارجي، وتجسيدها كما تجسّد اللوحة الشخصية ملامح صاحبهاواستناداً إلى هذه القراءة للمصطلح، استخلص الباحث جملة من الملاحظات أهمها:
    1. أن العلاقة بين العناصر (الإيقون) قائمة على أساس درجة المحاكاة.
    2. أن التطابق بين العناصر أو اشتراكها يؤدّي إلى تطابق المحاكي والمحاكى.
    3. المؤشّر نوع من الإيقون.
    4. إنّ أي رمز، لا يصبح أيقوناً إلا بشرط العرف.
    أمّا خارج هذا الإطار، فقد أورد محمد مفتاح مصطلح “إيقونة” في مساق حديثه عن نماذج الإيقون بينها: “الإيقونة المطابقة” و”الإيقونة الاعتباطية


    لغة اللغة:

    مصطلح لغة اللغة من المصطلحات اللسانياتية، الأصل فيه أنه من المادتين (Mèta langage) و (Mèta langue) ، ككلمتين مسبوقتين بالسابقة (Mèta) التي تعني (ما بعد) أو (ما وراء)، وهي كذلك عنصر نحوي يحدّد ما فوق خلفه، وفوقي للغة (للسان)، أمَّا كلمة (langue) فتعني اللغة أو اللسان، بينما مصطلح (ميتا لونقاج) (Mèta langage) هو أسلوب ولغة تستعمل لوصف وشرح لغة أخرى طبيعية

    السرد/:

    والسرد مصطلحٌ أدبي فني هو الحكي أو القصّ المباشر من طرف الكاتب أو الشخصية في الإنتاج الفني، يهدف إلى تصوير الظروف التفصيلية للأحداث والأزمات. ويعني كذلك برواية أخبار تمت بصلة للواقع أو لا تمت، أسلوب في الكتابة تعرفه القصص والروايات والسير والمسرحيات.
    ويعدّ المفهوم من المفاهيم النقدية المستحدثة في الساحة النقدية العربية، ولذلك وجب فحص مدلولاته وضبطها في مثل هذه البحوث الأكاديمية أمرٌ سابقٌ لأوانه، أبرزها يعود إلى ترجمة مصطلح Rècit بشتى الترجمات هي السرد والحكي.

    وفي ضوء هذا التمييز حدّد ثلاثة مظاهر للسّرد1:ـ 1ـ الحكاية: وتطلق على المفهوم السردي أي على المدلول.
    ـ 2 ـ القصة: وتطلق على النص السردي وهو الدالّ.
    ـ 3 ـ القصّ: ويطلق على العملية المنتجة ذاتها، وبالتالي على مجموعة المواقف المتخيلة المنتجة للنصّ السردي.


    خطاب/ نصّ

    إنّ مصطلح خطاب من المصطلحات التي ولجت في الدّراسات النقدية الحديثة، وأصبحت أكثر تداولاً لدى النقاد المعاصرين العرب، نتيجة احتكاكهم بالتيارات النقدية العالمية، ورغبة منهم في تجاوز المفاهيم التقليدية، والسعي إلى آفاق المعرفية العلمية، ومحاولة تجاوز الإشكالية التي طرحها مفهوم (نص) من النصوص النقدية.

    فيحيل مفهوم النص ـ كما ورد في المعاجم العربية ـ على معنى الظهور والارتفاع والانتصاب وهو في معجم (لسان العرب)، يحمل دلالة الرفع حيث ورد نص الحديث ينصه نصاً، رفعه وكلّ ما أظهر فقد نُصّ… ويقال نصّ الحديث إلى فلان أي رفعه… والمنصة ما تظهر عليه العروس لترى، وكلّ شيء نصص فقد أظهره، وهناك لفظ النصّ والنصيص أي السير الشديد والحث، وأصل النص أقصى الشيء وغايته30.
    ويعني المصطلح في موضعٍ آخر لدى ابن منظور التحديد حتى يستخرج أقصى سير الناقة31، ومنه نصت الدابة السير إذا أظهرت أقصى ما عندها.
    وكان الزمخشري ضمن سلسلة طويلة من الأصوليين، الذين كان لـهم الفضل، في لفت الأنظار إلى دلالة المصطلح، فقد قرّر لغة، أنّ المصطلح يعني الارتفاع والانتصاب حيث أنّ الماشطة تنصّ العروس فتقعدها على المنصّة وهي تنصّ عليها أي ترفعها، ونص فلان سيداً كنص، ونصصت الرجل إذا أخفيته من المسألة ورفَعته إلى حدّ ما عنده من العلم حتى استخرجته، وبلغ الشيء نصّه أي منتهاه

    أمّا مصطلح (خطاب)
    ، وحيثما ورد في تضاعيف المعاجم العربية، فهو يحيل على الكلام34، وقد استمدّ دلالته المذكورة من السيّاق الذي ورد فيه القرآن الكريم، قال تعالى: “وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الحِكْمَة وَفصْلَ الخِطَابِ”35. وفي قوله عزّ وجلّ: “فَقَالَ أكْفُلْنِيْهَا وَعَزَنِّي فِي الخِطَابِ”36.
    ويورد الزمخشري تفسيراً في فصل الخطاب بأنه الكلام المبين الدّال على المقصود بلا التباس”37، وهو موسوم بالبيان والتبيان، وتجنب الإبهام والغموض واللّبس، فخلق بين المصطلحين (كلام وخطاب) تلازماً يوجب الكثير من الاستقصاء والفحص الدّقيقين.

    أمّا ابن جني، فقد عرّف الكلام، بأنّه لفظ مستقلّ بنفسه، مفيدٌ لمعناه، معتبراً أكمل داخل سياق الكلام هي الأخرى وحدات مستقلة على اختلال تراكيبها. وهو مذهب الشريف الجرجاني من الحديث عن المعنى المركّب. والآمدي الذي خصّ الكلام بمعنى الخطاب ثم التهانوي الذي دلل على الأصول الشفاهية للمصطلح، محاولاً إخراج لفظ الخطاب من كلّ ما يعتمد على الحركة والإيحاء والإشارة كوسائل للإفهام، كما أخرج أيضاً المهمل من الكلام، وكلّ كلام لا يقصد به في الأصل إفهام السّامع.

    أما مصطلح نص في اللسانيات، فهو مقابل للدّلالة اللغوية Texte، يدلّ على النصوص والمتون العائدة لمؤلّف ما، كما يحيل على النسج، بينما دلالته الاصطلاحية تحيل على سلسلة من الكلمات تؤلّف تعبيراً حقيقياً في اللغة
    وفي الثقافة الفلسفية وضمن أدبيات النقاد الغرب، فإنّ مصطلح خطاب برز في كتاب ديكارت خطاب في المنهج، للدّلالة على الخطاب الفلسفي في العصور الوسطى، وهي المرحلة التي سبقت عصر النهضة، وسرعان ما أصبح الخطاب في العصر الحديث يشكّل موضوعاً في الفكر الفلسفي الغربي والسيميائيات الحديثة.
    وهكذا، فإذا كانت بعض الدّراسات النقدية، تحدّد مصطلح “خطاب” بأنه “مقولة من مقولات علم المنطق، تعني التعبير عن فكر مستدرج بواسطة قضايا مترابطة

    وبخصوص التفرقة بين المصطلحين، لخص محمد مفتاح الموقف فيما يأتي:
    1 ـ أن النص “عبارة عن وحدات لغوية طبيعية منضدة متسقة،
    وأن الخطاب عبارة عن وحدات لغوية طبيعية منضدة متسقة منسجمة”
    2 ـ وقولـه “ونحن نجعل الخطاب أعمّ من النصّ، فالتخاطب أعمّ من التناص”

    ——–

    هناك بعض المصطلحات الفلسفية لكنها تعد كذلك مصطلحات نقدية ,ويستفيد بشكل عام الناقد الأدبي من الفلسفة والمنطق بشكل كبير .

    السوسيولوجيا:
    ( علم الاجتماع , من اللاتينية SSOCIETAS – مجتمع
    , واليونانية LOGS – – مبحث , علم ) علم , يدرس قوانين عمل المجتمع وتطوره , والعلاقات الاجتماعية . السوسيولوجيا بأنها تدرس المجتمع على أنه منظومة متكاملة, وتدرس بنية المجتمع الاجتماعية,

    ومختلف أنماط التفاعلات وأشكال العشرة بين الأفراد , وبين الأفراد والجماعات , وبين الجماعات والمؤسسات الاجتماعية وكذلك أنساق المعايير والقيم الثقافية.

    السكولائية( المدرسة , من اللاتينية SCHOLASTICUS – – مدرسي ) هي الفلسفة السائدة في إيديولوجيا المجتمع الاقطاعي بأوربا الغربية . ولم تكن السوكلائية متجانسة فكرياً , ولكن المثالية كانت المسحة الغالبة عليها . وقد ارتكزت المذاهب المدرسية إلى أفكار الفلسفة اليونانية ( أفلاطون , وخاصة أرسطو) والفلسفة العربية الإسلامية ( ابن سينا وابن رشد ) , المؤولة بروح المسيحية. وقد تمحورت اهتمامات المدرسين حول مشكلة العلاقة بين الايمان والمعرفة , الدين والعقل. وكان ثمة اتجاهان أساسيان داخل المدرسية – الاسمية والواقعية . وكان الارتباط الوثيق بالدين وراء ايغال المذاهب السكولائية في التجريد , وابتعادها عن الحياة الواقعية , وتجاهلها لدراسة الطبيعة دراسة تجريبية وصارت السكولائية مرادفاً للتنظير الجاف العقيم .

    الجشطلت: هذه الكلمة , ألمانية , ومعناها ( الشكل) أو الصيغة ثم أطلقت على مذهب مشهور في علم النفس , وفي التفسير الفلسفي للوقائع المادية والبيولوجية ومؤداه: التفكير في الظواهر لا بوصفها مجموعة عناصر في حاجة إلى الفصل والتحليل والتشريح ولكن باعتبارها مجموعات متصلة تكون وحدات مستقلة بذاتها وتظهر تماسكاً داخلياً تحكمه قوانينها الخاصة , وينتج عن ذلك أن شكل كل عنصر يعتمد على بيئة المجموعة التي ينتمي إليها كما يخضع للقوانين التي تخضع لها.

    المراجع

    التعريفات للسيد الشريف علي بن محمد الجرجاني
    البيان والتبيين للجاحظ
    مصطلحات نقدية – محمد عزام

    مصطلحات النقد العربي السيماءوي-الدكتور مولاي على بوخاتم
    ————-

Comments are closed.